تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » فان جوخ : كيف وصل فان جوخ إلى العالمية رغم مرضه النفسي؟

فان جوخ : كيف وصل فان جوخ إلى العالمية رغم مرضه النفسي؟

يعد فان جوخ واحدًا من رواد مدرسة الرسم الانطباعي، وعلى الرغم من مرضه النفسي والعديد من المشاكل التي عانى منها في حياته، يعد فان جوخ واحدًا من أهم الرسامين.

فان جوخ

“لا أشعر أني حيا إلا عندما أرسم”، وهكذا حصل فان جوخ على خلوده في عالم الفن. فنسنت فان جوخ، من أشهر الرسامين في القرن التاسع عشر وحتى الآن، تميزت ريشته بالإبداع والواقعية، واستطاع خلال عشر سنوات، مسيرته الفنية، إنتاج عدد من اللوحات التي لا تزال محل دراسة من طلبة الفنون الجميلة، ومحل إعجاب من محبي الفنون بشكل عام. فما السر وراء تلك الشهرة العظيمة أهي يد الفنان أم أفكاره المتجددة، وهل حقا كان فان جوخ يعاني من مرض نفسي أوصله إلى آفاق أكثر اتساعا من أي فنان سوي آخر؟

تعرف على أهم جوانب حياة الرسام فان جوخ

مولده ونشأته

ولد فنسنت فان جوخ في هولندا عام 1853. منذ ولادته وكان تحت ضغط نفسي ربما لم يكن له يد فيه. كان لجوخ شقيقا ميتا قبله مباشرة فأسمته امه بنفس اسمه ودائما ما كان يتعرض لصدمات نفسية شديدة بسبب كونه ذلك “الطفل البديل”. أما والد فان جوخ فكان قسا في كنيسة، ولربما كان لذلك أثرا كبيرا في تربيته ونشأته الأولى. استمر فان جوخ في دراسته حتى سن الخامسة عشر وتركها ليبدأ عمله المهني في شركة لتجارة الفن في لاهاي. وكانت عائلته فان جوخ عائلة محبة للفن وكان أخيه الأصغر يعمل في تجارة اللوحات وكذلك كان أعمامه.

التحليق في عالم الفن

في السابعة والعشرين من عمره بدأ جوخ في دراسة الفن بطريقة أكاديمية، بعد أن حصل من معونة مالية من شقيقه الأصغر ثيو. وتفتحت أولى معالم موهبته الفنية في لوحاته التي تدور حول الحياة العائلية، ولوحات عمال المناجم والمزارعين البسطاء. بعد ذلك بدأ فان جوخ في التنقل في ريف هولندا حيث بدأ رسم لوحات المناظر الطبيعية المفتوحة، ويمكننا القول بأن تلك الفترة مثلت نقطة تحول في حياته الفنية حيث بدأ الرسم بالألوان الزيتية.

وهنا ظهرت لوحات فان جوخ الشهيرة مثل الحياك، الغزالون، وغيرها. نلحظ في تلك الفترة اهتمام فان جوخ بالفلاحين المحليين ويمكننا أن نفسر ذلك بتأثره بالرسام الهولندي ميليه الذي كانت لوحاته تدور حول العمال والقرويين بصفة خاصة.

أشهر لوحات الرسام فان جوخ

خلال مسيرته الفنية التي لم تتجاوز العشرة أعوام، رسم جوخ ما يزيد عن 2100 لوحة، منها 860 لوحة زيتية و1300 لوحة مائية عدا رسومات ومخططات ومطبوعات أخرى. وبعد وفاته لاقت لوحاته شهرة تجاوزت هولندا ووصلت إلى مرحلة العالمية، ومنها أشهرها؛ آكلو البطاطا، البيت الأصفر، شارع السرو ونجمة، غرفة نوم في آرل، غروب الشمس في مونماجور، ليلة النجوم، وزهور عباد الشمس، مقهى ليلي، الأب اللاعب، كرسي فان جوخ، الكنيسة في أوفير.

فنان المصحة؟

لعل من المهم عند الحديث عن الرسام فان جوخ التعرض لمرضه النفسي الذي كان يعانيه والذي أوصله للدخول إلى مستشفى للأمراض النفسية في فرنسا، حيث كان فان جوخ يعاني من اضطرابات عصبية استلزمت العلاج. وهناك، رسم فان جوخ واحدة من أشهر لوحاته والتي تحمل اسم “ليلة النجوم”. ارتبطت تلك اللوحة في خيال جوخ بالموت، حيث راسل شقيقه الأصغر ثيو قائلا له بأن الموت ما هو إلا رحلة إلى النجوم، وأن الموت بسلام كأنك تذهب للنجوم سيرا على الأقدام.

كيف قطع فان جوخ أذنه ولماذا؟

كان شقيق الفنان جوخ الصغير ثيو والمقرب له تاجرا فنيا وكان يقيم في باريس، وعام 1886 سافر فان جوخ إلى هناك، وحصل من شقيقه على دعما ماديا ونفسيا كبيرا، وكان له الفضل في تعرف جوخ على كبار الرسامين مثل بول جوجان، وكاميل بيسارو وغيرهم. بعدها بعامين استأجر جوخ منزل له في أل بجنوب فرنسا، حيث كانت فكرته بتأسيس ما يشبه قرية للفنانين، وكان لتلك الفترة أثرا كبيرا على لوحات جوخ التي صورت المناظر الطبيعية المفتوحة والحقول النضرة في تلك المنطقة.

جاء جوجان للإقامة مع فان جوخ في منزله بريف أرل، واستمرت إقامتهما معا شهرين إلى أن نشب خلاف بين الصديقين وأصيب فان جوخ بنوبة ثورة وجنون وأمسك سكينا ليواجه صديقه، وفجأة أمسكها وقطع أذنه وبعدها غطاها بقطعة قماشية وتجول بها في شوارع القرية إلى أن قدمها هدية لبائعة هوى. كانت حالة جوخ النفسية سيئة للغاية مما استلزم نقله إلى مستشفى أمراض عقلية حيث وصفت حالته بالجنون الشديد من قبل البعض والإبداع المتخطي لكل الحدود من قبل البعض الآخر. وقد خلد فان جوخ تلك الواقعة في لوحة شهيرة تحمل اسم “الرجل ذو الغليون”، رسم فيها نفسه حاملا غليونا وعلى أذنه ضمادة.

فان جوخ، مبدع السيلفي

يطلق مصطلح الصورة السيلفي، هي تلك الصورة التي يتم تصويرها عن طريق كاميرا الهاتف المحمول أو إحدى الكاميرات الرقمية، والتي بدأ انتشارها بعد ثورة الاتصالات التي شهدها عالمنا في السنوات الأخيرة. ويمكن لنا بحق أن نطلق على جوخ بأنه فنان السيلفي عن حق، حيث قام خلال مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات برسم أربعة وثلاثين لوحة شخصية تحمل رسمه. ورغم أن أبسط تفسير يمكن أن نطلقه عليه هو الغرور، إلا أن السبب الحقيقي الذي يقف وراء هذا هو إحساس جوخ الدائم بالفقر المادي والمعنوي، وعلاقاته العاطفية الفاشلة.

الحزن يدوم إلى الأبد

مثلما كان يعاني من الوحدة والحزن في حياته، كذلك كانت نهايته وحيدا، ولعل فان جوخ رأى أن وضع حلا لمثل تلك الحياة قد تأخر فأراد الخلاص منها سريعا. في مساء أحد أيام شهر يوليو عام 1890 أمسك جوخ بمسدسه وأطلق الرصاص على صدره، وبذلت محاولات لإسعافه، جهود لم تسفر سوى عن بقائه حيا لحين وصول شقيقه ثيو، وأقرب المقربين إليه في حياته، ليشاركه آخر لحظاته حيث قال له جملته الشهيرة: “إن الحزن يدوم إلى الأبد” وصعدت روح فان جوخ إلى السماء وعمره لم يتجاوز السابعة والثلاثين.

خاتمة

يتعرض كل إنسان في هذه الحياة إلى المحن والأحزان، بعضنا تهزمه مشكلاته وتطحنه ضغوط حياته، والبعض الآخر يصقله الحزن وتصطفيه الوحدة ليبدع أحلى الألحان أو تبقى لوحاته لتروي للعالم من بعده سيرته الذاتية بكل صدق وإحساس. كذلك كان الرسام العالمي المبدع فينسنت فان جوخ. يمكن القول أن مرض جوخ النفسي، حيث عانى من عدة أمراض منها الهلوسة، الاكتئاب، الصرع، الفصام، الهوس، وصولا إلى التوحد، كان له أبرز الأثر فيما تمخض عنه من لوحات، حيث أظهرت عدة دراسات فنية أن لوحات جوخ ما هي إلا سلسلة من الأحداث المتعاقبة التي ظهرت فيها الطبيعة في أبهى حللها وما لبثت أن انحدرت لتصل إلى جذور جافة لا تستطيع الوقوف أمام هبات الرياح الضعيفة. وقبل إقدام فان جوخ على الانتحار بساعات، كان قد انتهى من رسم آخر لوحاته “جذوع الشجرة” تلك اللوحة التي لا تحتوي إلا على جذور أشجار متداخلة جافة تستولي على أعين الناظر بكل قوة. تلك التي فسرها فان جوخ في رسالة لشقيقه قال فيها إن حياته قد هوجمت جذورها، كما لو كان رسامنا يودع عالمه ويرى نهاية حياته نصب عينيه.

نادية صالح

كاتبة مقالات ومدونة، عملت في عدة مواقع عربية، الكتابة هوايتي ومتنفسي.

أضف تعليق

13 + 15 =