تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » أطفال الشوارع : كيف تؤثر ظاهرة أطفال الشوارع على المجتمع سلبًا ؟

أطفال الشوارع : كيف تؤثر ظاهرة أطفال الشوارع على المجتمع سلبًا ؟

ظاهرة أطفال الشوارع من الظواهر المنتشرة في المجتمعات المتقدمة والبدائية على حدٍ سواء، وهي ظاهرة سلبية بكل تأكيد، نتعمق قليلاً في مشكلة أطفال الشوارع هنا.

أطفال الشوارع

تعد مشكلة أطفال الشوارع مؤرقة للكثير من المجتمعات، فالطفولة مرحلة خطيرة جداً في حياة الإنسان، ففيها تتشكل ملامح شخصيته واتجاهاته في الحياة، ومنها ينطلق الإنسان إلى أبواب الحياة ليختار طريقاً خاصاً به. وتبدأ المرحلة العمرية للطفولة من يوم الولادة حتى سن الخامسة عشر، وهي تلك المرحلة التي يجب على الآباء والمجتمع ككل الانتباه لها والاستعداد التام لاستيعابها بكافة مشاكلها؛ للمرور بهم بسلام، مع ضمان كافة الحقوق الإنسانية لهم مثل التعليم المناسب والعيش في سلام وجو أسري سليم، وعدم استغلالهم كطاقة بشرية في أعمال لا تتناسب مع طفولتهم والكثير من الحقوق التي يجب مراعاتها في التعامل معهم. ولكن للأسف وكنتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة وجدت ظاهرة تسمى أطفال الشوارع وهي فئة من الأطفال حرمت من أبسط الحقوق الإنسانية التي يجب أن ينالوها من مسكن وملبس وغذاء وتعليم. ظاهرة أطفال الشوارع قضية مهمة يعاني منها كافة المجتمعات والحكومات على مستوى العالم، وهذه الظاهرة بدأت في التفشي والانتشار في كل دول العالم بمعدل رهيب وتزايد مستمر، مع وجود حلول بطيئة من قبل الحكومات لحل المشكلة والتي لا تتناسب مع سرعة نمو هذه الظاهرة، التي تعد وصمة عار على جبين الحكومات التي طالما وعدت بالحلول دون أدنى تغيير من الواقع، فهي ظاهرة مؤثرة بشكل واقعي ومباشر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، حيث تهدد أمن واستقرار الوطن. لذا وجب التعرف على أسباب هذه الظاهرة ومحاولة إيجاد بعض الحلول لها كخطوة سابقة على طريق انتهائها من المجتمعات.

ظاهرة أطفال الشوارع وتأثيرها السلبي على المجتمع

تعريف ظاهرة أطفال الشوارع

هي ظاهرة انتشرت في الفترة الأخيرة بصورة واضحة على مستوى العالم نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة، وتظهر عادة بصورة أكبر في البلاد النامية، وتتفشي في الأطفال من سن خمس سنوات وتظل ملازمة لهم في مراحل عمرية متقدمة، وتظهر هذه الأطفال في الأماكن النائية والمهجورة خصوصاً في فترة الليل، وغالباً ما يعيشون بداخل عصابات تعمل على تسريحهم وتشغيلهم في أعمال لا تليق بأعمارهم؛ لجلب الأموال، مما يعمل على محو طفولتهم وتحولهم لأشخاص ناقمين على المجتمع ككل.

وينقسم أطفال الشوارع إلى قسمين:

  • أطفال انفصلوا عن أسرهم ولجأوا للعمل والعيش في الشارع لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، وهم فئة خطيرة جداً لعدم وجود كيان أسري.
  • الأطفال العاملين، وهم أطفال يعملون طوال النهار في الشوارع، ولا تربطهم أي صلة بعائلاتهم فالبيت للنوم فقط واليوم بأكمله للشارع، فلا يوجد أي مجال نهائياً للأسرة في حياتهم، وهو نوع من الأطفال أقل خطورة عن السابق.

الأسباب التي أدت لوجود ظاهرة أطفال الشوارع

  • التمييز بين الأبناء: وهو اتجاه الآباء لتفضيل أحد الأبناء على الأخر، مما يؤدي لإحساس باقي الأطفال بالظلم وعدم الاعتناء، مما يجعلهم يتجهوا إلى الشارع لإظهار شخصيتهم ومحاولة الاعتزاز بأنفسهم.
  • الطفل اليتيم: وهو الطفل الذي يتعرض لفقدان أحد أبويه أو كلاهما، ولا يجد من يحتويه أو يحنو عليه ويعوضه فقدان أهله، فيذهب إلى الشارع.
  • التفكك الأسري: ويعد أحد أهم العوامل المؤثرة في هذه الظاهرة، فالطلاق أو الهجرة أو العنف من أحد الأبوين للآخر يؤدي إلي الإحساس بالضياع وعدم الأمان، فيتجه إلى الشارع كبديل للدفء الأسري.
  • العنف ضد الأطفال: وهو عامل مهم يندرج تحت التفكك الأسري، وهو قيام أحد الأبوين وخصوصاً الأب على أبنائه، حتي يصلوا إلي مرحلة العصيان والتمرد والاتجاه إلى من هم أقل توجيهاً لهم إلى أن ينتهي بهم الحال في الشارع.
  • الهروب من المدرسة: أحد العوامل التي أدت إلى ظهور أطفال الشوارع، فعدم وجود محفز على التعليم وهدف محدد من الأبوين يجعل الطفل يكره المدرسة والإلزام الموجود بها، فيتجه للشارع للهروب منها.
  • التقليد للتصرفات الخاطئة: وذلك عن طريق تقليد العادات الخاطئة والتصرفات من قبل الأهل كالتدخين ومحاولة الإحساس بالرجولة فيتجه للشارع؛ لجلب الأموال للحصول على السجائر وتدعيم إحساس الرجولة لديه.
  • الظروف الاقتصادية: فالظروف الاقتصادية عامل مهم جداً في وجود ظاهرة أطفال الشوارع وفي كثير من الظواهر التي ظهرت في المجتمعات، نتيجة الضغط النفسي الناتج عن الحاجة والعوز، فهما كفيلان لأن يفر الطفل إلى الشارع أملاً في تحقيق رغباته.
  • نظام التعليم: صعوبة المناهج التعليمية وافتقارها للمناهج التربوية، وافتقاد روح العلم والمعلم والاحترام، فيعتبر هذا دافع من دوافع عدم الذهاب للمدرسة والهروب منها إلى الشارع.
  • أسباب خاصة بهم: الافتقار إلى الدفء الأسري، ووجود استعدادات شخصية للانحراف وعدم تحمل المسئولية، والهروب إلى الشارع حيث لا رقيب ولا محاسب ولا التزامات أو واجبات نحو الأسرة.

التحليل النفسي لظاهرة أطفال الشوارع

انتشر الكثير من الأفكار والمعتقدات الخاطئة عن أطفال الشوارع وأنهم أطفال مجرمون دافع الشر والإجرام غريزي فيهم، فهذه الأفكار وجب على المجتمع إصدار برامج التوعية التي تصحح من هذه المفاهيم، وتبين التغيير الذي يطرأ على شخصيتهم وطباعهم في حالة إيواء مثل هذه الأطفال. وسوف نقوم بعرض أهم الصفات الشخصية لهؤلاء الأطفال:

  • عدم التمييز بين ما يجب وما لا يجب: نتيجة مباشرة لغياب دور الرقيب والمعلم والمرشد، وهو دور الأب في تربية أولاده ودور الأسرة في التوجيه المباشر واستيعاب الأخطاء ومحاولة إصلاحها.
  • العدوانية: يعود هذا السلوك نتيجة للإحباط النفسي والشعور بالعدوانية وعدم وجود حياة طبيعية وافتقادهم للحب والحنان والدفء الأسري.
  • عدم وجود أهداف أو طموح: نتيجة لإحساسه بالتشتت ومحاولة العيش؛ لتخطي اليوم بسلام دون النظر للغد فهي نظرة للحياة على المدى القصير.

النتائج المباشرة لوجود مثل هذه الظاهرة

  • الإصابة بالأمراض لعدم وجود رعاية صحية كافية.
  • انتشار ظاهرة التسول كوسيلة لتحصيل المال.
  • تناول المخدرات والكحوليات والانحراف الكامل للسلوك.
  • زيادة معدل الجريمة بين هؤلاء الأطفال كالسرقة والقتل في بعض الأحيان.

بعض الحلول للحد من ظاهرة أطفال الشوارع

يجب على كافة منظمات الدولة التعاون؛ للقضاء على هذه الظاهرة، بتدعيم وتنفيذ المبادرة القومية لتأهيل ودمج أطفال الشوارع داخل المجتمع، وتوفير دور الرعاية والإيواء وإقامة دائمة وفصول تعليم، وكذلك توفير الرعاية الصحية والنفسية لهم وتوفير الغذاء والملابس، وتدريب الأخصائيين الاجتماعيين على التعامل معهم والقيام على حل مشاكلهم، كذلك يجب على الوزارات دعم مراكز استقبال هؤلاء الأطفال وإنشاء مراكز جديدة؛ لاستيعاب أكبر قدر منهم.

كذلك الأطفال المحتجزين داخل المؤسسات العقابية أو الرعاية يجب تزويدهم بالرعاية الصحية العالية، وكذلك الرعاية النفسية من خلال الأخصائيين الاجتماعيين، وتوفير كافة المستلزمات الطبية؛ لتوفير هذه الرعاية التي يكون الهدف منها اكتشاف ومعالجة أي مرض جسدي أو عقلي، وكذلك وجود أي حالة لتعاطي المواد المخدرة أو غير ذلك من الحالات التي تعوق من سبل إصلاحهم وتقف عائق في طريق اندماجهم كأفراد طبيعيين داخل المجتمعات.

وتكمن المشكلة الحقيقية في الأطفال الموجودين في الشوارع وعلى الجسور وفي مقالب القمامة، والتي تسعى الدولة في تقنين حجمهم في الدولة، والعمل على استيعابهم، وتوفير الفرص الحقيقية لهم من خلال دور الرعاية والمؤسسات الاجتماعية؛ لتوجيههم كطاقة بشرية فعالة في المجتمع.

المجهودات المبذولة على المستوى المحلي للحد من ظاهرة أطفال الشوارع

  • العمل على تقوية الحافز الديني داخل الأسرة بدلاً من الحافز المادي؛ لتشجيع الأسر على استيعاب أبنائها، وعدم التضحية بهم للحصول على مكاسب مادية.
  • الاهتمام والرعاية للطبقات المهمشة في الدولة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم، والتوعية من المخاطر المحتملة للزج بأبنائهم في سوق العمل في سن مبكر، وعدم الانتظار لوصولهم للمرحلة العمرية المناسبة.
  • عمل المنظمات السياسية في إطلاق الحريات لمنظمات المجتمع المدني؛ للعمل وفق القواعد الدولية التي تم الاتفاق عليها مع منظمات الأمم المتحدة، دون إعطاء الوقت للمخاوف والهواجس السياسية، نتيجة لتحسن المستوى الفكري لأفراد المجتمع من خلال إطلاق الحريات السياسية، مما يساعد المجتمعات على تغيير صورتها أمام المجتمع الدولي وتحفظ للحكام الاستقرار، نتيجة لإطلاق مثل هذه الحريات ومدى تقبل المواطنين لها والعائد النفسي منها.

المجهودات المبذولة على المستوى العالمي للحد من ظاهرة أطفال الشوارع

القيام بتقديم المنح والمساعدات المالية للدول التي تعاني من نسبة عالية من عمالة الأطفال، من أجل تحقيق الجو المناسب للتأهيل النفسي والتأهيل الاجتماعي لهؤلاء الأطفال، وذلك بسبب قيامهم بالنزول لسوق العمل في سن غير مناسب، مع القيام بتشكيل لجان وظيفتها مراقبة هذه المنح والمساعدات المالية؛ لضمان وصولها إلى الأشخاص المستحقين لها، على أن تتم مناقشة مدى الالتزام بهذه الخطوات أمام الأمم المتحدة، ووضع سجل حقوقي عام للدول بموجبه يتم اتخاذ إجراءات مشددة بحق الدول المخالفة، على أن تكون السياسة المتبعة لها هو التدخل في الميزانيات الخاصة بهذه الدول والإشراف على تحويل النسب المقررة لصالح تأهيل أطفال الشوارع والمنضمين منهم لسوق العمل تأهيل اجتماعي ونفسي واقتصادي، مع إيجاد البدائل والحلول المناسبة لهم التي تضمن عدم رجوعهم للشارع مرة أخرى، وتوعيتهم ضد الأخطار التي من الممكن أن يتعرضوا لها في الشارع، وإمدادهم بالحب والعطف اللازم، لكي ينشئوا في ظروف ملائمة تؤهلهم للاندماج داخل المجتمعات.

القيام باتخاذ قرار جاد وصريح تجاه الدول التي تتفشي فيها هذه الظاهرة، بإطلاق عمل الجمعيات المعنية بالتأهيل في المجتمعات المدنية وإطلاق الحرية لها وللأنشطة الخاصة بها، مع مراعاة العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمعات وعدم التفريط بها، فمثلاً لا يتم السماح للمرأة بأن تعمل في المناطق القبلية ولا يسمح لها أيضاً بالاختلاط بالرجال وإيحاد تعامل مباشر معهم، كذلك لا يتم السماح للرجال بتأهيل صغار الإناث كذلك مراعاة العقائد والتعاليم الدينية لعدم الاصطدام بها ومواجهة صعاب يمكن تفاديها بتجنب كل هذه الأمور، والتفكير والتخطيط نحو إنشاء مجتمعات بلا أطفال شوارع في المستقبل والانشغال بتوجيه دور الرعاية بكافة أنواعها وأهدافها وتسخيرها في العمل من أجل تحقيق هذا الهدف وتدعيمها بتوفير الإمكانيات اللازمة لقيامها بتحقيق هذه الأهداف.

خاتمة

نظراً لأهمية الموضوع وتفشي هذه الظاهرة بصورة مرعبة على مستوى العالم في النهاية وجب التنويه عن أهمية الأطفال في المجتمعات، فهم الركيزة الأساسية للمستقبل، فمجتمع بلا أطفال هو مجتمع بلا مستقبل لذا وجب الاهتمام بهم، وتوفير كافة أنواع الرعاية لهم الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، وضمان تعليم جيد يفتح لهم أفاق جديدة ويدعم حب الوطن لديهم ويعمل على تحفيزهم للوصول به إلى أرفع المستويات بين الدول، فالأطفال هم الاستثمار الحقيقي الذي يجب الانتباه والإعداد له وعدم الانصراف عنه أمام أي ظروف أو ضغوط للحياة، فرعاية هؤلاء الأطفال ورعاية سلوكهم وتوجيههم لكل ما هو صواب وإبعادهم عن كل ما هو سيء وتفرغهم الحقيقي لصناعة مستقبل جيد، يعد في حد ذاته هو استثمار حقيقي للمستقبل وأفضل طريقة للبحث عن غد أفضل.

غادة جمال

درست التجارة، شعبة المحاسبة، وأحب القراءة والكتابة.

أضف تعليق

سبعة − ستة =