الحب من أجمل وأسمى المشاعر التي يمكن أن يشعرها الإنسان، و درجات الحب متنوعة ولها منازل ومراحل عدة، وهي متصاعدة تتدرج من ميل النفس لشخص بعينه حتى تنتهي بهيامه الكامل وتوحده فيه، ولعل الحب هو ما يجعلنا نشعر بأننا نعيش وحالة الحب تجعل الإنسان يشعر كما لو كان في حلم، وأنه يطفو فوق كل المشكلات اليومية والأزمات ويصبح أمله في الحياة كلها ربما ساعة واحدة بجوار الحبيب، يلقاه ويجلس بجواره ويفرح بوصاله وربما لا يتمنى في الحياة كلها سوى هذه الساعة ولو كان على شفا الموت وأتيح له أن يتمنى أمنية لتمنى لقاء المحبوب، وتعددت الحكايات والروايات والأفلام السينمائية والأغنيات والقصائد التي تتغنى يوميًا للحب وعن الحب، مما يعني أن الحب هو جوهر الوجود وغايته الكبرى، ولذلك نستعرض في السطور القادمة درجات الحب منذ الميل إلى شخص إلى التوحد الكامل في واسم كل درجة.
تعرف على درجات الحب المختلفة
الهوى
والهوى هو الدرجة الأولى من درجات الحب والهوى عرفته المعاجم وكتب التراث بأنه ميل النفس إلى ما تشتهي سواء كان خيرًا أم شرًا، وفي تلك المرحلة يشعر الإنسان بميله تجاه الشخص الذي يعجب به وربما قد لا يعترف في هذه المرحلة بحبه لهذا الشخص ولو حتى أمام نفسه، تلك الدرجة من درجات الحب ابتدائية وهي الدرجة التي من الممكن أن يتراجع الإنسان فيها، لأن تحرك ميل بداخله تجاه شخص معين يمكن أن يشغل نفسه عنه بأي شيءٍ كان ولا تحتل مرحلة الهوى قلب الإنسان بكامله ويمكنه التحكم بها أيضًا، لذلك الهوى كان الدرجة الأولى والمرحلة الأولى من درجات ومراحل الحب.
الصبوة
الصبوة هي الدرجة الثانية من درجات الحب والصبوة هي الاشتياق للشخص والطلب المُلح في لقائه، والصبوة هي أن تحب أن ترى الشخص وعندما لا يكون أمامك تتشوق إلى أن تراه، وفي المعجم صبا فلان إلى شخص أي حن إليه واشتاق، ولذلك عادة ما يتغنى المطربون بالصبوة والصبابة وحب اللقاء والاشتياق وغيرها، وعادة يكون هناك اعتراف مستتر ولو في اللاوعي بأهمية هذا الشخص وبلوغه في قلبك منزلة خاصة وأنه ليس كباقي البشر ولكن لا يعترف الإنسان بحبه لهذا الشخص بصبوته إليه أو باشتياقه إلى رؤياه، ولذلك كانت درجات الحب عديدة وبالغة ومتدرجة ومتصاعدة.
الشغف
الدرجة الثالثة من درجات الحب والمرحلة التي نستطيع أن نقول أن الإنسان فيها يتسلل حب الشخص إلى قلبه حتى يمتلكه، وعبر القرآن بهذا اللفظ للدلالة عن ما بلغته امرأة العزيز من حب يوسف، ويقال بلغ الحب شغاف قلبه وشغاف القلب هو غلاف القلب أي وصل الحب إلى قلبه وعبر إلى الداخل وفي هذه المرحلة يستقر الحب في قلب الحبيب لحبيبه، وفي هذه المرحلة قد يأتي الاعتراف، وعادة الشغف يطلق على اهتمام الشخص بالشيء وحبه له لدرجة شغفه به وتطلق على الهوايات أو الفنون أو الاهتمامات التي يحبها الشخص ويكرس حياته لها، وكذلك أيضًا هي درجة من درجات الحب التي يستقر فيها حب شخص في قلب شخص آخر.
الوجد
المرتبة الرابعة في درجات الحب، والوجد هنا عندما يشتد الحب قليلاً ويصبح شيء متمركز في حياة الإنسان، والوجد في المعجم له عدة معاني، يقال وجِدَ الشخص أي حزن واغتم، ويقال وجِد فلان بفلان أي اشتد حبه له، ومرحلة الوجد تأتي بعد مرحلة الشغف وإن كان الشغف هو استقرار الحب في قلب الإنسان فإن الوجد هو ظهور هذا الحب على كافة أعضائه، حيث تجده يهتم لأمر الشخص ويلاحقه ويسعد بصحبته ويفرح إن ابتسم له وتجده يفكر به ليل نهار، ويشاهده في أحلامه ويراه في مستقبله، وحين يتصور أنه من الممكن أن يتزوج شخص فيكون هذا الشخص هو أول من يأتي في خيالاته، الوجد مرتبة جميلة ورائعة في درجات الحب ورغم أن معناها في المعجم يعني الحزن، فالحزن في الوجد لا يساوي شيئًا بالنسبة للمرحلة التالية وهي المرحلة الخامسة.
الكلف
الكلف هي الدرجة الخامسة من درجات الحب وهنا التصعيد أصبح عاليًا بعض الشيء لأن الكلف يعني أن الإنسان أصبح يؤلمه شوقه للشخص، والكلف في المعجم تعني حب الشيء والولع به، يقال كلِف (بكسر اللام) أي أحب وأولع للشيء وتعني أيضًا احتماله للشيء على مشقة وتعب، إذن الكلف قد يكون مزيجًا مختلطًا ما بين الحب الشديد والمشقة والتعب، وبالتاي تكون هذه الدرجة من درجات الحب والمسماة بالكلف يختلط فيها النشوة بالعذاب وتمتزج الفرحة بالحزن ويختلط السرور بالبؤس فلم نعد ندري أين الحب وأين الألم، وهذه هي المرحلة الخامسة من درجات الحب.
العشق
الدرجة السادسة من درجات الحب، وتعني الالتصاق، يقال تداخلا عاشق ومعشوق أي امتزجا واختلطا والتصقا ببعضهما البعض، وتطلق على الزجاج المُعشّق أي زجاج مثبت في بعضه البعض، ويقال أدخل النجار الخشبتين في بعضهما البعض عاشق ومعشوق أي ثبّتهما سويًا بإدخالهما في بعضهما، لذلك هذه الدرجة من درجات الحب تعني تعلق الحبيب بحبيبه والتصاقه به ورغبته في الاندماج به والتداخل معه وعدم مفارقته نهائيًا، والعشاق على مر التاريخ تصل قصصهم إلى الأسطورية لأن الكثير محبون لكن القلائل عشاق، وكلما ازداد العشق كلما ازدادت الغرابة ولكن إن ازداد أكثر وأكثر فربما دخلنا في درجات الحب التالية.
النجوى
الدرجة السابعة من درجات الحب وفي المعجم تناجى العاشقان أي أفضى كل منهما إلى الآخر بما يحتويه له قلبه من حب ومشاعر وما تفيض به روحه من عواطف متدفقة، والنجوى تنطوي على حرقة وعذاب ويكثر فيها حديث الإنسان إلى نفسه والشاعر يقول أن قلبه يحدثه بأن حبيبه هذا سيتلفه ويهلكه، هذا الشاعر لابد أنه قد بلغ النجوى في الحب وبلغ الوعي بأن في حبه لهذا الشخص الهلاك لأنه في الشطرة التالية من البيت يقول أن روحه فداء له سواء يعرف أم لن يعرف، وهو هنا بلغ مرحلة من التوحد في الشخص لدرجة أنه لم يعد يهتم بمبادلته نفس المشاعر لأن حبه قد استولى عليه لدرجة تلاشي ذاته تمامًا، وهذه هي الدرجة التي ندعو الله أن لا يوصلنا إليها في حب أي شخص.. فماذا عن الدرجات الأخرى إذن؟
الشوق
شدة الاشتياق للشخص وعدم استساغة أي طعم للحياة بدونه، في هذه الدرجة من درجات الحب يفقد الإنسان أي لذة للحياة سوى وجوده بجوار المحبوب، والشوق هو الدرجة الثامنة من درجات الاشتياق ولعل الشوق هو بداية فقدان السيطرة تمامًا على أنفسنا وأننا لم نعد نملك في أرواحنا شيء وهذه صحيح الدرجة الثامن من درجات الحب لكنها الدرجة الأولى في درجات الحالة التي يصبح فيها الحب خطرًا على اتزان الإنسان وعلى وعيه وعلى تركيزه، وندعو الله أن لا نصل لهذه الدرجة أبدًا، وإن كان الشوق هو أول درجات الحب التي يتحول فيها إلى شيء مضر ومؤذي فربما هناك من يستلذ هذا الألم لأنه ألم مشوب بالمتعة رغم ذلك.
الوصب
الوصب هو الدرجة التاسعة من درجات الحب، والوصب هنا هو أن يتحول الحب إلى عذاب صافي، حيث أن الوصب في معجم المعاني هو المرض والألم والوجع، والوصب في الحب أن يصل الإنسان إلى درجه يتحول الحب فيها إلى علة يهلك الروح والقلب ويسلب الروح سلامها وهدوءها النفسي وبالطبع مثل هذه الدرجة من الحب لا يتمناها أي إنسان ولا يحب أن يصل إليها بأي شكل، ولا ريب أن الوصول لهذه الحالة يستدعي المواساة فالحب الذي لا يدفع الإنسان للأمام ويؤثر على صحته النفسية والبدنية وسلامه وسكونه الذهني بالإيجاب عافانا الله منه وعدم وجوده أفضل بكثير وأن يعيش الإنسان وحيدًا أفضل بكثير من هذا الوصب والعذاب والألم والمرض الذي قد يجلبه الحب.
الاستكانة
لا ريب أن بعد الوصب قد تتخيل أنه آخر درجات الحب إيذاءً وضررًا، لا لأنه لازال هناك الكثير من الدرجات المؤلمة والتي لن تتخيل أن يصل إليها أحد وإن لم تكن قد وصلت إليها بعد فأنت بخير، الاستكانة هي الذل والخضوع وقبول المهانة في سبيل الحب، أن تبعثر الإنسان كرامته أمامه ولا يجد ما يرد به كرامته مرة أخرى، المشكلة أن الأمر قد يبالغ في التمادي عندما يصبح الإنسان متلذذًا بالذل والخضوع هذا، متصالحًا معه ومع كل هذه المهانة التي يتلقاها والمذلة التي يعيش فيها، وبالطبع الأمر هنا يتخطى حدود المرض أو الألم ويبحر في سكة الضياع التام.
الود
الود هي مرحلة هدوء ما بعد الاستكانة وهي المرحلة التي قد يتمنى أي إنسان التوقف عندها لأنه يتمنى أن تظل الأمور على نفس الوتيرة، لأنها تصبح حب صافي خالص خالي من أي شوائب متجرد من أي رغبات بعيد عن حب التملك أو الرغبة في السيطرة والاستحواذ، الود درجة من درجات الحب التي تود عندها سعادة من تحب بطريقة خالصة حتى لو سعادتك هذه مع غيره.
الخلة
الخلة هنا درجة من درجات الحب التي تتعامى عن الوجود المادي للإنسان وهي أولى حالات التصوف في الشخص الذي تحبه، وهي مرحلة لم يصل إليها إلا قلائل، وعادة من يصلون إليها تخلد قصصهم في التاريخ، الخلة مرحلة مكتوبة على ندرة من البشر وعادة تكون رغبة في الإنسان في إيجاد المطلق وليس حب وجود الشخص المادي الشهواني المحدود المتخلخل.
الغرام
الدرجة الثالثة عشر من درجات الحب والمرحلة الثانية من مراحل التصوف، تعلق الإنسان بالشخص لدرجة لا مفر منها ولا فكاك ويستحيل التخلص منها بأي شكلٍ من الأشكال، الغرام آخر مراحل الحب المادي واللحظة التي تتباعد فيها الصورة المادية المحدودة للحبيب ويصبح شيء طيفي هلامي، أعتقد في هذه اللحظة قد تسلم عقلك للجنون المطلق، والجنون هو أنك لا ترى الواقع الذي نعيش فيه، بل ترى واقعًا داخل رأسك أنت، ندعو الله أن لا يوقع في قلوبنا حب أحد يكون على هذه الهيئة.
الهيام
الدرجة الرابعة عشر والأخيرة تمامًا، الهيام هو أن تهيم بحب الشخص ولكنك لا تقصد حب الشخص بل تهيم بالحب عمومًا، تخاطب المطلق ولا تخاطب المحدود، تنقطع صلتك بوجود من تحب وربما لو رأيته أمامك لا تتعرف عليه، الأمر يصبح أشبه أنه أصبح رمز للمطلق الذي تهيم به، للحب الذي تحب أن تعيش في حالته، أن لا تهتم بغيره، وأن تصبح كل شئون العالم الأخرى صغيرة تافهة إن لم تكن موجودة أصلاً.. الهيام هو التصوف الخام المطلق.
خاتمة
عرضنا عليكم درجات الحب درجة بعد درجة، بالتصاعد من مجرد الميل إلى التوحد الكامل والتصوف في المحبوب، من الأمور المعقولة المنطقية إلى الأشياء التي تخرج عن سيطرة المنطق والعقل، ويبقى الحب أحد أهم الألغاز العصية على الفهم في هذا الكون، والهم البشري الأول لدى الإنسان.
أضف تعليق