تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » سجن التخلف : كيف يكون الجهل والتخلف مقيدان لطاقات الأمسان ؟

سجن التخلف : كيف يكون الجهل والتخلف مقيدان لطاقات الأمسان ؟

في عالم يشهد تنمية متسارعة نجد أن الكثيرين ما يزالون يرزحون تحت سجن التخلف في كل حياتهم، سنرى تاليًا كيف يصبح التخلف قيدًا على تطور الإنسان وتفوقه.

سجن التخلف

سجن التخلف هو في الأساس سجن داخلي وليس سجن خارجي مثل بقية السجون وهذا في حد ذاته يكون عقبة وكارثة على المستوى الإنساني لهذا الشخص، والأكثر سوءًا يكون بالنسبة للمجتمعات المسجونة في سجن التخلف بأكملها وبمحض إرادتها وبدون أي تدخل خارجي. ودعني أقول لك أن مثل هذه المجتمعات هي لقمة سائغة في فم السياسيين الكبار الذين يسيطرون على هذا العالم، وللعلم بالشيء أيضاً فإن سجن التخلف هذا هو السبب الرئيسي في فكرة العنصرية والتسمية الدونية لفكرة العوالم وتقسيمها حسب الدرجة “عالم أول، عالم ثاني، عالم ثالث” وكل شعوب العالم الثالث هم ضحية سجن التخلف الذي في حد ذاته لم يثور على فكرة أن هناك عالم أول يتحكم في مجريات حياته، ولكن من اسمه تخلف أو رجعية فكرية تؤدي إلى عدم التوافق مع الحاضر. فمثلاً وببساطة المجتمعات المتخلفة هي المجتمعات التي تعيش حسب عادات وتقاليد ثابته في ظل عالم متغير ومتطور، بمعنى المجتمع البدوي أو البدو الذين يعيشون على الرعي في الصحراء ومياه الأمطار والأشغال اليدوية هو مجمع متخلف وكلمة متخلف هنا لا يقصد بها شتم أو إهانة أو تقليل من شأن هذا المجتمع قدر إنه يقصد بها وصف حالة هذا المجتمع عن باقي العالم، حيث أن العالم الخارجي تعدى هذه الحالة المعيشية من ألاف السنين وهم لا زالوا يفعلونها بنفس الطريقة ونفس عدم التوافق مع العالم الخارجي.

كيف يقتل سجن التخلف الإبداع في الإنسان ؟

أمثلة على التخلف في عالمنا

القبائل الأفريقية على أكبر مثال على استغلال سجن التخلف في قارة أفريقيا، لأن أفريقيا فيها أكبر الدول الغنية في العالم بالموارد الطبيعية حيث الماس الإيفواري والغاز الطبيعي المصري والذهب الموريتاني والبترول الليبي واللؤلؤ الصومالي، وهناك الكثير من الموارد الطبيعية الكفيلة أن تجعل قارة أفريقيا أغنى بعشر مرات من قارة أوروبا. ولكن الحقيقة أن الشعب الأفريقي متخلف بمختلف أعراقه والزمن والتاريخ هو الشاهد على ذلك، حيث لا يذكر عن حضارة أفريقية إلا في أرض مصر القديمة من خمسة ألاف سنة تقريباً ومن حينها لا يوجد أي منحى تطوري أبداً في هذه القارة العجوز السمراء الغنية الشمطاء، والجميع من فرنسيين وبرتغاليين وإيطاليين وإنجليزيين وأمريكا حالياً، نهبوا الثروات الطبيعية التي في أفريقيا وحتى الآن تجارة الماس العالمية تعتمد على أن تجار الماس الغربيين يقدمون رشوة لحكومات الدول الأفريقية لتمليكهم قطع أراضي بسعر عادي كأنها أراضي استثمارية في حين أن هؤلاء التجار يكونوا قد علموا أن هذا منجم ماس وبهذا يكونوا قد امتلكوا الماس والأرض معاً، وترى المشهد المقزز حيث الرجال الأفريقيين السود يستخرجون الماس بالمليارات وهم عراة من الفقر المدقع من أجل حفنة من المعونات التي تقدر بنصف الدولار الأمريكي. نعم يا عزيزي هذا هو سجن التخلف.

سجن التخلف يغتال الأمل

نعم فهذا حقيقي فلا يوجد أمل في أمه تهتم كل الاهتمام بالتقاليد وعادات الآباء وأشخاص مر على موتهم ألاف السنين في ظل هذا التقدم العلمي والصناعي والزراعي. هناك بلاد فهمت الحقيقة وقامت وتطورت وهناك بلاد أخرى مثل ما هي بل وبالعكس تأخرت أكثر وكل هذا بسبب سجن التخلف الذي سيطر على عقول الشعب والحكومات. وأكبر مثال على هذا التقدم هو دولة الإمارات العربية والكثير يقول أن هذا التطور أتى من مال البترول ولكن الحقيقة أن هذا ليس بصحيح، فدولة الإمارات حالياً هي منارة العرب في العالم بسبب التطور الشديد في الثقافة والعلم والوعى الشعبي في هذه المنطقة وفي ذات الوقت دون فقدان الهوية والعادات الشرقية لدرجة أن جميع الأفلام السينمائية تأتي إلى الإمارات لتصوير الأفلام والمنتجات السينمائية التي تتعلق بالعروبة، وذلك لكون الإمارات حالياً بلد سياحية من الدرجة الأولى، فلديهم هناك برج خليفة وهو البرج الأطول في العالم ولديهم أفخم الفنادق السياحية على مستوى العالم مجهزة بأحدث التقنيات التكنولوجية وغير هذا في عام 2015 نالت الشرطة الإماراتية جائزة أفضل جهاز شرطة على مستوى العالم، وهذا يعبر عن مدى الحرية والاحترام الذي يسود البلد. وكل هذا لسبب واحد ليس له ثانِ وهو التعليم، حيث في العشرين سنة الأخيرة اهتمت الإمارات بالثقافة والتعليم لدرجة كبيرة جداً غير مبالين بأي شيء واستقدموا معلمين أجانب كثر حتى يفيدون الإمارات بالتجربة التعليمية الناجحة ومن ثم أصبح معرض الشارقة الدولي للكتاب من أكبر الاحتفالات العالمية للكتاب على مستوى العالم وليس فقط عند العرب وتركوا الرعي وركزوا على التعليم، وأصبحت الإمارات خلال 70 عام من صحراء جرداء بها بضع قبائل بالجمال تجول بحثاً عن الماء إلى بلد رائدة اقتصادياً وسياحياً من الدرجة الأولى وكأنهم يريدون أن يثبتوا للعالم أجمع أنه ليس البترول الذي جعلنا أقوياء ولكن العلم والحداثة والمواكبة هي من فعلت.

سجن التخلف وتأثيره المدمر

أريد أن أكون أمين في نقل الصورة حتى يعرف القارئ العزيز مدى صعوبة الموقف حتى يبدأ كل من يقرأ مثل هذا المقال بنفسه ليكون شخص فعال في مجتمعه، لأن المجتمع في الأساس عبارة عن أشخاص ليس إلا. ومن هنا أريد أن أقول أن سجن التخلف والرجعية لن يدع أي فرصة لك كشخص أو لكم كمجتمع للتطور وأيضاً للعدل لأن ليس من العدل أن يعيش أشخاص بطريقة متطورة وأشخاص آخرين بطريقة متخلفة ناتجة عن قرارات أباء وأمهات، ويجب عليك فعلاً أن تفهم أن العادات والتقاليد التي ستحيل بينك وبين الحياة الطبيعية فهذه عادات وتقاليد ضارة أو فات عليها الزمن ويجب أن تعلم ذلك، فالعادات والتقاليد ليست مقدسات بل حتى المقدسات تدفعنا أحياناً للتأقلم والتعايش في بعض الحالات التي لا تضر بأحد بل ستفيد. لذلك على أي رب أسرة مثلاً يقول إنه لا يجب على بنات العائلة أن تذهب للجامعة فهذا حقاً أمر خطاً جداً، فالمرأة مثلها مثل الرجل ولديها حق في التعليم والمعرفة ولن تتكبر الفتاة على الرجل بل بالعكس ستفهم كونها أنثى ودورها الطبيعي في الحياة وستفهم أن الرجل رجل وله دوره كزوج وليس الأمر كارثي مثلما يعتقد بعض أولياء الأمور. وهناك أيضاً ختان الإناث الذي هو في الأساس عادة فرعونية وثنية ومحرمة ومجرمة في كل العالم حالياً، ولكن تجد بعض الآباء يمارسون هذه الجريمة في حق بناتهم دون حتى أن يأخذون رأي الفتاة. وهناك الكثير من العادات والتقاليد التي تندرج تحت إطار سجن التخلف الزمني الذي يجب أن نعلم أن استمراراها لن يؤدي إلى شيء سوى لكارثة في حق المجتمع والأسرة عاجلاً أم أجلاً.

أخيراً عزيزي القارئ يجب عليك أن تعلم أن الحياة بها الكثير فافتح مدارك عقلك دائماً وتعامل مع الأفكار بطريقة الفلترة أو التصفية المستمر، لأن هذا يثبت لك أنت نفسك أنك تسيطر على ذاتك ولا تخاف الأفكار الجديدة مثلما يفعل المتخلفون المستقرون الذين لا يعلمون ضرر ما يفعلون عليهم وعلى حياة من يجاورونهم. فالحياة تستحق التجربة فاخرج من السجن الذي وجدت نفسك به ولا تأبه لرأي أحد وكن ذو شخصية قوية فغالباً ذوي التأثير يكونون في البداية مرفوضين من الناس ولكن بعدما يشهد الزمن على صحة تأثيرهم يصيرون أبطالاً في عيون نفس الناس.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

7 − واحد =