مصادقة الابنة والأبناء عموما هو أحد أكثر الأمور أهمية في حياة أية أسرة تسعى إلى الحياة السوية القويمة. فبمصادقة أبنائنا وبناء جسر متين من الثقة بيننا وبينهم نتمكن من أن نكون موجودين من أجلهم ونستطيع أن نثبت أنفسنا كمصدر أمان وسند قوي يعتمدون عليه. الكثير من المشاكل والأزمات النفسية والحياتية تحدث نتيجة انعدام جسر التواصل بين الآباء والأبناء، فلا يتمكن الآباء من تقديم النصح أو الدعم المطلوبين، ولا يتمكن الأولاد من الحصول على الإرشاد المطلوب. مصادقة الابنة أثناء فترة الطفولة تكون مهمة سهلة قليلا، فالطفل لا يملك مرجعا أو شيئا ليقارن به ما يجب أن يحصل عليه وما يريده .. الطفل سيقبل أي شيء يعطيه إياه والديه حتى وإن لم يكن الأفضل. تبدأ مشكلة الصداقة والشد والجذب ابتداءا من مرحلة المراهقة وحتى النضوج وما يليه حيث يصبح الأولاد قادرين على الفهم والإدراك والتمييز بين ما يريدونه وما يسمحون لغيرهم بمشاركتهم إياه. مصادقة الابنة أو الابن في تلك المراحل تكون صعبة جدا وتستدعي اهتماما ومجهودا وافرين، وهو لا يقل أهمية عن مصادقتهم وهم أطفال، لأنه حتى وإن لم يعودوا بحاجة إلى إرشادنا، فإنهم بحاجة إلى وجودنا في دائرة الدعم المعنوي لديهم. هذا المقال سيحاول قليلا مساعدتك في الوصول إلى قلب ابنتك الناضجة والتمكن من الوصول إلى مصادقة الابنة الكبيرة.
دليلكِ إلى مصادقة الابنة الناضجة
ابني على الماضي
مصادقة الابنة الناضجة سيستغرق وقتا ومجهودا طويلا لأن ابنتك حينما تكبر ستصبح لكما آرائكما المختلفة والمتعارضة حول كل شيء تقريبا من الزواج والعمل حتى الإنجاب والأفكار. لذلك، سيلزمك الكثير من الخطوات من أجل توطيد العلاقة والحصول على الصداقة التي تتمنيها. وأول خطوة من هذه الخطوات هي أن تجعلي من الماضي طريقك لصداقة الحاضر عن طريق النقاط التالية.
تعرفوا على تاريخ أسرتكم
هناك الكثير والكثير من القصص التي تحتويها عائلتكم الكبيرة التي تتعدى أسرتكم الصغيرة هذه. حاولي أن تهتمي بقصة العائلة تلك واحكيها لابنتك بطريقة جيدة أو اذهبوا في زيارات لأفراد العائلة الكبار واسمعوا منهم القصص التي يملكونها .. واجعلوا أيضا بعض الحكي من نصيبكم بحيث تنقلون تلك القصص للجيل الأصغر منكم. هذه النشاط سيجعلكم تتشاركون بعض الوقت سويا بالإضافة إلى أنه سيجعلكم مرتبطين أكثر بجذوركم وعائلتكم ويجعل العائلة أمر هام في حياتكم وبالتالي يشجعكم على التمسك بها.
تذكري أن هذه علاقة بين شخصين ناضجين الآن
كما أخبرتك أن ابنتك الآن أصبحت فتاة ناضجة لديها أفكارها وحياتها الخاصة الآن، فانقلي علاقتك من علاقة أم بابنتها إلى علاقة شخصين ناضجين متساويين في معظم الأشياء. بالطبع، علاقة الأم بابنتها هي علاقة دائمة ولا يمكن إنهاءها .. لكن عليكِ الاستماع إلى ابنتك الآن وإعطائها حريتها ومساحتها ومناقشة المشاكل وسؤالها عن رغباتها عوضا عن دور الإرشاد المعهود من الآباء. ثقي أن علاقة العقود السابقة ستحافظ على ما يوجد بينكما وأن انتقال العلاقة إلى النضج لن يؤثر على علاقتكما كأم وابنتها.
لا تنسي الدعم المعنوي
مصادقة الابنة ونضوج علاقتكما لا يعني أنها لم تعد بحاجة إلى دعمك المعنوي كوالدة. بإمكان هذا الجزء البقاء على ما هو عليه بل ويُنصح بهذا حيث أثبتت الدراسات أن استمرار الوالدة في تقديم الدعم والاهتمام لأطفالها حتى بعد النضوج يساهم في النمو النفسي للأبناء ومساعدتهم على الاستقلالية وتعريف الذات.
ابحثي عن نقاط الضعف في علاقتك بابنتك
هناك الكثير من الإحصائيات التي تقول بأن المشاكل في علاقة الأم بابنتها غالبا ما تفوق المشاكل الموجودة في علاقة الأم بابنها. تمكنك من معرفة هذه المشاكل وتحديدها والعمل على حلها سيساعدك كثيرا في الحصول على صداقة صحية ولطيفة مع ابنتك. هذه المشاكل قد تكون ناشئة بسبب فارق الأجيال أو العادات والصفات المختلفة، اعرفي أين تكمن المشكلة في علاقتك مع ابنتك واعملي على حلها.
حاولي تخطي عقبة اختلاف الأجيال بينكم
عليكِ أن تدركي وتقتنعي بأن هناك فارقا كبيرا موجود لمجرد أنك وابنتك تنتميا لجيلين مختلفين. هذه الفجوة التي خلقتها اختلاف الأجيال يجب عليكما أن تتخطياها عن طريق التفاهم والتواصل وتقبل اختلافات أحدكما الآخر. مصادقة الابنة الناضجة سيبدأ في فهم اختلافاتكما ومعرفة طريقة التعامل المناسبة تجاهها. وتذكروا أن حتى الأديان ذكرت فجوة الأجيال هذه حيث قال الرسول محمد فيما معناه أن نربي أولادنا بطريقة غير التي تربينا عليها لأنهم خلقوا لزمان غير الذي خلقنا له.
أحد فجوات الأجيال هذه تكمن في الطريقة التي تفكر بها الفتيات الآن والذي يختلف اختلافا كبيرا عما كانت تفكر فيه الأجيال السابقة. فالفتاة الآن أصبحت تسعى إلى الاعتماد والاستقلال عوضا عن البحث على الزوج والمنزل. وبالطبع جميعنا نعرف أن أمهاتنا والأجيال التي تسبقها لم يكن يهم أي فتاة ناضحة حينها سوى أن تجد عريسا وتبدأ في إنشاء منزلها المليء بالأطفال.
استعيني بالمساعدة إذا احتجتِ لذلك
مصادقة الابنة الناضجة هو أمر مرهق كما أخبرتك ويتطلب مجهودا مضنيا. في بعض الأحيان قد تكون الاختلافات بينكِ وبين ابنتك الناضجة أكبر من أن تتمكنا من تخطيه بمفردكما. تذكري دائما أنه لا يوجد أي عيب وراء طلب المساعدة من مختص في العلاقات الأسرية ومحاولة إيجاد طريقة من أجل التواصل والتصادق. لا تفقدا الأمل في علاقتكما أو تدخلا هدنة صامتة حيث تموت المشاكل والعلاقة في صمت. هذه صداقة وعلاقة عليكما أن تقاتلا من أجل استمرارها حتى وإن كانت صعبة وتبدو مستحيلة. فعلى عكس كل العلاقات الأخرى .. علاقة الأم والابنة لا يمكن أن تنتهي بأي شكل من الأشكال.
اقضوا الوقت سويا
الخطوة الثانية تأتي بعد أن تكونين قد بنيتي الأساس والقاعدة لعلاقتكما سويا ودخلتي في رحلة مصادقة الابنة الناضجة. هذه الخطوة تتمحور حول الحصول على المشاعر والذكريات المشتركة مما سيساعدكما على فهم بعضكما البعض أكثر والحصول على علاقة صحية أفضل. هذه الخطوة يمكن تحقيقها بالنقاط التالية.
اكتشفي هواياتكما المشتركة
ابحثي عن الهوايات أو الأشياء التي تستمتعون بها سويا واجعليها إحدى طرق قضاء الوقت سويا. هناك الكثير من الأنشطة التي يمكنك التفكير فيها كالتمرن سويا، الذهاب إلى المطاعم الجديدة، الاستمتاع بعروض العناية بالجسد أو حتى احتساء القهوة سويا. أيا كان النشاط الذي تستمتعون بقضائه سويا فقط جدوه واحرصوا على أن يكون منتظما بحيث يكون هذا هو الوقت الذي تمضونه سويا في خلال اليوم أو الأسبوع.
استعملي التكنولوجيا لصالحك
إذا لم يكن المكان حليفكما وكنتما تعيشان في مكانين منفصلين وليس بإمكانكم قضاء الوقت سويا بشكل منتظم، حاولا إذا الاستفادة من التكنولوجيا بمختلف أنواعها من الاتصال الصوتي إلى الاتصال المرئي إلى المراسلة إلى كل ذلك. ربما تقومان بتحديد وقت معين لاتصالكما كل أسبوع أو حتى ساعة مخصصة كل يوم تقومان فيها بمتابعة أخباركما ومعرفة ما يدور في حياة كل واحدة منكما.
امضوا بعض الأوقات مع العائلة أو في مجموعات
لا تجعلوا العلاقة منغلقة عليكما أنتما الاثنين فقط. قوموا بالخروج مع عائلتكم أو عائلات أخرى أو حتى مع مجموعات جديدة واجعلوا صداقتكم أمرا ممتعا ومختلفا لا اعتياديا وتقليديا. هذا الأمر سيساعدكم كثيرا في أخذ عبء قضاء وقت أكثر من اللازم مع بعضكما حيث سينفذ الكلام والأحداث منكما.
امضوا العطلات سويا
الحصول على عطلة بعيدة عن الروتين اليومي بإمكانه توفير الاسترخاء والهدوء والتواصل الأفضل بين الأم وابنتها. بالإضافة إلى أن العطلات العائلية قد أثبتت فعاليتها في تحسين الحالة العقلية للفرد وتقليل فرص الإصابة بالاكتئاب وكذلك تحسين عمل القلب! الحصول على العطل العائلية وخصوصا بين الأم وابنتها يساعد على جعل الفرد أقوى في تقبل التغيرات الحياتية وخلق الذكريات الممتعة والمساهمة في قضاء وقت عائلي لطيف بعيد عن الضغط اليومي.
جدي الطرق من أجل التعبير عن حبكما
في مصادقة الابنة سيتوجب عليكما إيجاد الطرق الصغيرة أو الكبيرة من أجل إيصال حبكما بطرق واضحة وجلية. سواء كانت هذه الطرق عن طريقة كتابة ملحوظة أو تبادل الهدايا أو حتى كلمة شكر أو حب بسيطة كفيلة بإيصال المشاعر التي في قلبيكما. هذه المبادرات البسيطة بإمكانها أن تقطع شوطا طويلا في علاقتكما وأن تساعد في تقويتها وتعميقها.
الحرص على صحة العلاقة
بعد أن قمتي بوضع أساسات رحلة مصادقة الابنة الناضجة وقمت ببناء الذكريات واللحظات الجميلة معها. عليكِ أن تحرصي على أن تحتوي علاقتكم على الصحة اللازمة كمتعة أوقاتكم سويا. الحصول على علاقة صحية هو أمر ضروري لضمان بقائها واستمرارها، فالمتعة المزيفة قد تعطيك شعورا بأن مهمة مصادقة الابنة قد تمت بنجاح، لكنها في الحقيقة على وشك الانهيار فور قدوم المشكلة الكبيرة التالية. من أجمل ضمان صداقة صحية يمكنك اتباع النقاط التالية.
ارسمي الحدود الصحية
أحد أساسيات مصادقة الابنة الصحية هي أن تحترمي وتقدري خصوصيات ابنتك الناضجة في مختلف أنحاء حياتها القادمة. فالزواج والإنجاب والانتقال وكل تلك الأشياء سيخلق تغيرات جذرية في حياتكما، لذلك، معرفة متي تعرضين خدماتك ومتى تتركين مسافة لابنتك هو أمر ضروري معرفته جيدا. لا تفرضي وجودك أو مشاركتك في كل تفصيلة تخص ابنتك واتركيها تقرر متى تحتاجك ومتى ستحتاج للاعتماد على نفسها. ولا يجب عليكِ أيضا أن تفزعي لمثل هذا الاقتراح، فعلاقتكما القوية منذ طفولتها ستضمن لكِ أنها ستختار الاختيار الصحيح.
تأكدي أنكما تتواصلان بشكل جيد وبشكل مناسب
نعرف جيدا أن الآباء يؤمنون بأنهم عايشوا واختبروا بما يكفي أن يسمح لهم بالتدخل في حياة أبنائهم وفرض النصائح عليهم. ونعرف أيضا أن الآباء لا يريدون سوى مصلحة أبنائهم وسعادتهم بهذه النصائح. لكن حينما يأتي الأمر إلى مصادقة الابنة الناضجة فإن عليك أن تتراجعي قليلا عن تلك الرغبة الملحة في إلقاء النصائح وفرض الأمور على ابنتك، فحتى وإن كنا واثقين بأنك أعلم من ابنتك في أمر ما .. عليك أن تتعلمي ترك المساحة لابنتك من أجل أن تتعلم وأن تجد طريقها في الحياة بنفسها. ففي النهاية، لا يمكننا فرض الطريق لشخص ما وإجباره على السير فيه. عليكِ التأكد بأن التواصل بينكِ وبين ابنتك يتم بشكل جيد وبناء ودون تقليل من شأن الآخر.
صادقي شريك حياة ابنتك
أجل، بالطبع نعلم أن ابنتك هي أغلى ما عندك .. ولكن عليكِ أيضا أن تقتنعي بأنها أغلى ما عند شريك حياتها أيضا. ويمكنك التأكد من هذا الأمر إذا كنتِ متأكدة من أنك ربيتِ ابنتك بالطريقة الجيدة لأنها حينها ستختار شريك الحياة المناسب. شريك حياة ابنتك ليس منافس لك على قلب ابنتك وليس وحشا شريرا عليك أن تحميها منه. عليك أن تتقبلي وجوده في حياتها وحقيقة أن اهتمامها سيصب إليه في كثير من الأحيان. لذلك، عليك أن تظهري تقبلك وعدم امتعاضك من هذا لأن هذه هي سنة الحياة ولأن عكس هذا سيضع ابنتك في معضلة إرضائك أو إرضاء شريك حياتها مما سيجعلها حزينة في النهاية.
وأخيرا، عليكِ أن تكوني موجودة بجوارها، تحتفظين بأسرارها وتساعدينها في طريق الحياة الذي لا يستطيع أحد السير فيه بمفرده. لكنه يستطيع الجري فيه عندما يجد الصديق الذي سيفعل هذا.
أضف تعليق