تسعة
الرئيسية » كمبيوتر وانترنت » أنترنت » الخصوصية : كيف ضاعت خصوصياتنا منا في العالم الرقمي ؟

الخصوصية : كيف ضاعت خصوصياتنا منا في العالم الرقمي ؟

العالم الرقمي يوصف بأنه قاتل الخصوصية ، في السطور المقبلة تشرح الكاتبة كيف أن الخصوصية أصبحت مهدرة في العالم الرقمي، وكيفية استعادتها.

الخصوصية

الإنترنت أمرٌ جميل أليس كذلك؟ لكن ماذا عن الخصوصية ؟ مجرد فكرة أنه استطاع تحويل العالم الكبير المجهول إلى شاشةٍ صغيرةٍ بين يديك تبهرنا كل يوم، ولا يكتفي رواد وصناع الإنترنت بالموجود وحسب وإنما نجدهم يخرجون لنا كل يومٍ بصيحةٍ جديدة، تتطور وسائل استخدام الإنترنت لتصبح أسهل وأفضل وأسرع وصولًا لكل أجزاء الشبكة العنكبوتية في أي وكل مكان، وهو الهدف الذي يحققه لهم تطور الهواتف الذكية التي كادت تصبح اليوم بديلًا جيدًا عن الحواسيب الكبيرة والمحمولة، وصرت قادرًا على اللعب والعمل والتواصل مع أهلك وأصدقائك وكل شخصٍ تعرفه أو ستتعرف عليه عبر تلك الشاشة التي تطفئها وتضعها بسهولةٍ في جيبك.

لكن هل تساءلنا عن الثمن الذي ندفعه للحصول على كل ذلك التقدم؟ كل شيءٍ في هذا العالم يأخذ منّا مثلما يقدم لنا، وإن زاد ما أخذناه زاد ما دفعناه باختيارنا أحيانًا لكن بدون أن ندري في أغلب الأحيان، يتم الثمن الذي ندفعه إلى الإنترنت على خدماته العديدة لنا في جزءٍ غير هينٍ بدأنا في التفريط فيه من خصوصيتنا وما زلنا مفرطين فيه، لم يعد للخصوصية مكانٌ اليوم في هذا العالم الرقمي وأصبحت أسرار البيوت مسكوبةً على الإنترنت بلا حساب.

الخصوصية وكيفية ضياعها منا في العالم الرقمي

خصوصيةٌ ندمها عن طيب خاطر

عندما نتحدث عن مشاكل الخصوصية وانعدامها فلا نعني بذلك التجسس وسرقة الحسابات الشخصية وتجاوز بعض الشركات لحدودها واستغلالها استخدامنا لمنتجاتها وخدماتها لهدم جدار الخصوصية بلا علمٍ منا وحسب فلذلك حديثه الخاص، لكننا نتحدث عن أننا جميعًا أصبحنا بدرجاتٍ متفاوتة نتهاون في خصوصياتنا ونفضحها على الإنترنت برضا تامٍ منا وعن طيب خاطر، بدأ ذلك مع بداية سباق خدمات مواقع التواصل الاجتماعية المقدمة إلينا عبر الشركات المختلفة، يظهر موقعٌ يطلب منا كتابة معلوماتنا الشخصية لتسجيل الدخول فنكتب معلوماتنا الشخصية، يظهر موقعٌ يطلب منا وضع صورنا الشخصية فنضعها، يظهر موقعٌ يساعنا على وضع تاريخ الخبرة والعمل فنسجل السي في الخاص بنا عليه، الناس يتشاركون صورهم الخاصة ومواقعهم وتظهر لنا خاصياتٌ جديدة تتيح لنا أن نخبر الآخرين عن أماكننا الحالية، نتشارك صورنا وصور تلك الأماكن ونخبر بأحوال بيوتنا وحالاتنا الخاصة وحالاتنا الاجتماعية ومشاعرنا ونستعرض أفكارنا وأخبارنا وتقدماتنا في الحياة أو تخلفاتنا فيها، حتى لون الحذاء ونوع المشروب الذي نشربه وتفاصيل بيوتنا الخفية صارت اليوم معروضةً على المواقع الاجتماعية باندفاعٍ وجهلٍ منا وبدافع التقليد والتظاهر الخاطئ بالاندماج مع الجماعة عبر استخدام ما يستخدمونه.

انعدام الخصوصية تسبب في التشوه النفسي

للبيوت أسرار ولكل شخصٍ حياته الخاصة وسريته التي يستحقها ويستحق أن تظل تلك الأمور أو المعلومات مقتصرةً عليه وعلى من يخصهم ويمسهم الأمر وحسب، لكن الذي حدث أن الناس بدأت في خفض جدران الخصوصية قليلًا وبدأ الناس يتشاركون معلوماتهم الخاصة ومعلوماتٍ عن حياتهم الشخصية ثم معلوماتٍ عن حياتهم اليومية وأسرار بيوتهم، وتطور الأمر ليبدأ الناس بتحري أخبار الآخرين والبحث عن حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي للتلصص على ما كان يعتبر خصوصية ومعرفة أخبارٍ لا يجدر بهم معرفتها، ثم تطور الأمر بشكلٍ مرعبٍ أكثر لتجد اليوم بعض الناس الذين لم يكتفوا بالتخلي عن خصوصيتهم وعرض حياتهم كمشاعٍ للجميع وإنما صاروا يتحدثون عن أخبار الآخرين وينشرون معلوماتٍ عنهم بل وصورهم بدون إذنٍ ولا معرفة أصحاب تلك المعلومات والصور إلا عندما يفاجئون بها تغزو الشبكة العنكبوتية والجميع يتحدثون بمنتهى الانفتاح والحرية ويتناقشون ويطلقون الآراء والأحكام عنهم! بل إن التشوه النفسي بلغ حده أننا صرنا نراها مسابقة نحاول أن نتنافس فيها لمن يعرض صورةً أفضل أو من يقول أنه فعل في يومه شيئًا أفضل أو من يلتقط مع شريك حياته صورةً أكثر رومانسية من الآخرين.

الاستخدام الخاطئ كان السبب

البعض يجد في نفسه رغبةً في لوم مواقع التواصل الاجتماعي لكونها دفعت بنا لهذا الطريق وصنعت منا هؤلاء المدمنين لتلك المواقع و المتعطشين لمعرفة أسرار الآخرين عبرها، لكن الحقيقة أننا باستخدامنا الخاطئ لوسائل كان من المفترض أن تكون مفيدةً تسببنا في ذلك لأنفسنا، أصحاب تلك المواقع ومن قدموا لنا تلك الخدمات ما كانوا ليتمادوا أو حتى ليستمروا في تقديمها إن لم يجد إقبالًا جنونيًا منّا عليها، كانت تلك المواقع في الأصل تهدف لتقريب البعيد ومحو الفواصل والحدود بين الدول وتقليل الغربة على المغتربين بجمعهم مع أهلهم وأقربائهم، كانت وسيلةً للتخلص من الوحدة والتعرف على أشخاصٍ جدد وتبادل الثقافات مع من يعيشون في بلادٍ أخرى، كانت وسيلةً للعلم والثقافة والإثراء والبحث والعمل، وما زالت لكل ذلك لكن البعض بدؤوا باستخدامها بطريقةٍ خاطئة ونزولًا عند قانون التجارة الذي يكاد لا يعرف قيمًا أو أخلاقًا استغلت الشركات ذلك الهوس وبدأت بدراسة ما يزيده ويثريه ويخدمه وما يجذب تلك الفئة من العقول التي تبحث عن المتعة والترفيه وحسب وإعطائهم خدماتٍ جذابة أكثر فأكثر، لا مشكلة في كل ذلك حتى الآن لكن المشكلة أن البعض أدمن ذلك وصارت تلك حياته وذلك الأسلوب الذي يعيش به وهو للأسف يقضي على حياته الحقيقية رويدًا رويدًا بدون أن يشعر، أعرف كثيرين اعتزلوا إدمان المواقع الاجتماعية والهوس المحيط بها والسباق المجنون الذي يصنع منا أتفه المخلوقات واقتصروا على فوائد الإنترنت وحسب، تجدهم الآن هم الذين يتقلدون أعلى المنازل في الحياة الحقيقية بينما يجلس الآخرون على مواقع التواصل الاجتماعي يهدمون جدران الخصوصية ويقتحمون حيوات بعضهم الشخصية.

خصوصياتٌ تؤخذ منا بدون علمنا

هل يعني ذلك أننا المخطئون الوحيدون وأن الجهات التي تقدم لنا تلك الخدمات نظيفة اليد بريئةٌ من كل الاتهامات التي توجه لنا بأنها اقتحمت بيوتنا وتجسست على الخصوصية فيها ونقلت حياتنا من بين الجدران للعرض والنشر على حوائط الإنترنت؟ بالطبع لا فتلك الجهات تحمل ذنبًا أيضًا يكمن في أنها لا تعطينا أحيانًا إنذارًا أو تنبيهًا وفي أنها في أحيانٍ أخر تبتزنا للحصول على ما تريد مقابل ما نريد، كثيرٌ من التطبيقات التي تقوم بتحميلها على هاتفك الذكي تتدخل للوصول إلى كل المعلومات الموجودة فيه والاحتفاظ بها وحفظها في سجلات تلك الشركة، وأغلب تلك الجهات لن تستطيع أن تعرضها للمساءلة القانونية ببساطةٍ لأنها تخبرك ضمن بنود وشروط الاستخدام أثناء تنزيلك التطبيق أو تسجيلك الدخول بأنها ستصل لكل معلوماتك لكنك تتجاوز تلك النقطة وتوافق عليها بدون أن تقرأها أو تهتم بها نزولًا على عادتنا في تجاوز تلك القوائم المملة، وبهذا تعطيهم الإذن دون أن تدري ثم تفاجأ بعد ذلك بوجود معلوماتٍ وصورٍ شخصيةٍ لك لم تشاركها بنفسك مرفوعةً على الإنترنت حتى ولو بشكلٍ خاصٍ لم يره أحدٌ غيرك، في حالات الابتزاز فأنت تعرف وتدري أن هذا التطبيق أو الموقع سيصل لكل بياناتك الشخصية لكنك لا تستطيع إيقافه وأمامك أحد الخيارين، إما الموافقة على مشاركة خصوصياتك وإما أن تتخلى عن فكرة استخدام الموقع فاختر!

الحفاظ على الخصوصية في ظل كل تلك التغيرات الإلكترونية التي تقتحم عالمنا رغمًا عنا صار كفاحًا ويكاد يصبح أمرًا مستحيلًا، لكننا ما زلنا قادرين على الإمساك بزمام الأمور وتهذيب أنفسنا واختيار الطريق الصواب، الإنترنت وسيلةٌ لنفع الإنسان وجعل حياته أفضل وأسهل فلا تجعله يضرك.س

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

2 × ثلاثة =