الخصام المفيد قد يكون مصطلحًا غريبًا بعض الشئ، ففي ظل تعاظم قضايا الحياة اليومية، تتزايد معها الأعباء والتحديات التي تواجه مختلف الأشخاص وبالتالي زيادة فرص حدوث نزاعات وخلافات ليس بين الأصدقاء فقط ولكن على المستوى الأسري، وحتى بين الأهل والأقارب، وفي بعض الحالات يستمر هذا الخصام لسنوات طويلة وأحيانًا لنهاية العمر، لكن على النقيض من ذلك قد يتحول الأمر إلى خصام مفيد، وبالتالي الاستفادة من الموقف الذي حدث فيتم تصفية كثير من الأمور والوصول إلى حلول جذرية تستطيع أن تحدث العديد من التغيرات الإيجابية ليس على المدى القريب فقط، وإنما على مستوى أبعد من ذلك، وقد أظهرت العديد من الدراسات الغربية أن الأشخاص الذين يكتمون كثيرًا من المواقف بداخلهم ويخفون غيظهم يكونوا أكثر عرضة للإصابة بعدد من الأمراض المزمنة وقد يمتد الأمر إلى التعرض لبعض الأزمات القلبية والعصبية التي قد تنتهي بالوفاة، وذلك على العكس من الأشخاص الذين يتجادلون ويتخاصمون بهدف التغلب على نزاعاتهم وخلافاتهم القائمة بينهم.
الخصام المفيد : متى يكون ؟
عندما يساهم في حل الخلافات في وقتها
ربما الوصول إلى حل سريع وجذري لأسباب الخلاف بين أي شخصين هو الهدف الذي يسعى إليه كلا الطرفين، لذا فإن التجادل والتشاور حول الأسباب والعوامل التي أدت إلى نشوب الخلافات بين الصديقين أو الزوج وزوجته سيسهم بشكل مباشر في التوصل إلى حل وقتي للمشكلة؛ وبالتالي عدم تفاقمها الأمر الذي يقلص من فرص تفاقم أي خلافات، وربما هذا كان الدفع وراء تقديم عدد كبير من الأشخاص لمجموعة من النصائح التي تعظم عمليات التحلي بالصفات الحميدة أثناء التناقش والمجادلة، وأن يكون تبسط كافة الأمور في الحدود التي يقبلها الطرفين، على اعتبار أن التلفظ بأية كلمة ليست في موضعها قد تخلق عداوة طويلة، خاصة وأن بعض الأشخاص إذا تم جراحهم نفسيًا لم ينسوا جارحهم على الإطلاق، لذا فمعالجة المشكلات في حينها، والاعتذار من الأخطاء في وقتها يعد هو أفضل النتائج التي يحصل عليها الأشخاص جراء هذا النوع الجيد من الخصام المفيد .
عندما يقلل فرص التعرض إلى الأزمات النفسية والصحية
دائمًا ما يقضي الخصام المفيد على أية أزمات قد يتعرض لها الشخصان المتخاصمان، خاصة وأن كثير من الأفراد يتعرضون إلى أزمات نفسية تؤثر عليهم في حياتهم الشخصية نظرًا للارتباط الشديد الذي كان يجمعهم بالأشخاص الذين حدث بينهما اختلاف وخصام، وبحسب دراسة أمريكية فإن الأشخاص الذين يكتمون غضبهم ويتمادون في خصامهم هم أكثر الأشخاص الذين يكونوا عرضة لعدد من الأزمات التي تحدث لهم سواء كانت نفسية أو غيرها من حالات الاكتئاب والوفاة في الحالات الصعبة، لذا تطرقت العديد من الدراسات إلى أن هناك مجموعة من العوامل التي يجب أن يدركها الأشخاص وخاصة المقبلين على مرحلة الزواج وهي أن يتعلموا على وجه السرعة كيفية التصالح وفض النزاعات والخلافات إن نشبت، وتحويلها إلى خصام مفيد يدفعهم إلى استكمال حياتهم بشكل طبيعي دون إحداث مزيد من الخلافات التي تنتهي في نهايتها إما بقطع العلاقة نهائيًا بين هؤلاء الأشخاص أو إصابة أحدهما بحالة نفسية سيئة.
حينما يعيد الحياة الأسرية إلى طبيعتها
يعد الاستقرار في الحياة الأسرية وعلاقات الأصدقاء من أهم العوامل التي تزيد من سعادة الإنسان في حياته، وعلى العكس كما تزايدت معدلات الخصام والخلافات الأسرية والاجتماعية بين أي فرد والأشخاص الذين يتواجدون في المحيط الذي يعيش به، تتزايد إجمالي مشاكله واضطراباته النفسية، لذا يشير البعض إلى أن العلاقة الاجتماعية السوية في حياة كل فرد تعد واحدة من أهم العلاقات التي يعيش الإنسان بداخلها، وبالتالي يتم بناء كيان مجتمعي متكامل، ومن هنا كان الحديث قد تزايد حول ضرورة أن يتم بناء وتحديد مجموعة من الأسس والقواعد المحددة للحياة الزوجية بين أي شخصين بحيث يتم السماح بوجود مساحة واسعة لتبادل الآراء المختلفة من قبل كلا الزوجين، وحتى على مستوى العلاقات بين الأصدقاء أيضًا، وذلك على اعتبار أن العشوائية والتسرع في اتخاذ رد الفعل في أية علاقة ينشأ عنها الكثير من سوء الفهم والمشكلات، وبالتالي فإن الخصام المفيد يعد أفضل وسيلة لعودة الحياة الأسرية إلى طبيعتها التي عهدناها.
حينما يكسب الشخص المرونة في التعامل مع المواقف اللاحقة
كما هو معلوم فإن تكرار حدوث المواقف لأي شخص فإنها تزيد من قدرته مستقبلا على التعامل مع الأعمال والمواقف المشابهة بحكمة شديدة وبالتالي يكون الفرد لديه القدرة على تحويل أي خصام بينه وبين أي شخص في حياته إلى خصام مفيد، وبالتالي يتحول إلى عنصر إيجابي وفعال في المجتمع، وهنا تكمن أهمية الاستفادة من هذا النوع من الخصام المفيد الإيجابي، فأي خلاف أو شجار ينشأ بين فردين قد يكون أمراً صحيًا ومفيدًا للشخص والمجتمع في حالة ما إذا تم التعامل معه بوعي تربوي واجتماعي وأسري، وبالتالي نشر هذه القيم داخل المجتمع وتعليمها لصغار الأطفال حتى ينموا على مثل هذه الصفات الحميدة والتأثير إيجابيًا داخل الأسرة بشكل خاص والمجتمع بوجه عام.
الوصول إلى حلول وسط ومرضية
عندما يزداد الخلاف بين شخصين سواء كانوا صديقين أو زوجين، يبدأ الطرف ذو المرجعية الأكثر عقلانية بالبحث عن حل للخروج من هذا المأزق، ومن هنا كان الحديث قد تزايد حول ضرورة أن يتنازل أحد الأشخاص ويقوم بتسهيل إجراءات التخلص من هذا الموقف، وهو الحل الذي يلجأ إليه بعض الأفراد باستمرار، وبجانب ذلك فهناك محورًا آخرًا غاية في الأهمية وهو محاولة إيجاد حلول وسط ترضي جميع أطرف الخصام، بحيث يتم إرضاء الجميع وإنهاء الإشكالية التي قادتهم إلى هذا الخصام بأسرع وقت ممكن، وغالبًا ما تكون الحلول الوسط هي صاحبة الكلمة العليا في أي نقاش أو جدال بين شخصين، نظرًا لأن عدد كبير من الأفراد يرفضون التنازل عن حقوقهم وبالتالي قد يكون هذا الحل هو الوسيلة الوحيدة لإرضاء الجميع، فكلما كان الجدال والتناقش بشكل متحضر، كان من السهل إزالة أسباب الخلاف بين الأشخاص.
إبعاد الأطفال عن المشاكل
من المهم في أي علاقة يشوبها بعض الخلافات والخصام سواء بين عائلتين أو بين زوج وزوجته هي مسألة إبعاد الأطفال عن أية خلافات أسرية واجتماعية، حيث حذرت العديد من الدراسات من عملية استغلال الأطفال كوسيلة لإحداث ضغط من أحد الأطراف على الآخر وإشعال المعركة العائلية، فدائمًا ما يُنصح بوضع مستقبل الأطفال فوق أي خصام ينجم بين الأزواج من أجل تحويله إلى خصام مفيد وإيجابي، وبالتالي يساعد ذلك في تهدئة الوضع والخلاف وتقبل كل شخص من الطرفين لأية حلول بالأزمة.
كثير ما يتم التحدث عن ضرورة التحلي بالصبر وتحمل أخطاء الآخرين، حتى لا تتفاقم أية إشكالية بسيطة إلى أزمة ضخمة، وبالتالي يزداد الخصام بين الأفراد وبعضهم، لذا يطالب العديد من الخبراء النفسيين بضرورة الابتعاد عن كتمان الغيظ حتى لا تتفاقم النزاعات، ويشيرون إلى أن الدخول في جدال إيجابي يزيل بشكل كبير الصراعات التي تحدث بين أي شخصين، خاصة وأن العديد من الدارسات أثبتت أن الأفراد الذين يكتمون الغيظ بداخلهم ولا يتمتعون بالخصام المفيد تكون فرص وفاتهم أكثر 5 أضعاف من الذين يصلون إلى حلول إيجابية وينهون نزاعاتهم بشكل إيجابي.
أضف تعليق