تقسيم الميزانية أحد أهم الطرق التي تساعد على النجاة من أخطار الأزمات المالية، فمن علامات النضوج الاجتماعي، قدرة المرء على تلبية احتياجاته اليومية بعد الحصول على مصدر شبه ثابت دخل، وزيادة هذا الدخل ليتناسب مع الظروف المتغيرة للفرد. تتغير طلبات الإنسان بشكل كبير مع تطور أسلوب الحياة، فبينما يحتاج الفرد للادخار في بداية حياته من أجل الدراسة بالجامعة، يحتاج بعدها للتوفير من أجل الزواج، والحصول على عمل يكفي لدفع الفواتير الشهرية وإيجار السكن وخلافه، وهنا تبرز أهمية معرفة الإدارة الجيدة للموارد المتاحة ومحاولة تعظيمها، حيث يعتبر ذلك نصف النجاح على المستوي الشخصي، والنصف الأخر هو تقسيم الميزانية بكفاءة، بحيث لا يلجأ الفرد للاستدانة أو التخلي عن أساسيات الحياة المعاصرة، ويتيح هذا النجاح للفرد، أن يدخر جزء من أمواله لتطوير ذاته، وللترفيه عن نفسه، وتخصيص جزء للطوارئ.
دليل تقسيم الميزانية الشخصية بأفضل طريقة ممكنة
تحديد الموارد المالية
أولى خطوات النجاح في تقسيم الميزانية الشخصية، هي تحديد الموارد الثابتة والمتغيرة مثل: الدخل المالي الشهري والسنوي وأي إيرادات أخرى تأتي من المصادر المختلفة مثل: تأجير عقارات أو سيارات أو غير ذلك. يجب أن يفكر الفرد المسئول جديًا في تطوير مصادر الدخل وتنويعها قدر الإمكان، فمن الخطر الاعتماد على مصدر واحد فقط مثل: الراتب الشهري الذي يمكن أن يتوقف فجأة لأي سبب كان، ولعل من المفيد هنا أن نذكر نصيحة خبراء الاقتصاد للفرد العادي، حيث يجب عليه الحصول على مصدر يدر عليه دخلًا مستمرًا بأقل تدخل منه، مثل الذي يجهز شقة للإيجار ويحصل على الإيجار الشهري لها، ويتكلف الساكن بمصاريف صيانة الشقة ودفع فواتير الكهرباء والماء وغيرها، بدون تدخل المالك، وتعتبر زيادة هذا النوع من الدخول، بداية تكوين الثروات والاستقرار المالي للميزانية الشخصية والعائلية.
زيادة الدخل
لابد أن يسعى الإنسان لزيادة دخله السنوي لتفادي نسبة التضخم، وزيادة الأسعار، وأيضا لتلبية الاحتياجات المتزايدة، فعلى سبيل المثال: إذا كان هناك رب أسرة لديه طفل، فمن المتوقع أن هذا الطفل سيدخل المدرسة قريبًا، وستزداد مصاريفه السنوية بجانب المصاريف الأساسية مثل: الأكل والشرب والملبس، وبالتالي يجب على رب الأسرة في أثناء تقسيم الميزانية الحالية، محاولة جمع وتوفير الميزانية المستقبلية لهذا الطفل.
أحد أشهر الأساليب التي انتشرت مؤخرًا؛ لزيادة الدخل هي العمل الإضافي عبر مواقع الإنترنت لتقديم خدمة ما مثل: التسويق الإلكتروني، أو تقديم خدمات تعليمية، أو تصميم إعلانات، أو كتابة مقالات، أو غيرها من الأعمال الحرة التي يمكن ممارستها بجانب النشاط الأساسي للفرد سواء كان يعمل أو يدرس، وساهم سهولة الوصول للشبكة العنكبوتية في زيادة العاملين بهذا المجال، خصوصًا وأن الفرد لا يحتاج للغة إنجليزية متقدمة بل بضع كلمات فقط للتعامل مع المواقع. على جانب أخر، يفضل البعض افتتاح مشروع ما له خبرة فيه مثل: تأجير السيارات أو العمل في محلات تجارية مجاورة أو التجارة في الأسهم والسندات في البورصة.
تقسيم الميزانية
بعد تحديد الدخل المتوقع في السنة القادمة، يمكن للفرد البدء في التخطيط للمصروفات. هناك ملامح رئيسية ومبادئ يجب أخذها في الاعتبار عند تقسيم الميزانية حيث يجب أن تراعي بنود الميزانية الضروريات الهامة للفرد أو الأسرة مثل: السكن والطعام والشراب وتكلفة التنقل، ويجب أن تكون هناك أولويات واضحة، وخطط للمستقبل، ويجب تحديث البنود باستمرار؛ لمراعاة الأسعار الجديدة والأحوال الاقتصادية السائدة في البلد، ويفضل سؤال من لهم خبرة في بند ما للاستفادة من توقعاتهم.
الأمر الأخر الذي يجب الاهتمام به هو مراقبة الإنفاق والخطة الموضوعة له؛ بحيث لا يطغي بند على أخر، فليس من المعقول الاهتمام بالدراسة والتعليم على حساب الصحة والعلاج. يجب كل فترة مراجعة الخطة المالية السابقة، فبالتأكيد ستجد أنك بالغت في تقدير بند ما وقللت من آخر. صحيح أنه تختلف مصروفات كل فرد عن الآخر تبعًا لمسئولياته، إلا أنه في الحالة الطبيعية هناك نسب حددها خبراء الاقتصاد، يجب أن يسعى الإنسان للالتزام بها عند تقسيم الميزانية الشخصية له بحيث تكون كالتالي:
- 20% السكن.
- 25% أكل وشرب.
- 15% صيانة المنزل.
- 10% ملابس.
- 5% علاج.
- 5% توفير.
يجب بالإضافة لما سبق، توفير الميزانية اللازمة لمصروفات الدراسة والفواتير والأقساط، ويدخل كي الملابس والخياطة تحت بند الملابس وتدخل النظافة وأعطال المياه والكهرباء تحت بند صيانة المنزل.
يفضل أن يتولى أحد أفراد الأسرة عملية الإنفاق والشراء؛ حتى لا يتكرر شراء الطرفان لنفس الأشياء، وكذلك حتى تكون هناك خطة مالية واضحة للبيت، بحيث يعرف كل فرد الحدود المتاحة للإنفاق، ومن باب التربية، ينصح بإشراك الأبناء في تحمل المسئولية المالية مثل: الذهاب لشراء الاحتياجات الخفيفة للبيت، وكذلك يجب إشراكهم في وضع الخطط المالية للمنزل.
عمليات التوفير
من حسن الحظ، أنه يمكن توفير بعض الإيرادات في المواسم مثل: موسم الإجازة الصيفية الذي تنعدم فيه المصاريف المدرسية، وفي بداية الزواج عندما يكون عدد أفراد الأسرة أقل ما يمكن، وغير ذلك من الأوقات الهامة التي يجب أن يحسن الإنسان استغلالها؛ حتى يمكنه أن يفتح مجالات جديدة في حياته مثل الذهاب لرحلة أو السفر أو الاشتراك في دورة تدريبية.
يجب على المسئول عن تقسيم الميزانية أن يضع في اعتباره عملية التوفير، وذلك بتدوين النفقات المختلفة لتحديد مواطن الخلل وتسريب الإيرادات، ثم يحسب بدقة تكاليف المشتريات التي يتعين عليه الالتزام بها، ويحاول بقدر الإمكان تخصيص جزء للاستثمار والحالات الطارئة.
الفرص الذهبية
يقدم الخبراء عدة نصائح ذكية لتوفير الكثير من المصروفات أثناء تقسيم الميزانية الشخصية والعائلية، تعتمد هذه النصائح على اقتناص الفرص المجانية وشبه المجانية التي تقدمها الشركات وخاصة عروض الدعاية للمنتجات الجديدة.
من المثير أن الفرد الذي يدون نفقاته يكتشف أنه يستهلك كميات كبيرة في الغذاء وخاصة الحلويات الغير ضرورية والمياه الغازية، فلذلك يمكن لأي فرد أن يوفر حوالي 10% من مصاريفه اليومية إن هو أعاد النظر فيها.
علاوة على ما سبق، يمكن توفير مصاريف عدة بنود عند تقسيم الميزانية وذلك بعده طرق، أشهرها أن يساعد أفراد الأسرة بعضهم بعضًا في عدة أعمال مثل: الدراسة أو الدهان أو إصلاح السباكة والأجهزة المنزلية، فمن المؤكد أن كل فرد يمتلك مهارة في مجال ما يمكنه الإبداع فيه.
الهروب من الفخ
تهدف الشركات التجارية بالدرجة الأولي إلي بيع منتجاتها للعملاء بهدف الربح، لذلك تلجأ إلى علم النفس السلوكي؛ لجذب الزبائن لشراء أكبر كميات ممكنة، ولعلك سمعت عزيزي القارئ عن الجمعة السوداء في أمريكا وهي الخدعة التي ظهرت في الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما وجد التجار في أمريكا أن اقتصادها يعاني من الكساد، فقاموا بالإعلان عن تخفيضات تصل للنصف تقريبًا في يوم محدد متفق عليه، فأقبل الزبائن لشراء ما لا يحتاجونه في الأساس تدفعهم رغبتهم في التملك والاستحواذ علي أكبر قدر من السلع منخفضة الأسعار.
يدفع حب المظاهر والخوف من نظرات الناس، الأفراد لشراء كماليات لا يحتاجونها إلا قليلًا، ولعل ذلك يبرز بشدة في الإعداد لمنزل الزوجية، وإصرار البعض على شراء غرفة للأطفال قبل الزواج، أو المبالغة في شراء الذهب، أو حفلات الزواج، وغير ذلك.
يمكن الحل الرئيسي لتفادي النزعة الاستهلاكية السلبية في كتابة احتياجات البيت مسبقًا، قبل الخروج للتسوق، حتى لا نقع فريسة لخدع التجار، وخاصة مع كثرة الإعلانات التجارية الجذابة وعروض التخفيضات المستمرة التي تجعل الفرد يشتري ما لا يحتاج إليه؛ رغبة في الحصول على التخفيض. اتباع النصائح السابقة مع فهم الموارد المتاحة وبنود المصروفات ستسهل عليك -عزيزي القارئ -تقسيم الميزانية بيسر، ويجب البعد عن الديون قدر الاستطاعة؛ لتجنب الدخول في كوارث مالية، تؤدي لفشل البيت وتعرضه لهزات اقتصادية عنيفة.
أضف تعليق