الاقتصاد الإسلامي هو جملة الأسس والمبادئ الاقتصادية _ذات المنطلق العقائدي والصِبغة الأخلاقية_ والتي يفترض بها أن تحكم مسيرة النشاط الاقتصادي في الدول التي ارتضت نظام التشريع الإسلامي نظاما قانونيا لها. وهذه الأسس والمبادئ مردها الأساسي ما جاء به النص القرآني وفي الأحاديث النبوية، والتي يرى معتنقوها صلاحيتها المطلقة في الزمان والمكان، كما يرون إمكانية تطبيق هذه المبادئ والأسس بسبل مختلفة تتلاءم مع السياق الزماني والمكاني، بالطبع مع الحفاظ على هذه المبادئ والأسس. ويرى متبنوا فكرة الاقتصاد الإسلامي أنه اقتصادا من شأنه معالجة مشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية في إطار المنظور الإسلامي العام للحياة.
ما هو الاقتصاد الإسلامي ؟ وكيف يختلف عن الاقتصادات الأخرى؟
حدود الاقتصاد الإسلامي
يحد الاقتصاد الإسلامي معْلَمَيْن أساسيين:
- ملكية المال: المال لله، وما الإنسان سوى خليفة الله فيه، ومن ثم فالإنسان مساءلٌ في الآخرة من الله عن هذا المال إنفاقا وكسبا، ومسائل في الدنيا من الناس. فلا يجوز كسب المال أو إنفاقه فيما يغضب الله أو فيما يضر بمصالح الناس.
- دور المال: ليس المال سلعة من السلع يجري عليه ما يجري عليها من بيع وشراء وتأجير، وإنما المال وسيلة لتقدير قيمة السلع وأداة للمبادلة التجارية. وإلا كان ربا الفضل في حالة بيعه أو شراءه، أو كان ربا النسيئة في حالة تأجيره… وليس خفي أن الربا من كبار المحرمات التي حذر منها الإسلام.
أبرز خصائص الاقتصاد الإسلامي
تتمثل أبرز خصائص الاقتصاد الإسلامي في خمس بنود عناصر رئيسة، هي:
الشروط الواجب توفرها في كل من البائع والمشتري والمبيع
وهي شروط عشر، اختص البائع والمشتري منها بثلاثة، واختص المبيع بسبع. ويمكن تلخيصها كالتالي:
- البلوغ: وهو عدم جواز البيع والشراء أو الأخذ ببيع وشراء من لم يبلغ الحلم، وبالرغم من إجازة الشرع للصغير بشراء الأشياء اليسيرة، إلا أنه لم يجز الأخذ ببيعه.
- العقل: وهو عدم جواز البيع والشراء للمجنون أو السفيه، وبخلاف السماح للصغير بشراء الأشياء الصغيرة، فإنه لم يسمح الشرع الإسلامي للمجنون بشراء هذه الأشياء الصغيرة.
- عدم الحظر عليه: وهو عدم جواز البيع أو الشراء لكل من حظر عليه بسبب سفه أو إفلاس بأي حال من الأحوال.
هذا بالنسبة للشروط الثلاث التي تخص البائع والمشتري، أما بالنسبة لتلك السبعة التي تخص المبيع فهي:
- انطباق شروط المشتري والبائع على طرفي العقد: وهي الشروط آنفة الذكر.
- التراضي: أي لا يجوز الشراء والبيع إلا بالتراضي بين أطراف العقد.
- أن يكون مالا متقوّما: أي حرمانية بيع كل ما هو محرما ونجسا من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، كالخمر ولحم الخنزير… إلخ.
- أن يكون هذا المال مملوكا للبائع أو مأذونًا له في بيعه: بمعنى عدم جواز بيع الشخص لما ليس ملكه، طالما لم يؤذن له بذلك، وفي حال أن قام شخص ببيع ما ليس ملكه، عُدّ من بيع الفضولي، وهذا له قواعده الخاصة به.
- أن يكون معلوما ومحددا: أي لا يجوز بيع ما لم يتم تحديده وتعيينه.
- أن يكون تسليمه في المستطاع: أي عدم جواز بيع ما ليس في المستطاع تسليمه، كبيع الحصاد قبل نضوجه.
- أن يكون الثمن محددا ومعلوما: أي يجب تحديد ثمن السلعة قبل إبرام العقد، وإلا فإنه فاسد.
القواعد الاقتصادية
- موارد الدولة: لا ينفرد نظام الاقتصاد الإسلامي عن غيره في هذا الصدد سوى في وجود الزكاة كمورد من موارد الدولة، وهي تشبه إلى حد كبير الضرائب، غير أنها جزء بسيط من أموال الأغنياء تمنح للفقراء. هذا بالإضافة إلى الجزية التي تؤخذ من أموال غير المسلمين بدلا من الزكاة، وهي تؤخذ لقاء حماية الدولة لهم، كما توضع في خزانة الدولة لا منحة للفقراء.
- الملكية العامة: تسيطر الدولة بأجهزتها على المرافق الحيوية لحياة الناس ولا تخضع هذه المرافق للملكيات الخاصة في ظل هذا النظام، وذلك لتوفير الحاجات الأساسية لمصالح المجتمع وحياة الناس تجنيبا لإخضاعها للضمائر الفردية والتعويل عليها.
- الملكية الخاصة: يحمي نظام الاقتصاد الإسلامي الملكية الخاصة، إذ من حق الأفراد والمجموعات تملك العقارات والأراضي ووسائل الإنتاج المختلفة باختلاف أنواعها وأحجامها طالما أن هذا التملك لا يؤدي إلى احتمالية العبث بمصالح الناس، وألا يكون في هذا التملك احتكارا لسلعة رئيسة يحتاجها العامة.
- المشاركة في المخاطر: وتعد هذه المشاركة أساسا من أسس الاقتصاد الإسلامي، فالاشتراك في الربح والخسارة، في السراء والضراء، هي القاعدة الأساسية في توزيع الثروة بين العمل ورأس المال، كما أنها هي الأساس الذي به تتحقق العدالة في التوزيع.
- الصدقات والأوقاف: تعد الأوقاف والصدقات من مميزات الاقتصاد الإسلامي، والتي بموجبها يتحقق التكافل الاجتماعي وتشبع حاجات الفقراء.
- مراقبة السوق: يتم مراقبة السوق من دون التدخل في تحديد السعر عن طريق ما يعرف بالمحتسب.
- نظام المواريث: يقوم نظام المواريث بتفتيت الثروات في ظل التشريع الإسلامي وعدم تكدسها، إذ بوفاة صاحب الثروة يتم تقسيم هذه الثروة على ورثته وفق الأنصبة التي حددها الشرع.
- الشفافية: يحض نظام الاقتصاد الإسلامي على توخي النزاهة والشفافية في المعاملات التجارية.
الانتصار للصالح العام على الخاص: إذ يتضمن الاقتصاد الإسلامي تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة إذا ما تعارضا.
الأدوات الاستثمارية لنظام الاقتصاد الإسلامي
- المرابحة: وهي التجارة في صورتها التقليدية، أي أن يقوم التاجر بشراء سلعة ما لبيعها بسعر أعلى، ويكون هذا البيع نقدا أو آجلا أو قسطا.
- المضاربة: وتكون بدفع صاحب مال شيئا من ماله لصاحب عمل ما أو مؤسسة استثمارية بغية استثماره له، على أن توزع الأرباح بخصم نسبة متفق عليها _من الربح وليس من رأس المال_ لصاحب العمل أو للمؤسسة الاستثمارية، ولا توزع الأرباح إلا بعد استرداد أصل رأس المال.
- الإجارة: وهي بأن يشتري مستثمر أو صاحب مال عقارا أو أي غرض أو أداة لتأجيرها، ليمسي هذا الإيجار هو أرباح النشاط التجاري، وذلك بعد مصروفات الصيانة.
- المشاركة: وهي بأن يشارك أطراف الشراكة بالجهد والمال، أو بأحدهما دون الآخر. على أن يكون أطراف الشراكة مشتركين في ملكية النشاط التجاري بنسب محددة، وعليه فإنهم شركاء في جني الأرباح وتكبد الخسائر.
- السَلَم: وهي الصورة المقابلة للبيع الآجل، إذ يتم بموجبها دفع المال مقدما لقاء سلعة آجلة، بشرط أن تكون السلعة محددة تفصيليا بشكل يرفع الخلاف.
محظورات نظام الاقتصاد الإسلامي
- تحريم الربا: الربا محظور في التشريع الإسلامي، سواء كان ربا الفضل أو ربا النسيئة.
- تحريم الإتجار في القروض: فالمال في الاقتصاد الإسلامي لا يباع ولا يشترى، والقروض صورة من صور المال، ويجري عليها ما يجري على المال من أحكام.
- تحريم الاحتكار: فالشرع الإسلامي يرعى للناس حقهم على بعضهم البعض، وقد حرم الشرع الاحتكار لما فيه من سوء استغلال لمصالح الناس وحاجاتهم.
- تحريم بيع الغرر: أي تحريم بيع المجهول أو غير المحدد، كبيع السمك في الماء (بحسب المثل الشعبي).
- تحريم بيع الفرد لما لا يملكه: هذا من أجل منع المقامرة أو المخاطرة.
- تحريم بيع العينة: وهو نوع من التحايل على الربا، إذ يقوم فيه شخص متعذر ماليا ببيع سلعة لشخص آخر بثمن معين ويقبض منه الثمن المتفق عليه، ثم يقوم بشراءها في نفس اللحظة بثمن أغلى بكثير، على أن يتم تسديده بعد مدة معينة.
- تحريم الإتجار في المحرمات: إذ يمنع الاقتصاد الإسلامي التربح مما حرمته الشريعة الإسلامية، كالتجارة في المخدرات أو الخمور أو الدعارة… إلخ؛ لأنها مالا غير متقوما من منظور الشريعة الإسلامية.
الاقتصاد الإسلامي ماله وما عليه
ثم إذا انتهينا من الحديث عن النظام الإسلامي من حيث خصائصه والمبادئ التي يقوم عليها، فإنه يتوجب علينا بعد هذا التطواف السريع_ نقد وتقييم هذا النظام الاقتصادي. ولنكن واضحين، فإن النقد لا يعني ذكر سلبيات الشيء أو تسليط الضوء على عيوبه كنوع من التشنيع والإغراض، وإنما هو يعني _على الأدق والأصوب_ إظهار محاسن الشيء ومساوئه على السواء. وقد ينتفض بعض المتدينين المتحمسين لمجرد الحديث عن مساوئ أو عيوب أحد النظريات الإسلامية سواء كانت في الاقتصاد أو في أي مجال آخر، إلا أننا نود _وبكل ود ولطف_ أن نشير لأولئك المتحمسين أننا لا نتناول العقيدة الإسلامية بشيء من النقد أو مما يثير الحفائظ، وإنما نتناول بعضا من أدوات الإسلام في إدارة بعض من أمور الدنيا، ألا وهي إدارة الأمور الاقتصادية في هذا السياق. وهذا مما لا غضاضة فيه ولا شيء مما يحفظ النفوس والأفئدة. وإذا ما فرغنا من إقناع أولئك المتحمسين من ضرورة التناول بالنقد والتحليل لمختلف التوجهات والنظريات في تناولها لأمور الدنيا ، فإليك بعضا مما يقال في محاسن نظام الاقتصاد الإسلامي وعيوب هذا النظام:
محاسن الاقتصاد الإسلامي
يمكن استخلاص أهم ما يميز الاقتصاد الإسلامي من محاسن في التأكيد على أهمية البعد الاجتماعي للظاهرة الاقتصادية، ومنه إيلاء الأهمية لما في صالح الجماعة عما لصالح الفرد. ويظهر تركيز الاقتصاد الإسلامي على هذا البعد الاجتماعي في التأكيدات التالية:
- التأكيد على العدالة الاجتماعية، إذ يعد هذا التأكيد من الأسس الاقتصادية التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي، ويعد التوزيع العادل للثروة من أهم صور هذه العدالة الاجتماعية.
- تقييد الحرية بالصالح العام، إذ وكما أتاحت الشريعة الإسلامية الملكية الخاصة كحق للمواطن، وأخضعت التصرف في هذه الملكية لصاحبها وفق ما يحقق له مصالحه وبما لا يخالف الشرع، فإنها قيدت صاحب هذه الملكية في المقابل بمراعاة الصالح العام، فإذا ما اصطدم الصالح الخاص بالصالح العام، تم تغليب الصالح العام على الخاص. ومن الأمثلة على ذلك تحريم الشرع الإسلامي لاحتكار السلع لما فيه من استغلال لحاجات الناس وما يترتب عليه من قهر للمحتاج وتحقيق أرباحا فاحشة للمحتكر. ومن الأمثلة أيضا على هذا البعد الاجتماعي تعطيل أو تبوير الأراضي الزراعية الصالحة، أو انتهاج أساليب تجارية من شأنها إلحاق الأذى والضرر بالمجتمع. فالحرية الاقتصادية في ظل نظام التشريع الإسلامي تنأى عن استبداد الأنظمة الشيوعية التي تلغي الملكية الفردية وتضع كل الأملاك في أيدي الدولة، كما تنأى عن بعثرة مصالح المجتمع على أيدي مجموعة من الرأسماليين والمستثمرين في ظل النظام الرأسمالي. فهو نظام يهدف إلى صالح الفرد عن طريق صالح المجموع؛ فبدون الجماعة لا تتحقق للفرد مقومات الحياة الكريمة من أمن وحرية وتكافل وتعاون.
عيوب الاقتصاد الإسلامي
- نظرته التمييزية للمسلم من غير المسلم، فهذا يدفع الزكاة وذاك يدفع الجزية عن يد صاغرة. فهذه النظرة من شأنها تفكيك لُحمة المجتمع لما يمتاز به فئة من الناس عن أخرى.
نظام صداح بالمبادئ والقيم، وما أيسر الحديث عن المبادئ والقيم النظرية الرنانة، فإذا ما أتينا للتطبيق، لاسيما في المجتمعات الحديثة بما تتميز به من تعقيد ومؤسساتية، فإنه يخفق إخفاقا ذريعا.
ونتيجة للنقطة السابقة، فإنه نظام يعول أكثر ما يعول على الضمائر الفردية ومدى تمتعها بالشفافية والمصداقية، وهذا معوق آخر من معوقات التطبيق.
إقحام ما هو ديني غيبي فيما هو دنيوي عيني، وهذا ما لا ترضاه منهجية البحث الحديثة سواء فيما يخص البحث في العلوم الطبيعية أو في العلوم الإنسانية والاجتماعية، والذي يكون علم الاقتصاد فرعا من العلوم الاجتماعية، ليس ذلك فحسب، بل إنه العلم الذي يتناول بالدراسة وبالبحث أكثر الأنشطة البشرية محورية.
أضف تعليق