الشركة الأسرية هي المحرك الأساسي لكلمة أسرة سعيدة. الأسرة هي الخلية الأولية لبناء مجتمع سليم ومحترم ثقافيًا واجتماعيًا. ولذلك فكرة تكوين أسرة بطريقة سليمة هو المبدأ الأساسي لفكرة المجتمع السليم، وعلى هذا الأساس في هذا المقال سنتكلم عن الأسرة ككل من الصغير للكبير، كل فرد ما عليه وما له، لأننا جميعًا لابد أن نعلم في أسرتنا ما هي واجباتنا وحقوقنا. حتى تكون الشركة الأسرية مبنية على بناء سليم وحب ومعرفة وثقافة، وليس مجرد، أب يستغل أبناءه أو ابن يستغل أبويه بل الجميع يدعم الجميع، والكل يساعد الكل. الصغير والكبير، الأخوة والأب والأم، الجميع معًا فريق واحد، هذه هي الشركة الأسرية.
ما هي الخطوات اللازمة لتكوين الشركة الأسرية ؟
الأب
الأب هو أول فرد من أفراد الأسرة سنتكلم عليه، وسنعرض لكم ما هي واجبات وحقوق الأب. حتى يفهم الشباب والآباء أن كونك أب ليس سهلًا وليس سيئًا في نفس الوقت. ونحن في هذا الموضوع لن نتكلم عن الحالات الشاذة والآباء السيئين، بل سنتكلم طوال الوقت عن العاديين، الآباء والأولاد العاديين.
الأب هو أول فرد من أفراد الأسرة وغالبًا هو الأكبر عمرًا، لأن المعتاد في جميع أنحاء العالم أن يكون الرجل أكبر من المرأة التي سيتزوجها أو في مثل عمرها على الأقل. ولذلك حينما نتكلم عن الخبرة سيكون الأب هو أهم عضو في الأسرة لديه الخبرة والحنكة والمعرفة والاحتكاك بالعالم الواقعي والعملي. ولذلك يطلق على الأب دومًا ظَهر الأسرة، أو الأمان، والشركة الأسرية لن تكتمل بصورة تامة إلا في وجود أب. حيث يمثل الأمان للزوجة، وواجب عليه العمل وتوفير المال لأسرته. وواجب عليه أن يهتم بحاجيات بيته، وبمصاريف أولاده ومصاريف زوجته. وكل لوازم أي بيت مادية هي من مسئوليات الأب. ولذلك يعتبر الأب هو حصن الأمان غالبًا، وهذا لسبب بسيط أن توفير الحاجات المادية هو عمل أسري صعب. أيضًا واجب على الأب أن يهتم بزوجته، وأن يهتم بأطفاله. فليس لأنه يعمل فهذا يجعله لا يقدم المشاعر والعواطف التي يحتاجونها أفراد أسرته.
حقوق الأب
من جهة أخرى دعونا نتكلم عن حقوق الأب، فالأب يعتبر أساس الأسرة، لأنه صمام الأمان الدائم، فلو حدث شيء للأطفال الأب هو الذي سيحمل أطفاله ويجري بهم على الطبيب. لو حدث شيء للزوجة هو الذي سيتحمل الأطفال والزوجة والعمل والمصاريف وكل شيء. ولذلك أقل حق للرجل هو التقدير المعنوي، والاحترام للأب، احترام وقت تعبه، فهذا حق للأب. احترام وقته مع أصدقائه وترفيهه، فالأب يفعل كل شيء، فلا ضرر من أن يفعل بعض الأشياء لنفسه فهذا حقه حتى يواصل العطاء باستمرار. بالنسبة للأولاد عدم التعامل مع الأب باستهانة أو صوت عالي فهذا خاطئ جدًا، لأن مثلما قلنا كل ما يريده الأب من حق هو كلمة واحدة تقديره كأب.
الأم
ثاني فرد سنتكلم عنه في الأسرة، وهي في الشركة الأسرية أهم شخص يعطي الاتزان للأسرة. حيث أن الأم غالبًا هي منبع الاهتمام والعمل، هي أصل كلمة الراحة للجميع، الراحة للأب والراحة للأولاد. وتكوين الأنثى يجعل الأم دومًا قادرة على العطاء بكثرة دون انتظار مقابل. ولهذا عندما نتكلم عن الشركة الأسرية فغالبًا أصل كل أسرة ناجحة هي أم ناجحة. أصل كل أولاد ناجحين هي أم قامت بتربية أطفالها تربية صحيحة. أصل كل أب يشعر بالراحة في بيته، هي زوجة تعمل على راحة الزوج. ولو أردنا تجسيد مثال حي للشركة الأسرية فهي الأم. حيث أن الأم هي التي تقوم بكل شيء فيما يخص مسئوليات الاهتمام بأفراد الأسرة من أكل وشرب وغسل الملابس ونظافة المنزل وتقديم الدعم المعنوي والدراسة للأطفال ومتابعتهم. ومن ثم الاهتمام الخاص بالزوج وتلبية احتياجاته المختلفة، كل هذا تفعله الأم بحب، وهي تقريبًا الكائن الحي الوحيد الذي يستطيع أن يعطي كل هذه الأشياء بعاطفة الحب.
ولذلك إن تكلمنا بعد هذه الواجبات الكثيرة التي تفعلها الأم داخل الأسرة، فحقها على الجميع هو الحُب. الأم ليست مثل الأب، الأب مهم جدًا له تقدير عمله، ولكن الأم المهم بالنسبة لها أن تشعر بالحب. أن تشعر أن الحب الذي تقدمه في كل وجبة تطبخها ثلاث مرات يوميًا كل يوم في الأسبوع، أن هناك حب مقابل لهذا الحب. ولذلك بالنسبة للزوج يجب جدًا أن يشعر زوجته بالحب، والأولاد يجب أن يقولوا للأم أنهم يحبونها لأن هذه أكثر كلمة تجعل الأم سعيدة، وهي أن تسمع أولادها وزوجها يقولون لها أنهم يحبونها.
الأولاد
هم الطرف الثالث لأي أسرة متكاملة وهم هدف كل من الأب والأم الأساسي. فالشركة الأسرية تهدف في الأساس إلى تنشئة الأولاد أفضل تنشئة من حيث التربية والتعليم. وكلنا كنا أولاد، ولكن القليل من الأولاد يعرفون واجبهم نحو أسرتهم. فالكثير من الأولاد يعتبرون اهتمام الأم والأب بهم هو مجرد أمر عادي ولا يجب أن يقابلوه بالتقدير، لأنهم لا يعلمون المعناة التي يعانيها الأب والأم حتى يقوموا بتوفير حياة مستقرة ومحترمة لأولادهم. ولذلك أول واجبات الأولاد هو احترام الأب والأم وتقديرهم ومساعدتهم عندما يحتاجون لشيء. لأن لولاهم لما كان الولد موجود من الأساس. ثاني واجب على الأولاد هو الاعتناء بأنفسهم سريعًا لتخفيف الحمل على والديهم مع الزمن. فالطبيعي أن الأب والأم يحملان هم الأولاد ولكن إلى متى؟ الأمر الطبيعي حتى يعمل الابن أو البنت أو يتزوجان ويعتمدان بالكامل على أنفسهم من حيث العيش. فهذا واجب أيضًا على الأولاد أن يريحان والديهم من هم الاهتمام بهم سريعًا. وكلمة اهتمام شاملة كل شيء من ساعة الولادة حتى الاستقلالية، فكل شيء يحتاجه الولد من صغره حتى يكبر هو مسئولية أبوه وأمه وهذا حقه وليس منحة من الأب والأم. وإلا لما كانوا ينجبانه من الأساس لو الأمر مجرد مساعدة.
أساسيات الشركة الأسرية
في هذا الجزء من المقال سنعبر عن أفراد الأسرة وسنتقدم نحو أساسيات الشركة الأسرية. فالأسرة ليست شرط أن تكون ثلاث أطراف، أب وأم وطفل، بل من الممكن أن تكون أربعة أو خمسة أو ستة أفراد، على حسب عدد الأطفال. ولذلك هنا أساسيات في التعامل مع هذا العدد الكبير من الأفراد بطريقة عادلة وقائمة على الشركة بين الجميع مع الجميع. ولذلك سنبدأ بنقطة هامة جدًا في أساسيات الشركة الأسرية وهي تشجيع أفراد الأسرة.
التشجيع
الكثير من الناس يعتقدون أن التشجيع بين أفراد الأسرة قائم من الأب والأم للأطفال فقط، ولكن هذا خاطئ. فالذي لا يعلمه الأولاد أن الأب والأم يفرق معهم جدًا أن يقول لهم أبنائهم أنهم يتشرفون بهم في المدرسة، أو أنهم يريدون من أبوهم أو أمهم أن يفعل هذا الشيء الذي يستمتعون هم به. فهذا يشجع الأب والأم أيضًا. ولكن في هذه النقطة دعونا نتكلم بشكل قيم عن فائدة التشجيع في الشركة الأسرية. في البداية الأسرة تكون هي حياة الطفل الوحيدة وليس له غير أبيه وأمه، هما الأشخاص المهمين له في بداية حياته. ولذلك ليس ذنب أطفالك أنهم أربعة مثلًا وأنك لن تستطيع تشجيعهم كلهم معًا، بل هذا خطأك أنت أن تقرر أن تنجب أربعة. ولذلك مهما كان عدد أولادك، فواجب على الأب والأم أن يهتمان جدًا بفكرة تشجيع الطفل من الصغر على عمل أشياء كثيرة. والأمر يحتاج إلى صبر كثير. ولكن دعنا نكون واقعيين، الكثير من ذوي الشأن في هذا العالم كانوا كذلك لأن والديهم زرعوا داخلهم هذه العظمة. ومن ضمن الأمثلة الدكتور أحمد زويل، العالم المصري الذي استحق جائزة نوبل عن اكتشافاته العظيمة في مجال الكيمياء والذرة. وقصة هذا العالم أن والديه من صغره علقوا على باب غرفته لافتة مكتوب عليها دكتور أحمد زويل، ولذلك كبر هذا الطفل وهو داخله تشجيع كبير ودعم معنوي كبير ليصير شخص عظيم.
كيفية تشجيع الأطفال
لا تقول لطفلك أنه “لا يستطيع”، هذه الكلمة شريرة جدًا في التأثير سلبًا على نفسية الطفل. فالشركة الأسرية هدفها إنتاج أفراد أسوياء نفسيًا، وكلمة “لا تستطيع” تجعل الطفل غير واثق في نفسه. لا تنهر الطفل عندما يفشل أو يأخذ مركز متأخر في المدرسة، بل قف معه وقل له أنه يقدر أن يتطور، ويقدر أن يكون الأول في هذا الشيء. وتحمل مسئولية تطويره أنت فهو ابنك، ولو لم تفعل هذا فأنت مقصر ببساطة لأنه صغير ويحتاج الدعم الأسري جدًا سواء من الأب أو الأم.
تشجيع الأب والأم لبعضهما البعض
يجب أن يكون هناك تشجيع للأب والأم متبادل. وهذا لأن الجميع في احتياج للأخذ كما في احتياج للعطاء. فالذي يحدث أن الرجل يشجع زوجته وأطفاله، وفي المقابل، الزوجة تشجع أطفالها وزوجها. التشجيع يكون بمثابة طاقة تعطيها للشخص حتى يقدر على إكمال مهمته بنجاح. ولذلك الأب والأم هم أكثر الأشخاص استنزافًا للمشاعر والمجهود البدني والعاطفي، لأن جميع عطائهم يكون موجه لأطفالهم. ولذلك حتى يستطيعون إكمال حياتهم بطريقة طبيعية يحتاجون أن يشعروا ببعض التشجيع الذي يدفعهم لإكمال طريقهم في الحياة. ولذلك الشركة الأسرية تعتمد كثيرًا على فكرة مشاركة التشجيع بين كل أفراد العائلة.
عدم التمييز
الشركة الناجحة تكون مبنية على أساس مهم جدًا وهو العدالة في العمل، أما في الشركة الأسرية فهناك شيء يدعى عدالة اجتماعية أو بمعنى أخر عدم التميز بين أحد وأحد أخر. بمعنى لا يجب أن يميز الأب والأم البنات عن الأولاد. فلا يجب مثلًا أن الأم تحب طفلها الذكر لمجرد أنه ذكر، وتقول له أنه أهم من أخته، وأنه رجل، وأنه هو المسئول الأول والأخير وأن أخته ليس لها رأي. أو إعطائه أكل أكثر، أو حلوى أكثر والعكس صحيح أيضًا. فالعدالة يجب أن تكون سائدة جدًا بين الأولاد في عملية التربية. وهذا لسبب بسيط جدًا، لأن التميز سيجعل الطفل يشعر بالظلم والكراهية تجاه المحبوب وتجاه أبيه وأمه. فالبنت ستكره كونها فتاة لأنهم يميزون أخيها عنها. ولو كانوا من نفس الجنس، ستبدأ الغيرة في الدخول بين الأخوة كل هذا بسبب التمييز. ولذلك الشركة الأسرية تحتم على الجميع أن يتشارك كل شيء دون تمييز أحد عن الأخر.
العطاء في الشركة الأسرية
مبدأ العطاء صعب جدًا، لأن النفس البشرية غالبًا يغلب عليها فكرة الأنا. ولذلك فكرة العطاء إما يكون غريزي مثل الأم، أو أن يكون تربوي وهذا هو ما نريد أن نتكلم عنه. الشركة الأسرية غير مبنية على الأخذ، بل مبنية على الأخذ والعطاء معًا فلا يمكن أن تعامل أطفالك على أنهم لا يستحقون ما تدفعه لأجلهم في الدراسة. وتظل طول اليوم تقول لهم أنك تفعل هذا وذاك حتى تأتي بهذه الأموال التي يصرفونها على الفراغ. فما يجب أن تعلمه قبل أن تكون أب، أن أطفالك سيضيعون الكثير من مالك ومن مجهودك ومن صحتك في الفراغ. فهذا هو الواقع ولو لم يكن لديك هذا المفهوم فلا تنجب أطفالًا لأن هذا الطبيعي، أن يضيع الأب والأم بعض الأشياء الثانوية في سبيل تربية أبنائهم أفضل تربية. ولذلك ليس ذنب الطفل أن يسمع أنك تعطيه هذا لأجل مقابل. فالحقيقة أنك تفعل ذلك ليس لمقابل لك بل له. ولذلك لا يجب عليك أن تعرض أمر العطاء على أنه ثقل عليك، بل هذا هو الطبيعي والمنتظر منك كأب.
بالنسبة للأبناء
يجب أن يفهموا جيدًا أن علاقتهم مع والديهم ليست مبنية فقط على الأخذ منهم. فالحقيقة هي أنك كلما كبرت في العمر، كلما كنت مطالب بمساعدة الوالدين وعطائهم أكثر. فلو وجد الابن أبيه يحتاج إلى مساعدة وهو يقدر على مساعدته، فيجب أن يقدم يد العطاء والعون إلى الأب. وهكذا الفتاة لو كانت الأم تحتاج إلى شيء فيجب أن تساعدها في هذا الشيء. ببساطة لأن الأم ليست خادمة، فهي من السهل ألا تفعل للأبناء شيئًا وحينها سيعرفون قيمة الأشياء التي يرونها عادية ويومية، إنها أشياء مرهقة جدًا. ولذلك إعطاء العون للوالدين لهو أمر مهم ومحترم ويدعم الشركة الأسرية جدًا.
المساعدة في زواج الأبناء
هذه النقطة واقعية جدًا وخصوصًا في مجتمعنا العربي. حيث الكثير من الشباب يصلون إلى عمر الزواج وليس لديهم المؤهلات التي يطلبها المجتمع العربي للزواج. فالمجتمع الغربي عمومًا لا يشترط على الزوج أي شيء بل الأمر يخص الشاب والشابة فقط في مسائل المال. ولكن المجتمع العربي يشترط على الشاب، مهر وشبكة ومسكن وزفاف، وكل هذه الأشياء تحتاج إلى تكلفة عالية جدًا لا يستطيع شاب في سن ال26 مثلًا أن تكون لديه كل هذه الأموال. ولذلك لزامًا على الأب والأم أن يساعدا الشاب والشابة في تتميم الزواج من حيث الماديات. وهذا أمر جوهري جدًا في المجتمع والشركة الأسرية. حيث إن الأسرة هي الاستقرار وهي الدعم، ولذلك وسط كل ضغوطات الزواج يجب أن يجد الشباب دعمًا قويًا من الوالدين.
كهولة الوالدين
الشركة الأسرية تحتم على الأبناء أن يتحملوا مسئولية كهولة والديهم. فجميعنا يعرف أن سنة الحياة هي أن الأم هي من تهتم بالطفل الذي يخرج من بطنها وهو لا يستطيع أن يأكل ولا يشرب ولا أن يتحرك حتى، والأم تفعل هذا بكل حب. في المقابل الأيام والزمن يؤديان إلى أن الأب والأم يصلان لعمر مديد وكبير، ولكن صحتهم لا تستطيع أن تقاوم ويجب أن يكون هناك شخص ما يساعدهم. الشركة الأسرية تحتم على الأبناء أن يكونون هم المهتمين، فلا يليق أبدًا أن الوالدين في عز احتياجهم لأحد يحتمل مرضهم وصحتهم التي أنفقوا جزء كبير منها في تربية أولادهم، لا يجدون هؤلاء الأولاد. فأي والدين لا يستحقان هذا بالطبع.
أخيرًا عزيزي القارئ يجب أن تعلم أن الشركة الأسرية هي شيء جميل جدًا للنفس البشرية، حيث كلما كانت الأسرة مستقرة، كلما خرج الجميع من هذه الأسرة مستقر نفسيًا وعاطفيًا ولا يكون هناك مشاكل فيما بعد. الأسرة العنيفة ستنتج أطفال عنيفين، والأسرة الغير مستقرة ستنتج أبناء غير مستقرين، يكونون فيما بعد أسر غير مستقرة. ولذلك لأن الأمر مهم جدًا للمجتمع ككل، فكرة الأسرة نفسها يجب أن تأخذ حيز كبير في عقل من يأخذ قرار الزواج. حيث إن الزواج يعني مسئولية وأسرة وتضحية كبيرة لسنين كثيرة جدًا دون انقطاع.
أضف تعليق