يُعتبر التذوق الأدبي أحد المكملات الرئيسية لعملية القراءة في مجال الأدب، فعندما يقرأ الشخص يكون هدفه بالتأكيد تحقيق أقصى استفادة ممكنة، لأن القراءة كما نعرف جميعًا هي غذاء العقل والروح، تمامًا كما يكون الطعام غذاء الجسم، لكن البعض قد يُضيع فائدة الساعات الطويلة التي يقضيها في القراءة فقط لمجرد أنه لم يتذوق ما يقرأ أو يُعطيه حقه، فعملية التذوق تلك واحدة من أهم العمليات بشكل عام، وبالطبع ليس هناك دليل أكبر من الطعام، فإذ لم تتذوق طعامك فسوف يكون هو والعدم سواء، وكذلك القراءة، ولكي نكون مُفيدين أكثر، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على التذوق الأدبي ووسائله، والأهم من ذلك، الفائدة التي سنجنيها جراء ذلك التذوق.
استكشف هذه المقالة
مفهوم التذوق الأدبي
تذوق الشيء يعني استطعام مذاقه ومعرفة هل هو جيد أم سيء، وإن كان جيدًا فما هي نقاط القوة، وإن كان سيئًا فما هي نقاط السوء، وكذلك الأمر تمامًا بالنسبة للقراءة، فالعمل الأدبي يكون مُغلفًا ومُغلقًا، ثم يبدأ أكثر من شخص في مطالعته في وقت واحد بمكان مثل المكتبة مثلًا، وبعد القراءة تكتشف أن كل شخص قد كون فهمًا مختلفًا عن الآخر، وهنا يمكن القول ببساطة أن كل شخص منهم قد تذوق ما قرأ على طريقته، مثلما يُحب أحدهم طعامًا يكرهه الآخر والعكس.
مفهوم التذوق الأدبي تقريبًا شبه مُتفق عليه، فهي ملَّكة مُكتسبة يتمكن الفرد من خلالها التعبير عما يقرأه وحصر مزاياه وعيوبه وكذلك الإحساس بمواطن القوة والضعف، ومواطن القبح والجمال، وكذلك يمكن تعريف التذوق الأدبي بأنه حالة من السعادة البالغة التي تنشأ لدى الشخص بعد القراءة بسبب فهمه للنص أو إدراكه لما أراد الكاتب أن يوصله بما كتب، والواقع أنه بالرغم من اختلاف التعريفات واتحاد المفاهيم إلا أن التذوق الأدبي نفسه قد يختلف من شخص إلى آخر، فكما ذكرنا، العمل الذي تشعر بمذاقه ويُعجبك قد أشعر بمذاقه أنا أيضًا لكنه لا يُعجبني.
أهمية التذوق الأدبي
للتذوق الأدبي مهمة شقة تقع على عاتقه، وهي إصدار الأحكام على النصوص، لكن هذه ليست المهمة الوحيدة بالتأكيد، فإذا تعمقنا أكثر فسوف نجد أنه ثمة مهام أخرى يختص بها ذلك النوع الهام من المُتع، أجل، فالتذوق الأدبي مُتعة لا يستغلها البعض بسرعتهم الزائدة عن الحد أثناء القراءة وعدم استخدام عقلهم بالشكل الكافي، ولنبدأ معًا أهمية وفائدة التذوق الأدبي بالفائدة الأهم، وهي إصدار الأحكام على النصوص.
إصدار الأحكام على النصوص
قراءة النصوص قراءة عابرة دون وجود التذوق الأدبي تُسمى بالمطالعة، والمطالعة في الحقيقة كالمُخدر الذي يدخل الجسم فيؤثر فيه لفترة قصيرة ثم يزول ذلك التأثير وكأن شيئًا لم يكن، الأمر الآخر أن المطالعة لن تُعطيك فرصة إصدار الأحكام على النصوص التي تقرأها، بمعنى أدق، سوف تكون قراءتها والعدم سواء، وهذا ما سوف تجيد نقيضه تمامًا عندما تستخدم التذوق الأدبي، حيث أن كل شيء سوف يبدو وكأنه تحت سيطرتك، وسوف تستطيع استخراج مواطن القوة ومواطن الضعف، وبالتالي إصدار حكم شامل على العمل، وهذا ما يبتغيه أي شخص يقرأ أي عمل بالتأكيد.
تنمية حس القارئ
القارئ الذي لا يستخدم التذوق الأدبي في كل ما يقرأه يظهر وكأنه لا يقرأ شيء، وإذا قلنا إن القراءة غذاء للروح والحس فيجب علينا كذلك أن نقول بأن ذلك الحس لا يُمكن تنميته إذا ما استخدمنا أسلوب المطالعة السريع الذي يعتمد على المتعة الوقتية أو حصد أكبر قدر من المعلومات في وقت قصير، تلك المعلومات التي تضيع هباءً بنفس السرعة التي جاءت بها، ولذلك نجد أن الشخص المُتقن للتذوق الأدبي يستطيع تنمية الحس لديه بخلاف غير المتقن له.
المساعدة في الاستيعاب
الاستيعاب من خلال القراءة السريعة شيء والاستيعاب الذي يأتي بعد التذوق الأدبي شيء آخر مختلف تمامًا، فإذا قلنا مثلًا أن شخص قرأ كم كبير دون تذوق أدبي، وآخر قرأ كم كبير وراعى خلال القراءة التذوق الأدبي فإن الأخير بالتأكيد هو الأكثر حظًا واستيعابًا، ولا يعيب ذلك الأمر صاحب القراءة السريعة في شيء وإنما فقط يُزيد من قيمة التذوق الأدبي.
تهذيب الأفكار
الأفكار كالأجنحة، تحتاج دائمًا إلى تهذيب وتعقل، ولا يمكن أبدًا أن يتم ذلك الأمر من خلال القراءة السريعة، وإنما يجب إعمال التذوق الأدبي وتحكيمه في القراءة من أجل أن تلقى الأفكار التهذيب الذي تستحق، فالتذوق يُصقل الإنسان ويُزيد من مكانته، بخلاف القراءة السريعة التي تُبلي بلاءً حسنًا فقط عند إيصال المعلومة.
الاستمتاع بالجمال الموجود
لكل عمل أدبي نصيب ليس بالقليل من الجمال، أصلًا الجمال شرط أساسي في كتابة الأعمال الأدبية، لكن ذلك الجمال قلما يُمكن استكشافه بدون استخدام التذوق الأدبي، فهو الذي يمنحك فرصة في البدء للتذوق، ومن ثَّم اكتشاف وجود الجمال في النص من عدمه، وأخيرًا الاستمتاع بذلك الجمال بأقصى صورة ممكنة، وكل ذلك لن تكفله القراءة السريعة التي تقترب من المطالعة بأي شكل من الأشكال.
تحسين اللغة وجمالياتها
من المعروف أن اللغة العربية هي لغة القرآن ولغة الإسلام الذي نزلت بها الرسالة، لكن البعض قد لا يُتقنون اللغة العربية أو على أقل تقدير يُتقنون ما يجعلهم قادرين على القراءة والكتابة فقط، ولهذا كان التذوق الأدبي الخيار الأمثل لهؤلاء، فهو يُعطيهم فرصة للتذوق والإبطاء للاستمتاع، وبالتالي فإنه يُساعد كذلك في استكشاف اللغة والجماليات الموجودة بها، ومع الوقت ينقلب ذلك الاستكشاف إلى تحسن، وتُصبح اللغة العربية عند القراء المتذوقين أفضل ممن سواهم، ونحن بالتأكيد لا نتحدث عن قواعد النحو والكتابة فقط، وإنما أيضًا الجماليات من أساليب بلاغية وما شابه.
تذوق الأدب طرقه ووسائله
بعد تناولنا سويًا فوائد وأهمية التذوق الأدبي فإنكم جميعًا الآن بالتأكيد تتوقون إلى تعلم كيفية التذوق الأدبي، وهل هذا أمر يمكن للجميع فعله أم أن قلة قليلة فقط هم من يُمكن أن يختصوا بهذا الأمر؟ والحقيقة أن الإجابة تكمن في إمكانية ممارسة أي شخص للتذوق الأدبي وإتقانه، فالأمر هنا مثل أي شيء آخر، لا يحتاج سوى لبعض الوسائل والطرق الخاصة، والتي على رأسها بالطبع القراءة المُتأنية.
القراءة المُتأنية
تُعتبر القراءة المُتأنية أحد أهم طرق التذوق الأدبي التي يُمكن الاستعانة بها من أجل الحصول على المزايا والفوائد السالف ذكرها، فالقراءة السريعة، والتي وصفناها قبل قليل بالمطالعة العابرة، هي التي تقتل إمكانية التذوق الأدبي لدى الشخص، لذلك من البديهي أن تكون القراءة المتأنية هي النقيض لذلك الأمر، والحقيقة أننا لا نعني مجرد القراءة المتأنية فقط، بل تلك التي يشوبها التركيز الشديد، فهما أمران يُكملان بعضهما ويُعتبران معًا من طرق ووسائل التذوق الأدبي.
الحصول على الهدوء
لكي تتذوق القراءة الأدبية أو القراءة بأي شكل من الأشكال فإنك مُطالب بتوفير لنفسك قدر كبير من الهدوء، فالضوضاء هي العنصر الأول الذي يُسهم في إخراج الشخص من تركيزه، وبالطبع أنتم تتوقعون من الشخص المُشتت تركيزه أن يتذوق الأدب بأي طريقة، بل هو أصلًا لن يستطيع أن يتذوق الطعام في وسط حالة الفوضى تلك، ولذلك، يُنصح الأشخاص الراغبين في الحصول على فرصة التذوق الأدبي بأن يذهبوا إلى مكان يمكن فيه الحصول على قسط من الهدوء وعدم الإزعاج، ولنا في المكتبات الكُبرى خير دليل، فبالطبع أنتم تلاحظون اللافتة التي تُعلّق على أبواب المكتبات ويكون فحواها النصح بعدم الإزعاج لمنح القارئ قدرة أكبر على التركيز، وبالتالي التذوق المنشود.
تكوين خلفية ثقافية بسيطة
في الحقيقة ربما سيُدهشكم ذلك، لكن، من ضمن الشروط أو الطرق التي يمكن من خلاله التذوق الأدبي للعمل هو أن يكون ذلك الشخص الذي يقرأ على قدر ليس بسيط من الثقافة الشاملة، فعندما تقرأ كتاب يتناول حدث تاريخي مثلًا فإنه من الأفضل لك أن تكون مُلم بالخيوط العريضة لذلك الحدث، وأن تعرف على الأقل أبسط المعلومات عنه حتى تكون قادرًا على الحكم على ما ستقوم بقراءته، وبالتالي تذوقه تذوقًا صحيحًا لا تشوبه شائبة، وهذا ما لن يتوفر بالتأكيد إذا كنت غير مُلم بأي جانب من جوانب الموضوع الذي ستقرأه أو حتى تعرف أبسط التفاصيل عنه.
البحث في التفاصيل
التذوق الأدبي حالة لن تعيشها إلا إذا تتبعت التفاصيل، فالفارق أصلًا بين القارئ المتذوق والقارئ العادي أن القارئ العادي يقرأ دونما تركيز أو انتباه لما يُقال في الكتاب من أفكار، أما القارئ المتذوق فهو كما يقولون يعرف من أن تُأكل الكتف، ويعرف النقاط التي يدور حولها الكتاب وأين يضع الكاتب فكره وفلسفته، كل هذه تفاصيل لا يمكن الحصول عليها أبدًا بسهولة، لكن المتذوق الحقيقي لابد أن يتقن مهارة تتبع هذه التفاصيل، أجل هي مهارة، ولن نبالغ إذا قلنا أنه من الصعب اكتسابها، لكنها تبقى قائمة كأحد أهم طرق ووسائل التذوق الأدبي المرغوب فيه.
مهارات التذوق الأدبي
هل تعرفون أن التذوق الأدبي مهمة مدرس مادة الأدب في المدارس والجامعات؟ عمومًا، إذا كنتم لا تعرفوا ذلك فها نحن نُخبركم به، والحقيقة أن مُعلم الأدب هذا كي يُكسب طلابه ملكة التذوق الأدبي فإنه يجب أن يتمتع بعدة مهارات يستطيع من خلالها إكساب الطلاب القدرة على التذوق، أو بمعنى أدق، يتمتع بمهارات تذوق يمكن نقلها للآخرين.
الوحدة الموضوعية
الوحدة الموضوعية من أهم هذه المهارات التي نتحدث عنها، وإذا أردنا مزيدًا من التدقيق فإن تحديد وحدة الموضوع من أهم مهارات التذوق على الإطلاق، حيث أن الموضوع إذا كان مُشتتًا غير مفهومًا فسوف يودي بقارئه إلى الضياع الأدبي، وليس التذوق الأدبي كما نبغي، ومن هنا تظهر أهمية القدرة على الوحدة الموضوعية كمهارة أصيلة في التذوق.
تحديد العلاقة بين الفكرة والصياغة
العلاقة بين الفكرة والصياغة شرط أساسي في التذوق، والحقيقة أن من يستطيع تحديد هذه العلاقة فإنه بالتأكيد مالك لإحدى أهم مهارات التذوق الأدبي وأكثرها طلبًا، فالكثيرون يقرأون أفكار جيدة دون ويعتقدون أنها بلا صياغة، أو العكس مثلًا، وفي كلا الحالتين يعجزون عن التذوق الأدبي، أما الذين يستطيعون وضع أيديهم على العلاقة فهم يقدرون بسهولة على التذوق الأدبي المنشود.
فهم الرمزيات وتفسيرها
أن تفهم الرمزيات الموجودة في العمل فهذا شيء هام جدًا، لأنه وببساطة باب من أبواب تذوق العمل الأدبي مهما كان، وكذلك الأمر بالنسبة للإسقاطات وما شابه، لكن الجهل بهذه الأشياء يُعيق حركة التذوق الأدبي بشكل كبير، هذا إذ لم يكن يمنعها نهائيًا.
أضف تعليق