المجال العلمي لم يخلو يوماً من النصابين، التزوير العلمي هو أخطر ما قد واجه العلم يوماً. لأن العلماء هم مجرد بشر وقد يكون لهم أهداف غير شريفة مثل المال أو الشهرة والصيت تدفعهم بالنقض العهد الذي أقسموا عليه بالأمانة للعلم. ولكن المؤسسات العلمية تقف بالمرصاد للتزوير العلمي وتكشفه ووضعت القواعد العلمية الأساسية لقبول أي اكتشاف أو اختراع علاج جديد، ومؤسسة نوبل من أكبر تلك المؤسسات التي لا تسمح بقبول أي اكتشاف علمي وتمجيده إلا بعد التأكد التام منه مما جعلها تحظى بمصداقية عالية في المجال العلمي. في هذا المقال أجمع لك أهم عمليات التزوير العلمي التي تمت بالتاريخ وكيف تم اكتشافها وفضحها على حقيقتها ولو بعد فترة طويلة، وقد تتعجب من هذه المعلومات إذ بعضها يعتبر من المسلمات حتى الآن مع الأسف بسبب انتشار الجهل وبقاءه حتى بعد اكتشاف الحقيقة، فقد يكون مقال مهم لك أنت لتغير فكرة خاطئة متأصلة بتفكيرك.
التزوير العلمي : كيف يتم وما هي أشهر حالاته ؟
الإنسان البدائي أو الحجري
عندما بدأ العلم في اختراق التاريخ ووصل إلى اكتشافات جديدة عن تطور الحياة وأساليب العيش منذ ألاف السنين تقدم السياسي مانويل ايليزالده وهو من الفلبين باكتشاف أحدث ضجة كبيرة جداً في هذا المجال. بعام 1971 قال مانويل أنه اكتشف شعب بدائي يعيش حتى الآن بطرق الإنسان البدائية القديمة، فيغطي أعضائه بورق الشجر ويعيش بالكهوف ويستخدم أدوات قليلة جداً مصنوعة من الحجر ويأكل النباتات الطبيعية الموجودة بالغابة الاستوائية التي يعيش بجانبها، حيث قال إن هذا الشعب يعيش بغابة استوائية منعزلة على جزيرة ميندانو.
قيل عن هذا الشعب أنه لم يخرج أبداً من الجزيرة ولم يقابل أي إنسان متحضر أخر وعددهم 26 شخص فقط، ولم يتعلم أبداً الزراعة ولا الصيد. ويتكلم بلغة بدائية جداً غير مفهومة بالكامل ولا تحوي كلمات تعني الحرب أو العدو لأنهم مسالمون جداً. منذ انتشار الخبر ولم تصمت أي وسيلة إعلام إلا وتكلمت عنه وأصبح الاكتشاف العلمي الأكثر جدلاً وحاول الكثيرين القيام بالرحلات لزيارة المكان ولكن لم يسمح بدخول أي عالم أو صحفي وفقط بعض الزوار السياح، لأن الحقيقة أنهم لم يكن سوى تزوير علمي. في عام 1986 بعد سنوات من لاستنتاجات القائمة على هذا الاكتشاف تم رفع الحظر عن المنطقة وهناك وجد العلماء الحقيقين أنفسهم أمام مجموعة من الممثلين الذين يعيشون بقرية بسيطة بجانب تلك الكهوف ويتقاضون أجرهم من مانويل نفسه، الذي كان قد هرب ومعه 35 مليون دولار من تبرعات المصدقين لرعاية رجال الكهوف.
سكان القمر
لم يكن هذا التزوير العلمي له بداية مع العالم شخصياً بل جاء أولاً عن طريق الصحفي ريتشارد آدامز لوك بجريدة نيو يورك صون يوم 25 أغسطس 1835. الخبر قال بأن العالم الفلكي الكبير جون هيرتشيل في خلال زيارته إلى بلاد أفريقيا ومن هناك رأى مجموعات شمسية وكواكب جديدة، لم يكن هذا هو من جعل الخبر في الصفحة الأولى بل ما جاء بعد ذلك في داخله. الخبر قال إن هذا العالم وجد سكان يسكنون على القمر وتمكن من تلك الملاحظة من هنا على الأرض، وقال إن البشر هناك على شكل وطاويط بجلد أصفر وشعر نحاسي. ولاحظ بطريقة عجيبة أنهم بلا ذيل ويعيشون في خيام قرب بناء يبدو أنه معبد عظيم ويستخدمون النار. قد يبدو كلاماً سخيفاً جداً ولكن عزيزي القارئ هذا الكلام السخيف باع عندما أعيد طبعه بيوم 28 أغسطس 19360 نسخة محققاً بذلك الرقم القياسي لبيع جريدة واحدة في نفس اليوم. وتهافتت وسائل الإعلام لزيادة في المعلومات بل وتحول الأمر فجأة من سبق صحفي إلى بحث علمي كبير يجب أن يخصص له أعظم الخبراء، حتى إن الكنيسة أصدرت قرار بالبحث في كيفية تبشير سكان القمر بالمسيحية. بعد كل هذه الضجة ظهر الصحفي أخيراً معتذراً على هذا التزوير العلمي أو الصحفي بمعنى أدق وتم طرده من الجريدة. ولكن كانت الجريدة حصلت على ما يكفي من المال لإعادة قوتها وتخطيها حالة الكساد التي كانت تعيشه وما زالت حتى اليوم تعمل ومن أشهر الجرائد. قد تعيد النظر بعد هذه القصة في تصديق أياً مما يكتب في الجرائد من بحوث واكتشافات علمية.
جد الإنسان الأول
في عام 1912 أعلنت بريطانيا أنها المكان الذي خرج منه الإنسان الأول إلى الأرض ومن هناك بدأ التطور من القرد إلى الإنسان. كان سبب هذا الإعلان الجريء هو اكتشاف الجيولوجي تشارلز دواسون ما أسماه الحلقة المفقودة، وهي جمجمة وجدها بمقبرة قديمة بقرية بيلتداون عمرها تجاوز النصف مليون عام. وهي جمجمة تعود إلى ما بين الإنسان والقرد في خلال تطوره، وبعدها توسع البحث فوجدوا حنك وأسنان أيضاً تثبت ذلك القرب. وبعام 1915 عثر على واحدة أخرى مثلها على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من الأولى. المذهل أن العلماء صدقوه وبنوا على ذلك استنتاجات كثيرة عن أصل الإنسان الحقيقي ولم يتوقع أحد أبداً أنه تزوير علمي لا غير. بعام 1949 توقفت التنقيبات بتلك القرية لعدم العثور على أي شيء أخر بعد موت دواسون فبدأت التساؤلات حول صدق الاكتشاف العلمي وعندما راجعوا العمر المفترض للجمجمة وجدوه لا يتعدى الخمسين ألف عام فقط، أما بالنسبة للحنك والأسنان فكانت خمسين سنة فقط وتم التلاعب بهما ليبدو عليهم القدم أكثر، بل وإن الحنك لا يعود لإنسان من الأساس بل هو لقرد اورانجغوتان وأظنك الآن استوعبت كما العالم كله الخدعة وراء التزوير العلمي .
الفزيون البارد
في 23 مارس 1989 انطلق عالمي الكيمياء ستانلي بونز ومارتن فليشامن يهللون ويبشرون العالم باكتشاف الفزيون البارد كما أطلقوا عليه وهو ما سيحل أزمة الطاقة إلى الأبد بدون رجعة. كانت الفكرة هي اتحاد الذرة تحت درجة حرارة الغرفة وفي ظروف عادية جداً وكل ما تحتاجه إلى كأس ماء ثقيل وإليكترودات. ويمكن لأي شخص صناعته في القبو الخاص به كما فعلوها هم في قبو جامعة اوتاهو في أمريكا ليتم توليد من خلال هذه الطريقة طاقة تكفي لساعات وتعاد العملية السهلة مرة أخرى. أنا لا أعرف بالحقيقة هل توقعوا حقاً أن لا أحد سيجرب التجربة ويكتشف التزوير العلمي وهذا التلفيق! إذ لم يتمكن أياً من العلماء الأخريين من تحقيق النتائج بل وهم أنفسهم قاموا بالتجربة مراراً وتكراراً أمام الصحافة ولم تنجح، وكأنها لا تنجح سوى لو كانوا بمفردهم. النتيجة الوحيدة التي حصلوا عليها هي تجميد عضويتهم بجمعية العلوم.
تلوين الفئران أصبح اكتشافاً علمياً
بعام 1970 عُين وليم صموريلين الباحث في النظام المناعي في معهد السرطان في نيو يورك، وبعد أربعة سنوات فقط امتلأت الصحافة بخبر اكتشافه العلمي الخارق الذي ادعى فيه أنه وجد طريقة لزرع قرنية في فأر من فأر أخر دون أن يقاوم الجهاز المناعي الخاص بالفأر المزروعة فيه القرنية، وبذلك فهو يقول إنه له القدرة لزرع أعضاء بشرية أياً كانت في جسم إنسان أخر دون مقاومة من جهازه المناعي ورفضه لها، وهذا كان ليكون أعظم اكتشاف في تاريخ الطب لولا كونه تزوير علمي. في مارس 1974 اضطر وليم لتقديم تقرير ببحثه وكيف استطاع فعلها. وكان تقديمه يشمل فأرين أبيضين ومنقطتين باللون الأسود وقال بإن هذا اللون الأسود هو جلد مزروع من فئران سوداء ولم تعاني الفئران البيضاء من أي شيء، لساعات حصل وليم على المديح ولكن بعد ذلك اكتشفوا أن الفئران تم تلوينها باللون الأسود، واعتذر وليم وقال بأنه لم يفكر ملياً في الأمر بسبب ضغط الصحافة وبعد كل هذه الشهرة طرد من عمله.
الانتحار بعد التزوير العلمي
واحدة من تحديات نظرية التطور هي كون التمارين تؤثر جبنياً في الأجيال التالية أم لا. فهل مثلاً يستطيع الآباء توريث العضلات القوية لأبنائهم بقيامهم هم بالتمارين الرياضية وبناء العضلات، أو هل يستطيع الفأر مقطوع الذيل توريث أبنائه ذيل مقطوع! الباحث الشهير لامارك أجاب “نعم” ولكن بدون دليل علمي قاطع وإنما مجرد نظريات. حتى أيامنا هذه يوجد من يصدق بتلك النظرية ولكن لا يثبتها بشكل قاطع أما في عام 1926 تمكن باول كاميرير من حل هذه المسألة. في تجربته استخدم نوع من الضفادع يتزاوج على اليابسة وليس في الماء كالباقين لذلك لا يملك نوع من الماصات في أرجله التي تمكنه بالتمسك بالأنثى في الماء، ووضعهم في حوض زجاجي لا يوجد به سوى المياه ليجبرهم على التزاوج في المياه. وبعد عدة أجيال ادعى أن الضفادع تكون لها ماصات سوداء في أرجلها تطوراً معها مع البيئة الجديدة. ولكن خبيراً قام بفحص هذه الماصات ليجدها مجرد بقع سوداء تم حقنها تحت الجلد. أنكر باول معرفته بالأمر ملقياً اللوم على أحد مساعديه ولكن بالأخير بعد السمعة السيئة التي وصمته أطلق النار على نفسه وانتحر.
أركيولوجي أغراه الجن
باحث والمنقب عن الآثار الياباني شينتشي فوجيموراس كان يعتبر بطلاً قومياً فمنذ عام 1981 وهو يكتشف الآثار اليابانية الأكثر قدماً وأهمية في التاريخ وكان أول اكتشاف له عبارة عن أحجار عمرها 40 ألف سنة أي إنها أقدم أحجار منحوتة في اليابان وأسيا كلها. بعد ذلك كان كلما ذهب لأي مكان كان يجد هناك أثار حتى إن الصحافة أطلقت عليه لقب “يد الله” فهو لا يبحث في مكان إلا ويجد فيه. في أكتوبر 2000 أراد شينتشي الشهرة العالمية وليس في اليابان فقط فقرر اكتشاف موقع سكن فيه البشر منذ 600 ألف سنة مما يجعله أقدم موقع سكني بالعالم ويحتوي على أدوات حجرية قديمة وأثار لوجود مسكن للبشر. في 5 نوفمبر من ذلك العام صورته جريدة ماينيتشي شيمبون خلسة وهو يضع الأحجار في مكان سيكتشفه بالأيام المقبلة، وعندما واجهوه بالأمر قال بأن الجن وسوسه وقال له أن يقوم بتلك الخديعة ولكنها المرة الأولى فقط. في عام 2001 وبعد التحقيقات المكثفة تم اتهامه بالقيام بعمليات خداع في 159 اكتشاف من أصل 178 تنقيب شارك به، لا أعتقد أن هناك من سيتخطى هذا الرجل في التزوير العلمي . بعد الفضيحة سحبت كل كتبه وإنجازاته وخسر كل شيء هو وكل دور النشر الذي كتب فيها.
تزوير علمي ومزحة سخيفة
بعام 1726 تلقى البروفيسور جوهان برينجر بعض الفتيان في مكتبه الذين أخبروه أنهم وجدوا أحجار تشبه المستحاثات مطبوع عليها بصمات لحشرات مختلفة الشكل بعضها موجود والأخر غريب عن عالمنا مثل السحلية والضفادع وطيور وشكل الشمس ونيازك لها ذنب، ولكن القطعة الأغرب كانت حجراً قديماً يحمل كلمة عبرية “يهواه” أو بمعناها العربي “الرب”. تلك القطع أدهشت جوهان وظن أنها هي الحدث العلمي الأكبر بحياته لأن بحسب الفتيان فهم وجدوها في جبل قريب من ووزبورغ، فتوقع أنها وكما يبدو عليها قديمة جداً ولابد لها ألا تكون من هذا العالم فمن الممكن أن تكون من الفضاء أو قديمة لدرجة كافية تجعلها من أقيم الأشياء الموجودة على الأرض. جوهان جعل هؤلاء الفتيان يحلفون بعدم البوح بهذا السر لأياً من كان حتى يتسنى له الوقت لوضع أطروحته التي ستنقله إلى منزلة الشهرة والغنى ويتفوق على جميع الزملاء. لعدم وجود الإمكانيات العلمية بهذا الوقت التي تكشف العمر الحقيقي لأي قطعة أثرية لم يتمكن جوهان أو لم يرد من حماسته التحقق من الأمر ملياً. وقبل صدور الأطروحة تقابل جوهان مع بعض الزملاء وهو في عزة نفس عالية ليخبروه هم أن الأمر كان مجرد مزحة وأنهم هم من رتبوا الأمر ولم يتوقعوا أن يصل الأمر لهذه الدرجة وأن يصدق هو ويخترع أفكار غريبة على مجموعة الأحجار، فلم يصدق كلامهم وكان في صدمة كبيرة واعتبر أنهم غيورين من نجاحه وأنه لا يمكن أن يكون وقع بهذه السهولة وأكمل ترتيباته لنشر كتابه. بعد بضعة أيام استلم جوهان من أصدقائه حجراً مماثل تماماً لما يمتلك ومكتوب عليه اسمه ليفهم أخيراً حقيقة الأمر ولكن الأوان قد فات والكتاب قد طُبع. اضطر جوهان لشراء كل النسخ وأصبح مديوناً للدار بالإضافة إلى الاستهزاء الذي واجهه ليموت في الأخير بعد عدة سنوات من الحسرة والقهر ويصبح البروفيسور ضحية لتزوير علمي ومزحة سخيفة.
السرير السماوي
“معبد الصحة” هذا الاسم أطلقه الدكتور جيمس جراهام على فكرته العبقرية التي أسسها في لندن 1779، وهو المكان الذي اجتمع فيه مع الزبائن ليحاضرهم عن فوائد الصاعقات الكهربائية التي تعمل عمل العجائب في المرضى وحقاً كان معه حق فالكهرباء قادرة على تخليص المرضى من مرضهم لأنهم سيعانون من أشياء أصعب بكثير. من ضمن أهم الأشياء بالمعبد كان السرير السماوي حسب تسميته له، وهو مختص بالأزواج الذين لا ينجبون وكان عليهم ممارسة العلاقة الحميمية طوال الليل وسط جو مشحون بالكهرباء الخطيرة، ولذلك في اعتقاده أنه سيسهل عملية التخصيب. بالأخير تم الكشف عن احتيال هذا الرجل و التزوير العلمي الذي قام به إذ إنه لم يكن طبيباً من الأساس ولم ينهي تعليمه الطبي ولكنه مع ذلك تمتع بشهرة كبيرة.
مرأة تلد أرانب أم تزوير علمي
بعام 1726 لم يستطيع الطبيب جون هاورد تصديق عينيه من الصدمة لأنه ولد بيده أرانب ميتة من امرأة حامل، كان العدد في الأول تسعة أرانب وعندما استدعى جون أطباء أخريين لمساعدته على مدار الأيام المقبلة كان العدد وصل إلى 17 أرنب ميت من رحم هذه المرأة التي تدعى “ماري توفت”. لم يكن للأمر تفسير منطقي وأصبح اكتشافاً علمياً خارق للطبيعة. اعترفت ماري في الأخير أنها تريد الحصول على الشهرة فأدخلت بنفسها أجنة أرانب إلى رحمها.
عروسة البحر مجرد تزوير علمي
في الأفلام العربية القديمة وقصص الخيال العلمي خاصة قصص ديزني، نجد مراراً وتكراراً ذكر لشخصية خيالية وهي عروسة البحر (نصفها بشر ونصفها الأخر سمكة)، ولكن بعام 1842 لم يكن الأمر مجرد قصة خيالية بل كانت حقيقة. وجد السيد ج. جريفين بريطاني الأصل في إحدى رحلاته إلى جزر فيجي جسد مجفف ومحفوظ لهيكل عظمي نصفه السفلي لسمكة والأخر العلوي يحتوي على صدر ورقبة وجمجمة كما لو أنهم لإنسان. تم عرضه في متحف بنيويورك وجلب السياح لمدة عشرين عام، ولكن بعد التطور العلمي اتضح أنه كان مركب وليس لنفس الكائن، النص السفلي فعلاً لسمكة ولكن العلوي يعود لقرد، وأن جريفين ما هو إلا محتال ويعمل في سيرك للكائنات الغريبة.
ما تحتاج أن تتعلمه من كل تلك القصص أنك لا يجب أن تصدق كل ما تقرأه أو تراه، ويجب أن تنتظر التحليل والتدقيق العلمي السليم من الجهات المختصة أولاً، حتى لا يكون مصيرك كواحد من هؤلاء المخدوعين في تزوير علمي.
أضف تعليق