أسطورة نساء الأمازون هي أسطورة إغريقية قديمة، وهي تعكس هيمنة المرأة وترفض الاعتقاد السائد بضعف المرأة وإذلالها للرجال لأنهم أقوى منها. المرأة في هذه الأسطورة هي تملك السلاح وتستطيع استخدامه بحرفية ومهارة عالية. أسطورة نساء الأمازون لها صيت واسع بالعالم القديم والجديد حتى إن نهر الأمازون في البرازيل تمت تسميته تيمناً بتلك النسوة، لأنه عندما غزت شعوب أوروبا أمريكا الجنوبية بما فيها البرازيل وأخذوا الرحالة يتنقلون بين غاباتها الكثيفة ووصلوا إلى نهر الأمازون ليتعرفوا على مخابئ هذه القارة الجديدة، التقى واحداً منهم بقبيلة من النساء المقاتلات الأشداء، فسمي النهر تيمناً بهم وبتشبيههم بالأسطورة. للتعرف أكثر عن أسطورة نساء الأمازون وكيف يختلف التاريخ حول حقيقة أو كذب الأسطورة، تابع معي هذه السطور.
أسطورة نساء الأمازون والقصة الكاملة للنساء الخارقات
أسطورة نساء الأمازون مع البطل هرقل
في أسطورة البطل الإغريقي والإله هرقل نجده مضطراً إلى إثبات قوته وألوهيته أمام الجميع، فكان عليه اجتياز اثني عشر اختباراً. الاختبار التاسع ذو صلة بأسطورة نساء الأمازون بحيث كان عليه الذهاب إلى معبد الإله قمر، والذي لم يكن يسكنه أي أرجال بل نساء فقط. وليست أي نساء بل هن الأمازونيات متقنات فن الحرب ويلبسن ملابس مخصصة لهن للحرب. كانت الملكة هي هدف هرقل أو بالأخص حزامها إذ كان عليه سرقته. انتهت القصة بالأخير بعد الصراع الكبير بين الملكة هيبولتيس والتي كانت تمتلك قوة سحرية تسيطر بها على الرجال، وبين هرقل، إلى قتل الملكة وهروب هرقل ومعه الحزام. فأصبحت المحاربات بدون ملكة.
من هم نساء الأمازون
تقول أسطورة نساء الأمازون أنهن من نسل الإله “اريس” من زوجته “ارتيميس”، أي إنهن من نسل إله الحرب وإلهة القنص والصيد. مكان سكن نساء الأمازون لم يكن محدداً في الأسطورة بشكل قطعي فاختلف عليه المؤرخين. منهم من قال إنهن سكن أفريقيا وآخرون قالوا القوقاز، ولكن الأشهر والأجدر بالتصديق كان هيرودوتوس والذي قال إن مكان سكن تلك النسوة كان بشمال البحر الأسود أو كازاخستان حالياً. هرم الاجتماعي بمجتمعات نساء الأمازون كان واضحاً جداً، فالنساء هم المسيطرات وليس للرجال كلمة أو وجود، ووجودهم يتمثل في العبيد والخدم وغالباً ما يتم قطع أحد الأطراف حتى لا يستطيع أحدهم امتلاك أي سلاح. إنه مجتمع أنثوي بالتمام ولذلك كانت الفتاة من وهي صغيرة تتعلم كل فنون الحرب لتصير محاربة قوية تغلب الرجال في القوة والمهارة باستخدام السيوف والقوس بشكل أساسي ولم يكن هناك جيش رجال يستطيع التغلب عليهن، لذلك كانت الملكة اختباراً قوياً وصعباً على هرقل كما ذكرنا.
لتنجب النساء كان عليهن الذهاب إلى القبائل المجاورة في كل عام مرة واحدة واختيار أقوى الرجال وأوسمهم للنوم معهم بغرض الإنجاب فقط، ثم يرجعن إلى مدنهن للولادة هناك. إذا كان المولود بنتاً فتتم الأفراح وتعامل أحسن معاملة وتربى كمحاربة، أما لو كان المولود ذكراً فيكون نصيبه إما قطع إحدى أطرافه وبقائه هناك كعبد أو الموت بعد الولادة، أو إرساله إلى أبيه ليبعد عن أمه وأخواته فلا مكان للرجال بينهن. تصور أسطورة نساء الأمازون المهارة الكبيرة للنساء فهن منذ الصغر يتدربن على السباحة والرماية وكل أنواع الأسلحة المعروفة بالإضافة إلى المكر وفن التخطيط الحربي، قد تتمادى بعض النسخ لتقول إنهن قطعن الثدي الأيمن ليتمكن من استخدام القوس والسهم بقوة أكبر، ولكن رسوماتهم على الأواني والجدران تظهر جمالهن واكتمالهن الجسدي والبيان القوي. لأنه بذلك العصر كان خطر العمليات مثل قطع طرف من الجسم هو أمر محتوم بالموت غالباً بسبب التلوث وعدم وجود الأدوية المطهرة أو المضادات الحيوية، فلن يعرضوا أنفسهن لمثل تلك المصاعب.
أسطورة نساء الأمازون بين الحقيقة والخيال
يشك بعض المفسرين والمؤرخين في حقيقة نساء الأمازون ويختلفون في كونها قادمة على الأقل من جماعة نسائية حقيقة أما أنها محض خيال شعري لرسم وتعزيز قوة المرأة بهذا الزمن. مع ذلك نجد إشارات واضحة على وجود مثل تلك القبيلة ونساءها القويات في بعض المقابر القديمة. في شمال البحر الأسود وجد بعد علماء الحفريات مقابر تعود إلى 2500 سنة، والغريب بتلك المقابر هو امتلاءها بعظام النساء فقط مع وجود كمية كبيرة من الأسلحة بأنواعها المختلفة. إذ لم يتم العثور على أسلحة بقبور نسائية من قبل في أي حضارة، بل في قبور الرجال فقط. كما تم اكتشاف 50 قبراً أخر ما بين أوكرانيا وكازاخستان وهذه القبور تقطع الشك باليقين، إذ وجد فيها العلماء خناجر وسيوف ودروع ورماح وملابس حربية مخصصة لتناسب جسم المرأة، بأول الأمر اعتقد العلماء أن هذه القبور تم وضع الأسلحة بها كنوع من الطقوس الدينية لأن المرأة كانت لها مكانة كهنوتية كبيرة ولا يعني ذلك أنهن كن محاربات. ولكن بعد ذلك وجد العلماء عظام امرأة وبداخل صدها رأس سهم مما يدل على إنها ماتت في معركة بفعل هذا السهم، كما وجدوا عظام فتاة يقدر عمرها بالثالثة عشر سنة ورجلها ملتوية إلى الخارج مما يعني أنها تعلمت ركوب الخيول بشكل مكثف وبسن صغير جداً.
هذه النساء المحاربات بالقبور تنتمي إلى قبيلتين بدويتين ” sauromatian وsarmatian”. هذه القبائل كانت تعيش في السهول وترعى الأغنام ولكنهم في الأصل شعب منحدر من فرسان مقاتلين. كانوا ينتشرون بهذه السهول قبل 800 عام قبل الميلاد ولا يمتلكون لغة مكتوبة فلم يتركوا أي إرث ثقافي يذكر، بل عرفناهم من هذه قبور المسماة كورغان ومن كتابات المؤرخ هيرودوتوس الذي ارتحل هناك لفترة طويلة وتابع أسلوب حياتهم وتصرفاتهم. قال عنهم أنهن من البربر وهمجيون جداً، وأن نساءهم قويات ومحاربات تماماً مثل الرجال، حتى إنهم في مرة من المرات سلخوا جلد العدو وقطعوا رأسه لاستخدام جمجمته ككوب يشربون به الخمر. ومن الآثار التي وجدها العلماء بتلك القبور نستطيع أن نقول إن كلام المؤرخ هيرودوتوس قريب من الحقيقة.
من هنا نقول إن الإغريق كان شعباً كثير التنقل والتجوال ويحب الحرب واستعمال الأراضي الجديدة بالإضافة إلى كونه شعب تجاري ماهر، بالتالي هو بالتأكيد التقى بتلك القبائل وتعرف على نساءهم القويات. فكانوا نواة الإلهام لأسطورة نساء الأمازون، مع اختلاف الفكر الإغريق والخيال الواسع الذي جعل من النساء مضطهدات للرجال، فلم تكن قبائل السهول تمتلك حكماً نسائياً بل كان النساء والرجال جنباً إلى جنب في كل شيء والصفة الحربية في النساء أتت من احتياج القبيلة لعدد من المحاربين الأشداء أكثر لحماية أنفسهم. ويعتقد العلماء أن ذلك التطرف يأتي من الفكر الذكوري السائد مما جعلهم يتخيلن أن النساء لو امتلكن السلطة يوماً، سيفعلن مثل الرجال ويقهروا عزة النفس الذكورية كما يفعل الرجال للنساء.
الهدف الأساسي من أسطورة نساء الأمازون
بسبب السيطرة الذكورية والهيمنة التامة والتي جاءت لتنمحي كل حقوق النساء بالمجتمع الإغريقي، كانت النساء لا يمتلكن الحق بالشراء والبيع ولا بالمحادثات السياسية بل لهن البيت فقط. لذلك تم صياغة أسطورة نساء الأمازون لتناسب هذا المفهوم، لأن بها سطر الشاعر قوة كبيرة غير معقولة وسيطرة ونفوذ واسع للنساء مما أظهرهم في الأول بمظهر الأقوى والأعظم، إلا إن النهاية كانت بفوز الرجل “هرقل” على ملكتهم، بمعنى أخر يريدون القول بأن مهما زادت قوة الأنثى سيظل الرجل هو الأقوى والمسيطر والأعلى منها. فلم تكن الأسطورة تعبر عن الأنثى أكثر مما كانت تعبر عن هيمنة الرجال ولها أهداف سياسية لمحو أي محاولة للنساء لامتلاك حقوق ومكانة بالمجتمع.
أسطورة نساء الأمازون لها جزء أخر تابع لأسطورة حرب طروادة الشهيرة، لأن ملكتهم حاربت آخيل البطل الإغريقي الأعظم ولكنها لم تنتصر عليه بالطبع، إلا حين رفع آخيل عنها خوذتها بعد الموت ليكتشف أنه وقع في حبها ولكن بعد فوات الأوان. وتبقى الأساطير تشجع الرجال على ما يفعلوه من سلب حقوق المرأة، رغم إن أصلنا بالتاريخ يؤكد أن المرأة كانت لها مكانة كبيرة وقيادية بين القبائل الأولى للإنسان بكل العالم، ولكن الرجال مع الزمن غيروا الوضع ليهيمنوا بكل قسوة.
أضف تعليق