تعدد الأزواج هو اتخاذ الرجل أو المرأة لأكثر من زوج سواء كان الأمر بشروط محكومة وعدد معين أو لا. وقد تتوقع أن الفكرة جاءت لأول مرة مع الإسلام ولكن لا لأن تعدد الزوجات فكرة قديمة ولها تاريخ وأصل ولها مجتمعاتها التي حللتها وأخرى حرمتها. في هذا المقال أحب أن أتكلم عن أصل فكرة تعدد الأزواج وهل هي مرتبطة فقط بالرجال أم كان للنساء حق في تعدد الأزواج وأيضاً، وعن الأسباب الحقيقية وراء نشوء تلك الفكرة، وأظن أن هذه السطور ستفتح لك المجال لتتعرف على أشياء لم تكن تخطر على بالك.
تعدد الأزواج : منشأ الفكرة وانتشارها
فلسفة تعدد الأزواج
إذا نظرت للأمر من وجهة نظر فلسفية فستجد أن الإجابة دائماً تتمحور حول الجنس. هل كان الجنس هو العامل الوحيد الذي جعل الرجال أو النساء يأخذون لأنفسهم أكثر من شريك للحياة؟ أم إن الأمر مجرد تقاليد مجتمعية تربى عليها الأفراد فأصبحوا يمارسونها دون تساؤلات! مع الإسلام واحترام المرأة جاءت الفكرة لتلبية الاحتياج لزيادة عدد المسلمين لذلك وضع للأمر شروط وأحكام ويجب على الرجل أن يكون قادراً على إعالة أسرة بهذا الحجم، ولكن ماذا عن باقي المجتمعات بالعالم. في مجتمعنا العربي الذكوري قد تكون الإجابة هي الجنس وكثرة عدد الأبناء والعزوة وما إلى ذلك، ولكن العالم به مجتمعات مختلفة تمارس أكثر من نوع وطريقة للزواج ويرتبط معها أصل تعدد الأزواج إلى ممارسة العادات ليس إلا وليس هناك تفسيراً أخر. أغلب تلك المجتمعات ستجدها بعيدة عن الحضر وتعيش حسب قوانينها هي وليس للدولة وقوانين العالم الجديدة تأثير عليها، وتعدد الأزواج ما هو إلا تقليد أخر يحافظون به على اختلافهم. وفي كل مجتمع هناك من بدأ بهذا التقليد لأسباب تخصه ولكن الأمر تحول من الأسباب الخاصة إلى عرف مجتمعي. الآن سأشرح لك كيف تختلف كل ثقافة مما سأعرضه لك عن الأخرى وكيف يتم ممارسة تعدد الأزواج في مناطق كثيرة بالعالم.
العالم القديم
تعدد الأزواج بالعالم القديم والحضارات المختلفة كان أمراً نادراً. الزواج الأحادي كان هو الأساسي مع إمكانية الحصول على عاشقات سريات أو جواري مختلفة ولم يمارس على مستوى الشعب بل كان من حق الأمراء والأغنياء فقط، واهتموا جداً بالمرأة وحقوقها وعقاب الخيانة سواء كان الخائن هو الرجل أو المرأة كان شديداً جداً، يصل إلى الجلد أو النفي أو حتى الإعدام. المصريون والعراقيون القدماء اهتموا جداً بقدسية الزواج. بالطبع يحدث بعض الشذوذ في كل مجتمع ولكن ليس على المستوى العام ويحدث في الخفاء وليس مقنن علناً.
في بعض المجتمعات الأخرى خاصة المجتمعات التي سيطرت عليه السمة الذكورية والحب والسبي وما إلى ذلك كان تعدد الزوجات أمراً عادياً ومطلوباً لزيادة النسل خاصة بين الملوك. الشعب اليهودي من ناحية أخرى لم يكن تعدد الزوجات أمراً غريباً عليه وامتلك الرجل امرأة أو اثنين أو حتى أكثر، ولكنها يجب أن تكون زوجة وإلا تم اعتباره زنى. حتى الأنبياء كانوا يمتلكون الكثير من الزوجات أكثرهم النبي سليمان بالطبع. لكن أغلبية العادات والأعراف على تعدد الأزواج للمرأة الواحدة لم توجد (أو تُعرف بشكل أدق) سوى من وقت قريب في بعض القبائل البعيدة عن الحضر. والتعدد السائد في العالم القديم كان من حق الرجل وليس المرأة.
تعدد الأزواج في مجتمع التبت الحاضر
على هضبة التبت في الصين يعيش مجتمع مستقل بذاته، وذلك الشعب لديه أنواع مختلفة من الزواج. أول نوع هو الزواج الأحادي أي رجل وامرأة فقط بشكل طبيعي، النوع الثاني تتزوج فيه المرأة الواحدة الرجل بإخوته كلهم، النوع الثالث تتزوج فيه امرأة واحدة الأب وابنه، النوع الرابع زواج المرأة من رجال لا تربطهم أي علاقة قرابة، النوع الخامس هو زواج الرجل من امرأة وأخواتها كلهم، النوع السادس زواج الرجل من امرأة وابنتها، النوع الأخير هو زواج رجل لعدة زوجات لا قرابة بينهن. اعتناق شعب التبت للديانة البوذية التي لا تتدخل في تفاصيل الحياة الزوجية أبداً لأنها تعتبر أن الزواج عملاً غير دينياً بالمرة، سمح بهذا الكم من أنواع الزواج. ويختلف الأمر هنا باختلاف الحياة الاقتصادية للأفراد، فلو كانت الأسرة المكونة من خمسة رجال أخوة مثلاً لا يستطيع كل واحداً منهم الإنفاق على زوجة وأولاد فلا مانع من اشتراك الأخوة كلهم في زوجة واحدة وهكذا يسير النظام في باقي الأنواع.
أسباب أخرى تتسبب في تعدد الأزواج بهذه الطريقة: أولاً اتجاه أكثر من ربع الرجال إلى رجال دين لا يتجوزون فتتجه النساء لمشاركة نفس الرجل وتكون النساء هي القادرة على إعالة الأسرة. ثانياً ضمان حفظ الأراضي داخل نفس العائلة خاصة إذا كان أخر أفراد العائلة نساء. ثالثاً القدرة المالية تشكل عائقاً كبيراً ومن يمارسون تعدد الأزواج والزوجات هم من التجار غالباً. رابعاً الأم هي من تورث اسم عائلتها لأبنائها والملكية تكون باسم الأم وليس الأب وتحمل الإرث بنتها من بعدها فالنساء هم الأغنى في أغلب الوقت في مجتمع التبت مما يجعلهن قادرات على تعدد الأزواج أكثر من الرجال.
الأمور المترتبة على تعدد الأزواج بتلك الطريقة في ذلك المجتمع تختلف باختلاف نوع الزواج. ولكن المشكلة الأساسية غالباً هي عدم معرفة الأب الحقيقي، وفي الحقيقية لا يعتبر مجتمع التبت أن الأمر بهذا السوء فهذا يساعد على بقاء الأراضي ضمن نسل العائلة وليس بالضرورة أن يتفكك. ويعتبر الأخ الأكبر هو أب العائلة والمنسوب إليه الأطفال ويتناوب الأخوة في الخروج إلى رعي الأغنام والسفر الطويل فلا يتركوا البيت بمفرده. أما العذرية فلا تعتبر شيئاً مهماً مع كل تلك الأنواع وعلى الفتاة أن تقبل المختار لها من قبل أهلها بدون أي تساؤلات لأنها بالطبع لها الحق في اختيار أخر غيره، ولها الحق بتطليق الأول أيضاً.
عملية الزواج تتم على هذا المنحى، إذا تزوج الابن الأكبر من فتاة تصبح زوجة للأخ الأصغر أيضاً، فإذا خرج الأكبر للرعي أو التجارة فيحل محله الأخ الأصغر ولكن الأطفال دائماً سيكنون للأخ الأكبر. إذا كان لهم الأخوة آخرون فيسمح لهم أيضاً بالمشاركة مع هذه الزوجة بالترتيب أو لهم الحق في الزواج من فتاة لعائلة أخرى لا تمتلك ذكور أي يكون هو الرجل الثاني أو الثالث لها أو التابع لها ولأخواتها البنات، أو يصبح راهباً ولا يحق له الزواج. تحدث الخطبة وحفلة الزواج بنفس اليوم أو على يومين وثالث هو الدخلة والاحتفال في المعبد هو أمر واجب، مع عطايا المدعوين للعروس. تحاول الصين منذ عام 1941 أن تتحكم بتعدد الأزواج والزوجات في مجتمع التبت لأن رأيها أن تعدد الأزواج يجلب أطفال أكثر، ولكن محاولاتها أدت إلى زيادة السكان بنسبة 16% والزواج الأحادي كان هو السبب.
تعدد الأزواج في الهند
الهند هي أكثر البلاد التي تحتوي على ديانات مختلفة ومع كثرة تلك الثقافات والأعراف تختلف أنواع الزواج. ترجع فكرة تعدد الأزواج إلى جذور عميقة بالمجتمع الهندي إذ نجد بالثقافة الهندية في ملحمة مهابهاراتا أن ابنة الملك تزوجت من خمسة أخوة أشقاء. في إقليم كينناور يعتبر تعدد الأزواج أمراً تقليداً وشائع حتى هذا اليوم، لأن الإقليم يتميز بكثرة عدد الرجال عن السيدات فتتزوج الفتاة من الابن الأكبر ثم باقي إخوته بالتدريج وينسب الأبناء للأم فقط لأن ذلك أسهل ويضمن توارث الأملاك في العائلة، وعلى من يرغب بالخروج من تلك الأزمة أن يترك كل ما هو ويكون منبوذاً عن العائلة. أما في جنوب الهند فعند شعب تودا طريقة أخرى في تعدد الأزواج إذ إن المرأة تصبح زوجة لجميع أشقاء الرجل إذ رغبوا، بل يستطيع ذلك الرجل إعطاء زوجته لرجل أخر لا ترتبط معه علاقة دم فيصبح بذلك أخوه، والطفل الأول يصبح للزوج الأول والثاني لثاني زوج وهكذا يسير الأمر حتى إن لو يكن الطفل لذلك الأب حقاً.
أما مقاطعة كيرلا فتمارس تعدد الزوجات دون قيود بأن يكونوا أخوة أو على نوع من القرابة، وتتزوج النساء بقدر ما تحب والأطفال كلهم ينسبون لها أو لأخيها الأكبر. وفكرة خروج الرجل من تلك العلاقة أمراً عادياً وشائعاً وبالتالي فالمرأة الواحدة تغير طاقم أزواجها كل فترة. في جبال الهيمالايا وشمال الهند وأيضاً شرق كشمير يكون الأطفال تابعين لكل الأخوة بنفس القدر والزوجة تعيش مع كل الأزواج الأخوة في وئام ولا توجد أفضلية لأحد. كما أن المرأة تستطيع الحصول على زوج ثاني وثالث حسب رغبتها، وفي تاريخهم توجد ملكة تزوجت من أربعة ملوك لتوحيد الممالك معاً.
قد تظن أن تعدد الأزواج والزوجات هذا يحدث اضطرابات عائلية كبيرة والحياة التعيسة تكون المسيطرة ولكن العكس هو الصحيح. في المجالات والمقابلات الصحفية مع كل تلك المجتمعات والتي تسألهم عن وجود تعاسة زوجية وغيرة فيما بينهم تكون الإجابة دائماً بالنفي. وأحدهم قال إنه يعيش في عائلة كبيرة سعيدة ولا يشعر بالغيرة أبداً لأن أمه كانت متزوجة من ثلاثة أشقاء أيضاً، وهو يتشارك كل شيء مع إخوته الأربعة فلا مانع في المرأة والأطفال أيضاً. وكان رد زوجة ذلك الرجل أنها هي أيضاً تشعر بالسعادة ولا تفرق بين أخ وأخر في ممارسة العلاقة الحميمية وكلهم ينامون تحت سقف واحد على مفرش على الأرض، بل إنها تشعر أنها مميزة أكثر من الزوجات الأخرى لأنها تمتلك كل ذلك الاهتمام من كل الأخوة. على خلاف المشاكل التي تنتج من تعدد الزوجات لنفس الرجل مما يزيد الغيرة النسائية بين النساء فإن الرجال بتلك المناطق معتادون على الأمر والوئام والحب يخيم على أجواء الأسرة.
نساء موسو يختلفن عن العالم كله
شعب الموسو يعيش في جزء من هضبة التبت ويختلف تماماً في أسلوب الزواج عن العالم كله. إذ لا يعترفون بالزواج من الأساس والأغرب هو أن المرأة هي من تعمل والرجل هو من يجلس في البيت بدون حراك ليحافظ على قوته في الليل فقط. الشخص المسئول على الأسرة هي الأم وتأتي بعدها الأخت الكبرى أما الرجل فلا دوراً له، لذلك تنعدم أي أفكار ذكورية للسيطرة تماماً ولا يوجد ما يعرف بالعنف الذكوري على النساء. النساء هي من تخرج للعمل والوراثة تنتقل من الأم لابنتها الكبرى وولادة البنت أهم من ولادة الولد وتعيش الأسرة في منزل الأم ولكل بنت غرفة خاصة بعد إتمام سن البلوغ ولا توجد غرف للرجال لأنهم يخرجون بالليل ليكونوا مع البنات الأخريات في غرفهن. الأطفال ذكوراً وإناث ينسبون للأم والطاعة لها وحدها ثم لابنتها البكر إذا لم تكن موجودة، ولا يتعرف الأطفال على أباءهم ولا يهمهم الأمر من الأساس، إلا في حالة استمرار العلاقة بين الفتاة وواحد من الفتيان فقط لمدة طويلة. لا يوجد للخيانة معنى والإخلاص للأسرة كلها. بعد انتهاء يوم العمل ترجع الفتاة إلى غرفتها ويقف الصبيان تحت غرف الفتيات يطلبون الود والقرب بكلام الغزل، ثم تختار الفتاة بكامل إرادتها من ستقضي معه الليلة، وتستطيع أن تغيره في اليوم التالي أو تحتفظ به لمدة. تأتي تلك الأفكار من عقيدتهم وإيمانهم بأن المرأة هي الأقوى والأشجع لذلك اختارتها الآلهة الأول وجلبت لها رجلاً ليطرد وحدتها. على الرغم من ذلك نجد أن بعض النساء يجدن الرجل المناسب لهن ويكون هو الزوج الأخير حتى وفاتها. بسبب تلك العادات وذلك السلوك الغريب يتمتع شعب الموسو باحترام كبير لفكرة العلاقة الحميمية والاستمتاع بها بشكل سوي وغير مؤذي لأي طرف، ولا توجد اختلاف عائلية ولا مشاكل إدمان أو سرقة أو اغتصاب أو أي تجاوزات سوى من السائحين القادمين من الخارج.
تعدد الأزواج عند العرب قبل الإسلام
قبل انتشار الإسلام وتعاليمه التي حكمت تعدد الأزواج والزوجات كان العرب يمارسون أنواعاً مختلفة من الزواج وكان يسري برضى الطرفين (الزوج والزوجة) في أغلب الأوقات. هذه قائمة مختصرة لتلك الأنواع:
- زواج المضامدة: أي تتزوج المرأة من رجلاً أخر بسبب الحالة الاقتصادية الفقيرة للأول فتشبع عند هذا وذاك.
- زواج الرهط: هو نوع من تعدد الأزواج تتزوج فيه المرأة من عشيرة بأكملها وعندما تلد طفلاً تجلب العشيرة وتختار منهم أباً حسب من أحبت هي منهم ولا يستطيع أن يرفض.
- زواج الاستبضاع: أي يختار الرجل لامرأته فارساً قوياً يرغب في أن يكون ابنه مثله، ويجعلها تذهب هناك وتبقى من ذلك الرجل حتى تحبل فقط وترجع إلى زوجها وينسب الطفل له، حتى يحصل على نسل قوي لا يستطيع إنجابه هو بنفسه.
- زواج المخادنة: وهو يعتبر صداقة في الحقيقية إذ لم يكن به اتصالاً جنسياً، ومعه تستطيع المرأة أن يكون لها عشيق أو صديق ولا يحق للرجل أن يعترض، يجب أن يكون في الخباء ولا يتم فيه أي اتصال جنسي بل فقط الأحضان والقبلات، ذلك المفهوم يماثل اليوم فكرة صديق المرأة التي تحكي له أسرارها بعيداً عن زوجها بدون أي تجاوزات أخرى. وهو من أكثر الأشياء التي حرمها الإسلام بعد ذلك في القرآن الكريم.
- زواج البدل: ويحدث فيه بدل بين رجلين، فيعطي كل واحد امرأته للأخر لفترة معينة. وذلك للتغير وزوال الملل للطرفين وأي طفل ينتج عن ذلك ينسب للزوج الأصلي.
- زواج المقت: هو انتقال زوجة الأب إلى الابن بالوراثة قبل تنقل باقي الأملاك حتى لا ترجع لأهلها.
لماذا اختفى أو قل تعدد الأزواج؟
في عالمنا اليوم ووسط مجتمعنا لن تجد تعدد الأزواج أو الزوجات بكثرة والأمر يرجع إلى الحالة الاقتصادية بشكل أساسي. فلم يعد بمقدور الرجل توفير الاحتياج الضروري للأسرة الواحدة فما بالك بأكثر من ذلك. هذا بالإضافة إلى نشر التوعية لتحديد النسل وبقاء الأسر صغيرة ومحكومة، بسبب الزيادة الهائلة في عدد السكان. أيضاً تدخل مصارف الزواج والشروط المفروضة على العريس ضمن أسباب قلة تعدد الأزواج. أما حقوق المرأة والتوعية النسائية تجعل النساء لا توافقن على كونهن زوجة ثانية والمحاكم تسمح بالطلاق. وعلى المستوى العالمي فإن الدين المسيحي يحرم تعدد الأزواج والزوجات ولا يسمح بالطلاق. وعلى قدر الأهمية الأخلاقية لاختفاء مثل تلك الممارسات، فالمقابل هو زيادة الزنى والخيانة الزوجية سواء من الرجل أو المرأة.
هناك اختلاف كبير بين العلماء حول أفضلية الأمر، تعدد الأزواج والحياة المستقرة والوئام أم الزواج الأحادي وعدم رضى الطرفين خاصة إن لم يكن زواج عن حب. أياً كان رأيك عزيزي القارئ فتعدد الأزواج هو حال بعض الشعوب وسيظل هكذا مدى الحياة، وعليك تقبل اختلاف الثقافات عن ثقافتك أنت.
أضف تعليق