الرسوم المتحركة هي صديقة الطفولي المفضلة لدى الجميع، والتي جعلتنا نمضي وقتًا رائعًا بصحبتها لنعيش أجواءها الملونة، ونتمنى كثيرًا أن نكون أبطالًا في قصصها المختلفة، وهي تلك التي تبقى معنا إلى أن نكبر، لنظل نتذكرها، ونتذكر تلك الرسومات، والألوان، والحكايات الممتعة، والخيالية، فلا يكفي أننا قضينا وقتًا ممتعًا بصحبتها، بل حظينا أيضًا بالذكريات الجميلة فيما بعد، فهي أضفت على الحياة ألوانًا مبهجة، وجعلتها تبدو أكثر متعة!
الرسوم المتحركة : ملف كامل من الألف إلى الياء
ما هي الرسوم المتحركة ؟
هي تلك الرسومات الملونة، والهزلية، التي تخاطب الأطفال، والتي يطلق عليها عالميًا باسم “الأنيميشن”، واشتهرت بأفلام الكارتون في القرن العشرين، والتي تعني بالعربية “الكاريكاتوري”، أو “الكاريكاتور”، أي الساخر والهزلي، والكاريكاتور هو عبارة عن الرسوم الساخرة التي عادةً ما تعرض في صفحات الجرائد، لتسخر من الوضع العام، فتعكس قضية اقتصادية، أو اجتماعية، بطريقة نقدية ساخرة. و الرسوم المتحركة عبارة عن مجموعة كبيرة من الصور التي تعرض بصورة متتابعة، وسريعة جدًا على آلى العرض، حتى تظهر لعين المشاهد على أنها مشهد كامل متحرك.. فهي تقوم على فكرة الخداع البصري، والذي يبهر المشاهد كبيرًا كان أم صغيرًا، فعندما يتم عرض الصور بسرعة كبيرة جدًا يتم إيهام العين بأنها تتحرك، في حين أنها حقًا ساكنة، فهي تعتمد على نظرية بقاء الصورة ثابتة على شبكية العين بعد زوال الصورة الأصلية لمدة تصل من واحد إلى عشرة جزء من الثانية، فهي تقوم على أساس الحركة، حيث يتم تصوير الحركة، عوضًا عن تصوير المشهد بآلة تصويرٍ كما يظهر في الأفلام الوثائقية، فأفلام الرسوم المتحركة ، هي عبارة عن فن سينمائي مؤلف من مجموعة من الرسومات والتي يختلف كل رسم فيها اختلافًا طفيفًا جدًا عن الرسم الذي قبله، أو الذي يليه، وتختلف أفلام الرسوم المتحركة عن الأفلام الأخرى إلى أنها لا تكون بتلك الواقعية، فهي قد ترقى إلى درجة عالية جدًا من الخيال، وهي تفتقر إلى المرونة، والتي هي سمة الأفلام العادية، فأفلام الرسوم المتحركة تعتبر جامدة بحيث أنه يجب الالتزام بتسلسل الصور المعروضة، فلا يمكن إضافة مشهد أو حذف مشهد، لأن كل مجموعة صور تبرز المشهد الحركي الكامل، وأيضًا أفلام الرسوم المتحركة تعتمد على عدد محدود جدًا من الخلفيات الثابتة، والتي يتم عرض الصور الباقية عليها، بعكس الأفلام العادية، والتي تتميز بتعدد الخلفيات، والأماكن.
الأنمي و الرسوم المتحركة
الأنمي هو عبارة عن نوع من أنواع الرسوم المتحركة ، ولكنه صناعة يابانية الأصل، تختلف عن أفلام الكرتون العادية بأنه يخاطب جميع الأعمار، وليس صغار السن فقط، لذا فإن له جمهورًا عريضًا من الشباب والكبار الذين يتابعونه بشغف تام، كما أنه ليس بالهزلية التي تعرض في أفلام الكرتون، فهو يعمل دائمًا على إيصال فكرة من خلال الرسم المميز، والألوان الرائعة، وهو يبدأ بقصة في مجلات مصورة تسمى “مانجا” ثم يتم تحويلها إلى رسوم متحركة “أنمي” بعكس أفلام الكارتون العادية، فهي يتم كتابتها حتى تلحق بمجال الأفلام تلقائيًا.
نشأة الرسوم المتحركة
ظهرت بعض الرسومات القديمة على جدران الكهوف والمعابد، والتي توضح ميول الإنسان القديم إلى توثيق إنجازاته، وقصصه، وهذه الرسومات كانت عبارة عن مجموعة من الصور، والتي تشكل مشهدًا كاملًا، حيث أن تتابعها يوحي بحركتها في مشهدٍ متكامل، فكانت هذه الفكرة هي الأصل والتي بنيت عليها فكرة الرسوم المتحركة ، مثل رسومات العصر الحجري، والرسومات القديمة الفرعونية، في سنة 2000 قبل الميلاد، وأيضًا تلك الصور الظلية على دروع الرومان واليونان، فعند دورانها بسرعة تعطي صورة لمشهد حركي كامل، أو في إيران حيث وجدت قطع فخارية ترجع إلى 2500 سنة مضت، حيث رسم عليها خمسة صور متتالية لماعز يحاول القفز عاليًا ليأكل من شجرة، وقد ظهرت أيضًا في بعض أعمال ليوناردو دافنشي عندما قام برسم أعضاء الجسم البشري التي تمثل تتابعًا لصور متحركة.. ولكن قبل عصر أفلام الكرتون ظهرت أيضًا بعض الأفكار التي مهدت له، فمثلًا يوجد الفانوس السحري الذي ظهر عام 1650م، والذي كان عبارة عن لوحة شفافة، وشمعة مضيئة، وعدسة، وغرفة مظلمة، ثم يتم عرض الصور بطريقة متتالية على سطح مستوي، وهو أساس فكرة “البروجيكتور”، وأيضًا ظهرت لعبة شهيرة للأطفال في القرن التاسع عشر عام 1824م، تسمى “تامتروب” وهو عبارة قرص له وجهان، كل وجه يحمل رسمًا مختلفًا عن الآخر، فوجه له صورة حيوان، والآخر يحمل صورة قفص فارغ، ومع تحريك الخيط الذي يوجد في منتصف القرص، فيدور حول محوره، ويصنع صورة متحركة لدخول الحيوان وخروجه من القفص. وقد وجدت نظرية “بيتر مارك روجيت” والتي تقول أن العين تحتفظ بانطباعها عن الصورة لمدة من 1 إلى 10 جزء من الثانية، وتسمى تلك نظرية “خاصية استمرارية الرؤية في العين”، فإذا تم عرض مجموعة من الصور بشكل متسلسل، وكل صورة تحمل اختلافًا بسيطًا عما قبلها أو بعدها فستظهر مجموعة الصور كأنها متحركة بحركة متصلة وطبيعية، مع استخدام السرعة المناسبة بالطبع، وكانت هذه بداية صنع “تامتروب”.
وفي عام 1831م، ظهر “فيناكيستوسكوب” وهو عبارة عن جهاز أولى لعرض الرسوم المتحركة، فهو الأساس الأول لفكرة الرسوم المتحركة ، وهو عبارة عن قرص مرسوم عليه مجموعة من الصور المتسلسلة، وعندما يدور القرص يعطي إحساسًا بصورة متحركة، وفي عام 1834م ظهر جهاز قامت فكرته على فكرة “فيناكيستوسكوب” فهو عبارة عن جهاز أسطواني الشكل، عندما يدور يعرض مجموعة من الصور المتسلسلة مرسومة حول المحيط الداخلي، فعند رؤيتها من أحد فتحاته تصنع صورة متحركة، وهو جهاز “زويتروب” أو “أديداليوم” عن طريق “ويليام جورج هورنر”، ثم وجدت فكرة الكتاب المتقلب عام 1868م، وهي عبارة عن كتاب في كل صفحة ترسم فيها رسمة وعند تقليب الكتاب بصورة سريعة تظهر الرسومات كأنها قصة ما، وقد “جون بارنس لينيت” هو صاحب تلك الفكرة، ثم “براكزينسكوب” والذي كان أول جهاز يعرض الرسوم المتحركة على شاشة عرض، وقد ابتكر على يد مدرس العلوم “تشارلز إيملي رينود” في فرنسا، وقد قام بعرض أول فيلم للرسوم المتحركة، عام 1892م، وهو عبارة عن 500 إطار من صور مرسومة، في حوالي 15 دقيقة. وكانت البداية الحقيقية لأول ظهور للرسوم المتحركة عندما ظهر فيلم “الرسم المسحور” في عام 1900م، وبعدها ظهر أول فيلم كارتون كامل “أطوار فكاهية لوجوه طريفة” عام 1906م، وكان هذا في أمريكا.
وفي أوروبا كان أول فيلم للرسوم المتحركة في عام 1908م، وكانت في البداية أفلام الرسوم المتحركة تظهر فيها الخلفية سوداء، بعد ذلك تطورت الرسومات وأصبحت أكثر حيوية، حيث احتوت على خلفيات وتفاصيل أكثر، وذلك عندما قام “وينسور مكاي” بتجميع مجموعة من الرسامين للقيام بهذه المهمة، وبهذا أسهم في إبداع الأساليب التقنية، ومؤثرات الإقناع الحسي والتي قامت عليها معايير الجودة للأفلام، وظهرت بهذا ثلاثة أفلام على يده وهم “نيمو الصغير” عام 1911م في نيويورك، “والديناصور جريتي” وهو فيلم قصير عام 1914م، “وغرق وستيانا” في عام 1918م، ثم تطورت الرسوم المتحركة تطورًا سريعًا، وأصبحت صناعة في حد ذاتها، وقد كان هذا كله قبل أن يقوم والت ديزني بإدخال الصوت في هذه الأفلام، وهو الذي قام بافتتاح استوديو جديد في “لوس أنجلوس” عام 1923م، وأول ما قام به “كوميديا آليس”، وفي عام 1930م، تأسست وورنر برذرز، والتي نافست ديزني، حيث أعطت العاملين لديها الحرية في عمل الكثير، بعكس والت ديزني الذي كانت أفلامه تخضع لرقابة، وتدقيق شديد منه، ثم في عام 1932م ظهر أول فيلم رسوم متحركة ملون، وهو “أزهار وأشجار” وقد حصل على أوسكار، وفي عام 1934م أنتجت وورنر بروذر فيلم “فندق شهر العسل” وبهذا استمر إنتاج الأفلام وتطورها، وعندما حل عصر التليفزيون تم إنتاج أول برنامج تليفزيوني عام 1958م، وكانت مدة الحلقة نصف ساعة، واستمر التطور حتى عصر الكومبيوتر، لتسلك صناعة الرسوم المتحركة منحنى آخر، وهو الأفلام المصنوعة بطريقة رسومات الكومبيوتر، وأخرج أول فيلم سينما طويل عام 1995م، وهو “حكاية لعبة” والذي حقق نجاحًا باهرًا، ويستمر إنتاج الرسوم المتحركة إلى الآن.
الرسوم المتحركة في الوطن العربي
بدأت أولى المحاولات في عام 1935م في مصر، وكانت على يد أنطوان سليم، وكان خريج فنون جميلة، وكان يعمل بالرسم، في استوديو خاص به للرسوم المتحركة، وقد كان متأثرًا بشخصيات ديزني، رغم أنه يتميز بأسلوبه الخاص، وقد ظهر التليفزيون المصري عام 1960م، مما سمح للرسوم المتحركة بالظهور، وفي عام 1961م على يد الفنان “علي مهيب” تم إنتاج أفلام للرسوم المتحركة، وظهر “السندباد البحري” عام 1996م ، أما في الخليج العربي، فقد بدأت محاولات الإنتاج في السبعينات، من خلال مؤسسة الإنتاج البرامجي المشتركة، والتي عرضت أفلامًا قصيرة، ومن أشهر الرسوم المتحركة في عالمنا العربي “ألف ليلة وليلة”، ولكن يظل الكرتون في الوطن العربي على نطاق محدود، وليس عالمي.. ويرجع ذلك إلى مشكلة التسويق، أو ارتفاع تكاليف الإنتاج.
أهمية الرسوم المتحركة
لا تستخدم الرسوم المتحركة فقط كعامل جذب للأطفال، ولكنها أيضًا ساعدت على جذب الكثير من الناس في مختلف الأعمار، فظهور أفلام الأنيميشن العائلية والعالمية في صالات العرض السينمائية ساعدت على ذلك، كما أن الاستمرار في عرض تلك الأفلام جعل منها صناعة عظيمة، تحتاج إلى تطوير يومًا بعد يوم، وأحيانًا تستخدم تلك الأفلام في التعليم حيث أنها تساعد على تبسيط المعلومات التي تعطى للطالب، والذي بالطبع سيتقبلها أكثر من أي وسيلة تعليمية أخرى، فتساعده على الفهم، وتقبل المعلومة الجديدة، كما أنها تستخدم في مجالات الفنون، حيث تساعد في إنتاج أفلام الكوميديا، والقصص القصيرة، وتستخدم في المجال العسكري، فيستخدمون أفلام الرسوم المتحركة لرسم الخطط، ونجدها أيضًا في كثيرٍ من مواضيع الدعايات والإعلان، فهي تستخدم في الكثير من الإعلانات التجارية، أو التوعية، فهي وسيلة عرض رائعة، وشيقة، وتساعد على جذب الكثير من الناس.. ولا ننسى أنها تقوم بتسلية الأطفال، وما أجمل أن يكون المحتوى هادفًا، عوضًا عن تسليته، وإضاعة وقته فقط.. كما أنها تزيد من مساحة الخيال في عقولهم، فتعطيهم أفكارًا رائعة، فيستطيع بذلك أن يبدع في الكثير من الأمور، كما أنها في بعض الأحيان توقظ موهبة الرسم، واستخدام الألوان لدى الطفل، وتساعد على إكساب الطفل الكثير من المفاهيم والكلمات التي لا يجدها يوميًا في حياته، مثل مصطلحات الفضاء وغيرها، كما أنها من الممكن أن تؤثر سلبيًا على عنف الطفل ومصطلحاته، لذا يجب وضع رقابة على الطفل فيما يشاهده طوال الوقت، وأيضًا بعض الأفكار الإيجابية التي تبثها تلك الأفكار ستبني شخصية الطفل!
الآثار السلبية لمشاهدة الرسوم المتحركة
الكثير من الأمهات يسعدن بانشغال أطفالهن بمتابعة مسلسلٍ ما، أو قضاء وقتٍ كبير لمشاهدة أفلام الرسوم المتحركة المختلفة، ولكن هذا الأمر له الكثير من الأضرار، والتي تؤثر على الطفل سلبًا من أكثر من ناحية، فمنها مثلًا أن بعض الأفلام قد تعرض أفكارًا خاطئة لا تتفق وتربية الطفل المرجوة، مما ترسخ لديه تلك الأفكار، فيكبر بها، وأيضًا قد تقوم بإدخال بعض الألفاظ مثلًا، مما قد يساعد على الإضرار بلغته، وثقافته، في الوقت الذي يشكل فيه لغته، وأفكاره أصلًا، وقد يضر جلوس الطفل لساعاتٍ طويلة أمام التلفاز إلى إضعاف نظره، أو إصابته بالتوحد والانطوائية نتيجة العكوف الشديد على مشاهدة تلك الأفلام فيهمل التجمعات، أو اللعب الحركي، فتضعف لديه نشاطاته الجسدية، وقد تحوي تلك الأفلام على العدد من مشاهد العنف، والتي تجعله دائمًا عنيفًا مع أقرانه، كما أن طفلك إن اعتاد على مشاهدة تلك الأفلام أثناء تناوله الطعام فستصبح عادة من الصعب أن يتخلى عنها، ويعاني الكثير من الأهل من هذه الظواهر. لذا فإن الإسراف في الأمر لا يعود عليكِ وعلى طفلكِ سوى بالضرر، فالتوسط في الأمور هو الخير دائمًا، فلا تسعدي دائمًا بانشغال طفلك عندك وهو يشاهد تلك الرسوم، فالأمر ليس بهذه البساطة!
الرسوم المتحركة من أكثر تلك الأشياء الممتعة، والتي كما تساعد طفلك على فهم الكثير من الأمور، وجعلها تبدو أكثر بساطة، ولكنها أيضًا قد تسبب الكثير من الأضرار.
أضف تعليق