توكل كرمان اسم تردد كثيرا في السنوات الخمس الأخيرة، بل ضجت أركان العالم العربي وارتجّت آفاقه الإعلامية بهذا الاسم، وذلك بعد اقترانه بجائزة نوبل للسلام. وتوكل كرمان هي امرأة عربية شابة من مواليد العام 1979م، ولدت في اليمن في محافظة تعز لأسرة قروية، وهي ابنة للقانوني والسياسي “عبد السلام خالد كرمان”، وأم لثلاثة أولاد.
ارتبط اسم توكل كرمان بحركات النضال الوطني ومناهضة انتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك مقاومة الفساد الإداري والمالي في اليمن ومطالباتها المدوية بالإصلاحات السياسية. كما كانت توكل كرمان _إضافة إلى ما سبق_ في مقدمة المطالبين بإسقاط نظام الرئيس اليمني آنذاك “على عبد الله صالح”، وذلك في مقالات صحفية عديدة كتبتها فيما بين العامين 2006م- 2007م في الصحف اليمنية والعربية والعالمية.
تعرف على قصة حياة المناضلة اليمنية توكل كرمان
توكل كرمان على طريق النضال
بداية، حصلت توكل كرمان على درجة البكالوريوس من كلية التجارة جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء عام 1999م، كما نالت درجة الماجستير في العلوم السياسية وكذلك تحصلت على دبلومة في التربية من جامعة صنعاء، ودبلومة في الصحافة الاستقصائية من أمريكا. انتهت توكل بعد ذلك من ميدان الدراسة النظرية لتبدأ الخوض في ميادين العمل العام والنضال السياسي والحقوقي عبر قنوات مختلفة وفي مجالات مختلفة منها السياسي ومنها الحقوقي. أما في المجال الديني، فقد شاركت توكل كرمان في العديد من المؤتمرات والبرامج خارج اليمن فيما يتعلق بحوار الأديان.
النضال السياسي لكرمان
ففي الصحافة، كتبت بلهجة حادة جريئة حول الأوضاع السياسية في بلدها تحت حكم عبد الله صالح. ومن المفارقات أن تكتب هذه الصحفية الشابة ذات الأيديولوجية الإسلامية في جريدة ذات أيديولوجية يسارية، وهي صحيفة ناطقة باسم الحزب الاشتراكي، لتتحول بعد ذلك إلى ناشطة حقوقية بتأسيسها لمنظمة “صحفيات بلا قيود”. من ناحية أخرى أخرجت توكل كرمان العديد من الأفلام الوثائقية التي تناقش قضايا الحكم الرشيد في اليمن.
النضال الحقوقي لكرمان
كتبت توكل كرمان في مجال حقوق المرأة العديد من المقالات حول حقوق المرأة اليمنية والعربية، كما كتبت حول حقوق الإنسان بشكل عام في العالم العربي، على اعتبار أن حقوق المرأة جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان. ومن جهة أخرى أخرجت توكل كرمان العديد من الأفلام الوثائقية التي تناقش حقوق المرأة السياسية، ومن هذه الأفلام فيلم “المشاركة السياسية للمرأة في اليمن”. كما ناقشت العديد من القضايا المجتمعية الخطيرة في أفلام أخرى قامت بإخراجها كفيلم: “تهريب الأطفال في اليمن”. كما أخرجت فيلم “دعوة للحياة” الذي يناقش إحدى الظواهر المؤرقة للمجتمع اليمني، ألا وهي ظاهرة الانتحار.
ومن خلال قنوات أخرى، ساهمت توكل كرمان في إعداد التقارير العديدة ل”صحفيين لمناهضة الفساد”، ول”الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان”، والتي تتناول فيها قضية الفساد في اليمن، كما تتناول الحريات الصحفية وحرية التعبير عموما في اليمن. كما ساهمت توكل كرمان في وضع “الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد” وساهمت أيضا في وضع “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”.
النضال الميداني لتوكل كرمان
غير أن توكل كرمان لم تكتفِ بالنضال على مستوى الصحف والأفلام والتقارير، وإنما تجاوزت ذلك إلى مجال النضال الميداني السلمي والنزول على الأرض بقيادة المسيرات والاعتصامات المطالبة بالإصلاح والحريات وسيادة القانون ونزاهة الإدارة السياسية والاقتصادية. حيث قادت ستّا وعشرون اعتصاما في عام 2007، وخمس اعتصامات في العام 2008، وما يزيد على الثمانين اعتصاما في عامي 2009 و2010 فقط.
وبعد ذلك كانت توكل كرمان في مقدمة الثوار الذين خرجوا للساحات مطالبين بإسقاط الرئيس اليمني آنذاك علي عبد الله صالح، وقادت العديد من المظاهرات والاعتصامات السلمية في “ساحة الحرية”، وهو الاسم الذي أطلقه بعض نشطاء حقوق الإنسان اليمنيين على هذه الساحة، لتصبح هذه الساحة بعد ذلك مكان تجمع العديد من الصحفيين والسياسيين ونشطاء المجتمع المدني والعديد ممن يحملون مطالب وقضايا حقوقية.
المهام التي قامت بها توكل كرمان
كانت توكل كرمان عضوا بارزا من أعضاء ائتلاف الثورة اليمنية، وعضوا أيضا في مجلس شورى في “التجمع اليمني للإصلاح”، وعضوا نشطا في العديد من النقابات والمنظمات الصحفية والحقوقية داخل وخارج اليمن، كما ترأست منظمة “صحفيات بلا قيود”، وتعد توكل كرمان إحدى أبرز المدافعات عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان وحرية الصحافة في اليمن، كما كانت كرمان أحد أبرز القياديين في الثورة الشعبية الشبابية.
اعتقال وتهديد واستمرار نضال
تم اعتقال توكل كرمان في يوم 23 يناير من العام 2011م وهي عائدة إلى بيتها، وذلك عن طريق أفراد أمن بلباس مدني، ومن ثم أودعوها السجن، وذلك بحجة قيادة مسيرات وتجمعات غير مرخصة، والتحريض على القيام بأعمال شغب وفوضى وتقويض السلم العام. ثم تم الإفراج عنها بعد حوالي ثلاثين ساعة نظرا لموجة من الاحتجاجات الجديدة التي اجتاحت صنعاء تسببت فيها خبر اعتقالها. وبينما اتهمها الحزب الحاكم في اليمن ومن ينحو نحوه بالعمالة للولايات المتحدة، وصفها المتظاهرون ببلقيس الثانية. غير أن توكل كرمان لم تلِن ولم تذعن بعد اعتقالها، وإنما شرعت في تنظيم العديد من المظاهرات المطالبة بإسقاط صالح ونظامه. كما تلقت كرمان تهديدا بالقتل من خلال اتصال هاتفي قام به رئيس الجمهورية على عبد الله إلى أخيها طارق كرمان طالبا منه ضبط أخته ووضعها تحت الإقامة الجبرية متحججا بالحدث النبوي “من شق عصا الطاعة فاقتلوه”.
توكل كرمان ونوبل للسلام
تمنح جائزة نوبل للسلام للشخصيات أو المجموعات أو المؤسسات التي تصبو إلى تنمية وتوطيد علاقات الإخاء والمحبة بين الأمم، ونشر قيم الخير والسلام والإنسانية، وهي تشمل المساعدات الإنسانية، وحقوق الإنسان، والنضال من أجل السلام، والكفاح ضد القمع السياسي، والحرية، وكذلك الدفاع عن تساوي الحريات والحقوق.
وليس يحتاج إلى بيان أن امرأة بهذه الشجاعة في مجتمع به من التسلط والاستبداد السياسي من الناحية السياسية، وكذلك التمييز ضد المرأة من الناحية الثقافية والاجتماعية، كانت نوبل للسلام نتاجا طبيعيا كتتويج لمجهوداتها السلمية في النضال السياسي والحقوقي. وقد منحت كرمان نوبل للسلام في أكتوبر 2011 مشاركة مع “إلين جونسون سيرليف” رئيسة ليبيريا، وكذلك المواطنة الليبيرية “ليما غبوي”. وجاء في بيان اللجنة المانحة لنوبل أنها اختارت هؤلاء النساء الثلاثة عرفانا وتقديرا لنضالهن السلمي، وذلك من أجل حقوق النساء وسلامتهن، وكذلك لمشاركتهن في جهود بناء تحقيق السلام وبنائه. كذلك منحت السفارة الأمريكية توكل كرمان جائزة الشجاعة، بينما اختارتها منظمة “مراسلون بلا حدود” من بين سبع نساء قمن بتغير في العالم. كما قامت بتكريمها وزارة الثقافة اليمنية، وكذلك العديد من المؤسسات والمنظمات المدنية المحلية والدولية.
جذوة لا تهدأ
ولم تركن توكل كرمان إلى الراحة بعدما بلغت من المجد ما هيأ لها نوبل للسلام، وإنما استمرت على ما دأبت عليه من نضال، وذلك بعد خروج على عبد الله صالح من السلطة وسيطرة الحوثيين على مقر الرئاسة. إذ واجهت كرمان الحوثيين _الذين داهموا بيتها_ بشراسة، ونعتت وضعهم لرئيس الحكومة تحت الإقامة الجبرية_ بالانقلاب على السلطة الشرعية وكذلك الانقلاب على اتفاق الشراكة والسلم، واعتبرت هذا الحدث أكبر مهزلة في تاريخ اليمن. كما أيدت الحملة العسكرية التي شنتها بعض الدول العربية بقيادة السعودية “عاصفة الحزم”_ ضد الحوثيين، وذلك لصالح الشرعية، واعتبرت هذه الحملة أداة لمنع الحوثيين من فرض سلطانهم ومنطقهم على اليمنيين، وذلك بدعم من علي عبد الله صالح المخلوع من ناحية، ومن إيران من ناحية أخرى.
أضف تعليق