ظاهرة الباريدوليا هي ظاهرة نفسية شائعة ترتكز على الاعتقاد بأن المؤثرات العشوائية المبهمة قد تكون مهمة ولها دلالة قوية في عالم الواقع، وذلك مثل تخيل صور للطيور والحيوانات في السحاب أو سماع أصوات مخيفة في التسجيلات عند تشغيلها بشكل عكسي، وقد تجلت ظاهرة الباريدوليا بشكل واضح للعيان في العديد من الظواهر الدينية وذلك مثل رؤية لفظ الله على العديد من الخضروات والمنتجات أو رؤية وجه السيدة العذراء أو المسيح، وهناك أيضا ظاهرة شجرة القرد الشهيرة حيث رأي الكثير من الناس وجه القرد في جذع شجرة مما أدى إلى تأليه القرد من قبل هؤلاء الناس.
استكشف هذه المقالة
معنى الباريدوليا
معنى الباريدوليا هو قيام العقل بتفسير بعض الأشكال الغير منتظمة على أنها أشكال معروفة لنا وذلك كأن يرى الفرد زخارف عشوائية فيتبين من خلالها أنها على هيئة وجه إنسان وذلك على الرغم من أن الزخارف لا تحتوي على أي وجه، وهناك أيضا أمثلة أخرى على ظاهرة الباريدوليا وهي أن تستمع إلى صوت أحدهم يتحدث عبر الهاتف أو يأتيك صوت أغنيتك المفضلة عبر صرير الماء عند الاستحمام، ومن الجدير بالذكر أن أشهر حوادث ظاهرة الباريدوليا كانت عام 1977 وذلك عندما رأت المكسيكية “ماريا روبيو” وجه المسيح على قطعة من الخبز، وقد أدت شهرة تلك الحادثة وسرعة انتشارها إلى ظهور الكثيرين الذين اعتقدوا بأنهم رأوا وجوه المشاهير في أطباق الطعام الخاصة بهم، مثل الأم تريزا الرئيس الأمريكي “رونالد ريجان” .
تعرف على ظاهرة الباريدوليا
ظاهرة الباريدوليا التي ترتكز على خطأ التصور والتفسير من قبل العقل البشري لا تأتي من فراغ ولا تصيب الفرد من قبيل الصدفة وإنما هناك تفسير لتلك الظاهرة وهي أن الفرد الذي يتخيل تلك الظاهرة باستمرار يأتيه ما يسمى بالاستسقاط البصري؛ والاستسقاط يحدث بسبب حالات بعينها: مثل هوس الفرد بالخوارق والأشياء الغير طبيعية وذلك مثل إيمانه التام بوجود الأشباح والأرواح والجن مثل هذه الاعتقادات عندما تترسخ بقوة في عقل الفرد ووجدانه يكون الأكثر عرضة لظاهرة الباريدوليا، وهناك أيضا هوس الفرد واقتناعه التام بنظرية المؤامرة؛ كأن يكون على يقين بأن أحدهم يتربص به أو أن الكون كله يتآمر عليه وهنا يرى هذا الشخص أن كل الأرقام والأحداث التي تصيبه لها دلالة قوية وعلاقة شديدة بذلك الذي يود التآمر عليه.
الباريدوليا النفسية
الباريدوليا النفسية هي نوع شهير من الوهم وعدم القدرة على الإدراك والتي تنطوي بشكل رئيسي على محفز غامض ومبهم تبدو فيه الأشياء على غير حقيقتها، ومن الجدير بالذكر أن الباريدوليا تقدم تفسيرا نفسيا للكثير من الأوهام التي تستند على الإدراك الحسي، وفي الظروف السريرية أو الإكلينيكية يشجع بعض علماء النفس ممارسة الباريدوليا وذلك كوسيلة مهمة لمحاولة فهم المرضى، ويُذكر أن عالم الفلك “كارل ساجان” ذكر أن ميل الإنسان لرؤية وجوه غير موجودة هو سمة تطورية كما يعد مهارة راسخة ومتجذرة في عقولنا منذ نعومة أظافرنا، ولذا يجب الاستفادة من هذه الظاهرة في الكثير من التجارب العلمية، وهناك العديد من العلماء الذين عارضوا رأي ساجان فظاهرة الباريدوليا من الممكن أن تكون سمة تطورية أو ظاهرة سليمة في حال اقتصرت على رؤية وجوه أو أشكال غير موجودة ولكن ماذا عن الاعتقاد برؤية الأشباح والشياطين وغيرها من الرؤى التي تتحول إلى وضع نفسي مرضي يجب على إثره استشارة الطبيب النفسي المختص.
ومن الجدير بالذكر أن هناك بعض الباحثين والمتخصصين في علم النفس الذين قاموا بالربط بين ظاهرة الباريدوليا وعلم الفراسة بطريقة غير مباشرة حيث رأى هؤلاء المتخصصون أن ظاهرة الباريدوليا تنجم بشكل رئيسي من تراكمات مخزونة شبيهة بالذاكرة العشوائية للعقل البشري، والذي بدوره يحاول بشكل مستمر تقريب وتشبيه المواد التي تراها العين والصور الخارجية لتسهيل عمله كما يقوم العقل بفرز ما يستقبله من صور وأنماط ليبحث لها عن مجموعات وتقسيمات موجودة سالفا.
الباريدوليا خوارق طبيعية أم أوهام تخدع الناس
الباريدوليا هل هي خوارق طبيعية أم أوهام تخدع الناس؛ الحقيقة أن ظاهرة الباريدوليا هي وهم ولأن الخرافة أكثر ترسخا من الحقيقة ولأن الأشخاص بطبعهم يميلون بشكل فطري إلى تصديق الأمور الغيبية والأوهام فكل ما نحتاج إليه هو شخص واحد قادر على نشر وهم أو خرافة يمكنها أن تستمر لأجيال تالية وذلك على غرار ما حدث عام 2007 من الصور التي توهم الناس أنها تحمل لفظة الجلالة فقد استمر تأثير تلك الصور حتى وقت قريب وهو ما يؤكد نظرية أن الوهم أكثر ترسخا من الحقيقة وأن خداع الناس ليس بالأمر الصعب على الإطلاق وخصوصا لو كان للأمر علاقة بالخوارق الطبيعية؛ ووفقا لعلماء النفس ولأن البشر مع انتشار التكنولوجيا أضحوا يشعرون بعدم السيطرة على أمور حياتهم وبأنهم أصبحوا قليلي الحيلة إلى حد بعيد ساد بينهم الميل إلى تصديق وجود الخوارق الطبيعية.
علاج الباريدوليا
علاج الباريدوليا يجب أن يبدأ في اللحظة التي يتمكن فيها الاضطراب النفسي من الفرد وفي حال سيطر وهم الباريدوليا على المريض مثل إصراره على رؤية أشباح في المنزل أو إصراره على سماع أصوات بشرية أو غير بشرية محيطة به، ومن الجدير بالذكر هنا أن ظاهرة الباريوليا ليست قاتمة على طول الخط، فهناك حالات بعينها يتم فيها استخدام الباريدوليا كعلاج نفسي كما سلف الذكر، وهناك أيضا حالات أخرى لها تتسم بالإيجابية؛ فقد ذكر الدكتور ” لبيتر براغر” دكتور طب الأعصاب بمستشفى زوريخ الجامعي أن الميل إلى رؤية الروابط بين الأشكال والصور والتي تبدو غير ذات صلة ترتبط بشكل وثيق بالقدرة على الإبداع وتشير الأبحاث التي أجراها براغر إلى أن محاولات الأشخاص لإيجاد معنى للصور والأشكال المختلفة يعكس مستوى عالي من الدوبامين ؛ والدوبامين هو مادة كيميائية تتفاعل في المخ البشري لتؤثر على الإحساس والسلوك والتوجيه والإدراك ويؤثر الدوبامين بشكل أساسي في عملية الإحساس بالسعادة والمتعة.
اختبار بقعة الحبر
اختبار بقعة الحبر يعد من أهم الاختبارات الإسقاطية التي تم اكتشفها إلى الآن، وهي عبارة عن بقعة من الحبر تم وضعها من قبل العالم رورشاخ ذات أشكال تجريدية منظمة ومدروسة بشكل دقيق يطلب من الفرد تحليل تلك الأنماط وتفسيرها، ويُذكر أن رورشاخ كان يعتقد بفرضية نفسية ترتكز على أن إدراك اللون والحركة يعكس الكثير من طبيعة الشخصية وبالتحديد الانفتاح والانطواء، ويعتمد هذا الاختبار بشكل أساسي على 10 بطاقات وتحتوي كل بطاقة على بقعة حبر داكنة متناظرة بشكل محوري، وهناك أيضا ورقة للفرز تضم 6 صفحات مصحوبة بكتيب صغير يشرح كيفية استعمالها، هذا عطفا على كتاب التشخيص النفسي الذي قام بتأليفه هرمان رورشاخ والذي يشرح ويحلل الاختبار، وشروط تطبيق الاختبار هي؛ توفر مكان هادئ ومريح ويجب أن يحتوى المكان على طاولة وكرسي لإجراء الاختبار، كما يجب أن تكون هناك ساعة لحساب الوقت الذي أخذه الفرد للإجابة على الاختبار، يُطلب من الفرد الذي سيقوم بالاختبار ترتيبها من الأولي إلى العاشرة بشكل تصاعدي، ويجب أن تكون البطاقات موضوعة بشكل مقلوب على الطاولة، يجب أن الفرد الذي يقوم بالاختبار أن يقوم بالاضطلاع على كل بطاقة على حد فلا يجب فتح البطاقات العشرة مرة واحدة، وبعد إجراء الاختبار ووفقا للإجابات المختلفة سوف يتم تقييم الأفراد كل على حسب استجابته.
ختاما يتجلى لنا بوضوح من دراسة ظاهرة الباريدوليا بأن عقل الإنسان لا زال يملك الكثير من الأسرار التي لم يتوصل العلم إلى جزء بسيط منه، فظاهرة نفسية كهذه تختلف من شخص لآخر، وتعطي انطباعا مختلفا كل مرة، فهذا إن دل على شيء إنما يدل على أننا أمام ظاهرة يجب الاستفادة منها ولكن إن بقيت في معدلها الطبيعي ولم تنجرف لتصل إلى المستوى المرضي.
أضف تعليق