تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » تحمل الألم : كيف تختلف المرأة في قدرتها على تحمل الآلام عن الرجل ؟

تحمل الألم : كيف تختلف المرأة في قدرتها على تحمل الآلام عن الرجل ؟

رغم الاعتقاد السائد بأن الرجال أكثر قدرة على تحمل الألم ، إلا أن العلم يثبت أن النساء يتفوقن على الرجال في هنا، كيف ذلك؟ هذا ما سنراه في السطور التالية.

تحمل الألم

هل المرأة قادرة على تحمل الألم أكثر من الرجل بالفعل؟ كيف ذلك والرجال هم من يحملون الأثقال والأقوى عند الحديث عن المشاجرات وغيرها؟ المجتمع يعترف بقوة الرجل ولكنه لا ينكر قوة المرأة أيضاً، أما العلم فيؤكد أن المرأة هي الأقدر على تحمل الألم، وهذا يتجلى بصورة واضحة في وقت الولادة. في هذا المقال ستتعرف على مصداقية هذه القدرة على تحمل الألم وكيف لها أن تختلف باختلاف الهرمونات بجسد المرأة كل شهر، وما الذي يجعل المرأة تتحمل الآلام بطريقة أقوى من الرجل.

هل المرأة قادرة على تحمل الألم أكثر من الرجل حقًا ؟

ما الذي يتحكم في اختلاف قدرة تحمل الألم من شخص لأخر؟

بيننا بشر يشتكون يومياً من مختلف أنواع الآلام، وعلى نقيض سنجد آخرين يتحملون آلام كبيرة بصمت وبدون شكوى. نحن بتفكيرنا البسيط نحكم بين هذا الاختلاف على إن الفئة الأولى ليست بالشجاعة ولا بالصبر والجلد مثل الفئة الثانية، ونعتبر الفئة الأولى غير مسئولة أو ضعيفة ونطلق عليهم ألفاظ معينة تعبر عن عدم رجولتهم وتماسكهم. أما الحقيقة العلمية فهي تصف تحمل الألم بطريقة مختلفة، إذ يتحكم فيها الجينات والهرمونات ومستوياتها على مر المراحل العمرية. فمن يشتكي بكثرة هو لا يمتلك حيلة أخرى لأن جسده يتعامل مع الألم بطريقة مختلفة عن الباقيين، ومن لا يشتكي كثيراً فهذا لا يعني أن ألمه أقل ولا طريقة تعامل جسده هذا الألم يسير بطريقة مختلفة. وبناء على هذه النظرية فيكون الفرد الواحد قادر أو غير قادر على تحمل الألم بنفس المقدار بحسب اختلاف الهرمونات بداخل جسمه، بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى بالطبع. فتجد امرأة ولدت ابنها الأول بكل سهولة ولم تتعب مثلما تعبت في الطفل الثاني، مع إن المرتين لا يختلفان كثيراً في مقدار الألم، ولكن الفرق هنا هي اختلاف العوامل الداخلية للمرأة في كلتا المناسبتين.

عند تعرض أي فرد إلى آلام في منطقة معينة بالجسد، ترسل الخلايا العصبية بتلك المنطقة نبضات كهربائية إلى الدماغ. هذه النبضات لا تختلف أبداً عن أي نبضات عصبية أخرى تسير داخل الجسم، وإنما الفرق يكمن في الدماغ وكيفية فهمه هو لهذه الإشارة العصبية. كل الإشارات العصبية التي تخرج من المنطقة المؤلمة تذهب إلى نفس المنطقة بالدماغ وهي منطقة الإحساس بالألم. فلو افترضنا أن شخصاً يعاني من ضرر بهذه المنطقة بالذات، فهو لن يشعر بأي ألم في الحقيقة مهما كانت قوته، لأن العقل هو من يعي أن هذا مؤلم وليس العضو المتضرر بحد ذاته. بعد ذلك يخرج الدماغ مادة تسمى “ايندورفين” هذه المادة عبارة عن هرمون ويشبه في تركيبه مادة “المورفين” المخدرة. وتساعد هذه المادة على تخدير الجسم جزئياً فتساعد خلايا المخ على معالجة تلك النبضات لتفهم الألم بطريقة مختلفة حسب كمية هذا الهرمون، وبالتالي تزيد أو تقل قدرة تحمل الألم عند الإنسان حسب نسبته المفرزة وبطريقة اتحاده مع أنواع معينة من الخلايا في الدماغ.

ستجد تلك الأفكار السابقة موضحة بطريقة عملية بسيطة نعيشها جميعاً كلما احتجنا أن نأخذ حقنة. بحيث إذا نظر الشخص إلى الحقنة والإبرة وهي تدخل إلى الوريد أو العضلة كان الإحساس بالألم أعلى مما كان سيشعر لو أنه لم ينظر لها، لأن الدماغ وقتها ستعلم أن هناك ألم قادم فيتضخم حجم الألم وتقل القدرة على تحمل الألم، ولكن إن لم الإنسان يعلم فسيكون الألم طفيف بسبب شكة الإبرة فقط لا غير.

تجربة تفرق بين النساء والرجال في تحمل الألم

باحث عصبي من جامعة ميتشغان الأمريكية “جون كار زوبيتا” كان مهتماً بدراسة اختلاف قدرة الإنسان في تحمل الألم وخاصة الفرق بين الرجال والنساء. هذا العالم اكتشف طريقة من خلالها يجعل مادة مشعة تقوم بنفس عمل الايندروفين على مستقبلات الخلايا العصبية فتعطي نفس النتيجة، ومن هنا يستطيع التحكم بكمية الخلايا التي تتفاعل مع المادة المشعة تماماً كما يتفاعل الايندروفين. أجرى العالم تجاربه على مجموعة من السيدات ومجموعة أخرى من الرجال مع إعطائهم حقنة مؤلمة بالفك، وسماح لكميات معينة من المادة المشعة بالقيام بعملها. فكانت النتيجة أن كلما زادت كمية المادة المشعة أو بمعنى أخر الايندروفين زادت القدرة على تحمل الألم وعدم الاشتكاء، والعكس صحيح. بعد ذلك ترك العالم الدماغ ليفرز بنفسه مادة الايندروفين الخاصة به بدون تدخل منه، فكانت النتيجة أن الرجال أنتجوا الاندروفين بنسبة أكبر وعلى العكس تماماً كانت النساء. والنتيجة شكوى من الألم أكبر عند النساء. مما يعني أنا النساء في الظروف العادية لا تشتكي من الألم لأنهن ضعيفات وغير شجاعات بل لأنهن من الناحية الفسيولوجية غير قادرات على تحمل الألم مثل الرجال ولا دخل للنفسية بالأمر.

أما التجربة التي أجراها العالم بعد ذلك أوضحت أمراً مختلفاً تماماً. بحيث كانت المشاركات بالتجربة الأولى قد انتهين مؤخراً من الدورة الشهرية وبالتالي فإن نسبة الهرمونات الأنثوية وخاصة هرمون الأستروجين في أقل مستوياته. في التجربة الثانية تم إعطاء المشاركات لاصقة تبث في أجسادهن هرمون الأستروجين كما لو أنه ما قبل الدورة الشهرية تماماً أي إنه بأعلى مستوياته. فكانت النتيجة مغايرة وتمكنت النساء من إفراز مادة الايندروفين بشكل أكبر بكثير مقارنة بالتجربة الأولى، وبالتالي تحمل الألم كان أعلى وأقوى تماماً كالرجال أو أعلى في الحقيقة. هذه التجربة تفسر ببساطة تعب المرأة بعد الدورة الشهرية الأكبر من أي وقت بالشهر، وتفسر أيضاً ضعف جسد المرأة ناحية الألم بعد سن اليأس وهبوط هرمون الأستروجين فيتعرض جسمها للضغط أكثر من ذي قبل، لأن الأمر يكمن في الدماغ ليس إلا، أما الرجال فثابتون على حال واحد فقط طوال العمر.

النساء أقوى من الرجال في تحمل الألم

بهذه الميزة (هرمون الأستروجين) التي تمتلكها النساء فإنهن قادرات على تحمل ألم الولادة والمخاض وحتى آلام الدورة الشهرية كل شهر بقدر لا يستطيع الرجل تحمله. لأن هرمون الأستروجين بمستوياته العالية قبل نزول الدم مباشرة، هو السبب الحقيقي في قدرة تحمل النساء الآلام المتكررة كل شهر ولو تعرض الرجال لنفس المقدار فلن يستطيعوا الاستمرار في العمل كما تفعل النساء. أما في شهور الحمل فيرتفع هرمون الأستروجين تدريجياً كل شهر ليتناسب مع احتياج الجسم للتعامل مع الألم. ليصل في الأخير إلى أعلى مستوى مطلوب قبل الولادة مباشرة ويقدر نسبة الهرمون بهذا الوقت إلى خمسة عشر ضعف الأوقات العادية. مما يعني أن المرأة قادرة على تحمل الألم أثناء الولادة بمقدار أقوى خمسة عشر مرة عن أوقاتها العادية وعن الرجال أيضاً. الفكرة هنا أنها لا تستطيع أن تغلب رجل قوى بالعضلات، ولكنها تتحمل الألم بمقدار 15 مرة أكثر منه. كل هذا التعديل في هرمون الأستروجين يصب في الأخير في مصلحة هرمون الايندروفين والذي يخدع الدماغ ليتحمل الألم بشكل أقوى.

عوامل أخرى تساعد على تحمل الألم

أظهرت الدراسات الجديدة أن الهرمونات ليست واحدها القادرة على التحكم بقدرة الفرد في تحمل الألم، بل هناك عوامل جينية أيضاً. وينقسم العالم إلى، ربع أول يتحمل الألم بأكثر كفاءة، وربع أخر يتحمل بأقل كفاءة، أما النصف باقي فلديه احتمال للآلام بنسب متوسطة. وهذا يناسب قوانين الوراثة الجينية.

في الأخير عزيزي القارئ لا تتعجب من قدرة النساء على تحمل الألم ثم هبوط هذا التحمل فجأة، إنهن لا يتحكمن بالموضوع بقدر ما يتحكم به فسيولوجية العقل والجسد، فضع هذا في اعتبارك.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

إحدى عشر − 1 =