تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أمور الاسرة » الروابط العائلية : كيف تساهم العائلة في التماسك المجتمعي ؟

الروابط العائلية : كيف تساهم العائلة في التماسك المجتمعي ؟

في كل المجتمعات تقريبًا تُعد العائلة هي الوحدة الأهم في بناء المجتمع، فكما سنرى في السطور التالية تُعد العائلة و الروابط العائلية هي الملاذ الأول والأخير.

الروابط العائلية

لا يُنكر أهمية الروابط العائلية أحد، فلا يوجد شيءٌ كبيرٌ وُجد وخُلق وقام بذاته ولا وجود للجسد بدون أعضائه، كل الأشياء ما هي إلا تجمعاتٌ من ملايين الوحدات الصغيرة ليظهر الشيء الكبير للوجود، الجسد يتكون من خلايا والحائط يتكون من أحجارٍ صغيرة والمجتمع يتكون من وحدته الأساسية متمثلةً في الأسرة والعائلة، ما المجتمع؟ لفظٌ نستخدمه في كلامنا وكتاباتنا ودراساتنا وأبحاثنا كثيرًا لكننا لم نتوقف للحظة ونحاول أن نصل لعمقه ومعناه، أن نجد أمام كلمة المجتمع شيئًا ملموسًا نمسكه ونلمسه بأيدينا، نحن نعرف أن المجتمع موجودٌ هناك بالخارج نتحدث عنه كل يوم ونقول أننا نحبه ونخدمه ونحاول أن نرتقي به، لكن لو طُلب منا أن نمسك بالمجتمع أو نحضره لموعدٍ محدد لن نستطيع، لا تستطيع مقابلة المجتمع أو الحديث معه أو القبض عليه كل ما تستطيع فعله هو أن تتواصل مع الوحدات الصغيرة التي تكون المجتمع، وإذا نظرت للأمر بشكلٍ أكثر عمقًا وتمحيصًا ستجد أن المجتمع لا شيء بدون الروابط العائلية التي تجمع بين أفراده، وأنه بدون وجودنا لم يكن المجتمع ليوجد أبدًا، قديمًا عندما كنا صغارًا كانوا يلقنوننا أنه إن صحت الأعضاء صح الجسد، وبالمثل إن تكاتف وتعاضد أفراد المجتمع نهض، وإن تفرقوا وتشتتوا سقط.

الروابط العائلية ودور الأسرة في حماية المجتمع

الأسرة

الجدير بنا عند التحدث عن العائلات و الروابط العائلية كوحداتٍ تشكل مجتمعنا أن نتحدث عن الشيء الأصغر الذي يكون العائلة الكبيرة وهي الأسرة الصغيرة، العائلة قد تكون مئات الأفراد لكن الأسرة ستبقى دومًا البيت الدافئ الصغير الذي يجمع الأب والأم والأبناء، الروابط العائلية مؤثرة وقوية لكنها لن تصح أبدًا إن لم تصح الروابط الأسرية أولًا، الأسرة وتكوينها مسئوليةٌ ضخمةٌ تقع على عاتق أي اثنين ينتويان الزواج وبناء بيتٍ صغيرٍ يضمهما، على أفراد المجتمع أن يتفهموا ويتشربوا فكرة بناء الأسرة الناجحة جيدًا قبل الإقدام على تلك الخطوة الكبيرة، والتي لسوء الحظ لم يعد يُنظر إليها من ذلك الجانب اليوم وإنما أصبحت النظرة الشائعة للزواج هو كونه سنة الحياة التي لا مفر منها، وأن الرجل والمرأة بمجرد وصولهما لسنٍ معينةٍ يجدر بهما البحث عن شريك الحياة والزواج به لإتمام الحلقة المفرغة التي ندور فيها جميعًا، لا وقفة تساؤلٍ ولا لحظات اهتمامٍ نسأل فيها العروسين عن فكرتهما عن تكوين الأسرة وبناء البيت وإن كانا ناضجين كفاية لتحمل مسئولية الأولاد وتربيتهم تربيةً سليمة، من انعدام الخبرة وقلة الثقافة واعتبار الزواج واجبًا نؤديه لا مرحلةً جديدةً في الحياة نستعد لها تخرج بيوتًا ضعيفةً ومهشمة، أطفالٌ غير سعداء وغير مستقرين نفسيًا وعاطفيًا واجتماعيًا يصبحون عالةً على المجتمع لا يدًا تبني فيه، وبالعكس الأسرة القوية السليمة التي يتحمل كل فردٍ فيها مسئوليته وواجبه بالشكل الصحيح تصبح نواةً صالحةً قد يبدأ منها بناء مجتمعٍ كاملٍ ولا تستغرب.

العائلة

إن صحت الأسرة صحت العائلة وصح المجتمع بأسره، لا تتوقع من أسرةٍ مفككةٍ لا يرى فيها الأخوة بعضهم البعض ولا يتحدث الأبوان مع أطفالهم إلا في المناسبات أن يتواصلوا برقيٍ وتحضرٍ واجتماعيةٍ مع بقية أفراد عائلتهم الواسعة، العائلة قد تصبح أكبر مما تتخيل وبعض العائلات من كبرها واتساعها قد يعجز أفرادها عن تذكر أسماء بعضهم البعض، تلك العائلات التي تتكون من العديد من الأسر الصغيرة هي كيانٌ لا يمكن الاستهانة به في بناء المجتمع، الروابط العائلية فيها هي الحبال التي تشد أزر المجتمع وتجمع أوصاله معًا لتجعله قويًا متكاتفًا وصلبًا، بل إننا لا نبالغ إن قلنا أن اتجاهات المجتمع وميوله ومصيره تحددها مجموعاتٌ من الأسر التي تتحكم فيه وتحصل لنفسها على النفوذ الأوسع ومركز القوة، بعض العائلات من قوتها واتساعها وبطشها استطاعت أن تتحكم في مسار التاريخ نفسه في زمنٍ من الأزمان وليس مصير مجتمعٍ وحسب، ألم تتساءل قط عن السبب الذي دفع الملوك قديمًا إلى الهوس والجنون بفكرة الوريث والابن الذي يرث الملك والسلطان؟ السبب هو جمع العائلة المالكة على قلب عرش الحكم واستمرار تحكمهم في مقاليد الحكم، حدثني عن نهايات الامبراطوريات العظيمة والعائلات الحاكمة التي ما جاءت إلا على يد وريثٍ ضعيفٍ محبٍ للهوى والنزوات غير متحملٍ للمسئولية لم يستطع لم شمل عائلته وبلاده فانهار كل ما بناه أجداده، العائلات تتحكم في تاريخ ومسار المجتمع أكثر مما نحسب له حسابًا، وتلك الروابط العائلية التي تربط أفراد العائلات ببعضهم البعض هي التي تحدد اتجاه ومسار تلك العائلة ومصيرها، قد تغضب وقد تقنط وقد تسخط على سياسة العائلة أو على البعض من أفرادها لا بأس في كل ذلك طالما أنك ما زلت جزءًا منها منتميًا لها محافظًا على لم شملها ولم تحاول قط أن تنسحب وتفكك العائلة.

العصر الحديث يهدد الروابط العائلية

مما لا شك في أن مجتمعاتنا آخذةٌ في التردي والتهاوي وأن حجم الروابط العائلية الوطيدة التي نراها اليوم شديدة الندرة لدرجةٍ مرعبة، لم نعد نثق في قدراتنا الاجتماعية رغم أن التكنولوجيا العصرية لم تتقدم إلا لأجل ذلك السبب كما ادّعت أمامنا، وأنها كانت تحاول جمع العالم الكبير المتسع في نطاق شاشةٍ صغيرةٍ بين يديك لتكون قادرةً على تقريب البعيد، لكن ما حدث بالفعل أنها نجحت في إبعاد كل من هم أقرب إلينا من مسافة ذراعٍ واحد، صار البيت صامتًا كالقبر اختفى منه ضحك الأبناء وكلام الكبار وأصبح كل واحدٍ غارقًا في عالمه الافتراضي وشاشاته التي لا تنتهي، نحاول يائسين أن نبني علاقاتٍ وهميةً افتراضية لكننا بالمقابل نقضي على علاقاتٍ حقيقيةٍ بين أيدينا ونمحوها من الوجود بدون أن ندري، مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت استطاعت بدون أن نشعر أن تفكك كل تواصلاتنا الاجتماعية على أرض الواقع، صرنا فلاسفةً وعظماء وخطباء على الشاشة الباردة لكننا في الواقع فقدنا أساسات التعامل الاجتماعي تمامًا، لم نعد ندرك قيمة التلاقي والتواصل الحقيقي ومجتمعنا صار على وشك الانهيار بسبب أن كل شخصٍ منا صنع لنفسه مجتمعًا افتراضيًا خاصًا به وتقوقع فيه بصمت.

سلامة الفرد من سلامة المجتمع

المشكلة المرعبة والكبرى أن الأفراد في مجتمعاتنا صاروا غرباء عن كلمة الروابط الاجتماعية ومعناها، صاروا عاجزين عن فهم أهمية التعرف على الآخرين ومد جسور الود والتواصل معهم، لم يعد هناك علاقة تقدير كبيرٍ وحنوٍ على صغيرٍ ورفقةٌ وصحبة مع من يقاربونك في العمر، لم تعد العائلة كالماضي تجتمع وتتلاقى وتتسامر وتتبادل الحكايات والأحاديث، ولم يعد الفرد يشعر بالانتماء لعائلته! هو يحمل اسمهم يحمل دمهم يحمل جيناتهم لكنه لا يحمل أواصرهم وودهم ومحبتهم وقربهم، قد يعيش الواحد منهم لا يعرف ولا يدري شيئًا البتة عن قريبه من الدرجة الأولى وقد تمر سنواتٌ دون أن يتلاقى الأقرباء، بل إن الرعب الأكبر أننا صرنا نرى أخوةً تمر عليهم الأعوام قبل أن يرى الواحد منهم أخاه! الفرد الذي فقد ذلك فقد كثيرًا من نفسه وكيانه ووجوده وشخصيته واستقراره النفسي والعقلي والعاطفي والاجتماعي، الشخص الذي لا يعرف معنى الانتماء لعائلةٍ وأسرةٍ لن يعرف معنى الانتماء لمجتمعٍ أبدًا.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

ثمانية عشر − ستة =