تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » البنسلين : كيف ساهم اكتشاف البنسلين في حماية الكثير من الأرواح ؟

البنسلين : كيف ساهم اكتشاف البنسلين في حماية الكثير من الأرواح ؟

يعد الكثير من الأطباء والعلماء البنسلين واحد من أهم الاكتشافات العلمية قاطبة، وهذا ما سنراه في تقريرنا التالي عن البنسلين وأهميته الطبية.

البنسلين

هل تصدق أن مرضى السكر كان محكومًا عليهم بالموت قديمًا قبل اكتشاف البنسلين ؟! نظن أن عصا الساحر ما هي إلا فكرةٌ خيالية أليس كذلك؟ رغم أنها دائمة الظهور في أذهاننا كلما واجهنا موقفٌ صعبٌ أو عصيب وكلما وقف شيءٌ في طريقنا لم نجد له حلًا تمنينا أن نلوح بعصاتنا السحرية فتختفي كل المشاكل والعقبات، ذلك لا يحدث في أرض الواقع لكن المعجزات أحيانًا تحدث، وذلك ما حدث بالفعل في الماضي، كان الطب قديمًا متأخرًا بسيطًا وسائله قديمة وبدائية تناسب القدر البسيط من العلم الذي أوتوه، وعلى قدر بساطة الطب كانت بساطة الأدوية، لم يكن لديهم مختبرات ومعامل كما نملك اليوم ليصنعوا فيها الأدوية الصناعية والنصف صناعية ويستخلصوا الأدوية الطبيعية من مصادرها ويقوموا بتعديلها وتنقيتها واختبارها ثم إعطائها التصريح للاستخدام، كان كل ما حصلوا عليه هي أدويةٌ طبيعيةٌ فحسب اكتشفوها بمحض الصدفة واستخدموا وسائل في قمة البدائية لمحاولة استخلاص الدواء من مصدره وأحيانًا استخدام الدواء بمصدره للعلاج، لم يعرفوا المضادات الحيوية ولم يستطع الأطباء أن يقدموا شيئًا أمام حالات العدوى والجراح الملوثة والالتهاب الرئوي والسيلان سوى أيدي فارغة والانتظار حتى يموت ذلك الشخص، كانت تلك الحال قبل اكتشاف البنسلين فلك أن تتخيل كيف انقلب العالم رأسًا على عقب عندما جاء هذا الدواء الساحر إلى الوجود مغيرًا أقدار أشخاص وناقلًا إياهم من خانة الموتى تحت التنفيذ إلى خانة الناجين.

البنسلين والقصة الكاملة وراء منقذ الأرواح

اكتشاف البنسلين

ألم أقل أن كثيرًا من الأدوية التي توصلوا إليها في ذلك الوقت كانت بمحض الصدفة؟ إلى عام 1928 حيث كان العالم والباحث الإسكتلندي ألكسندر فليمنج في عطلةٍ جميلة عاد منها إلى بيته ومختبره البسيط حيث كان يجري بعض التجارب على نوعٍ من البكتيريا، كانت مستعمرات تلك البكتيريا تنمو في أطباق اختبارٍ خصصها لها بشكلٍ طبيعيٍ للغاية حتى لاحظ اختلاف أحد الأطباق، فمستعمرات البكتيريا ظهرت في كل أرجاء الطبق إلا في منطقةٍ معينةٍ محيطةٍ بفطرٍ نما في أحد الجوانب، بدت المنطقة حول العفن نظيفةً تمامًا وخاليةً من أي بكتيريا كأن الفطر أنتج مادةً تسببت في موت البكتيريا في تلك المنطقة، وكعالمٍ وباحث لم يترك أمزًا كهذا يمر مرور الكرام وإنما بدأ البحث وأخضع البكتيريا لتجاربه مع الفطريات والمادة السحرية التي تنتجها، فوجد أن تلك المادة لها تأثير مطهر وقاتل على عددٍ كبيرٍ من البكتيريا التي كانت تسبب العديد من الأمراض والعدوى بدون حل، عام 1929 أطلق ألكسندر البنسلين كقاتلٍ للبكتيريا للمرة الأولى، لم تكن كل الاختبارات تمت عليه بالطبع ولم يكن من الممكن فصله تمامًا بطريقةٍ طبية واستخلاص دواءٍ نقيٍ بعد لكنه ظهر للنور.

البنسلين يصبح علاجًا

بعد ذلك بحوالي 10 سنوات كان جماعةٌ من الباحثين بجامعة أوكسفورد هم من بدؤوا بتحويل البنسلين من مجرد مادةٍ سحريةٍ في أنابيب اختبار إلى دواءٍ حقيقيٍ فعال يعالج المرضى، بدؤوا بتحويل مختبرات أوكسفورد إلى محميةٍ طبيعية لنمو الفطريات وأجروا الاختبارات عليها وقاموا باستخلاص البنسلين منها، ثم انتقلوا لمرحلة حقن الفئران بها وتعريضهم للبكتيريا الممرضة المختلفة وانتظروا أن تصاب الفئران بالمرض لكن كانت النتيجة السعيدة أن البنسلين حماها من تلك الأمراض، كانت التجربة الأولى على البشر عام 1941 عندما أصيب رجلٌ ببعض الخدوش والجروح في وجهه ثم أصيبت تلك الجروح بالالتهاب وملأها الصديد وبدأت تهدده بالعمى وعدوى الجهاز التنفسي وبالوصول إلى مجرى الدم والتسمم حتى الموت، كانت حاله سيئة ونهايتها اليأس والموت ولا علاج له، عند حقنه بالبنسلين بدأت حالته تتحسن في خلال أيام لكنه كان بحاجةٍ للعلاج المتواصل والذي لم يكن متوفرًا بتلك الكمية في ذلك الوقت فساءت حالته ثانيةً ومات، لكنهم حرصوا على توفيره بكميةٍ مناسبة بعد ذلك وظهرت نتائج أفضل على مرضى آخرين حتى تعافوا تمامًا.

كيف يعمل البنسلين

يعمل البنسلين مثل عمل المضادات الحيوية التي نتعاطاها اليوم، تأتي تلك المضادات الحيوية من مصادر طبيعية أنتجتها البكتيريا أو الفطريات أو صناعية تم تصنيعها في المختبرات، تؤثر المواد الفعالة فيها على البكتيريا القاتلة وتتداخل في طريقة عملها، بعضها يقضي تمامًا على البكتيريا ويقتلها وبعضها يتدخل في تكوينها وتكاثرها وبعضها يمنعها من التأثير على الجسم والتسبب له بالمرض، كان المصريون القدماء من أصحاب الحضارات القديمة الذين اكتشفوا ذلك لكن ليس بالطريقة التي نفهمها نحن الآن، لكنهم كانوا محيطين ببعض أطراف الأمر حتى أنهم كانوا يضعون الفطريات وعفن الخبر على الجروح لتطهيرها ومنع الجرح من الالتهاب ومضاعفاته، صحيحٌ أن البنسلين كان قاتلًا للعديد من البكتيريا لكن مثله مثل المضادات الحيوية فبعض البكتيريا كانت مقاومةً له ولم يستطع البنسلين قتلها والتغلب عليها.

حساسية البنسلين

البنسلين مثله مثل أي دواءٍ آخر له مميزاته وله عيوبه، كان عيب البنسلين الأكبر هو الحساسية وكونها قاتلة في غضون ثوانٍ إن تم حقنه في الدم مباشرةً، صحيحٌ أن الكثير من الناس يعانون من الحساسية لأشياءٍ عديدة وأدويةٍ مختلفة طوال عمرهم، فالشخص إما مصابٌ بالحساسية من شيءٍ معين أو غير مصابٍ بالحساسية منها، إلا أن الأمر يختلف مع البنسلين فالشخص قد يتعامل مع حقنة البنسلين للمرة الأولى بمنتهى البساطة وبدون أي مشكلة لكن جسده بدون أن يدري يكون أجسامًا مضادةً للبنسلين ويستعد للهجوم عليه إن رآه مرةً أخرى، لذلك قد يستقبل أحدهم حقنةً ثانيةً من البنسلين على يد شخصٍ قليل الخبرة بناءً على حقيقة أنه حُقن به من قبل ما يعني أنه مضاد للحساسية منه، لكن جسده كون حساسيةً بالفعل فبمجرد حقنه يدخل في صدمةٍ حادة تؤدي للموت الفوري ولن يكون قادرًا حتى على بلوغ المستشفى، غالبًا ما يتم التغلب على تلك المشكلة عن طريق إجراء اختبار الحساسية قبل الحقن.

اختبار الحساسية

اختبار الحساسية ليس قاصرًا على البنسلين فحسب وإنما هو سارٍ على كل الأدوية خاصةً عند تعاطيها في الوريد للمرة الأولى، يكفل لنا هذا الاختبار معرفة كون الشخص سليم أم يعاني من الحساسية للدواء بدون تعريض حياته بطريقةٍ مباشرة للخطر، توجد عدة طرقٍ لإجراء اختبار الحساسية لكن الأسهل والأكثر شيوعًا هو حقن جرعة بسيطة من البنسلين تحت الجلد ثم الانتظار لعدة ساعات، لو ظهر التهاب مكان الحقنة وانتفخ الجلد والتهب وأصيب المريض بالحكة وظهرت أعراض الحساسية على المنطقة فذلك يعني أنه مصابٌ بالحساسية من البنسلين، لكن إن لم يظهر شيء فالشخص مستعدٌ لتلقي حقنة البنسلين بدون خطر.

البنسلين والمضادات الحيوية

كان البنسلين اكتشافًا جبارًا في عالم الطب وفتح الباب لمجال إيجاد المضادات الحيوية المختلفة لكن لا تتوقع أن تطور المضادات الحيوية سيؤدي لنبذ البنسلين ونسيانه، فمع الوقت تم تطوير البنسلين وتعديله وظهرت منه أعدادٌ مختلفة إما أعلى في الكفاءة وإما أكثر في التخصص، وكان أشهرها المضاد الحيوي الأموكسيسلين والذي أصله بنسلين مع بعض التعديلات المضافة عليه والتي جعلته قادرًا على القضاء على عددٍ أكبر من البكتيريا وأنواعٍ كانت مقاومة وحصينة أمام البنسلين الأصلي ولا تتأثر به، مهما تقدم الطب وتطور سيبقى دائمًا يتذكر دور البنسلين الفعال والقفزة المذهلة التي أحدثها في حياة الناس وسيظل البعض مدينين له بحياتهم حتى لو أنهم ماتوا الآن لكن يكفي أنه أعطاهم الفرصة ليعيشوا عمرًا طويلًا وحياةً بدون مرض حتى أتاهم أجلهم بعد أن بلغ بهم الكبر عتيًا.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

ثلاثة × 1 =