يلجأ الناس لقراءة الكتب؛ لزيادة معارفهم، وتوسيع مداركهم، ولإلقاء نظرة عامة وتفصيلية حول موضوع ما، ولذلك تقاس حضارة وثقافة الشعوب بأهمية القراءة لديها، وحجم ونوعية الكتب المباعة والمنتشرة بين الناس، وعلى الجانب الآخر تشجع الحكومات الأفراد على تأليف الكتب، وترجمة المراجع الأجنبية، وغير ذلك؛ لإثراء المكتبة الوطنية والاطلاع على الثقافات الأخرى؛ وسنساعد القارئ هنا على معرفة فن التأليف، والأدوات التي يحتاجها لخروج الكتاب في أحسن صورة للمتلقي، خاصة بعد أن ارتفعت متطلبات الناشرين، وبدأ الاهتمام بجودة المحتوى، والاعتماد على التشويق، وحسن العرض والإخراج. هناك عدة أنواع للكتب منها: كتب الأطفال، والقصص، والروايات، والكتب العلمية، والمعرفة العامة، وستعتمد هنا على فن التأليف الخاص بكتب المعرفة فقط، حيث أن بقية المجالات لها طرق أخري تعتمد على التشويق، أو الأدلة العلمية، وغير ذلك من الأمور التي تهم القائمين عليها.
دليلك إلى تعلم فن التأليف بنفسك بسهولة
اختيار الموضوع
إذا فكرت – عزيزي القارئ – في تأليف كتاب، فلابد أن تختار الموضوع بعناية شديدة، ولهذا ننصح قبل الاختيار أن تكون قادرًا على المحاضرة لمدة ساعة على الأقل في هذا الأمر، أو قرأت خمسين كتابًا في هذا المجال، حتى تكون لك معرفة واسعة بالموضوع، وجميع جوانبه، فلا داعي للفلسفة كما يقول المثل العامي.
يجب أن يكون هناك سبب وجيه لتأليف الكتاب مثل: تغطية جانب لم يذكر من قبل في الكتب، أو عرض الموضوع بأسلوب أفضل، أو تأليف كتاب عن موضوع جديد، أو متجدد مثل: التطورات السياسية والاقتصادية وغير ذلك، ويعتبر ذلك هو اللبنة الأولى في تأليف أي كتاب؛ حيث يجذب الموضوع الجديد القارئ ويجعله يقرأ الكتاب حتى نهايته.
إذا كان لدي الكاتب عدة أهداف من وراء تأليف أي كتاب، فننصحه بكتابة هذه الأهداف أمامه، وترتيبها؛ وذلك لتوزيعها على جميع فصول الكتاب.
الخطوات الأولية
أهم النصائح التي تذكر في فن التأليف هي جمع أهم المراجع، التي تغطي كافة النقاط والأهداف المرجوة من الكتاب مقدمًا، ورسم خريطة ذهنية، تجمع كل هذه النقاط والأهداف، ثم كتابة فهرس للكتاب قبل الشروع في تأليف الكتاب ذاته.
من المهم هنا أن يعلم المؤلف شيئًا ما عن قاعدة (3-5) أثناء كتابة الفهرس، حيث ينصح أن تكون عدد أبواب الكتاب بين الثلاثة والخمسة، وعدد فصول كل باب بين الثلاثة والخمسة كذلك، وإذا زاد العدد عن ذلك يبدأ المؤلف في الدمج والحذف قدر الإمكان، وبالطبع ليست هذه القاعدة ثابتة، فيمكنه الخروج عنها بسهولة، ولكن يفضل الالتزام بها في فن التأليف لمنع تسرب الملل للقارئ.
التعامل مع المراجع
بعد اختيار المراجع، ستجد أن هناك عدة مراجع معينة هي التي تحتاج إليها أثناء التأليف، لذلك ضعها أمامك أثناء العمل. اكتب اسم كل فصل في صفحة فارغة، واكتب اسم كل فرع في صفحة أخرى فارغة، ثم امسك المرجع الأول، واستخرج من فهرسه أرقام الصفحات التي تحتاجها في كل فصل وفرع، واكتب هذه الأرقام تحت عناوين الصفحات الفارغة، وهكذا مع كل مرجع؛ لتجد نفسك في النهاية حددت المواضيع التي تحتاجها من كل مرجع، وإذا وجدت أن صفحات المرجع قليلة، يمكنك دمج هذه النقطة مع أخرى؛ حتى يصبح عدد الصفحات الكتاب متناسقة.
بالطبع ستتخصص فهرس للمراجع التي استخدمتها في نهاية الكتاب، مع ذكر مواضع الاستعانة بهم في وسط الكتابة، ولا يعني هذا النقل المباشر من المرجع، بل ينبغي للمؤلف قراءة المرجع جيدًا، أو الصفحات المحددة سلفًا، ثم إعادة كتابتها بأسلوبه بعد القراءة مباشرة، وبالطبع سيحتاج الكاتب لمراجعة ما يكتبه مرة أخرى كما سيأتي فيما بعد.
أسلوب الكتابة
من المهم في فن التأليف أن نذكر الفكرة الرئيسية في بداية الباب، أو الفصل، أو الفرع، ثم نبدأ في شرحها بالتفصيل في نقاط داخله، بحيث لا يحتاج القارئ للاطلاع على الباب بأكمله؛ لمعرفة المقصود من وراءه. يحتاج المؤلف دائمًا للاستعانة بأمثلة، أو خرائط، أو آية قرآنية، أو حديث شريف؛ لذلك يذكر أو يضع علامة في الاستشهاد، ويكتبه في ورقة منفصلة، ويواصل التأليف، وفي نهاية جلسة التأليف، يراجع الاستشهاد وكلماته من المرجع الأصلي، ويكتبه كما يجده صحيحًا.
من الأساليب المهمة في فن التأليف تقسيم الكتابة إلى فقرات صغيرة، في حدود سبعة أسطر، حتى يستطيع القارئ أن يستوعب الفكرة بسهولة، وذكر عدة أمثلة تغطي الجوانب المختلفة للموضوع، وأن يتخيل المؤلف نفسه مكان القارئ؛ حتى يستوعب ما يدور بخاطره أثناء القراءة.
المراجعة
بعد الانتهاء من تأليف كتابك، ومهما كان خبراتك في التأليف، يجب أن تراجع ما كتبته عدة مرات، ثم أعط الكتاب لشخص آخر؛ يراجعه جيدًا؛ لأن الإنسان من الصعب عليه رؤية أخطاءه وعيوبه، وبالطبع إذا كنت تكتب في مجال ما، فإنك تحتاج لمراجع متخصص في هذا المجال، وخاصة الموضوعات العلمية التي تعتمد على ذكر الحقائق والأرقام، وربما تحتاج لعدة مراجعين في نفس المجال؛ لمزيد من الدقة والجودة.
بعد المراجعة المتخصصة، يذهب الكتاب لمراجع لغوي لتصحيح الأخطاء الإملائية، والنحوية، والتراكيب اللغوية لبعض العبارات، حيث يفضل أن تبدأ الجملة بفعل في اللغة العربية إلا في بعض الحالات، على عكس اللغة الإنجليزية التي تبدأ الجملة فيها باسم، وغير ذلك مثل: مواضع الهمزات، وبعض الحروف.
في خاتمة الكتاب يلخص المؤلف الأفكار الرئيسية، ويذكر عدة نصائح للقارئ. يكتب المؤلف المقدمة بعد الانتهاء من التأليف حيث يذكر فيها منهجية تأليف الكتاب، والضرورة التي استدعت كتابته وغير ذلك، ويستعرض الأبواب والفصول ويذكر نبذة عن كل منها، ويذكر أهم الخلاصات والنتائج التي استنتجها بعد تأليف الكتاب، وما سيحصل عليه القارئ بعد القراءة، لأن فن التأليف يعتمد بالأساس على تسهيل عملية القراءة، والحصول على المعلومات المختلفة بيسر وتوفير الوقت والجهد.
المراجع
يعتمد أي كاتب على عدة مراجع، عند تأليف أي كتاب، حتى لو كانت فكره هذا الكتاب جديدة، لأن الأفكار تبنى على معلومات مسبقة، أو جهود آخرين، قام المؤلف بالصعود عليها، لذلك من الأمانة العلمية ذكر تلك الجهود في قائمة المراجع، وكيف يمكن للقارئ الحصول عليها، وهناك طريقة شائعة في فن التأليف تسهل عملية كتابة المراجع، حيث يذكر اسم الكتاب أولًا، ثم اسم المؤلف، ثم تاريخ الطبع، ودار النشر، وأي معلومات إضافية من شأنها تسهيل الوصول للمرجع.
تكتب قائمة المراجع في نهاية الكتاب، ولا تكتب في الهامش إلا إذا نقل المؤلف أجزاء كما هي من المراجع، أو بتصرف منها، وفي بعض الأحيان، تكتب قائمة المراجع في نهاية كل باب من أبواب الكتاب.
بعد الانتهاء من كل ذلك، يكتب المؤلف شكر وإهداء لمن ساهموا في هذا العمل مثل: أساتذته، أو أصدقائه، أو أسرته التي وفرت له جو مناسب للتأليف.
الإخراج
من المهم أن تعرف – عزيزي المؤلف – أن شكل الكتاب يساهم أكثر من موضوع الكتاب في المبيعات؛ لذلك عليك أن تختار صورة ملفتة ومعبرة على الغلاف، وأن تبرز العناوين الرئيسية بالإطارات والألوان، وأن تترك فراغات في الصفحة لكي تريح عين القارئ، وان تحاول قدر الإمكان استعمال الألوان؛ لكي تزيد من مبيعات الكتاب رغم أنه يصبح أكثر تكلفة؛ حاول كذلك، بعد اتباع خطوات فن التأليف المذكورة هنا، اختيار دار نشر متميزة؛ لكي تكون طباعة الكتاب فخمة وتتحمل أوراقه العوامل الجوية والزمنية.
إذا نجح كتابك في الانتشار، يمكنك طبع نسخة أخرى منه، مع إضافة التعديلات المناسبة ومراجعة الأخطاء السابقة، وكذلك يمكنك طبع نسخ مخصصة للأطفال والطلاب، وإقامة ندوات وإلقاء محاضرات حول موضوع الكتاب.