تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » تطور الكتابة : كيف تطورت الكتابة على مر العصور ؟

تطور الكتابة : كيف تطورت الكتابة على مر العصور ؟

يقسم علماء التاريخ تاريخ البشرية إلى مرحلة ما قبل الكتابة، ومرحلة ما بعد الكتابة، هذا يعطيك فكرة عن أهمية دراسة تطور الكتابة وعلاقتها بالتطور البشري.

تطور الكتابة

تطور الكتابة وتاريخها على مر العصور من أكثر الموضوعات أهمية، حيث أن الكتابة من أهم وسائل التواصل في حياتنا اليومية، وهي لغة حديثنا اليوم، حيث أننا نستخدمها أكثر من أي وسيلةٍ أخرى، فهي أصبحت طريقة التواصل الرسمية، فاستبدلنا المكالمات الهاتفية، والزيارات العائلية بنظام المراسلة، وكتابة الرسائل الإلكترونية، فبعد أن اندثرت كتابة الرسائل الورقية وظهرت عوضًا عنها المكالمات الصوتية وغيرها، فعدنا إلى عهدنا القديم من استخدام الكتابة ولكن بصورة أكثر حداثة، وأكثر شيوعًا أيضًا.. كما يجب علينا الجزم أن الكتابة هي التي تدير حياتنا وهي المسئولة عن كل شيء، فهي أساس التعليم، والذي عليه يأتي فرد متعلم ليساعد في نهضة البلد في كافة المجالات، فهي أساس وفضل وصول بدايات مختلف العلوم إلينا اليوم يرجع إلى تدوينها وكتابتها يومًا ما حتى استطعنا الاستفادة منها وتطوريها بعد ذلك، لذا فمن المهم أن نعرف كيف نشأت الكتابة، وكيف تطورت على مر العصور!

تعرف على تاريخ تطور الكتابة عبر التاريخ

ما هي الكتابة، وكيف نشأت؟

الكتابة هي عبارة عن لغة نصية، تظهر عبر نقش بعض الرسومات الرمزية، وهي “الحروف”، ويتم بها توثيق الأفكار، أو المشاعر، أو الأخبار المختلفة، ونقلها إلى الأشخاص، وقد تطورت طرق توثيق الأفكار ونقلها بتطور الكتابة على مر العصور.. وقد نشأت الكتابة قديمًا على يد الإنسان الذي اهتدى إلى أنه يجب عليه أن يعبر عن حالته، وما يمر به، فقام بتدوين حياته، وتوثيقها عن طريق عمل بعض الرسومات على الجدران الكهوف، والتي تظهر منقوشة فكانت تلك الطريقة تعبر عن بدائيات الكتابة، أو الطريقة البدائية التي أدت إلى تطور الكتابة فيما بعد، حيث ظهرت في البداية على هيئة رسومات منقوشة، والتي تطورت فيما بعد إلى رموز وهي الأحرف الوضعية التي قام بها الإنسان، لأنه وجد أن الرسم ربما لا يقوم بالتعبير عن كل ما يريده، أو أنه قد لا يوصل ما يريد إيصاله بالتحديد، لذا كان لا بد من وجود الكتابة حتى يتم التعبير عن كل ما يرغب بكل دقة.

أهمية الكتابة

الكتابة هي الطريقة الوحيدة التي استطعنا بها التعرف على العلوم المختلفة القديمة، والتي أعطتنا حجر أساس للسير عليه، حتى نستطيع تطوير العلوم، والتطوير في كافة المجالات أيضًا، وبناء المستقبل.. كما أعطتنا الكتابة معرفة دقيقة عن تاريخ الشعوب السابقة، والتي مكنتنا من الاستفادة من الخبرات العديدة، ومعرفة كيف نشأ الإنسان وتطورت خبراته على مر العصور.. فلولا ما وصَلنا من أخبار وعلومٍ من أجدادنا لم نكن لنستطيع الوصول إلى ما نحن عليه الآن من تطور وحضارة!

أدوات الكتابة

كانت الكتابة قديمًا عبارة عن النقش بأداةٍ حادة على جدران الكهوف، أو الحجارة، والطين.. قبل أن يتم اكتشاف الطرق الأخرى من الأوراق، والتي تطورت فيما بعد أيضًا، فكانت في البداية الألواح الطينية، حيث ينقش على الطين وهو طري بسن رفيع، ثم يترك ليجف في الشمس، وكان الإنسان يستخدم أيضًا أوراق السعف، والعظام والتي تتكون من عظام الحيوانات، من الأغنام والإبل، وخاصةً عظام لوح الكتف لأنها عريضة وتمكنه من الكتابة عليها، وكانت هناك أيضًا ألواح الخشب، حيث تدهن ويكتب عليها، وتوجد “المهارق” وهي الصحف البيضاء من القماش التي تسقى بالصمغ لتجف ويكتب عليها، ويوجد أيضًا “اللخاف”، وهي حجارة بيضاء رقيقة، ومسطحة، ولا يخفى علينا “أوراق البردي” وهي طريقة وجدت في مصر القديمة، وكان عبارة عن نبات ينمو على ضفاف نهر النيل، تفرد تلك النباتات على سطح أملس ثم تفرد طبقة أخرى بطريقة معاكسة، ويتم ضغطها وصقلها، ثم الكتابة عليها، ولكن ورق البردي لم يكن جيدًا كفاية، حيث أنه كان من السهل على أحدهم أن يقوم بمسح ما هو مكتوب ليقوم بالكتابة دون ترك أثر لهذا، فكان هذا يساعد على تزوير وتغيير ما هو مكتوب من قبل، وقد تطورت الكتابة إلى استعمال الجلود المدبوغة، وهي طريقة وجدت في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقد سميت تلك الجلود المستعملة في الكتابة بالأديم، أو الرق، وقد صنعت تلك من جلود الحيوانات، من البقر والإبل، والغنم، والحمير وغيرها من الحيوانات المختلفة، وتدبغ هذه الجلود وترقق لتصبح ناعمة ملساء، حتى يمكن الكتابة عليها بسهولة.

وكان يستخدم في كتابة المصاحف “الرق” والذي يصنع من جلد الغزال، وكان من الرق أبيض وأحمر وأزرق، وكان أفضلها بالطبع الرق الأبيض، وعندما اكتشفوا ورق البردي اختلفت الكتابة حيث أخذ القلم حيزًا كبيرًا في تطور الكتابة وطريقتها، فكانت الأقلام في البداية تصنع من السعف، أو القصب، أو الغاب..وكان أشهرها وأفضلها القلم المصنوع من القصب، لسهولة استعماله، وبريه، وكان يستخدم الحبر كمادة للكتابة بالأقلام، فصنع العرب الحبر من الدخان، والعفص، ورماد أشجار البلوط، وغيرها، وقد نجح العرب في ابتكار الكثير من أنواع الحبر المختلفة، والتي تناسب الأوراق والمخطوطات للكتابة عليها، وكان الصينيون أول من اخترع الورق للتدوين، فساعدوا على تطور الكتابة ، وقد انتج الصينيون الورق في القرن الأول الميلادي، حيث استخدموا في صناعته سيقان الخيزران، والخرق البالية، وشباك الصيد، فكانت هذه المواد تغسل جيدًا، ثم يتم طحنها حتى تتحول إلى عجينة، ثم يضاف إليها الماء لتتحول إلى مادة أشبه بالصابون، ثم تُصفى، وبعدها تأخذ لتنشر فوق ألواح مسطحة ليتم تجفيفها في الشمس، وبعد ذلك يتم صقل هذه الألواح بالنشا ثم يتم تجفيفها من جديد حتى تصبح جاهزة للكتابة والاستعمال، ثم انتقلت هذه الطريقة إلى العرب، وقد تمكن الإيرانيون من صناعة ورق فاخر من الحرير والكتان..

مراحل تطور الكتابة ؟

لقد ذكرنا أن الإنسان القديم قد اهتدى إلى أنه بحاجة ماسة إلى تعبيرٍ ما حتى يستطيع نقل الأفكار والأحداث وغيرها، وبالطبع قد مر هذا التعبير الخاص بالعديد من المراحل التي أدت إلى تطور الكتابة ، ووصولها إلى ما هي عليه الآن من مظهر.. فالمراحل التي مرت بها الكتابة من تطور لم تكن متعاقبة، بل كان تطورها متداخلًا في الزمان والمكان، وأول مرحلة من مراحل تطور الكتابة وهي “الكتابة التصويرية” وكانت الكتابة التصويرية عبارة عن رسم صور، وكانت تلك الصور عبارة عن الأشياء التي تحيط بالإنسان، فهي لم تتعد الأشياء المادية التي حوله، ولكن تلك الطريقة كان من الصعب التعبير بها عما يشعر به الإنسان بالضبط، لهذا هي فلم تكن متكاملة، ولم تكن كافية، فما الفائدة من رسم بعض الرسومات فقط؟ ربما سنجد قصورًا في الفهم أو ما إلى ذلك.. ولهذا كانت الكتابة التصويرية بحاجة إلى المزيد من التطوير، فظهرت الكتابة “التصويرية الرمزية” وهي متطورة عن التصويرية من حيث أن الصورة التي قد وضعها الإنسان تدل على شيء آخر غير مدلولها الأصلي، فصارت علامة ما، فبعد أن كانت تدل على شيء مادي فقط، أصبحت تدل على فعل أو صفة له علاقة بما تمثله الصورة، فمثلًا العين بدلًا من دلالتها على العين فقط، فإنها تدل على الرؤية، والبصر وما إلى ذلك، مثل “الكتابة الهيروغليفية” التي وجدت في مصر القديمة، ولكن تلك المرحلة أيضًا لم تستطع التعبير بما فيه الكفاية عن حاجة الإنسان، فجاءت الحاجة إلى تطوير الكتابة، فمرت بمرحلة “الكتابة المقطعية” التي وجدت في الخط المسماري الذي كتبت به اللغة البابلية والآشورية، ولا تزال الكتابة المقطعية نظامًا قائمًا في الكتابة الصينية، واليابانية، وهي عبارة عن مجموعة من الرموز تكون مقطعًا، ثم استخدمت العلامات للدلالة على بداية المقطع وما فيه من أصوات، لتتحول بعد ذلك إلى حروف، وكان هذا بداية “الكتابة الأبجدية”، فالكتابة المقطعية تقوم على الأساس الصوتي الذي يكمن في الصور والرموز المختلفة للتعبير عن دلالات وكلمات لا علاقة لها بمعاني تلك الصور والرموز..  ولكن تعتمد تلك الكتابة على مئات الرموز لتكوين مقطع صوتي، لذا كان هناك حاجة لابتكار نوعٍ آخر من الكتابة يكون مبتكرًا وسهلًا.. فظهرت “الكتابة الهجائية” والتي يتم فيها تخصيص رمزٍ ما ليعبر عن صوت، بدلًا من مئات الرموز التي تعبر عن مقطع صوتي واحد، فإن الكتابة الهجائية يكون فيها عدد الرموز مساو لعدد الأصوات، وهي أسهل تلك الطرق استعمالات، وتعتمد الكتابة العربية والفينيقية على هذا النوع.

أنواع الكتابة

لقد قمنا بذكر مراحل تطور الكتابة على مر العصور، من تصويرية، وتصويرية رمزية، ومقطعية، وأبجدية، وسنذكر هنا أنواع الكتابة التي صدرت في كل مرحلة من المراحل بشيء من التفصيل. فقد وجدت “الكتابة المسمارية” وهذا النوع من الكتاب كان متداولًا في جنوب غرب آسيا، وهو نوع الكتابة يتم النقش فيه فوق ألواح الطين، أو الحجر، أو الشمع، أو المعادن، فهو يعتمد على النقش بوجه عام، وظلت هذه الكتابة سائدة في العراق حتى القرن الأول الميلادي، وكان يتم التدوين بهذه الطريق عن طريق مسمار مدبب، ثم تجفف هذه الألواح في الشمس، ولهذا سميت هذه الطريقة بالمسمارية، وكان أول ظهور لهذه الكتابة في بلاد الرافدين، وقد استمر انتشار هذا النوع من الكتابة إلى البلاد المجاورة مثل سوريا والأناضول، وكانت أول مخطوطة تم العثور عليها بهذه الطريقة ترجع إلى عام 3000 قبل الميلاد، مما يعني أنها سبقت الأبجدية ب 1500 عام، وتم التعرف على رموزها وفكها في القرن التاسع عشر الميلادي، وبهذا تمكن العلماء من معرفتها والتوصل إلى ما هو مكتوب فيها، ومعرفة ما تحويه من أسرار، وعلوم مختلفة وصلت إلينا من هذه الشعوب.. وتعد الكتابة المسمارية في مرحلة الكتابة المقطعية، ومن الأنواع الأخرى “الكتابة الهيروغليفية” وظهر هذا النوع من الكتابة لأول مرة بعد المسمارية بحوالي  3400 سنة قبل الميلاد، وكان معناها النقش المقدس، وهي تخضع لمرحلة الكتابة التصويرية الرمزية، وظهرت الكتابة الهيروغليفية في الحضارة الفرعونية القديمة، وكما ذكرنا فإنها تعتمد على الرموز والصور التي تشير في دلالتها إلى معنى معين مثل القدم فإنه لا يشير فقط إلى المعنى المادي له، ولكن ربما يشير إلى المشي أو الوقوف أو الحركة.

وكانت الهيروغليفية تستخدم في الكتابة على جدران المعابد، والتماثيل والمقابر وغيرها، وكان ظهور “الهيراطيقية” معتمدًا على الهيروغليفية، ولكنها كانت مبسطة عنها وسهلة أيضًا، وكانت تكتب على ورق البردي، وكانت تستخدم في الخطابات السريعة، والوثائق القانونية والإدارية، وظلت منتشرة حتى ظهرت “الديموطيقية” في القرن السابع الميلادي.. ثم ظهرت الأبجدية بأنواعها، وكانت الأبجدية طريقة اللغات السامية، في الشام وسيناء، واحتوت على العديد من الأنواع، فمنها “الأبجدية الأوغاريتية” واستخدمت في أوغاريت على الساحل السوري، وقد تكونت من ثلاثين حرف، وقد كانت تستعمل في كافة النشاطات، ومن ثم فقد تطورت إلى نظام أبجدي محكم, وقد وجد نوع آخر من الأبجدية والذي يسمى “بالفينيقية” والذي وجد على سواحل البحر المتوسط في عام 1100 قبل الميلاد، وكانت هذه اللغة مستخدمة في عديد من البلاد الشرقية والغربية، وقد أخذ الإغريق هذا النوع من الكتابة كأساس بنيت عليه كتاباتهم كالرومانية، واللاتينية فيما بعد. وأيضًا توجد “الأنكا” من أنواع الأبجدية، حيث ظهرت في دولة المكسيك، وكانوا يتبعون أسلوبًا مغايرًا تمامًا عن المعروف، حيث استخدموا الخيوط متعددة الألوان تعقد بطريقة معينة، وتعلق بعد ذلك بحبل طويل، وكان هذا النوع الخاص من الكتابة معروف باسم “كويبو” أو “الكتابة بالخيوط” وقد دونت حضارة الأنكا الكثير من المعلومات عنهم بهذه الطريقة. ومن الأنواع ظهرت “الأزتك” وهي توجد في أمريكا الوسطى، وكانت تشبه الكتابة التصويرية، وعرف هذا النوع من “الكتابة البيكتوجرافية” ولم تتمكن من التعبير عن أفكار هذه الشعوب. وآخر نوع من الأبجدية وهو “أبجدية تفيناغ” والتي تستخدم في شمال أفريقيا، وتعتبر تلك الأبجدية أصيلة حيث أنها لم يعتمد شعبها على كتابة سابقة، فلم تكن تطويرًا من أخرى.

والكتابة لم تنتهي على كونها فقط لغة الشعوب، التي تعمل على نقل أفكارها، وسرد علومها وتاريخها.. ولكنها فنٌ يكتب وينتج قصصًا وأشعارًا وروايات، فعندما نتحدث عن تطور الكتابة، يجب علينا أن نذكر أن تطورها لم يكن فقط في أنواعها، وطريقة كتابتها، والأدوات المستخدمة لذلك، بل أن تطور الكتابة كان في ذاتها، وفي طريقتها في التعبير عن الشعور الذي يعتري الإنسان، وهو المعروف بالكتابة الأدبية، فالكتابة في حد ذاتها لا يمكن الاستغناء عنها بحالٍ من الأحوال، فيستخدمها كل فردٍ في الحياة سواء أكان في عمله، أو في التواصل مع الغير، أو في التعبير عما يجول في خاطره.. فهي كالماء والهواء.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

3 × 2 =