أصبحت عمليات زراعة القرنية سهلة وشائعة جدًا في السنوات الأخيرة، فمما لا شك فيه أن حاسة البصر من أهم الحواس وأثمنها ومجرد فكرة تأثرها أو نقصها أو فقدانها تثير الرعب لدى الكثيرين، وعلى ارتفاع قيمتها وأهميتها ترتفع حساسية العينين وسرعة تأثرهما وأهمية العناية بهما، وحين تؤثر بعض الأشياء تأثيرًا هو بالكاد مؤذي على أي مكانٍ في الجسم يمكن أن يصبح خطيرًا إن أصاب العينين، مجرد التهابٍ بسيطٍ على جلدك قد لا تنتبه له من الأساس لكن التهابًا في عينك قد يؤدي للعمى في أي لحظةٍ من اللحظات! دائمًا ستجد نفسك قادرًا على الصمود أمام أي إصابةٍ عادية تصيبك في أي جزءٍ من جسدك لكن أقل إصابةٍ في عينيك تحتاج العناية والاهتمام والفحص في الحال، لكن في بعض الأحيان يصل الطب إلى نقطة عجزٍ في العلاج وتصبح النتيجة المحققة الوحيدة هي فقدان حاسة البصر ودمار العين لكن الطب كعادته لم يتوقف أمام عجزه عن حماية العين فأوجد لنا عملية زراعة القرنية واستبدال العيون التالفة أو المريضة بعيونٍ جديدةٍ تنوب عنها وتقوم بدورها، وبالنظر إلى الإحصائيات سنجد أن الأمراض التي تصيب القرنية تحتل المركز الرابع في أشهر أمراض العيون المسببة للعمى لكن مئات الآلاف من عمليات زراعة القرنية أعادت البصر لحالاتٍ فقدت الأمل تمامًا في الرؤية مرةً أخرى.
زراعة القرنية من الألف إلى الياء
متى يتم القرار باللجوء لعملية زراعة القرنية؟
لتمام الرؤية بشكلٍ طبيعيٍ تحتاج إلى قرنيةٍ صافيةٍ وسليمة لم يصبها شيء، لكن عندما تتعرض القرنية لإصابة أو مرضٍ قويٍ يبدأ ذلك في التأثير على قوة ووضوح الرؤية فيقل صفاء الصورة ودقتها وتصبح الرؤية غير واضحة وضبابية في نفس الوقت الذي تتأثر فيه خلايا القرنية نفسها وتتآكل طبقاتها وتستمر الرؤية في السوء حتى تصل لنقطة الانعدام، إذا لم تحدث إصابةٌ مباشرةٌ واضحةٌ أدت لتدمير القرنية وأول ما لاحظه المريض في نفسه هو ضعف الرؤية عندها سيلجأ للحلول الأولى مثل ارتداء النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة للمساعدة.
إذا لم تنفع الوسائل التقليدية لعلاج الرؤيا عندها يعني ذلك أن القرنية مدمرة وفي حالٍ تسوء وبحاجةٍ لاستبدالٍ وعملية زراعة قرنية جديدة، هناك مجموعةٌ معينةٌ من الإصابات والأمراض تكون قادرةً على إصابة قرنية العين وتؤدي إلى تدميرها وخسارتها، لكن الأهم أن في كثيرٍ منها من الممكن إنقاذ القرنية إن تم علاج المرض أو الإصابة قبل تطورها وحدوث مضاعفاتها لأن العدوى في البداية تكون قابلةً للسيطرة، أما بعد مرور وقتٍ عليها تنتشر وتصبح أكثر شراسة وتتعمق في طبقات القرنية لدرجةٍ لا يمكن إصلاحها.
بعض الأمراض تكون مثل عدوى فيروسية أو فطرية في القرنية، وكل الأمراض التي تصيب العينين وتترك دون عناية أو اهتمام حتى تتطور، أحيانًا قد تتسبب عمليةٌ جراحيةٌ خاطئةٌ في العين في إصابة القرنية بشدة، ومن الممكن أن تكون مشكلةً وراثية في القرنية، الحوادث الكيميائية أو الإصابات في العين كدخول بعض الزجاج فيها أو المواد الصلبة القادرة على جرح القرنية وخدشها تعطي نفس التأثير والنتيجة، وعند دمار القرنية تمامًا لن تجد أمامك سوى حل زراعة القرنية.
عملية زرعة القرنية
إذا اتخذت مع طبيبك قرار إجراء عملية زراعة القرنية فسيتم إدراج اسمك في لائحة الانتظار حيث سيقوم الطبيب بالبحث عن أفضل قرنيةٍ مناسبةٍ لك يمكن زراعتها، وقبل إخضاع أي قرنيةٍ تم التبرع بها للزراعة يتأكد الأطباء من دراستها وفحصها والحرص على أن تكون أنسجتها مناسبة لأنسجة جسم المريض ومتفقة معه وأنها سليمة صالحة للرؤية وتخلو من الأمراض والعدوى المختلفة.
يمكن إجراء عملية زراعة القرنية باستخدام مخدرٍ موضعيٍ أو كلي حسب رغبة المريض ونوع الإصابة في عينه، يقوم الطبيب بحقن العضلات حول العينين بما يساعد تلك العضلات على الاسترخاء لإعطائه أكبر مجالٍ للعمل بينما يتم فتح الجفون لأقصى درجة ممكنة حول العين لتسمح بالإزالة والزراعة، يتم بعد ذلك باستخدام أدواتٍ متخصصة قطع النسيج المتضرر من العين بشكلٍ دائريٍ سميكٍ أشبه بالزر وإزالته والتخلص منه، بعد ذلك يوضع نفس الجزء من عين المتبرع وخياطته بمجموعةٍ من الغرز في شكلٍ دائريٍ يجعل قرنية العين أشبه بقرص الشمس تخرج منه الأشعة، تظل الغرز موجودةً لفترة عامٍ أو يزيد بعد انتهاء العملية، وكخطوةٍ أخيرة يضع الطبيب حاجزًا بلاستيكيًا على العين لحمياتها وحفظها أثناء فترة تعافيها، لا تستغرق تلك العملية سوى ساعةٍ أو ساعتين ولست بحاجةٍ لملازمة المستشفى بعدها بل تستطيع العودة إلى البيت في نفس اليوم والراحة.
المتبرعين بالقرنيات المزروعة
اعتاد الأطباء قديمًا رفض أي قرنيةٍ يتبرع بها من هم فوق الخمسة وستين عامًا، إلا أن الدراسات والأبحاث أثبتت مؤخرًا أن كبر الشخص وتقدمه في السن لا يعني أن عينه غير سليمة وقرنيته غير صالحةٍ للتبرع والزرع، بل إنها أثبتت أن ثلاثة أرباع عدد المتبرعين بقرنياتهم يقعون بين عمر الخمسة والثلاثين والسبعين عامًا، وثلث ذلك العدد وحدهم يقعون بين عمر الستين والسبعين، وأعطت تلك القرنيات الجديدة المزروعة نتائج رائعة ورؤيةٌ واضحةً وسليمة لمدةٍ وصلت حتى العشر سنوات بعد الزراعة، طالما أن العين سليمة فلن يهم العمر فيها لأن كل ما يهم هو صحة القرنية التي تم التبرع بها.
زراعة الطبقة الداخلية من القرنية
ظهر نوعٌ جديدٌ من أنواع زراعة القرنية في السنوات الأخيرة فبدلًا من زراعة القرنية بأكملها بكل طبقاتها حتى لو كانت طبقاتها الخارجية سليمة أصبح من الممكن الإبقاء على الطبقات الخارجية واستبدال الداخلية وحدها، يقوم الطبيب بإحداث شقٍ صغيرٍ يستبدل فيه الطبقة التالفة بطبقةٍ جديدةٍ سليمة، ويستخدم خاصية فقاعات الماء لضبط موضع طبقة القرنية الجديدة وفي أغلب الحالات لا يحتاج الشق إلى تقطيبٍ وإنما يُشفى وحده مع الوقت.
تحمل زراعة الطبقة الداخلية من القرنية العديد من المميزات على عملية زراعة القرنية بأكملها مثل سرعة وقت وآلية العملية وعدم الحاجة للتقطيب الجراحي، كما تنخفض الفترة التي ستحتاجها العين للشفاء والتعافي مما سيزيد من سرعة استعادة المريض لحاسة بصره ثانيةً، والأهم من ذلك أن تلك الطريقة وفرت علينا إزالة طبقاتٍ سليمةٍ وصحيحة من القرنية بسبب تلف الطبقة الداخلية وحدها وصار المريض قادرًا على الاحتفاظ بالجزء المعافى واستبدال التالف وحده وهو ما يقلل من فرصة الرفض.
بعد العملية وفترة التعافي
لا ينهض المريض بعد انتهاء عملية زراعة القرنية فجأة وتعود له رؤيته مرةً أخرى كما كانت قبل حدوث المشكلة وإنما سيحتاج لفترةٍ للتعافي واسترجاع حاسة البصر كما كانت وأغلب الوقت تصل فترة التعافي تلك إلى عامٍ كاملٍ أو يزيد، يبدأ المريض في استعادة رؤيته بالتدريج وتكون الرؤية ضبابيةً معكرةً وصعبةً في البداية، ثم تصبح أكثر صفاءً ونقاءً وجودة مع مرور الوقت فلا تنسَ أن جسدك وعينك بحاجةٍ للوقت للتعرف والتأقلم مع القرنية الجديدة.
ستعود لحياتك الطبيعية بعد العملية بأسبوعٍ تقريبًا لكن ذلك لن يتضمن حمل الأوزان الثقيلة أو أي مجهودٍ بدنيٍ عنيف للأشهر العديدة الأولى، خلال تلك الفترة ستتعاطى الأدوية المختلفة لمساعدة العين على التأقلم مع القرنية والتعافي وحمايتها من العدوى والتلوث والميكروبات المختلفة، وفي نفس الوقت ستحتاج لحماية عينيك بشكلٍ مكثف كارتداء النظارات طوال الوقت لتضمن ألا يدخل شيءٌ في عينك.
يتم إزالة القطب الجراحية بعد عامٍ وحتى فترة عامٍ ونصف من انتهاء عملية زراعة القرنية ومن المفترض أن تكون العين أتمت عملية الشفاء والتعافي تمامًا خلال تلك الفترة واستطاع المريض أن يستعيد رؤيته كاملةً.
حالات رفض عملية زراعة القرنية
رغم أن نسبة نجاح عمليات زراعة القرنية عاليةٌ جدًا حتى أنها تحقق مركزًا عاليًا في أكثر حالات زراعة الأعضاء نجاحًا في الطب إلا أن احتمال حدوث الرفض من الجسد للقرنية الجديدة ما زال قائمًا في بعض الحالات، ورغم أن الرفض قد يؤدي بالمريض إلى العديد من المخاطر إلا أن فكرة استعادة البصر مرةً أخرى يغري الكثيرين بالإقدام على تلك المغامرة واقتناص الفرصة.
أغلب المشاكل قد يكون سببها حدوث تلوثٍ أو عدوى للعين أثناء الجراحة أو بعدها ما قد يزيد الأمر سوءًا أو أنها مشاكل تكون متعلقة بالقطب بعد إنهاء عملية الزرع، لكن الرفض من ناحيةٍ أخرى هو الخطر الأكبر عندما يقرر جهاز الجسم المناعي أنه لا يقبل بالقرنية الجديدة ولا يستطيع التعرف عليها فيتعامل معها باعتبارها جسمًا غريبًا ويبدأ بمهاجمتها وتدمير خلاياها، وتقول بعض الدراسات أن نسبة الرفض تزيد عند وجود تاريخٍ مرضيٍ بالإصابة بعدة أمراض مثل المياه البيضاء أو الزرقاء أو تورم القرنية وانتفاخها.
يتم تحديد الرفض أو بدايته على الأقل من مجموعةٍ من الأعراض كلها تكون أسوأ من الطبيعي الذي قد يعاني منه المريض العادي بعد انتهاء عملية زراعة القرنية في فترة النقاهة، تبدأ العيون بالاحمرار بدرجةٍ كبيرة ويزداد الألم فيها ويصبح غير محتمل بينما تكون العينان شديدتا الحساسية للضوء وبدلًا من أن تتحسن الرؤية سيجد المريض أنها تصبح أسوأ فأسوأ.
قد يحدث رفض الجسد زراعة القرنية بعد مرور شهرٍ من العملية وقد يأتي الرفض بعد عدة سنوات لا وقت محدد لذلك، لذلك يساعد الأطباء مرضاهم بجعلهم يتناولون أدويةً مثبطةً لجهاز المناعة في تلك الفترة للحد من نشاط جهاز المناعة ضد القرنية الجديدة وإبعاده عنها، لو حدث الرفض فغالبًا ما يخضع المريض لعمليةٍ جديدة لكن يتم فيها الحرص على إيجاد قرنيةٍ أفضل وأقرب لأنسجة جسم المريض لتقليل نسبة الرفض.
زراعة القرنية الصناعية
بالطبع لن تجد أفضل من زراعة قرنيةٍ طبيعيةٍ وبشريةٍ في عين المريض، لكن حالاتٍ أو ظروفًا أخرى تستدعي إيجاد حلولٍ بديلة لعدم تواجد الحل الأفضل، كانت تلك الحلول تكمن في استخدام قرنياتٍ صناعيةٍ أو حيوية، يتم صناعة تلك القرنيات من موادٍ حيوية وتستخدم مع أولئك الذين يعانون من شراسة جهاز المناعة وأغلبهم يكون تعرض لعملية زراعة القرنية الطبيعية ورفضها جسده عدة مرات، أو أولئك الذين تسببت المواد الكيميائية الحارقة في إصابة قرنياتهم أو في حالات عدم القدرة على الحصول على قرنيةٍ طبيعيةٍ مناسبةٍ للمريض.
بعض الدراسات عرضت مجموعةً من النظريات تقول أن القرنيات المصنعة حيويًا من الحمض النووي لإنسان بعد زراعتها في العين تستطيع أن تساعد الأنسجة التالفة على التجدد مرة أخرى واستعادة وظائفها المفقودة مع مرور الوقت.
ما زال مجال زراعة القرنيات الصناعية تلك تحت الدراسة والتجربة ونجاحه يعني فتح بابٍ جديدٍ للطب وعمليات الزراعة وإعطاء أملٍ جديدٍ للمرضى وأنهم قادرون على تخطي قائمة الانتظار وعمليات البحث عن قرنياتٍ سليمة مناسبة لصفاتهم وأنسجتهم فالأمر أحيانًا يستغرق عدة أشهرٍ حتى يتمكن الأطباء من إيجادها والإقرار بصلاحيتها وزراعتها للمريض.