الخير والشر هما صراع. الجميع يعلم ذلك من الأزل، من لحظة بداية الحضارة ووعي الإنسان في النضوج بدأ أن يدرك الإنسان أن بداخله شيئين أو طبيعتين، أحياناً تكون طبيعة هو يحبها وأحياناً تكون طبيعة يمقتها ولكنه من داخله لا يريد أن يفعل خلافها. الحقيقة هي أن من بداية وعى الإنسان أن هناك شر وجِدَ الشر بالفعل، قبل ذلك كانت الحياة حيوانية، الجميع يأكل والجميع يشرب والجميع يتزاوج. ولكن من لحظة إدراك الإنسان فكرة الشر وأن هناك شيء يفعله ليس صواب، عندما أيقن الفرق بين فعل وفعل، عندما بدأ يدرك نفسه ويتحكم في فعل هذا وعدم فعل ذاك ولد الشر في هذا العالم. والإثبات ببساطة أن في عالم الحيوان عندما يقتل أسد غزالة هل يوجد شخص على وجه الأرض يحاكم الأسد على أكله للغزالة، بالطبع لا ببساطة لأن الأسد يفعل هذا ليس بدافع الشر بل هو يفعل ذلك لأنه حيوان ولأنه لا يفهم من الأساس ما هو الشر من الخير.
الخير والشر : تصارع أبدي داخل الإنسان
قصص الشعوب
والسؤال هنا يطرح نفسه وهو ما الذي جعل الإنسان يعرف الخير والشر؟ الإجابة قد تكون معروفة بالنسبة للجميع وخصوصاً بالنسبة لقارئي اللغة العربية بحكم الدين بأن هناك قصة أدم وحواء التي ذكرت في التوراة ومن بعدها في القرآن. حيث أن أدم وحواء سمعوا كلام الحية وأكلوا من ثمرة قال لهم الله ألا يأكلوا منها فكان هذا بمثابة عصيان لله، ومن هناك فتحت عيني أدم وحواء على الشر وبدأت التفرقة بين الخير والشر عند البشر. ولكن يجب أن نعلم شيء مهم جداً هنا، هذه القصة ليست الوحيدة وأن هناك قصص كثيرة جداً في بلاد مختلفة حول العالم تحكي عن قصة بداية معرفة الإنسان للخير والشر، وكل شعب يسمي قصة الشعب الأخر أسطورة وأن قصته هي الحقيقة. بل وهناك علماء ينفون فكرة وجود أدم وحواء من الأساس ويعتقدون في فكرة أن الإنسان كائن متطور من فصيلة قرود ومن ثم زاد وعيه على مدار السنين حتى تعلم كيف يسيطر على غرائزه. ومن هنا بدأت فكرة الخير والشر، عندما منع إنسان قديم نفسه من فعل شيء وأصبح هذا الشيء في مفهومه خطأ ومن ثم توارث الإنسان على مدار الأجيال مفاهيم منها الصائب ومنها الخاطئ ومنها الغريب. وإن أردت أن ترى مدى التناقض بين البشر البدائيين ستجده واضحاً جداً في مقال لنا أخر اسمه عادات الشعوب القديمة.
ما هو الخير؟
هذا السؤال صعب جداً عليَ إجابته. وعلى ما أعتقد الجميع أيضاً لن يعرف كيف يجاوب لأن ببساطة أي شيء جيد أو أي جملة تحمل معنى طيب من الممكن أن تتصف بالخير بشكل عام وإجمالي. ولكن السؤال الذي طرحته مخصص. ما هو الخير؟ هل هو أفكار؟ هل هو أفعال؟ هل الخير كائن حي؟ هل هو الله؟ كل هذه الأسئلة تسمى أسئلة وجودية ونحن ليس أول من فكر فيها بل هناك من يسمون الفلاسفة مثل ” أفلاطون، وأرسطو، وسقراط” وغيرهم من الفلاسفة على مر التاريخ. كل واحد منهم عرف الخير بمنظوره الخاص، فمثلاً أفلاطون عرف الأخلاق “على أنها غريزة لفعل الخير بدافع داخلي”، فلو اعتبرنا أن الخير غريزة هل الشر أيضاً غريزة؟ كلها أسئلة ليست لها نهاية تقريباً. وهنا أريد أن ألخص كل هذه الأفكار والأسئلة التي تسأل عن ماهية الخير وأجيب بطريقة شاملة وخاصة في نفس الوقت “فالخير إرادة حرة داخل الإنسان تدفعه لعدم أذية أي شيء كان سواء إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد”.
ما هو الشر؟
بالطبع لن أقول إنه نقيض الخير، فالأمور لا تجري هكذا في تفنيد حقيقة وكلمة مثل الشر، تهم كل شيء مادي في هذا الكون. تأثير الخير والشر لا يقتصر فقط على هذا المقال حيث نشرح لك هذه البديهيات بل إن الخير والشر هما سبب كل شيء يدور من أفعال حولك في هذا العالم. لأن أي فعل بشري له دافع إما خير إما شر، ومن فعل لفعل بعدد الأشخاص في العالم تجد بلايين الأفعال اليومية التي يتصارع فيها شر وخير، وأحياناً يكون الموت هو ثمرة هذا الصراع. لذلك الشر لا يمكن أن أهمله وأقول إنه مجرد كلمة لن نعيرها انتباهاً أو نكتفي بوصفها كنقيض للخير. فلسفة الشر أكثر تعقيداً جداً من الخير حيث أن الموضوع حتى الآن غير معلوم بالفعل فلا أحد يعلم ما هي طبيعة الإنسان الأولى. ولكني أنا عن نفسي أحبذ الرأي القال بإن كل إنسان يولد بالطبيعة الخيرة، والشر ما هو إلا مكتسب من الآخرين والعادات والتقاليد وردود الأفعال. ولكني مثلما فعلت مع الخير سأجيز لك تعريف هادف للشر تستطيع من خلاله فهم ما أقصده بكلمة شر في هذا المقال لأنها ستتكرر كثيراً. الشر هو “فعل غرضه الأساسي يكون تمجيد الأنانية الإنسانية على أي شيء أو شخص أخر في هذا الكون أياً كانت طريقة هذه التمجيد”.
من هو الإنسان؟
هذه النقطة لا يجب أن تتعداها لأنك غالباً كإنسان لم تبحث عن نفسك بل أنت فقط تكتفي بكونك نفسك ولا يهمك ما هو تكوين هذا الكيان النفسي والجسدي. ما هو أصل الإنسان؟ كل هذه الأشياء في إيجاز سأشرحها لك حتى تفهم ما علاقة الخير بالشر بالإنسان فقط، ولماذا عندما يخطئ كائن أخر لا يُحاسب على خطئه. أجريت دراسة على الحفريات والأحماض النووية أبانت أن الإنسان سكن الأرض تقريباً من 200 ألف سنة في فصيلة حيوانية تسمى الهومو، والتي فيها الإنسان في هذا الوقت كان شكله يشبه كثيراً القردة وظهر في البداية في قارة أفريقيا. وكان ما يفرق بين الهومو وبقية الكائنات هو العقل الواعي والقدرة على أن يمشي منتصباً دون عن أي كائن حي أخر والتحكم العالي في الجسد بصورة تفوق كل الحيوانات، بالإضافة إلى التحكم في اللسان وملامح الوجه مما أظهر اللغة على مدار الزمن. وتطور الهومو خلال 200 ألف سنه ليصبح في الأخير الإنسان الذي نراه الآن وخلال هذا الوقت قاس العلماء حجم المخ بناءً على الجماجم على مدار التاريخ ووجد أنه كلما مر الزمن زاد حجم دماغ الإنسان حتى أصبح إلى الحجم الحالي. ولكن هذا من حيث البناء الجسدي من الإنسان وتميزه عن بقية الحيوانات والكائنات الحية ولكن ماذا من الناحية النفسية؟ الناحية النفسية لدى الإنسان تطورت مع تطور العقل فأصبح الإنسان كائن عاطفي جداً بل وتطورت العاطفة إلى أن وجد شيء يسمى العلاقات الحميمية أو ما نسميه الآن بالحُب. حيث أن في البداية كانت الحياة حيوانية وتعتمد على القوة والسيطرة، فقد كان الإنسان حيوان عاقل وذكي ولكن بفكر حيواني وهذا طبيعي لأنهم كانوا يتعلمون من الطبيعة.
الخير والشر نسبي أم مطلق؟
هذا هو السؤال الركيزة، وعلى مدار زمن بعيد من التاريخ فكر فيه الكثير من الفلاسفة، ورجال الدين. حيث أن الأديان بالنسبة لرسلها جميعاً تدعوا إلى السلام من بداية كونفوشيوس ثم التوراة ومن بعده الإنجيل ثم القرآن، وهذه الأديان هي الأشهر على مدار التاريخ ولكن يوجد مذاهب أخرى مثل البوذية والزرادشتية وكل بلد لها دين يختلف عن الأخر، وخصوصاً دول شرق أسيا الذين لا يعبدون إلهاً محدداً قدر أنهم يعبدون آلهة وعبادات تقليدية كنوع من أنواع الوراثة. في الأخير لو سألنا أي رجل دين عن رسالة هذا الدين للعالم؟، سيجيبك الكل بأن الرسالة الأساسية هي نشر الخير والسلام على سطح الأرض، في حين أن بنسبة تفوق ال70% من الحروب في العالم الآن قائمة من غطاء ديني سواء طوائف دين واحد أو أديان مختلفة. ولذلك السؤال يطرح نفسه من جديد كيف تكون الأديان هي مصدر الخير وهي في نفس الوقت سبب الحروب؟ وهل الرسائل السماوية هي الحق المطلق والخير المطلق أم أن الموضوع نسبي؟، هذه الأسئلة إجابتها بسيطة جداً، أن الخير والشر نسبيان بالفعل ولذلك ظهرت هذه المشاكل والحروب داخل العالم بغطاء الدين. وهي في الحقيقة حروب سياسية واقتصادية وليس الدين سوى غطاء وتشتيت فقط للفكرة الأساسية، وهي الهيمنة على اقتصاد الدول والدويلات حتى تستطيع الحكومات الكبيرة السيطرة على العالم.
أمثلة نسبية
الخير والشر نسبيان وليسا نسبيان بشكل مطلق. وهذا هو خلاصة السؤال في البداية والشرح سيبسط لك هذه الفلسفة ببساطة. عندما يقتل أحد شخص أخر هل من الممكن أن يكون هذا في سبيل الخير؟ لو فكرت فورًا ستقول، بالطبع لا، ولكن لو فكرت مليًا ستقول نعم أحياناً يكون القتل من أجل الخير. فلو جاء أحدهم يحاول أن يعتدي عليك ليقتلك بالطبع ستدافع عن نفسك ولو هو أوصل الصراع لموتك أو موته بالطبع موته هو سيكون اختيارك الشخصي بدافع غريزة البقاء. أيضاً لو جاء أحدهم وتعدى على أهلك، هل ستتركه وتقول إن الخير سيغلب الشر؟ أوتوماتيكيًا بالطبع أيضًا لا، فالدفاع عن النفس ليس شراً حتى لو كنت ستستخدم القوة وستلجأ للقتل. ومن هنا أقول لك أن الأمر نسبي ولكن ليس بصورة مطلقة، فالقتل إطلاقاً هو شر مطلق ولكن الدفاع عن النفس نسبي. ولكن هذا يظهر في القتل بصورة واضحة وربما يكون مثال بسيط زيادة عن اللزوم، ولكن يوجد ما هو أكثر تعقيداً.
مثال التقاليد على النسبية المطلقة
أما المشكلة الكبيرة تكون في الأشياء التي لا يتفق عليها الكل سواء أنها خير أو شر، وهذا يندرج تحت بند العادات والتقاليد. فمثلاً قديماً كانوا يقدمون في حضارة أشور وبابل الأطفال ذبيحة للإلهة عشتار وكان هذا خير بالنسبة لهم، ولكن في المقابل كان هذا شر بالنسبة لشعب إسرائيل، الذي كان الشعب الموحد بالله الواحد الأحد في السماء. وفي أمثلة أخرى نجد الصراع دائماً ضروس بين الخير والشر لأنهما نسبيان ولا أحد يجزم أن هذا خير أو أن هذا شر حتى لو كان على حق. فالأمر ليس فكرة ما إذا كان حقاً أو لا، الأمر عبارة عن منظور البشر للفعل ومنظور البشر متغير من الأزل حتى الأبد.
الدوافع والغرائز
الخير والشر طبيعتان محيرتان، هكذا أيضاً الدوافع والغرائز. ورجاءً لا تتعجل في قراءة الكلمتين فهما ليسا نعتاً لبعض أو معنيان لشيء واحد. فالغريزة تختلف عن الدافع تماماً وربما البعض منا يعلم هذا عند دراسة علم النفس في المدارس العادية جداً. فالغرائز تخص غالباً الحاجات الأولية الجسدية للإنسان والحيوان، أما الدافع فهو يخص الشق النفسي والجسدي معاً للإنسان. بمعنى أن غريزة الجوع تدفعك للأكل، وليس العكس فدافع الجوع لا يولد غريزة الأكل. هذا فيما يخص الشق الجسدي للدوافع، أما فيما يخص الشق النفسي للدوافع فمثلاً الغيرة تدفع الإنسان للعصبية.
علاقة الدوافع والغرائز بالخير والشر ببساطة أنهما السبب. فمثلًا لماذا الأسد يقتل الغزالة؟ بسبب غريزة الجوع التي تدفع الأسد للأكل، ومن هنا وبما أننا اتفقنا أن الدوافع تخص الشق النفسي لدى الإنسان إذاً فالخير والشر غالباً هما أفعال تحدث منك بدوافع معينة. بمعنى أنك تعطي الفقراء نقوداً لأن هناك دافع داخلك يقول لك افعل هذا. إذاً من أين أتى الشر؟ سأقول لك، الدافع الأساسي للشر هو نفسية الإنسان المشوهة نتيجة المجتمع والتربية والبيئة والطبيعة الحيوانية التي مازالت تسكنه، وبما أن نفسية الإنسان غير مستقرة ومتقلبة إذاً بالتبعية تكون الدوافع متقلبة. يحدث أن يكون هناك شذوذ في الدوافع وهذا الشذوذ هو الشر، ولذلك عندما يريد أن يسيطر الإنسان على نفسه يسيطر على دوافعه ويختبر نفسه ليستطيع في الأخير اكتشاف العطب النفسي لديه. وهذه هي الطريقة الوحيدة لاحتواء الشر البشري.
الضمير
بالطبع الخير والشر مرتبطان بشكل أساسي بما يسمى الضمير. وهو عبارة عن الوعي أو الوجدان الداخلي الذي يعرف كيف يميز بين الخطأ والصواب. والضمير في الأساس إذا أردنا أن نتكلم عنه فسنأخذ فيه عدة كتب. فهذه الكلمة هي الشغل الشغال للفلاسفة من قديم الزمن. ولكن دعني هنا أوظف لك ماهية الضمير بالخير والشر بصورة مناسبة. الضمير في العموم يتكون من بضعة أشياء مختلفة، المجتمع وعاداته وتقاليده، الأب والأم، البيئة المحيطة. وربما يعتقد أن البعض أن باقي الحيوانات لا يوجد لديها ضمير ولكن هذا في الحقيقة ليس صواب فكل كائن حي تقريباً لديه حس التميز بين الصواب والخطأ، ولكن الفرق بين البشر وباقي الكائنات هو أن وعي البشر أعلى بمرات عديدة من وعي باقي الحيوانات. وكمثال على هذا أجروا تجربة مع أقرب الحيوانات للإنسان عقلياً وهو الشمبانزي، وكانت التجربة هي عبارة عن قردين تم تعنيف أحدهم أمام القرد الأخر تم تعنيفه بإهانة وزجر. وفي المقابل أعطى الطبيب للقرد الأخر الذي لم يعنفه أحد موزة، فكانت النتيجة أن القرد رفض أن يأخذ الموزة وعندما أصر الطبيب أن يأخذ القرد الموزة أخذها وأعطاها للقرد الذي تم تعنيفه.
ومن هنا كانت النتيجة أن حتى القردة لديها نوع من أنواع الوعي تجاه الخطأ والصواب، وتستطيع السيطرة على غرائزها بشكل بسيط من خلال هذا الوعي. وكما قلنا إن الضمير يتكون من العادات والتقاليد والمجتمع والبيئة، فمن هنا وجدت النسبية الضميرية. حيث تجد بعض القبائل تطرد المرضى من بينهم خارج إطار القبيلة، في حين أن هذا عند باقي البشر هو أمر غير صحيح. والذي يجعل هذه القبيلة تفعل هذا الشيء بضمير مرتاح هو أنهم منذ القدم يفعلون هذا ولا أحد يقول لهم أنه خطأ، فضمائرهم لم يحدث لها تحديث أو تجديد. الضمير وعي طبيعي، مجرد أفكار مختزنة يسترجعها الإنسان وقت الحاجة إليها والحكم فيها يكون من خلال عوامل عديدة سنخصص لها مقال بمفرده. ولكن ما نريد أن تعرفه هو أن الضمائر تتشكل وتتغير وتتطور بتغير البيئة المحيطة، وبتغير الضمير تتغير نظرة الإنسان نفسه للخير والشر وهذا هو أساس فكرة الأديان. فالأديان عبارة عن رسالة للضمائر البشرية تعيد تشكيل فكرة الخير والشر من منظور الرسول.
أخيراً وبعد كل هذه المعلومات عن الخير والشر والضمير والإنسان، اجعل دوماً الإنسانية هي أساس مقاييسك لمعرفة وتميز الخير والشر. فما يمجد كونك إنسان وكيان عاقل افعله وما تشعر أنه يأخذك لعالم وطبيعة الحيوان ارفضه وهذا ما يسمى الفطرة.
أضف تعليق