تعد تقنية الألياف البصرية ثورة تكنولوجية هائلة انتشرت بسرعة كبيرة في العالم لما فيها من فوائد خدماتية عظيمة وبالأخص في عالم الاتصالات، حيث تمتلك العديد من المزايا عبر مراحل تطورها إلى أن أصبحت تستخدم على نطاق واسع في مجال الاتصالات كبديل للأسلاك النحاسية لسرعتها الفائقة في إيصال الضوء إلى أماكن بعيدة المدى في زمن قياسي. فما هي تقنية الألياف البصرية؟ وكيف أصبحت من أهم المخترعات التكنولوجية في عالم الاتصالات وماهي استخداماتها المتعددة؟ هذا ما سنعرفه تفصيلا في مقالنا.
كل ما يخص تقنية الألياف البصرية
ماهي تقنية الألياف البصرية ؟
كثيراً ما يتردد في هذه الأيام على مسامعنا كلمة الألياف البصرية، سواء في مجال البصريات، الاتصالات والإنترنت، الهواتف الذكية، وغيرها، فالألياف البصرية أو الألياف الضوئية، عبارة عن ألياف دقيقة تُصنع من الزجاج النقي، وتكون شديدة الصغر حيث لا يتعدى سمكها المللي متر. يتم تصنيع الألياف البصرية وتجميعها على هيئة حزم وتوضع داخل كابلات، والتي تستخدم بدورها في نقل الإشارات الضوئية لمسافات بعيدة للغاية، لخدمة مجالات الاتصالات.
لمحة تاريخية
في القرن الثامن عشر، قام العالم الفرنسي كلود شابيه بأول محاولة لاستخدام ما عرف فيما بعد باسم تقنية الألياف الضوئية. قام شابيه ببناء مجموعة أبراج تحتوي أذرع لنقل معلومات لمسافة تمتد إلى 200 كيلومتر. وكان إرسال المعلومة الواحدة يستغرق ما يقارب 15 دقيقة. وجاء جون تايندل عام 1854 لاستكمال المسيرة حيث قام بتجربة بسيطة كان مفادها أنه يمكن نقل الضوء إذا ما تواجد الوسط المناسب لذلك. أما جراهام بل فلم يحالفه الحظ في نقل الصوت من خلال الحزم الضوئية حيث كانت الاضطرابات الجوية مثل الأمطار والثلوج والضباب عائقاً أمام تكليل محاولته بالنجاح.
وشهد القرن التاسع عشر عدة محاولات لاستخدام الألياف البصرية في الاتصالات، ولكنها لم تحظى بنجاح يذكر بسبب عدم توافر الظروف البيئية المناسبة. ولفت اكتشاف الليزر عام 1960 النظر من جديد للاتصالات البصرية، وفي عام 1966 اقترح لأول مرة استخدام الألياف الزجاجية الدقيقة التي تتميز بانخفاض معدل الفقد، وكان ذلك من قبل تشارلز كاو وجورج هوكام. أما أول ألياف بصرية فقد تم تصنيعها عام 1970، وخلال عقد من الزمان تم تصنيع ألياف ضوئية أكثر تطوراً وصل معدل الفقد فيها إلى 0.20 ديسيبل، مقابل أول ألياف تم صنعها والتي كان معدل الفقد فيها يصل إلى 1000 ديسيبل!
فكرة الألياف البصرية
تتكون الألياف البصرية من أسطوانتين ذات مركز واحد، يطلق على الأولى اسم القلب أو اللب Core وتحيط بها أخرى تسمى بأسطوانة الحاجب Cladding، يليها الغطاء الواقي Buffer Coating ثم الغلاف الخارجي المغلف للكابل Jacket.
يتكون القلب من أسطوانة زجاجية رفيعة من السليكا المطعمة بالجرمانيون والتي ينتقل عبرها الضوء. أما الحاجب فهو عبارة عن مادة تحيط بالقلب الزجاجي ووظيفتها حفظ الضوء في مركز الليف البصري وتصنع من السليكا، وذلك بهدف الحصول على معامل انكسار قلب أكبر من معامل انكسار الغلاف حتى يتسنى حدوث ظاهرة الانعكاس التام، والذي يعتبر الشرط الأساسي لتوجيه الضوء في الألياف البصرية. أما عن الغطاء الواقي فهو عبارة عن غلاف بلاستيكي يقوم بحماية الألياف البصرية من العوامل الخارجية. تصطف آلاف الألياف الضوئية مكونة ما يسمى بالحبل الضوئي والذي بدوره يكون مغطى بالغطاء الخارجي أو الجاكيت.
أنواع الألياف البصرية
تنقسم الألياف البصرية إلى نوعين، الأول الليف البصري فردي النمط والذي يقوم بنقل الإشارات الضوئية بنسق ونمط موحد عبر الألياف الضوئية. يستخدم هذا النوع في صنع شبكات الهواتف وكابلات التلفاز. ومن مميزاته صغر الحجم حيث يصل نصف قطر القلب الزجاجي داخل هذا الليف إلى 9 ميكرون ويمكن أن تعبر من خلاله الأشعة تحت الحمراء ذات الطولي الموجي من 1.3 إلى 1.44 نانومتر.
أما النوع الثاني فهو الليف البصري متعدد الأنماط والذي ينقل إشارات ضوئية ذات أنماط متعددة داخل الليفة البصرية الواحدة، والذي يشيع استخدمها في صنع شبكات الحاسوب. يبلغ نصف قطر الليفة البصرية في هذا النوع 62.5 ميكرون، وتعبر خلاله الأشعة تحت الحمراء.
ثورة الاتصالات
لا شك أن اكتشاف الألياف البصرية قد بشر بثورة في عالم الاتصالات لما لها من مميزات تفوق بمراحل ما تقوم به الأسلاك العادية، فالألياف البصرية تتميز بقدرة أكبر على حمل المعلومات. فإذا تخيلنا أننا بحاجة إلى عدد عشرة خطوط من خطوط الهاتف والتي توجد داخل حزمة أسلاك عادية بقطر ما، في المقابل يمكن لنفس القطر حمل ما يزيد عن ألف خط هاتفي وبقدرة أقدر وحماية أكبر وقدرة عالية من التحمل. الأمر نفسه يطبق على خطوط قنوات البث التلفزيوني حيث يمكن لعرض نطاق الألياف الضوئية أن يصل إلى 60 تيراهرتز في الوقت الذي فيه أكبر عرض لنطاق بث تلفزيوني لا يتجاوز 6 ميجاهرتز.
تحمل الظروف البيئية ومميزات أخرى
أما من حيث قوة تحمل الظروف البيئية، كما في خطوط نقل الإنترنت، والتي تمتد براً ثم بحراً، فليس هناك وجه مقارنة بين مميزات الأسلاك النحاسية التقليدية وتلك المصنوعة من الألياف الضوئية، كما يؤثر أيضاً خامة تلك الأسلاك على سرعة نقل البيانات.
ومن الاستخدامات الشائعة للألياف البصرية هو أنها تعتبر من المكونات الأساسية في صنع المولدات الكهربائية، وتستخدم بسبب أنها غير قابلة للاشتعال مما يقلل من خطر وقوع الحرائق. ومن ناحية أخرى، فإن الألياف البصرية تتميز بعدم تعارضها للتداخلات الكهرومغناطيسية مما يجعل نقل الإشارة عبرها يتم في سرية تامة ولأجل هذا تستخدم في الأغراض العسكرية.
وبسبب صغر قطرها تستخدم في صناعة شبكات الحاسوب، وفي التصوير الطبي وفي المسوحات الجيولوجية حيث تتحمل الضغط العالي ودرجات الحرارة المرتفعة أثناء العمل في طبقات الأرض الداخلية.
كيفية عمل الألياف البصرية
الهدف الرئيسي من استخدام الألياف البصرية هو نقل البيانات أو الإشارات الضوئية، وبالتالي تصنع الألياف البصرية من مواد ذات معامل انكسار كبير وبقطر صغير للغاية بحيث يمكن لضوء السقوط على جدارها بزاوية أكبر الزاوية الحرجة، وبالتالي تنعكس كلياً داخل الأنبوب الحاوي للألياف الضوئية ويسهل نفاذه من الطرف الآخر.
تكنولوجيا الألياف الضوئية
تستخدم الألياف البصرية في العديد من المجالات، ومنها الطب والهندسة الوراثية والأغراض العسكرية وتكنولوجيا الاتصالات والعديد من الصناعات الأخرى.
ولعل أشهر الاستخدامات الطبية للألياف البصرية هو عمليات التنظير والجراحات الدقيقة. كان في الماضي يتم عمل الجراحة للنفاذ إلى داخل الجسم للتنظير أو استئصال بعض الأورام، وفي الوقت الحالي يمكن للمريض الدخول لغرفة العمليات والخضوع للتنظير باستخدام مخدر موضعي حيث يتم الكشف الداخلي أو إجراء الجراحات الدقيقة بمنتهى الدقة.
وفي الاتصالات، يمكن استخدام الألياف البصرية في صناعة كابلات الاتصالات، وكابلات الإنترنت، وكذلك في صنع الهواتف الذكية والحواسيب وأجهزة التلفاز.
وفي المجال العسكري، تستخدم الألياف الضوئية في صنع أجهزة الإرسال وفي بعض أجزاء الطائرات والأسلحة الذكية.
خاتمة
يتضح من مقالنا هذا مميزات تقنية الألياف البصرية ودورها كمكون أساسي في العديد من الصناعات وأهمها تكنولوجيا الاتصالات ونقل المعلومات، ولا شكل أنه لا يزال هناك الكثير من المجالات الواعدة التي يُنتظر استخدامها فيها، خاصة مع انفتاح سوق الألياف البصرية ودخول الكثير من الشركات المتخصصة في تصنيع، نقل، تركيب الألياف البصرية. وفي نظرة مستقبلية سريعة يمكن لنا أن نتخيل الصناعات التكنولوجية التي تعتمد بصفة أساسية على الألياف البصرية، والتي تتميز بعرض نطاقها العالي وصغر القطر وخفة الوزن، فضلاً عن ذلك فتلك الحزم متناهية الصغر يمكن لها أن تؤمن ربط مستقر منخفض التكلفة بين دول العالم عابرة البحار والمحيطات، غير آبهة بالثلوج والصحاري، مما يجعل العالم بالفعل قرية صغيرة.
أضف تعليق