الحواس المغناطيسية هي تلك الحواس التي تملكها بعضاً من الطيور والحيوانات. والبعض يطلقون عليها الحواس الخفية، وهي ما تميز تلك الطيور، وتغير من طريقة معيشتها وقدراتها الهائلة والمختلفة عن باقي الحيوانات. تثير الحواس المغناطيسية الكثير من العلماء، لأنهم لا يعرفون تحديداً كيف تعمل تلك الحواس، وكيف يمكن للحيوان أو الطائر استخدامها. مما يضع الكثير من التساؤلات، ولكن الحواس المغناطيسية تبقى إجابة للكثير من الظواهر الطبيعية الغريبة. فمثلاً كيف يحدد الوطواط طريقه في الظلام؟ أو كيف تعرف الطيور وجهتها وإلى أين سوف تهاجر؟ الإنسان لديه جهاز جي بي إس يعرفه الطريق، فما الذي لدى تلك الطيور؟ تابع معي هذا المقال وتعرف أكثر عما يسمى بالحواس المغناطيسية.
الحواس المغناطيسية التي تمتلكها بعض الحيوانات والطيور
أمثلة على الحواس المغناطيسية لدى الطيور
كما سألنا قبلاً في المقدمة، كيف تعرف الطيور وجهتها، عندما تهاجر من مكان لأخر يبعد ألاف الكيلومترات لوضع البيوض في مكان أمن والبعد عن البيئة الغير مناسبة؟ الإجابة بالتأكيد في امتلاكها للحواس المغناطيسية. وهذا ما استطاع إثباته العالم الألماني فريدريك ميركل، بعام 1960. فقام بوضع الطائر يسمى ” “Erithacus rubeculaأو طائر اللحية الحمراء أو أبو حناء بالعربية، في قفص. عند وقت الهجرة كان الطائر دائماً ما يقف عند الزاوية الشمال شرقية. وعندها قام العلماء بصنع مجال مغناطيسي حول القفص، مماثل للمجال المغناطيسي للأرض، ولكنها أقوى وفي الاتجاه المعاكس. وعلى الفور انتقل الطائر من تلك الزاوية إلى الزاوية المعاكسة، التي تماثل الشمال شرقية في المجال المغناطيسي الجديد.
ومن هنا يمكن للعلماء إثبات أن ذلك الطائر يستخدم الاتجاهات المغناطيسية كبوصلة له في أثناء الطيران. واتضح أيضاً أن هناك أكثر من 20 نوع من الطيور، تمتلك تلك الحواس المغناطيسية لتحديد الاتجاه. ولكن بوصلة تلك الطيور تختلف قليلاً عن بوصلة الإنسان المعتادة. فبوصلة الإنسان تشير إلى اتجاه الجنوب والشمال، أما بوصلة الطيور فتشير إلى خط الاستواء وأقرب قطب لها. بمعنى أخر، لا تحدد الطيور طريقها من خلال اتجاه الحقل المغناطيسي. ولكنها تحدد الزاوية من خلال الخطوط المغناطيسية التي تسير من الجنوب إلى الشمال.
آلية الحواس المغناطيسية
يعتقد العلماء بوجود ثلاثة أجهزة مختلفة يملكها الحيوان أو الطائر، وهي المسئولة عن الحواس المغناطيسية. بالنسبة إلى الطيور المهاجرة فهي تستخدم ما يسمى “pigment crypto chrome” وهو موجود بالعين وشديد الحساسية تجاه الضوء. فيتفاعل مع الأشعة فوق الحمراء والطيف الأزرق، معتمداً على الحقل المغناطيسي. وبذلك يؤثر الحقل المغناطيسي على الرؤية البصرية للطائر عندما يدير رأسه. وهذه القدرة على عين طائرة حساسة وموجودة بكثرة في العين. ولكنها موجودة بالعين اليمنى فقط، ولو فقد الطائر البصر في هذه العين لأي سبب من الأسباب، فهو يفقد أيضاً القدرة على تحديد اتجاهه. وفي عام 2010 تم وضع موديل رياضي، يوضح تأثير الحقل المغناطيسي على الرؤية البصرية.
بحسب الموديل، نفهم أن الحقل المغناطيسي للأرض يشكل نوع من الفيلتر، كما مثل عدسة الكاميرا الحديثة. فتزداد قوة الضوء في ناحية معينة أمام عين الطائر. بهذه الطريقة يرى الطائرة صورة مختلفة ومميزة، بها بعض النقاط المضيئة يستخدمها كدلالة إلى طريقه. كما يشير الموديل إلى إن الرؤية الليلة للطائر بهذه الطريقة أفضل من الرؤية في النهار. لأن الصورة الحقيقية للواقع أثناء النهار، تشوش الصورة التي يراها بالحواس المغناطيسية. أما في الليل فهو لا يستطيع رؤية العالم الواقعي، وفقط يرى تلك الصورة المضيئة في نقاط معينة، وهناك من يكفي من الأشعة فوق الحمراء والطيف الأزرق لإرشاد الطائر إلى طريقه.
الحواس المغناطيسية عند الأنواع الأخرى
في عام 2001 تمكن عالم أمريكي يدعى كنيث لوهمان من جامعة كارولينا الشمالية، من إثبات أن السلحفاة البحرية تمتلك حواس مغناطيسية تحدد بها أيضاً طريقها في البحر. فهي تضع البيوض على ساحل فلوريدا، ومن ثم تسبح في الأطلسي بضعة سنوات عند بحر سارغاسو، لتعود إلى فلوريدا مرة أخرى بعد ذلك. فقام العالم بوضع السلاحف في حوض كبير، ويمكن التحكم في ذلك الحوض من الخارج بحقله المغناطيسي. ويمكن للعالم تعديل الحقل وخطوطه، لتتشابه مع الأطلسي في بحر سارغاسو. فتتطابق معها جغرافياً. وحين يتوافق الحقل المغناطيسي الذي يرسمه العلماء، مع ذلك الحقل المغناطيسي الموجود فعلياً في بيئة السلاحف. تسبح الأخيرة بشكل طبيعي، وكأنها تعرف وجهتها كما لو كانت في بيتها.
ولكن يعتقد العلماء أن الحواس المغناطيسية التي تمتلكها الطيور، تختلف جداً عن تلك التي تمتلكها السلاحف البحرية أو غيرها من الحيوانات الأخرى. وبالتأكيد تختلف في عملها عن باقي الحواس العادية المعروفة لدى الإنسان. فالحواس المغناطيسية مختلفة عن الحواس العادية، لأنها تتلقى إشارات خفية، وهي الخطوط المغناطيسية الموجودة في كل مكان على الأرض، بما في ذلك ما يخترق جسم الكائن نفسه، وكذلك قوة ذلك الحقل المغناطيسي. ولذلك فهي ليست بحاجة إلى عضو خارجي، مثل الأذن أو الأنف، ولكنه قد يتواجد بداخل الجسم نفسه.
عضو الحواس المغناطيسية
لكل حاسة عضو يلتقط الإشارات المميزة لتلك الحاسة، ليتم ترجمتها في الدماغ. سواء كانت كيميائية في حالة الأنف، أو مغناطيسية في حالة الحواس المغناطيسية المميزة لبعض الطيور والحيوانات. فوجد العلماء كريستال مغناطيسي في منقار الطيور ودماغ السلاحف البحرية. وبذلك بدأ الشك بأنه يلعب دور مهم جداً في آلية عمل الحواس المغناطيسية. على الرغم من ذلك يملك العلماء بعض الاقتراحات فقط عن كيفية عمله وأهميته. ولكن لا يوجد ما نستطيع القول عليه بالتحديد إنه عضو الحاسة المغناطيسية.
هذا الكريستال يوجد عند نهاية عصب كبير، وذلك العصب هو المسئول عن نقل كل ما يتلقاه جلد الوجه. لذلك يعتقد العلماء أنه هو من يرسل إلى الدماغ عن طريق ذلك العصب، ما يتلقاه من أخبار عن الحقل المغناطيسي. ولكن بعام 2010 أثبت عالم ألماني، أن الطيور المهاجرة لا تمتلك وحدها هذا الكريستال. بل أيضاً الحيوانات التي تعيش في مكان واحد مثل الدجاج.
من الواضح أن أمر تحديد عضو بالتحديد هو أمر صعب، وظهر ذلك جليلاً في تجربة بعام 2011 للعالم الأمريكي دينيس ويليوس من جامعة واشنطن. فقامت التجربة على حلزونات بحرية من نوع Tritonia diomedea. وهي الأخرى تعتمد في طريقها على الحواس المغناطيسية، والحقل المغناطيسي للأرض. فقام بقطع أجزاء من دماغ الحلزون، وأوصل النهايات العصبية بإليكترو دير. لم تمت الحلزون، ولكنهم بذلك قادرين على تحديد الأعصاب التي تتفاعل مع الحقل المغناطيسي عن غيرها. وقاموا بتغير الحقل المغناطيسي من حول الحلزون، ليجدوا أن 10% من الأعصاب تنشط مع كل تغير، وباقي الأعصاب يقل نشاطها. أما الأعصاب النشيطة التي توصل التغير في الحقل المغناطيسي إلى المخ، فتجد أن نهاياتها موزعة على مختلف أعضاء الجسم. أي إنه لا يوجد عضو محدد للحواس المغناطيسية، كما هو الحال مع باقي الحواس.
استثناء
ما ذكرناه سابقاً صحيح، إلا في حالة أسماك القرش وأسماك الشفنينيات. فقد وجد العلماء عضو أساسي للحواس المغناطيسية التي تملكها وأطلق عليه اسم (Lorenzinis ampuller). وهو موجود بالدماغ. أكثر تجربة مفيدة في هذا المجال، قام بها علماء من هاواي بعام 2005. تم وضع ستة أسماك قرش من نوع الزعنفة العالية، ومعهم أيضاً سمكة قرش واحدة من نوع المطرقة، في حوض كبير يلفه أسلاك كهربائية. بتلك الأسلاك كان العلماء قادرون على صنع مجال مغناطيسي أقوى من الأرض. في كل مرة كان يزيد فيها العلماء قوة المجال المغناطيسي، كانوا يضعوا الطعام في مكان معين لتأكله الأسماك. بعد ذلك كانوا يزيدون المجال بدون وضع طعام. ولكن الأسماك كانت دائماً ما تسبح إلى نفس المنطقة، لأنها تعلمت أن ما تشعر به من ارتفاع أو تغير في قوة المجال المغناطيسي، يرتبط بوجود الطعام في ذلك المكان.
الحاسة الكهربائية عند الدلافين
شكل أخر من الحواس المغناطيسية نجدها في دراسة الدلافين. فحين يكون الدلفين جنيناً، فهو يمتلك بعض الشعيرات التي تتواجد على أنفه. بعدها ومع مراحل نمو الدلفين حتى يكبر فتلك الشعيرات تختفي. في جامعة روستوك الألمانية، اكتشف العلماء أن تلك الشعيرات تحمل عند الجذور، حاسة كهربائية. وهي التي تمكن الدلفين من تحديد اتجاه الفريسة.
فاختار العلماء دراسة دلفين من نوع Sotalia guianensis، وهو يعيش على الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية. وهو يبحث عن الطعام في قعر المحيط. وحين قاموا بتشريح أحد الدلافين، وجدوا أعصاب وشعيرات دموية كثيرة عند حفر جذور تلك الشعيرات. مما يعني أن مسئولة عن حاسة لها وظيفة مهمة. كما قاموا بعدة تجارب على بعض الدلافين، حيث تم تعليمهم نقل حلقة كما صدر منها إشارة كهربائية، مع بعض الأفعال والألعاب الأخرى. وأثبت العلماء أن الدلافين قادرة على تميز الإشارات الكهربائية والتغيرات فيها، حتى الضعيف منها. وهذا يعتبر شكل أخر من أشكال الحواس المغناطيسية التي تمتلكها الحيوانات. كما توجد أمثال أخرى كثيرة، في حيوانات أخرى.
هل يمتلك الإنسان حواس مغناطيسية؟
هذا هو السؤال الأهم، وإن كان كذلك بالفعل، فما الذي يمكن أن يستفيد به الإنسان من تلك الحواس المغناطيسية؟ على الرغم من إن إجابة المختصون الفورية على هذا السؤال، تأتي بالنفي، إلا إن بعام 2011 قام العالم ستيفان ريبيرت من جامعة ماساتشوستس، بتغير رأي العالم في هذه القضية. فالعالم أثبت أن الإنسان يمتلك نفس البروتين أو ما يسمى pigment crypto chrome، في عينه تماماً كالذي يمتلكه الطير. وهو يمتلك نفس الخصائص اللازمة لإتمام عملية تكوين بوصلة تعتمد على الحقل المغناطيسي. وذلك عن طريق استخدام ذباب الموز، ولكن من نوع مصاب بطفرة جينية. هذه الطفرة تمنعه من تكوين ذلك البروتين في العين، ولذلك فقد الحواس المغناطيسية الخاصة به. بعد ذلك قام العالم بزر جين إنساني مسئول عن تكوين البروتين بهذا الذباب. والنتيجة أن الجين بالفعل قام بتكوين البروتين، وعادت له الحواس المغناطيسية، تماماً كتلك التي ذكرناها في حالة الطير المهاجر.
وهذا يعني أن الإنسان (بطريقة أو بأخرى) يشعر بالمجال المغناطيسي التي تملكه الأرض. ولكنه لا يعي ذلك. ويبقى سؤال، هل يؤثر على الإحساس على عقل الإنسان في تحديد طريقه أم لا؟، محض سؤال بدون إجابة. ويفكر العلماء اليوم في استخدام تلك القدرة الخفية، في العلم أو الطب لتطوير وضع الإنسان. وقد يشك البعض أنها مرتبطة ببعض القدرات الغير عادية التي يملكها أشخاص، ويقولون عنها إنها قدرات ما فوق الطبيعة. ولكن ذلك يخص علم الماورائيات.
بالنهاية عزيزي القارئ، فإن العلم يهتم لأمور كثيرة ومتشعبة في هذه الحياة، ولكنها جميعاً تهدف في صالح الإنسان وتغلبه على الطبيعة. ومن ضمن تلك الأمور نجد الحواس المغناطيسية، التي تستطيع إعطاء الإنسان قدرات جديدة هائلة لو إنه تعلم كيف يستخدمها. وقد تكون بداخلنا وتؤثر علينا بالعقل ونحن لا نعرف.
أضف تعليق