تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » كوسيم سلطان : كيف تربعت السلطانة كوسيم على العرش العثماني؟

كوسيم سلطان : كيف تربعت السلطانة كوسيم على العرش العثماني؟

تعد كوسيم سلطان واحدة من أشهر سلطانات الدولة العثمانية، وواحدة من النساء المسلمات القليلات للاتي وصلن إلى أعلى هرم السلطة، نتعرف على كوسيم سلطان عن قرب.

كوسيم سلطان

كوسيم سلطان تلك الجارية الجميلة، المرأة ذات الذكاء الذي لم يُعرف مثيله في الدولة العثمانية، صاحبة الخطط السياسية، ناصبة المؤمرات المتشعبة، وعاشقة السلطان أحمد. طالعتنا الدراما التركية بمسلسل السلطانة كوسيم، والذي حلق بنا في جنبات القصر السلطاني، والذي شاهدنا من خلاله كيف تحولت الجارية الجميلة إلى حاكمة فعلية لدولة كانت تعتبر في عصرها من أقوى دول العالم. ويستعرض هذا المقال قصة حياتها منذ مولدها عام 1590 حتى وفاتها 1651 وهي تحمل لقب السلطانة الأم وكيف وصلت إلى عرش الدولة العثمانية.

كوسيم سلطان من جارية إلى السلطنة

نشأتها ودخولها القصر

وُلدت أنستاسيا عام 1590 لقديس يوناني من جزيرة تينونس ثم وقعت أسيرة في البوسنة، وأرسلها بكلربيك ضمن الجواري كهدية للباب العالي في إسطنبول.

ما إن رآها السلطان أحمد الأول، حتى تعلق قلبه بها وأصدر أمراً بضمها لحريمه، ثم أسلمت أنستاسيا وسميت خاصكي كوسيمماه بيكر سلطان أو كوسيم مهيبكر “أي كوسيم سلطان” ويعني بالتركية “وجه القمر. أصر السلطان أحمد على الزواج بها، بعد شد وجذب مع والدته السلطانة هاندان، والسلطانة الأم “صفية”. تزوج الحبيبان وأنجبا خمسة أولاد وأربعة بنات، أصبح منهم سلطانين، الأمير مراد الرابع وأخيه إبراهيم الأول، وبدأت كوسيم حياتها الجديدة في قصر توبكاي.

السلطانة كوسيم على عرش الدولة العثمانية

توفي السلطان العثماني الرابع عشر، أحمد الأول، في سن الشباب، ولم يكن غريباً وقتها على كوسيم أن تستمر في نهجها القديم الذي كانت تتبعه في حياة زوجها، من التحكم في السياسة العامة للدولة العثمانية من وراء الستار، ورغم عدم ظهورها الصريح إلا أنها كانت من أكثر الشخصيات تأثيراً على السلطان ولاعب مباشر في المعارك والمؤامرات السياسية سواء داخل جدران القصر أو خارجه. وقفت كوسيم بقوة حتى تمنع تقليد ابن ضرتها، الأمير عثمان، سلطاناً، حيث أن ابنها الأمير مراد الرابع كان لا يزال صغيراً.

ومن أجل ذلك، استعانت كوسيم بشقيق زوجها، الأمير مصطفى، حيث جعلته سلطان ظل، وعاونها على ذلك رجال الدولة، وفي الوقت نفسه بذلت كوسيم كل جهودها من أجل إقناع قادة الجيش، القوة الأكثر تأثيراً في الدولة، بأحقية ابنها بالعرش.

ولكن، طيش السلطان مصطفى وتهوره، وعدم تأهله للحكم، شجع قادة الإنشكارية، من أرفع قادة الجيش العثماني، على الحجر على السلطان والانفراد بحكم البلاد. لم تستسلم السلطانة كوسيم، ومارست نفوذها داخل القصر العثماني، وكانت سيدة الحرملك بلا منازع، ولم تكن قد بلغت سوى الثامنة والعشرين من العمر. بالإضافة إلى ذلك، كانت كوسيم سلطان تباشر جلسات الديوان، وتشارك في وضع السياسات العليا للدولة واحتفظت بهذه السلطات لأكثر من نصف قرن.

كوسيم نائب السلطان العثماني!

بعد ثلاثة شهور من تنصيب السلطان مصطفى الأول، شقيق السلطان الراحل، نجحت خديجة ماه فيروز، زوجة السلطان أحمد الأولى وضرة كوسيم سلطان في تنصيب ابنها “عثمان الثاني” سلطاناً للدولة العثمانية. إلا أن كوسيم قامت بتحرك مضاد لم يكن يخطر على بال ضرتها، حيث تحالفت مع قادة الإنشكارية لاغتيال السلطان الجديد، وعندئذ لم يكن هناك بد من تولي ابنها “مراد”، ذو الحادية عشر عاماً، الحكم وبذلك وصلت كوسيم سلطان لمنصب السلطانة الأم، وكانت وصية على العرش بصفتها نائبة السلطان، أي الحاكمة الفعلية للدولة العثمانية.

بعد بلوغ ابنها سن الرشد عام 1632، بدأ السلطان مراد بإبعاد السلطانة الأم عن الحياة السياسية، واتخذ نهجاً إصلاحياً لإصلاح شئون البلاد، وبدأ حملات عسكرية خارجية بغرض توسيع الدولة العثمانية، والنهوض بالبلاد من جديد مذكراً بفتوحات السلطان سليمان القانوني. غير أن سياسات السلطان الجديد لم تخلو من القهر والقمع والقسوة، والذي وصل به إلى محاولته التخلص من شقيقه الأمير إبراهيم، للانفراد بالعرش والأموال. وهنا ظهرت كوسيم سلطان مرة أخرى حيث منعت مراد من قتل شقيقه، الذي توفى في سن السابعة والعشرين بدون أن يترك وريثاً.

وكان لتولي الأمير إبراهيم، صاحب الشخصية الهوائية، فرصة سانحة استغلتها كوسيم سلطان بذكاء للعودة مرة أخرى للحياة السياسية، إلا أنها في هذه المرة أمنت نفسها بتحالفها مع قادة الجيش وعقدت اتفاقاً ضمنياً بتقاسم السلطة معهم مقابل تدعيمها وحمايتها. وسلطاننا الجديد، الذي عانى الكثير في طفولته من مشاهد الاغتيالات والصراعات، كان ذو شخصية مهزوزة، تحمل الكثير من الأمراض النفسية، مما أكسبه شهرة “المجنون”. فقامت السلطانة كوسيم بالحكم بكل أريحية بعيداً عن ابنها وعن القصر السلطاني، فيما يمكن أن نطلق عليه حكماً موازياً. ورغم تهديد ابنها لها بالنفي في حال استمرار تدخلها في شؤون الحكم، إلا أن هذا ما زادها إلا تصميماً على تنفيذ ما عزمت عليه. رأت كوسيم أن التخلص من ابنها السلطان سيتيح الفرصة لحفيدها، ولي العهد الأمير محمد شاه زاده في الحكم، حاملاً اسم السلطان “محمد الرابع”. لتعيد كوسيم سلطان المشهد من جديد، كوصية على سلطان في السادسة من عمره، ونائبة للسلطنة.

نهاية الأطماع وإعدام السلطانة كوسيم

ولما كانت خديجة تارخان، والدة السلطان محمد الرابع، من ألد أعداء السلطانة كوسيم، لم تهدأ كلاهما عن التآمر على الأخرى، أو على الأقل الحيطة والاستعداد للدفاع عن النفس وعن العرش! قررت كوسيم سلطان التخلص من حفيدها محمد الرابع، لتقوم بتنصيب شقيقه سليمان سلطاناً على البلاد. ولكن خطتها باءت بالفشل، وأمرت خديجة تارخان بقتلها خنقاً في 3 سبتمبر عام 1651.

كوسيم سلطانة القلوب

برغم قسوتها السياسية، وذكائها الداهي، إلا أن السلطانة كوسيم كانت محبوبة لدى الشعب العثماني. ولعل ذلك يرجع بشكل أساسي لأعمالها الخيرية ومساعدتها للفقراء بشكل غير مسبوق. كما كانت تقوم بتزويج الفتيات الفقيرات، وأنشئت الكثير من المدارس لتعليم الصغار.

السلطانة كوسيم في الدراما

كانت شخصية كوسيم سلطان ودورها النافذ في التاريخ العثماني، مصدراً للإلهام في الكثير من الأعمال الدرامية. ففي عام 1962 أُنتج فيلم عن حياة كوسيم سلطان. وكذلك في عام 1980 تم عرض المسلسل التركي مراد الرابع، ابن كوسيم سلطان والذي احتلت فيه جزءاً كبيراً من مجريات الأحداث. وفي 1996 عرض مسلسل تركي آخر عن السلطان كوسيم. ولكن قد يكون مسلسل السلطانة كوسيم، الذي بدأ عرضه في 2010، هو أكثر الأعمال الدرامية شهرة، خاصة بعد دبلجته باللغة العربية، والذي لاقى الكثير من الإعجاب لدى المشاهد العربي.

الخلاصة

برغم أن تدخل النساء في شئون الحكم لم يكن شيئاً غريباً في القصور الأوروبية في العصور الوسطى، إلا أنه لم يكن منتشراً في الدولة العثمانية، والتي كان يتميز سلطانها بالقوة والحزم. ولعل السبب في ذلك هو حرص سلاطين الدولة العثمانية على الزواج من الأميرات لتوطيد أركان حكمهم، إلا أن زواج السلطان سليمان القانوني من الجارية هُرم، كان يعد سابقة أولى من نوعها فتحت الباب لزواج السلاطين من الجواري وتنصيبهن سلطانات بجوارهن على العرش. كانت السلطانة كوسيم أسيرة وتحولت إلى جارية، إلا أن طموحها لم يكن له حدود، وكانت تستغل جمالها الأخاذ وذكائها اللا محدود وحب السلطان أحمد لها في الوصول لأهدافها. وكان الحظ حليفها بأن كان ولديها عند توليهم العرش تحت سن الرشد، فأتيحت لها الفرصة للحكم، وإن كانت في سدة الحكم فعلياً قبل ذلك ويمكننا القول منذ حياة زوجها السلطان أحمد.

ولا يمكننا المعرفة على وجه اليقين، هل كان حرص السلطانة كوسيم على التمسك بالحكم نابعاً من أطماعها في السلطة أم أنه كان حرصاً حقيقياً على بقاء الدولة العلية؟ ذلك الحرص الذي دفعها للتخلص من أبنائها، أحفادها في وقت من الأوقات، في سبيل الجلوس على العرش.

نادية صالح

كاتبة مقالات ومدونة، عملت في عدة مواقع عربية، الكتابة هوايتي ومتنفسي.

أضف تعليق

10 + إحدى عشر =