تسعة
الرئيسية » معتقدات وظواهر » علم الميتافيزيقا : كيف نشأ علم الميتافيزيقا أو علم الظواهر الغريبة ؟

علم الميتافيزيقا : كيف نشأ علم الميتافيزيقا أو علم الظواهر الغريبة ؟

بالتأكيد سمعت من قبل عن علم الميتافيزيقا ، وبالتأكيد لديك فكرة عن علاقة هذا العلم بالأمور الغامضة والغريبة، فما هي الميتافيزيقا وهل تعتبر علمًا حقًا؟

علم الميتافيزيقا

” علم الميتافيزيقا ” لا أعتقد أن هذا المصطلح غريبًا بالنسبة للكثيرين منا، ربما سمعناه من حينٍ إلى آخر، ولكن تبقى ماهيته وما يحمله من معنى ليس أبدًا بالقريب منا، ربما نعرف عنه أنه يتكلم عن الظواهر الغريبة، أو الأشياء الخارقة للعادة، والتي لا تحدث كل يوم! ولكن تسميته بالعلم تجعلنا نتعمق أكثر في هذا المصطلح وما وراءه، فلا يطلق “علم” على الكثير من الأشياء، إلا وكانت ذات قيمة، كما اهتم الكثيرون بالبحث فيها، بل يوجد من كرس حياته على الاهتمام بتلك الأمور، خاصةً أن الظواهر الغير طبيعية هي محط تركيز الكثيرين من الناس، فطبيعة الإنسان أنه فضولي يبحث كثيرًا عما لا يدركه بصره، ولا يصل إليه عقله بمجرد التفكير.. فالعديد من الظواهر لا نجد لها تفسيرًا، فالتعمق في هذا العلم ربما كان مفتاحًا للكثير من الألغاز التي لا نفهمها.

مقدمة عن علم الميتافيزيقا

ما هو علم الميتافيزيقا ؟

علم الميتافيزيقا أو البارا سيكولوجي، وهي كلمة مشتقة من الكلمة الإغريقية “Meta Physika”، وهي تعني “ما وراء الطبيعة“، فكلمة “ميتا” تعني: ما وراء، وكلمة “فيزيقا” تعني: المادي، أو الطبيعي، كما أن “بارا” تعني: ما وراء، “سيكولوجي” تعني: النفسي، وبهذا فإن علم الميتافيزيقا قد يعني أيضًا “علم وراء النفس”، وقد أطلق أرسطو على هذا العلم لفظًا مغايرًا، فقد أسماه “الفلسفة الأولى”، للتفريق بينه وبين العلم الطبيعي، والذي يعتبره “الفلسفة الثانية”، أو كان يطلق عليها اسم “الحكمة” لأنها تبحث في ماهية الأشياء، أو العلل الأولى لها، وبهذا فهو يعني بالأشياء التي لا توجد في الطبيعة، ولا تخضع لقوانينها، أو تلك التي تتجاوز حدود العقل العادي، ولا يمكن للعلم أو قوانين العقل تفسيرها، وهو أحد فروع علم الفلسفة، ويهتم بجميع المسائل التي لا تصنف ضمن الإطار الطبيعي والعادي، وبهذا فإنها تتناول الظواهر الروحية، والنفسية، والظواهر الغريبة، مثل: الأرواح، والجن، والأشباح، والتخاطر، وغيرها.. وهي تعتمد على مفاهيم أساسية، مثل العقل والجسد، الفضاء والزمن، الاحتمال والضرورة، المتفردات والعموميات، الهوية والتغيير، وغيرها.. وهذا العلم يختلف عن العلوم الطبيعية والتي تدرس أمورًا محددة بأنه علم استقصائي، بمعنى أنه أكثر توسعًا في دراسة أساس الموجودات أو طبيعتها الأصلية، فهو علم يعتمد على المنطق التحليلي، وهذا خلاف العلوم الطبيعية التي تعتمد على المنهج التجريبي، فهو علم تكهني فلسفي من الدرجة الأولي. فهو علم متداخل تداخلًا كبيرًا مع العلم الفلسفي، أو مبني على الفلسفة، لذا فإن وُجدت مشكلة ما في فرع من فروع علم الفلسفة، فإننا سنواجه قضايا وتساؤلات في علم الميتافيزيقا، ولكننا يجب أن نفرق بينهما كعلمين منفصلين كذلك، فعلم الفلسفة هو علم يبحث في المنطق، والأخلاق، والتي تصنف بمجموعة العلوم الفلسفية، فالفلسفة ليست ميتافيزيقا، ولكن الميتافيزيقا تعتمد على الفلسفة، وبما أن الإنسان لا يميل إلى وجود شيء لا يعرف تفسيره الحقيقي، فهو دائم البحث عن سبب، لذا فإن هذا العلم يميل إلى سد الثغرات الكونية، والبحث عن تفسير لكل شيءٍ مفقود، لا يخضع إلى قوانين العلم المعروفة، فهو خارج حدود العلم.. الغير محسوس، ولكن هناك الكثير من العلماء والذين لا يعترفون بهذا العلم لأنهم يقولون أن العقل ليس مخلوقًا للتعامل مع هذه الأشياء التي يتحدث عنها علم الميتافيزيقا ، فلا يمكن معرفة حقيقة أي شيء دون برهان، أو دليل، ووجود إثبات علمي، حتى يتم تفسير الأمور بطريقة صحيحة، فلا يؤمنون بوضع مجرد فلسفات لتفسير الأمور، والتي قد تحتمل الصواب أو الخطأ وإن كانت تؤمن لنا الراحة والسلام النفسي، غير أن نيوتن وآينشتاين كان لهما رأيًا مخالفًا، فقد تأثرا بالفلسفة، مما جعلهما يهتمان بعلم الميتافيزيقا ، فهم يرون عدم وجود تعارض بين العلم الطبيعي كالفيزياء، وعلم ما وراء الطبيعة، وهو الميتافيزيقا.

تاريخ علم الميتافيزيقا

 وقد استعمل مصطلح “الميتافيزيقا” أول مرة من قبل الفلاسفة في العصر الهلنستي، حيث أطلقوها على مجموعة النصوص التي لم يكن لها عنوان للفيلسوف “أرسطو طاليس” على الرغم من أن أرسطو نفسه لم يستعمل هذا اللفظ أو يطلقه على مجموعة نصوصه، بل أن من استعمل هذا الاسم هو تلميذه “أندرو نيقوس” وذلك في القرن الأول قبل الميلاد، عندما كان يقوم بتصنيف وترتيب مؤلفات أستاذه “أرسطو” وكان يقصد فقط ترتيب أبحاثه التي لم يكن لها اسم، والتي قد صادفت أنها أتت ما بعد أبحاثه في علم الطبيعة، فجاءت تسميتها “ما وراء الطبيعة” مصادفةً حسب ترتيب أبحاث أرسطو ليس إلا، وليس من حيث ما تحمله من مضمون وموضوعات، ومع الوقت فقد أطلق فلاسفة العصور الوسطى هذه التسمية على الموضوعات التي بحث فيها أرسطو في مجال الخوارق الطبيعية، والإدراك الغير حسي، وبهذا فقد أصبح مضمونه مستعملًا كما يستعمل اليوم. وأول من عُرف كعالم ميتافيزيقي والذي صرح به أرسطو وهو “طاليس”، والذي أرجع أصل الكون إلى عنصر الرطوبة، والذي تمت ترجمته فيما بعد بالماء، تبعًا لمفهومه “المبدأ الأول”، وقد اعتمد بعض الفلاسفة على هذا المبدأ، مثل: أنيكسماندر، وأنيكسمينيس، وكان علم الميتافيزيقا قبل عصر النهضة هي مصدر العلم الرئيسي للإجابة عن التساؤلات التي لها علاقة بالكون، والإله، والوجود، وغيرها.

فروع علم الميتافيزيقا

قام أرسطو بتقسيم علم الميتافيزيقا إلى ثلاثة فروع رئيسية، بالإضافة إلى الفروع التقليدية لهذا العلم، والتي تتمثل في الأجزاء الصغيرة التي تتعلق بالمعجم الفلسفي، وبعض ما استخلص من علوم الطبيعة، وهذه الفروع هي: اللاهوت الطبيعي (مفهوم الإله)، الكوزمولوجيا (العلوم الكونية)، الأنطولوجيا (مفهوم الوجود).. فالفرع الأول وهو اللاهوت الطبيعي يبحث في حقيقة الإله، ووجوده، وطبيعته، وبهذا فإنه يحتوي على العديد من الموضوعات التي تخص هذا الأمر، والمتعلقة بالدين، ومنها تصورات نشأة الكون، والخلق، وكل ما يخص الكيان الإنساني.. ولقد ذكرنا أن علم الميتافيزيقا يعمل على سد الثغرات الكونية، فلا بد من خالق لهذا الكون، لذا فإن علماء الميتافيزيقا حاولوا إثبات وجود الخالق، وذلك لضرورة وجود محرك أول لهذا الكون، أو أن الكون لا يملك أن يُحدث نفسه، لذا فهو يحتاج إلى وجود خالق له، وقد وجدت لهذه النظرية ثلاث آراء، فمنهم من يرى بعدم صحتها وهذا “إلحاد” ومنهم من يرى بوقوعها، ومنهم من يرى أنها مستمرة في التحقق، والحدوث.. وعندما اختلفت الأفكار حول طبيعة الإله، تنوعت العقائد والحضارات ما بين الأديان والأساطير.. والتي يؤمن بها الكثيرون، حيث تحولت إلى عقائد، ومبادئ. الفرع الثاني من فروع علم الميتافيزيقا وهو “الكوزمولوجيا” العلوم الكونية، حيث يختص بدراسة كل ما يتعلق بالكون، من ظواهر، وزمن، وفراغ، وقد استخدمت المناهج الفلسفية من سببية، جوهر، أنواع، عناصر، مادة.. للوصول إلى تصور لطبيعة الكون، وقد قامت كل حضارة بتقديم تفسير عن أصل الكون، والخلق، وقد سميت هذه التفسيرات بنظريات الخلق، فمنهم من ذهب إلى أنها بفعل قوة علوية، أو خلق مباشر، أو أنها انبثاق من فوضى.. ولكنها جميعها تتفق أن المنظومة الكونية نشأت بتدخل إلهي كوني مبدع، والذين يؤمنون بهذا هم أصحاب الديانات السماوية، وهم لا يجدون تعارضًا بين ذلك، وبين الحقائق العلمية.والفرع آلثالث هو “الأنطولوجيا”، والذي يبحث في طبيعة الوجود، كما أنها تناقش الموضوعات الخاصة بالكينونات، وطرق تصنيفها، والتي تعتمد على التدرج الحجمي أو التشابه أو الاختلاف، وهي تسعى للتعرف على حقائق الأشياء، والعلاقات المرتبطة بها، فهي تبحث في ما إذا كانت بعض مستويات الوجود أساسية أم لا.

وبهذا فإن الميتافيزيقا ليست مجرد مصطلح قد يمر على آذان البعض مرورًا عابرًا بل هو علمٌ كبير، تعددت فروعه ومجالاته، فنجد ما هو معروف بالتخاطر والتنبؤ، والجلاء السمعي والبصري، وهي قضايا تخص هذا العلم، والتي يهتم بها الكثير من الناس، باعتبارها أمورًا غامضة، أو مخيفة، فما بين العلم الحقيقي، والخيال نجد الميتافيزيقا قد أخذت وضعًا بين الأمرين لذا فإن الكثيرين يعتبرونها هزلًا ولا يعتدون بها، رغم كون الكثير من العلماء –كما ذكرت- يهتمون بها اهتمامًا كبيرًا.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.