نظرية التغيير هي واحدة من النظريات المقدمة من علم النفس، والتي تتحدث عن العوامل التي يمكنها أن تساهم في التأثير على سلوك الإنسان من أجل تغييره إلى حال أفضل. يتكون هذا النموذج من 6 مراحل يمر بها الإنسان حتى الوصول إلى آخر المراحل الموجودة في نظرية التغيير حسب النموذج الخاص بها. بالطبع توجد نماذج أخرى للتعبير عن التغيير، لكن هذا النموذج الذي سوف نتحدث عنه من أكثر النماذج استخدامًا في الوقت الحالي، لذلك سوف نتعرض في مقالنا هذا إلى نظرية التغيير والمراحل الخاصة بها حسب هذا النموذج.
دليلك إلى فهم نظرية التغيير بشكلٍ أفضل
كيف تتحقق نظرية التغيير طبقًا لهذا النموذج؟
يوضح لنا هذا النموذج أن نظرية التغيير تمر بـ6 مراحل حتى نصل إلى ما يمكن اعتباره باكتمال التغيير. وفي هذا النموذج فإن الإنسان يتحرك من مرحلة إلى أخرى حتى يصل إلى المرحلة السادسة. علينا أن ندرك أن التغيير من الأمور الصعبة التي يمر بها الإنسان، وبالتالي فالأمور لا تحدث بالسرعة التي نتمناها، بل إن الأمر يأخذ منا وقت حتى النجاح فيه. وأثناء هذه المراحل قد يمر الإنسان أكثر من مرة بحالة من الانتكاس، وهذا يعني أن يعود الشخص إلى المرحلة السابقة، بدلًا من التطور إلى المرحلة التالية. عليك أن تكون مدركًا أن نظرية التغيير لن تتحقق من المرة الأولى، بل قد تمر بالعديد من الانتكاسات في أثناء المحاولة، وقد تكرر مرحلة ما أكثر من مرة حتى تنجح في تحقيق ما تريد.
أثناء محاولتك للتغيير عليك أن تدرك جيدًا متطلبات المرحلة، حتى يمكنك توفيرها لذاتك، بالشكل الذي يساعدك على تخطي المرحلة، من أجل الوصول إلى المرحلة التالية.
ما قبل التأمل
تعتبر مرحلة ما قبل التأمل هي المرحلة الأولى من مراحل نظرية التغيير الستة، وهذه المرحلة لا تساعد في تغيير السلوك، لكنه يتم وضعها لتوضيح الفارق بين حالة ما قبل التأمل وحالة التأمل في المرحلة الثانية.أثناء هذه المرحلة لا يشعر الإنسان بوجود أي خلل لديه، أو أي شيء يحتاج إلى التعديل، بل يرى أنه لا مشكلة معينة هو واقع بها في الوقت الحالي. وهذا الأمر قد يحدث بسبب أن الشخص ليس لديه الوعي الكافي حول وجود مشكلة ما يحتاج إلى تعديلها.
تستمر مرحلة ما قبل التأمل في نظرية التغيير فترة 6 أشهر بحد أقصى حسب ما وضعه العلماء، وبعد ذلك يدخل الإنسان إلى المرحلة التالية، وهي مرحلة التأمل.
التأمل
مرحلة التأمل هي المرحلة الثانية حسب نظرية التغيير بعد مرحلة ما قبل التأمل، وفي هذه المرحلة يبدأ الشخص بالشعور إلى الحاجة للتغيير من سلوكه. هذا السبب قد يتمثل في حدوث مشكلة معينة لديه، فهو يبدأ في فهم الضرر الواقع عليه من الشيء، أو يبدأ في الشعور بالرغبة من التخلص من شيء معين. والمشكلة التي قد تواجه الشخص في هذه المرحلة هي عدم فهمه للطريقة التي يمكنه اتّباعها من أجل التغيير، ولا يعرف الطريق المناسب الذي يجب عليه أن يسير عليه من أجل ذلك. تستغرق هذه المرحلة حسب نموذج نظرية التغيير مدة 6 أشهر على الأكثر.
الاستعداد
يبلغ الفرد في هذه المرحلة الاستعداد الكامل من أجل إحداث التغيير على ذاته، حيث أنه قد بدأ في جمع المعلومات المطلوبة عن حالته، ويبدأ في وضع الخطة اللازمة من أجل مواجهة ذلك. الخطة غالبًا تتضمن المنهج الذي سوف يتّبعه الشخص من اللحظة الأولى، وحتى بلوغ المرحلة الأخيرة من مراحل نظرية التغيير بنجاح. غالبًا يشعر الشخص في هذه المرحلة بحالة كبيرة جدًا من التحفيز، لأنه بلغ قمة الشعور بوجود مشكلة لديه، وبالتالي عليه أن يسعى إلى استغلال التحفيز الموجود لديه بأفضل شكل ممكن.
يفضل أن يضع الشخص لنفسه أكثر من طريقة للتغيير، فمثلًا قد تكون هناك طريقة للتغيير من خلال طلب النصائح، وأخرى من خلال ممارسة بعض المهام. حيث أن وجود العديد من الطرق يعني أن الشخص يملك أكثر من طريق يمكن السير عليه، بحيث لا يشعر بأن كل ما يريده قد باء بالفشل، في حالة أن هناك وسيلة ما لم ينجح في استخدامها بالشكل الصحيح. حسب نظرية التغيير فإن هذه المرحلة تستغرق 6 أشهر على الأكثر.
العمل
مرحلة العمل هي أكثر مراحل نظرية التغيير صعوبة، وتحتاج إلى عمل كبير جدًا. فخلال المراحل السابقة كان الموضوع يقتصر فقط على المعلومات النظرية، أما في هذه المرحلة فإن الأمر أصبح في الواقع. ويبدأ الشخص في هذه المرحلة في تطبيق الخطة التي وضعها لنفسه، ويقرر الالتزام بكل ما جاء بها. ولذلك فإنه سوف يعاني خطورة كبيرة، وقد يعجز عن تغيير السلوك الذي اعتاد على فعله، وبالتالي فالانتكاس في هذه المرحلة يكون أقرب للحدوث من أي مرحلة أخرى، ويحتاج الأمر إلى السيطرة عليه.
على الرغم من أن نموذج نظرية التغيير يخبرنا أن هذه المرحلة تستغرق شهر واحد، لكن هذا الشهر يمتليء بالعديد من الأحداث. ومن أجل مساعدة الشخص للنجاح في هذه المرحلة فإن التحفيز لن يكون كافيًا أبدًا، فالأمر يجتاز التحفيز إلى الدعم بشتى الطرق المتاحة، لا سيما مع شعور الشخص بالرغبة في العودة إلى الشيء الذي كان يمارسه من جديد، وبالتالي إن لم يمتنع عن فعل ذلك بالفعل، فإنه سوف يعود إلى بداية المرحلة مرة أخرى.
المحافظة
تعتبر هذه المرحلة امتداد لمرحلة العمل، لكن تكون الأمور قد استقرت أكثر، وهذه هي المرحلة الخامسة من نموذج نظرية التغيير وهي المرحلة قبل الأخيرة. تظل هناك بعض المشاكل الموجودة لدى الشخص، والتي تحتاج إلى العمل الجاد لعلاجها للتخلص من المشكلة بشكل كامل، لكن تكون احتمالية الانتكاس لدى الشخص أقل من المرحلة السابقة. ويجب على الشخص أن يداوم على المحافظة على السلوك الذي تم تعديله لفترة لا بد أن تتجاوز الـ6 أشهر، حتى يمكنه أن يطمئن أن مرحلة المحافظة قد حققت الغرض المطلوب منها بالكامل. وتستمر فترة المحافظة حتى تصل إلى 5 سنوات، وتبدأ معها المرحلة الأخيرة.
المثابرة
الوصول إلى هذه المرحلة يعني اكتمال مراحل نظرية التغيير بنجاح، ويكون الشخص في هذه المرحلة مستقر تمامًا عن المراحل السابقة. لكن على الرغم من ذلك فإن الوصول إلى هذه المرحلة ليس سهلًا على الإطلاق، لأنه كما ذكرنا فإن مرحلة المحافظة تصل إلى 5 سنوات، وبالتالي كلما زادت الفترة، كلما يعني ذلك أن هناك وقت أكثر للشخص يمكن معه أن يعود إلى الشيء الذي كان يفعله قبل ذلك. ومن يصل إلى هذه المرحلة يعني أنه قد نجح في تحقيق المطلوب منه بنجاح.
مثال على تطبيق نظرية التغيير من الواقع
إذا أردنا أن نطبق نظرية التغيير على شيء من الواقع من حولنا، فيمكننا أن نختار مثلًا سلوك مثل إدمان الفيسبوك، وسنطبق المراحل الستة من نظرية التغيير عليه في هذه الفقرة.
- مرحلة ما قبل التأمل: أنت تقضي الوقت على الفيسبوك دون أن تشعر بوجود أي مشكلة.
- مرحلة التأمل: تشعر أن الفيسبوك يعطلك مثلًا عن أشياء عدة، وتفكر في الابتعاد عن الموقع تمامًا.
- مرحلة الاستعداد: تضع خطة، تتضمن قضاء الوقت مع الأصدقاء، وقراءة كتب، وممارسة الرياضة، وغيرها.
- مرحلة العمل: تبدأ في تنفيذ خطتك الموضوعة، وتشعر بالرغبة في تصفح الموقع أكثر من مرة، لكن تتحكم في ذاتك.
- مرحلة المحافظة ثم المثابرة: أنت الآن نجحت في تحقيق ما تريد بالابتعاد عن الفيسبوك.
ما الذي تحتاج إليه لتطبيق نظرية التغيير في الواقع؟
غالبًا تحويل المراحل الستة من نظرية التغيير إلى الواقع هو أمر يحتاج إلى عمل كبير من صاحبه، فالأمر ليس سهلًا أبدًا كما قد نراه على الورق، لكنه يحتاج إلى مجهود حتى يصبح حقيقة. وبالتالي فإنه توجد بعض العوامل التي يمكن الاعتماد عليها من أجل تحقيق ذلك. من أهم الأشياء التي نحتاج إليها هي وجود الإرادة الحقيقية، لأنه مهما ظننت أنك لن تشعر بالإغراء للعودة إلى الشيء مرة أخرى، فإن النتيجة الموجودة في الواقع ستفاجئك تمامًا، وبالتالي فإن نجاحك في فعل ذلك يعتمد على قوة إرادتك في تنفيذ ما تريده.
ولعل هذا ما نحتاجه لنجعل نظرية التغيير حقيقة، وهو أن يكون شعورنا ورغبتنا في التغيير صادقة بالفعل بعيدًا عن أي عوامل أخرى يمكنها أن تدفعنا إلى القرار. فمثلًا من يقرر تغيير سلوك معين من أجل الآخرين، دون أن تكون لديه القناعة بضرورة فعل ذلك، فإنه من المحتمل أن يعود إلى هذا السلوك مرة أخرى، لأن رغبته لم تكن صادقة، وبالتالي فإرادته لن تكون حقيقية أو بالدرجة الكافية التي تمكنه من فعل ذلك.
كذلك فإن النجاح لن يكون حاضرًا من المرة الأولى دائمًا، وبالتالي قد تشعر بالانتكاس في العديد من المرات، هذا الأمر يدفع العديد من الأشخاص إلى التوقف والشعور باليأس. وهنا دور الإرادة أيضًا في جعل نظرية التغيير حقيقة، وبالتالي استمرارك في المحاولة مرة أخرى.
وضع خطة حقيقية للتغيير
أنت الآن تفهم كل شيء حول المراحل المختلفة التي سوف تمر بها من أجل التغيير، وبالتالي عليك أن تضع خطة تمكنك من فعل ذلك. للأسف من ضمن الأسباب التي تجعلنا نفشل هي أننا نضع خططًا وهمية، لا تساعدنا في تحقيق أهدافنا، أو نضع خطة تفوق قدراتنا من الأساس. ومن هنا يأتي دورك في وضع خطة حقيقية للتغيير، فأنت تعرف بالضبط ما تريد تغييره في ذاتك، وكذلك تعرف قدراتك وعيوبك الشخصية، فعندما يأتي الوقت المناسب لوضع الخطة، عليك أن تضع خطة تناسب كل ذلك، وتكون خطتك بناءً على نظرية التغيير التي تحدثنا عنها، والظروف التي تأتي مع كل مرحلة، وكيفية مواجهة هذه الظروف.
طلب الدعم من الآخرين
من الأشياء التي سوف تحتاج إليها دائمًا هي أن تطلب الدعم من الأشخاص الموجودين حولك، من أهلك وأصدقائك وأحيانًا الطبيب حسب طبيعة الشيء الذي تريد الإقلاع عنه. ومع ذلك فإن هناك العديد من الأشخاص يشعرون بالخجل من طلب الدعم ممن حولهم، فلا يلجأ إلى أحد، مما يؤثر على سعيه بالسلب. والصحيح في هذا الموقف أن الشخص يجب أن يطلب الدعم ممن حوله، لأن وجود هؤلاء هو ما سوف يساعده في تخطي العديد من الأزمات والمواقف المحتمل أن يتعرض لها أثناء المحاولة.
نظرية التغيير بالنسبة لي هي واحدة من أهم النظريات التي يجب أن ندركها جميعًا، لأننا نحتاج إليها في حياتنا باختلاف شكل التغيير الذي يسعى إليه كل منا، ونحتاج إلى معرفة كل المراحل التي نمر بها، حتى يمكننا أن نضع الخطة التي تساعدنا في تحويل النظرية إلى الواقع، ومن ثم نصل إلى مرحلة المثابرة بنجاح.
أضف تعليق