يعد الأبطال الخارقون ظاهرة مميزة لثقافة العصر الحالي، كما أن تأثير الأبطال الخارقين على أطفالنا شيء لا يمكن غفلته أبداً سواء أكان ذلك التأثير إيجابياً أو سلبياً وهو ما سنحاول اكتشافه لاحقاً.
سبب ظهور الأبطال الخارقون وحصولهم على الشعبية الكبيرة
القدوة الحسنة والمثال الجيد
تلك هي نقطة إيجابية بلا شك في تأثير الأبطال الخارقين على الأطفال؛ فالطفل في أكثر وقت ينمو فيه عقله ويرتبط بكل ما يشاهده حوله من أفعال وتصرفات وما يسمعه من أقوال تجده- إذا كان من متابعي قصص تلك الشخصيات- يتأثر بشكل واضح بالشخصية البطولية صاحبة دور الدفاع عن الحق والخير ضد الأشرار وجالبة النصر دوماً لكافة الأخيار وبالتالي يتجه عقله إلى فكرة استغلال كل ما أوتي من قوة وعقل في وقت واحد في جلب الحقوق ورد المظالم والوقوف بجوار كل من يحتاجه بل وينبذ تماماً كل ما هو مضاد لذلك، وبقدر ما قد تجد تلك الأفكار بسيطة وسهل للغاية أن تخبرها لطفلك بقدر ما سيكون تأثيرها في تنمية شخصيته أكبر وأعمق بكثير إذا أتت من مصدر ترفيه كمشاهدة شخصياته المفضلة.
وبالطبع لا يغفل دور الأب والأم والمشرفين بشكل عام على تربية الطفل في توعيته ليفرق بين الخيال والواقع فيما يشاهده، أي يجب أن يعي الطفل جيداً أنه سيسعى لتحقيق نفس الغرض النبيل الذي يسعى إليه البطل الخارق ولكن بوسائل مختلفة طبقاً لقواعد وقوانين وأعراف.
الخلط بين الواقع والخيال
في نفس الوقت الذي توفر فيه شخصيات الأبطال الخارقون فرصة لزيادة وتنمية إبداع الأطفال وكذلك توفير نموذج للقدوة الحسنة والذي لا غنى عنه في تنشئة أي طفل نجد أيضاً أن تأثير الأبطال الخارقين يمتد لجانب آخر مظلم وهو اختلاط الخيال بالواقع فيجد الطفل أمامه قدرات خيالية تمكن صاحبها من فعل أي شيء وفي أي وقت بينما يجد الطفل نفسه محاصراً في الحياة الواقعية بحوائط وعوازل وقوانين وأعراف تمنعه من القيام ولو بجزء بسيط من تلك الأفعال، وهذا اللبس الذي يحدث عند الطفل قد يصل به إلى إحدى أمرين كليهما لهما تأثير سلبي بالغ الخطورة على نفسية الطفل وشخصيته:
- أولهما أن ينزوي الطفل بعيداً عن الواقع الذي وجده بائساً ومقيداً للغاية ويلجأ للخيال كحل سحري لكافة مشاكله فتجد الطفل في الوقت الذي يجب أن يكون فيه نشطاً ومحب للخروج واللعب والتعرف على أقران جدد وكارهاً للجلوس بالمنزل على العكس تماماً يفضل الجلوس وحيداً في غرفته شارداً معظم الوقت ومنطوي بدرجة ملفتة للنظر بعكس كل الأطفال في مقتبل العمر.
- ثاني الأمرين هو محاولة الطفل تقليد ما يشاهده من قدرات خيالية على أرض الواقع وبالتالي سيؤدي ذلك حتماً إلى إلحاق الأذى إما به أو بأشخاص حوله وعلى المدى البعيد سينمو الطفل كشخص كثير الأحلام بدون محاولة تحقيقها على الواقع ويلجأ كثيراً إلى أحلام اليقظة كحل سحري ليتخيل نفسه في أفضل حال وأفضل وظيفة وحياة مثلى بعكس واقعه المرير الذي يعيشه حتى بدون محاولة تغييره.
مهارات التفكير وحل المشكلات
نقطة أخرى إيجابية تحسب لصالح تأثير الأبطال الخارقون على شخصيات الأطفال، ألا وهي تنمية مهارات الطفل في إيجاد حل للمشكلات والعقبات التي يواجهها والتي تنبع من أكثر من زاوية وهي مشاهدة الطفل أو قراءته لكل مغامرة من مغامرات الأبطال الخارقون وكيف أن شخصيته المفضلة تواجه في كل مرة مشكلة جديدة وعلى قدر ما تبدو من صعوبة بالغة على قدر ما ينجح في كل مرة في ابتكار حل جديد يخلصه من تلك المشكلة على الفور، كل ذلك يقوي إيمان الطفل بأن لكل شيء حلاً مهما بلغت صعوبته وبالتالي فلا ييأس الطفل مع أول محاولة للحل يفشل فيها بل يفكر ويفكر أكثر مستلهماً ذلك من شخصيته المفضلة.
عند مشاهدة الطفل لشخصيته الخارقة المفضلة لديه يمتزج الإحساس بالإثارة مع المتعة مع الحماس مع الخوف في آن واحد لينتج شعور مختلف تماماً لا ينساه الطفل أبداً؛ وبالتالي عند مرور الطفل- حتى بعدما يكبر- بمشكلة ما يستدعي ذلك الإحساس لديه من العقل الباطن أثناء محاولته التوصل إلى حل لتلك المشكلة فلا يشعر بالضجر أو الغضب أبداً بل تجده مستمتعاً بالمعاناة في التفكير حتى وإن لم يدرك ذلك.
أوهام العظمة
خلال قيام الرابطة الوطنية لتعليم الأطفال بالولايات المتحدة بعمل بحث شامل لتجميع أرشيف كامل عن أشهر الأمراض التي يصاب بها الطفل في مقتبل العمر وجد الباحثون أن هناك عددا كبيراً من الحالات تسجلها المستشفيات بشكل شبه يومي لأطفال تأتي مصابة بجروح وخدوش وكدمات وأحياناً يصل الأمر إلى كسور في العظام، اللافت في تلك الحالات أنهم جميعاً يأتون مرتدين ملابس أبطال خارقين وعند تسجيل سبب الإصابة دائماً ما يكون محاولة من الطفل للقفز من مكان مرتفع أو محاكاة الطيران أو ضرب الحوائط والأبواب وغيرها من الصفات التي يتصف بها الأبطال الخارقون ؛ وعلى ذلك فإن تأثير الأبطال الخارقون على شخصية الطفل قد يصل به إلى تمام الاقتناع بأن له نفس القدرات الخارقة حتى وإن بدت أمامه مستحيلة الحدوث بشكل واضح وضوح الشمس.
من النقاط السابقة وغيرها نستنتج أن تأثير الأبطال الخارقون على الأطفال يعد سلاحاً ذو حدين؛ فمن ناحية يوجد تأثير إيجابي لا غنى عنه حيث يوصل للطفل كثيراً من المفاهيم التربوية السليمة بدون بذل مجهود يذكر ولكن من ناحية أخرى يدمر شخصية الطفل بشكل سيء للغاية ولا يظهر تأثيره إلا بعد عمر طويل مما يصعب تغييره فيما بعد.
ما يجب أن يفعله الآباء مع أبنائهم
عندما يتعلق الأمر بأشياء يحبها الطفل ويفضلها لا يكون الحل بحرمانها منه على الإطلاق، وإنما حاول فقط ألا يكون تعلق الطفل بتلك الشخصيات بشكل حصري أي يجب أن يكون له اهتمامات وهوايات أخرى يفضلها ويقسم عليها وقت فراغه كل يوم كالرسم أو الرياضة أو الكتابة وغيره.
إذا ذهبت لشراء ملابس بطل خارق لطفلك حاول اختيار ملابس ذات حشو قطني والذي قد يقتنع الطفل أن الحشو موجود ليعطي للجسم شكلاً أشبه بشكل الشخصية الحقيقية من عضلات وخلافه، وإنما الميزة الحقيقية التي تكمن وراء تلك الملابس هو حماية الطفل من كم هائل من الإصابات التي قد تلحق به عند ارتداء الزي واللعب به.
الطفل في الأعمار المبكرة يميل دائماً إلى التحدث مع والديه عن اهتماماته وما يشغل باله بعكس المراهقين الذين يميلون إلى العزلة والإخفاء؛ لذلك عندما تجد طفلك يتحدث إليك عن شخصيته المفضلة من الأبطال الخارقين حاول دوماً تسليط الضوء في حديثك معه عن النقاط الإيجابية في تأثير الأبطال الخارقين على شخصيته حتى تقود الطفل إلى التفكير في تلك النقاط بدلاً من السلبيات.
يوصي أخصائيو التربية الآباء والمشرفين بالتحدث دائماً مع الأطفال عن نماذج إيجابية موجودة على أرض الواقع كالكتاب والعلماء ورواد الفضاء وأصحاب الإنجازات الغير مسبوقة حتى يبحث الطفل بين تلك الشخصيات عن قدوته التي يرنو إليها بدلاً من إضفاء تلك الميزة لشخصية خيالية بقدرات خيالية.
بعض الشخصيات الخارقة قد تكون فرصة سانحة لتعليم الطفل عن ظواهر طبيعية ومواد علمية قد يعرض عنها الطفل في الأوقات العادية؛ فعلى سبيل المثال يمكن أن نركز عقل الطفل الذي يحب شخصية سوبر مان على الإطلاع الدائم عن علوم الفضاء لعله يجد كوكباً مشابهاً لذلك الذي أتى منه سوبر مان للأرض، أو استغلال شخصية سبايدر مان لتعليم الطفل معلومات وحقائق عن العناكب مثلاُ.
أضف تعليق