التعصب الرياضي ظاهرة عالمية نشأت بنشأة الرياضة، التي أصبحت الرياضة الأولى والأوسع انتشارا في العالم كله، وتزداد حدة الظاهرة بمدى شعبية الرياضة التي ينتمي إليها الجمهور، فالتعصب الرياضي عند مشجعي المصارعة الحرة يأخذ الشكل العنيف، وردود الأفعال القوية، أما مشجعو رياضة تنس الطاولة فعادة ما يتسم تعصبهم بالكلاسيكية، أما الرياضات الشعبية مثل كرة القدم فيتسم جمهورها بالتعصب المتفاوت بين الشفهي والعنيف.
ويعتبر المتابعون أن التعصب الكروي من أشهر الأمراض العصرية، وأشهرها انتشارا في معظم دول العالم، وتزداد حدته تبعا لمدى اتسام المجتمع بالتقدم ، وتأخذ التعصب الرياضي أشكالا متعددة تبدأ بالهتاف أو التصفيق أو التشجيع، وأحيانا يصل التعصب الرياضي حد السباب والشتائم والاشتباكات العنيفة. وقد يتحول التشجيع إلى الابتعاد عن ممارسة الرياضة والابتعاد عن الفعل إلى المتابعة، وعن الممارسة إلى الاستماع، وبهذا يزداد من يعتقدون أن المدير الفني هو الدور الرئيسي، وأن اللاعب هو الاستثناء، وهذا يخالف القاعدة التي تفترض أن يكون المجتمع كله لاعبين رياضيين وليسوا متفرجين مشجعين، ولا ينفي ذلك أن تجتمع الصفتان في شخص واحد، فيكون لاعبا مدربا، ورياضيا مشجعا.
وتأتي أهمية البحث عن التعصب الرياضي في انتقاله ورائيا من الآباء للأبناء، فالأم تلقن أبناءها التشجيع الأعمى غير المبني على الوعي وثقافة الاختلاف منذ صغره، وقد تغرس فيه هذه القيم قبل ميلاده، فتصبح الشجرة مستمرة الأوراق منذ جذرها “الأب والأم” حتى أصغر فروعها “الأبناء والأحفاد”، ما يستدعي تأصيل الظاهرة والبحث في كيف علاجها.
استكشف هذه المقالة
التعصب الرياضي أسبابه وعلاجه
للتعصب الرياضي أسباب عدة، ترتبط في معظمها بالمستوى الثقافي والفكري للمشجعين، ولطبيعة الخطاب الإعلامي لرموز الرياضة وموجهي الرأي العام الرياضي، ويبرز قلة الوعي الرياضي كأهم سبب من أسباب التعصب الرياضي، وهو نتاج طبيعي لفقر الثقافة العامة عند اللاعبين وعدم اتساع فكرهم، ما يؤدي إلى ضعف استيعابهم ردود فعل الجماهير بسبب الضغوط النفسية، التي يتعرضون لها أثناء المباريات.
وتقوم الأنانية وعدم الإلمام الكافي بالمعاني الحقيقية للتنافس الرياضي، وانتشار النظرة الأحادية بين المشجعين على انتشار التعصب، ما يمنع من استقبال النقد والاستماع إلى وجهات النظر المتباينة، بل يصل الأمر للاشتباك والتلاسن مع الآخر.
ويزيد من حدة التعصب التأثر السريع بالإعلام غير الهادف، خاصة إذا أخذ حيزا قيما من أعمدة الصحف والمواقع الإخبارية والقنوات الفضائية، ويزيد من حدتها أن يتصد المشهد قليلو الثقافة، ضعيفو الوعي، ضيقو الأفق، الساعون لتغليب مصلحتهم الشخصية على مصلحة الوطن والوحدة الوطنية. ولعلاج التعصب الكروي يجب اتباع روشتة علاجية بعضها وقائي وبعضها علاجي، أما الوقائي الذي يمنع وقوع التعصب فمعظمه معرفي عقلي، يبدأ بتحكيم العقل قبل الإقدام على ارتكاب أي تصرف، والتفكير مليا في عواقب أي فعل أو رد فعل.
وحتى تتجنب التعصب الكروي، كوِّن معرفة عميقة بالمعاني الحقيقية للتنافس الرياضي الشريف وثق أن الرياضة تحتمل الأوجه كلها، فوزا وخسارة وتعادلا، يحقق فيها الفريق بطولات ويفشل في الحصول على غيرها؛ إذ إن الحياة لا تمر بانتصارات دائمة أو إخفاقات دائمة. آمِن أن الرياضة وسيلة لإسعاد الناس، وليس لزرع الأحقاد بينهما، وأن هدف الرياضة هو الخير ونشر القيم وبناء جسور الأخلاق في المجتمعات، ولتدرك أن الرياضة وسيلة لتكوين العلاقات القوية بين الرياضيين بما يحقق الغايات النبيلة للتنافس الشريف.
ثق أن الرياضة ليست أهم شيء في الحياة، وأنها وسيلة لنشر البهجة وتخفيض الضغوط الحياتية عن المشجعين، وبالتالي فإنها تخفيف للحياة وليست الحياة.
اعلم أن التعصب الرياضي مذموم شرعا، ويصل حكمه إلى التحريم؛ إذ إن التقاطع والتدابر والتسابَّ بين الناس تقطع الأواصر التي أمر الله بها أن توصل، ويفتح الباب لشق الصف الوطني وإحداث الفرقة بين الأقارب والأصدقاء.
أضرار التعصب الرياضي
- أثبتت دراسة علمية بريطانية أن المتعصب الكروي تزداد معدلات الضغط والسكر لديه وتزداد نبضات قلبه، ما قد يؤدي لتوقف القلب إذا وصت النتيجة للهزيمة.
- ويؤدي التعصب الرياضي إلى نشر الحقد والكراهية بين المتعصب ومشجعي الفريق الآخر، ويمنع من التواصل الثقافي بين الشعوب وتبادل الأفكار والخبرات.
- كما يؤدي التعصب الرياضي إلى انتشار الأمراض النفسية والعضوية المترتبة على الفرح لشديد أو الغضب الشديد، كمرض السكري والضغط والسكتات القلبية والجلطات الدماغية بين الجماهير المتعصبة.
- وتنتشر الشائعات والأراجيف بفعل القنوات والمواقع والصحف التي تنقل أخبار التعصب الرياضي، ما يزيد الأمر سوءا ويزيد الشقاق والفرقة بين مواطني القطر الواحد والدين الواحد، وقد يصل الأمر إلى أبناء الأسرة الواحدة.
- ويصل الأمر حد الإضرار بالمنشآت العامة وتحطيم المقاعد وإتلاف الإستادات وتكليف النادي خسائر مالية ضخمة، تهلك المقدرات وتذهب بالمنشآت العامة والخاصة.
علاج التعصب الرياضي
وللتعصب الكروي روشتة علاج، قاعدته الحاكمة إعمال العقل والسعي لتغيير القناعات، ورفع الثقافة التوعوية بين الجماهير، وتصدير الرموز صاحبة العقل في المنافذ الإعلامية المختلفة، وهذه أبرز الأدوية لعلاج التعصب الرياضي:
- عقد لقاءات ودية دورية بين جميع الفرق، يتم بثها على القنوات الفضائية بهدف نزع التعصب والعنف من الملاعب الرياضية، وإرساء مفهوم الرياضة للإمتاع، عبر ندوات تثقيفية تحارب التعصب.
- تدخل الحكومات في إبعاد كل من يساعد على نشر التعصب الرياضي، واستبدال الإعلاميين غير الواعين بآخرين على وعي بتوجيه الرأي العام نحو نبذ العنف والتعصب.
- نشر الثقافة بين المشجعين، خاصة الشباب منهم عبر المدارس والجامعات ومراكز الشباب والتجمعات الشبابية مع الاعتماد على المدربين والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس، وتثبيت فكرة تقبل الهزيمة والفوز وعدم الاعتداء على حرية الآخرين في الانتماء والتعبير.
- توعية اللاعبين بأن ردود أفعالهم تساهم في نشر التعصب أو تحجيمه، وتحذيرهم من ارتكاب أفعال توصل فكرة التعصب كالاعتراض على الحكام والتعدي على لاعبي الفرق المنافسة.
- تصدير أصحاب الأخلاق في الإعلام مع التنبيه على نبذ العنف باعتبارهم قدوة للجميع، واستضافة المميزين منهم على شاشات التلفزيون، وإفساح المجال لهم للكتابة على جداريات المواقع وأعمدة الصحف.
- اعتماد اتحادات الألعاب مبدأ الشفافية في عرض القضايا؛ منعا لوقوع صدامات بسبب القرارات العشوائية للاتحادات التي تشعل الغضب الجماهيري والغضب الشعبي.
- ضرورة البحث في الأسباب التي تؤدي لوصول الغضب الجماهيري حد تحطيم الملاعب وتكسير المقاعد وأحيانا الاعتداء على اللاعبين باختراق ميادين المواجهات باعتبار الموضوع قضية أمن قومي يجب التصدي له.
- انتهاج السلطات السياسية سياسة إشراك الشباب في القرارات السيادية والحياة المجتمعية وعدم تسفيههم؛ لأنهم سلاح الأمم وعدة المستقبل، والسيف الذي يواجه من يكيد المكر للدول والمجتمعات، وهم الصمام الحقيقي لتحقيق أي نهضة سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية.
- الابتعاد عن مجالسة المتعصبين الرياضيين في أي مجال؛ لأن المتعصب كالتفاحة الفاسدة لا تقف عند نفسها، وكنافخ الكير الذي يحرق ثياب المارة أو يزعجهم بالرائحة الكريهة.
- لا تتابع الإعلاميين المتعصبين، ولا تقرأ لنافخي الفتنة منهم، سواء أكان هذا عمدا أو جهلا؛ لأن المتابعة كالنحلة لا تترك المرء حتى تلدغه، لكنها لا تموت بل تتجدد خلاياها كلما زاد عدد متابعيها، وإن انفضوا من حولها تحولت كالوردة التي تذبل فتقع أرضا ولا يبقى منها غير هيكلها الجاف.
أضف تعليق