أصبحت قضية التنبؤ بالمستقبل أمراً يشغل بال كثير من فئات المجتمع على مستوى العالم وخاصة المثقفين والعلماء، وبالرغم من أن معرفة الغيب أو علم المستقبل أمر يصعب تأكيده ويستحيل الجزم به إلا أن التنبؤ بحدوث أمور معينة في المستقبل القريب أو البعيد ما زالت محل بحث ودراسة؛ حيث أثبتت الأحداث والوقائع صدق كثير من النبوءات سواء في الماضي البعيد أو العصر الحديث، وقد نجح كثير من المتنبئين على مر التاريخ في إقناع الناس من خلال صدق النبوءة وتحقق توقعاتهم، وقد يخلط كثير من الناس في فهم المستقبل أو الغيب الذي يمكن التنبؤ به؛ لذلك يتناول هذا المقال تعريف التنبؤ بالمستقبل، وكذلك موقف العلم من التنبؤ بالمستقبل ، وأيضا أهم الطرق التي يستطيع بعض الأشخاص من خلالها التنبؤ بالمستقبل.
هل من الممكن التنبؤ بالمستقبل حقًا ؟
تعريف التنبؤ بالمستقبل
المستقبل هو ما لم يحدث بعد وتتم أحداثه بعد زمان التكلم، وهو مضاد للماضي الذي تمت أحداثه وانتهت قبل زمان التكلم، والتنبؤ بالمستقبل هو توقع أحداث وأمور يمكن وقوعها في المستقبل القريب أو البعيد بناءً على مقدمات وأمور ودلائل تشير إلى إمكانية حدوثه، والجدير بالذكر أن ادعاء معرفة الغيب أمر لا يمكن تصديقه أو الإيمان به؛ لأن الله عز وجل اختص نفسه بعلم الغيب كما أخبرت جميع الأديان والكتب السماوية، وقد يختص الله بعض عباده الصالحين أو أنبيائه بمعرفة بعض الغيبيات كما ذكر القرآن الكريم في قصة العبد الصالح الخضر الذي رافقه سيدنا موسى وأخبره عن بعض الغيبيات التي لم يستطع موسى الصبر عليها، وذلك مثلما حدث في قصة خرق السفينة وقصة قتل الغلام وقصة إقامة الجدار في القرية التي رفض أهلها إطعامهما، ويعد التفسير الذي قدمه سيدنا الخضر إلى سيدنا موسى من قبيل التنبؤ بالمستقبل ، وقد أعزى سيدنا الخضر هذا العلم المستقبلي إلى الله عز وجل الذي علمه إياه، وغير ذلك من القصص القرآني الذي أخبرنا الله تعالى فيه بأمور غيبية على ألسنة أنبيائه الكرام.
موقف العلم من التنبؤ بالمستقبل
إن العلوم التجريبية تعتمد في نتائجها بصفة عامة على التنبؤ بالمستقبل؛ حيث تخبرنا عن حالة الشيء في المستقبل من خلال مماثلته بالقوانين الحسابية الرياضية، فمثلا يتنبأ العلماء بعد إرسال مركبة فضائية إلى القمر أو المريخ مثلا بوقت وصولها ومكان هبوطها، ويتم التنبؤ بذلك اعتمادا على قوانين رياضية معينة تعتمد على المسافة بين الأرض والمريخ أو القمر وكذلك سرعة المركبة الفضائية وكذلك سرعة دوران الكوكب الذي يستقبل مركبة الفضاء، ويعتبر الإخبار بهذه الأمور من قبيل التنبؤ بالمستقبل ، ويجب أن نؤكد على قضية مهمة جدا وهي أن مثل هذه القوانين الرياضية لا يمكن أن تكون دقيقة بدرجة تماثل الطبيعة تماما بل أحيانا تختلف قليلا، والدليل على ذلك أن علماء الفضاء يقومون بتعديل خطة عملهم أو مسير المركبات والأقمار الصناعية بعد إجراء الحسابات الدقيقة، وبالرغم من ذلك ففي كثير من الأحيان لا يمكن التنبؤ بكل تفاصيل رحلة الفضاء، وعلى طريقة مماثلة فإن علماء الطقس وخبراءه يحاولون التنبؤ بالمستقبل اعتمادا على القوانين الرياضية البحتة، وكما نرى في العصر الحديث –بالرغم من التطور الهائل في أجهزة الرصد والتقنيات الحديثة- لا يمكنهم الوصول إلى درجة من الدقة المطلوبة في التنبؤ بالطقس، وهذه كلها تعد احتمالات بدرجة معينة من الدقة حسب المعطيات أو المعلومات التي نملكها حول موضوع البحث المراد التنبؤ بحالته في المستقبل.
كيف يتم التنبؤ بالمستقبل؟
يعتمد كثير من المتنبئين بالمستقبل على قدراتهم الخارقة في استنباط الأمور وتوقع الأحداث، بل يصل الأمر مع بعض العرافين إلى اللجوء للفراسة واستخدام الأسئلة المربكة التي تدفع الآخرين للبوح بمكنون ذواتهم وإظهار صفاتهم التي يستطيع العراف أو الكاهن توقع ما سيحدث لهم نتيجة لذلك، وقد فسر بعض العلماء ورجال الدين صدق بعض العرافين والمتنبئين في بعض نبوءاتهم بلجوئهم عند التنبؤ بالمستقبل إلى قرين الشخص من الجن والشياطين والذي يخبرهم بأحوال الشخص في الماضي والحاضر وبناءً على ذلك يستطيع التنبؤ بما قد يحدث له في المستقبل، وفيما يلي نوضح أهم الطرق التي يستطيع بعض الأشخاص التنبؤ بالمستقبل من خلالها:
قراءة خطوط الكف
وهي تعد من الطرق الشائعة التي يتنبأ من خلالها بعض الناس بأحداث المستقبل، ويكون ذلك من خلال تحليل الخطوط والتعرجات الموجودة في باطن كف الإنسان والتي تدل على صفات معينة تختلف من شخص لآخر، ولا يستطيع قراءة أو تفسير وتحليل خطوط الكف إلا شخص خبير لديه مهارة كافية لفهم هذه الخطوط وما تعبر عنه أشكال الأصابع بالإضافة إلى شكل الأظافر، فمثلا تختلف أشكال أصابع اليد من شخص لآخر ولكل شكل سماته المميزة لصاحبه فالأصابع مربعة الشكل تدل على شخص عقلاني في التفكير وعملي في حياته متقن ومجتهد في عمله ولكنه قليل الإبداع، وأصحاب الأصابع المخروطية يميلون إلى الإبداع ومرونة المزاج والميول الفنية والاستقرار العاطفي، أما أصحاب الأصابع العريضة فهم عمليون بالإضافة إلى التفكير المتجدد ويتميزون بأنهم يسبقون زمنهم في الابتكار والتجديد، كما يشير علماء النفس إلى أن خطوط الكف تعد سجلا تدون فيه جميع الأحداث التي مرت بنا في حياتنا؛ وبالتالي يمكن بسهولة التنبؤ بالمستقبل الذي يمكن أن يواجهه الشخص اعتمادا على تفسير تلك الخطوط، فعلى سبيل المثال خط الحياة وهو الخط الرئيسي في باطن الكف يدل مدى وضوحه على مقدار الصحة الجسدية والسلامة النفسية ولا يدل على طول أو قصر الحياة كما يعتقد بعض الناس، وما يعترض هذا الخط من علامات لها تفسيرها الخاص، فإذا اعترض هذا الخط شكل نجمة فهذا يدل على عدة مشاكل تعترض حياة الشخص وأما شكل الجزيرة فيدل على ضعف مقاومة الشخص للمشاكل والعقبات المعترضة له وغير ذلك من الخطوط وتفسيراتها المختلفة والتي تعد علما مستقلا.
العرافة والكهانة
وهي من أساليب التنبؤ بالمستقبل وقراءة أحداثه عن طريق ربط ذلك بسلوك بعض الحيوانات أو أصواتها، فمثلا يربط بعضهم ظهور القطة السوداء بسوء الحظ، كما أن عطس القطة لديهم يشير إلى سقوط الأمطار في المستقبل وغير ذلك من الأساليب التي لم ترقَ إلى مستوى الدقة أو الوثوق فيها حتى وإن صادفت الواقع في المستقبل، بل إن بعضهم يلجأ إلى قراءة الفنجان أو وشوشة الودع والأصداف وغير ذلك من أساليب الخداع المنهي عنها في جميع الأديان، فقد أخبرنا الإسلام أن الذي يأتي العرافين ويصدقهم يعد مكذبا لما جاء به القرآن، وقد يلجأ بعض العرافين أيضا إلى الاستعانة بالجن أو الشياطين وتسخيرهم في جلب الأخبار عن بعض الأشخاص ليتمكنوا من إقناعهم بقدراتهم الخارقة في كشف السرائر والإخبار بالغيبيات، ومن المعلوم أن الجن لا يمكنهم التنبؤ بالمستقبل أو الإخبار عن غيبيات لم تحدث بعد ولكنهم كأرواح يمكنهم التنقل والتخفي والتنصت؛ فهم يعلمون الماضي والحاضر عن طريق التواصل مع بعضهم البعض؛ وبالتالي يتمكن العراف أو الكاهن من توقع الأحداث المستقبلية للشخص معتمدا على ما تجمَّع لديه من أخبار عنه، وتلاحظ أن الكتب التي تتحدث عن الطرق المستخدمة عند التنبؤ بالمستقبل تعترف تماما بأن تلك الطرق غير مؤكدة وأنها مجرد توقعات لا يمكن قبولها كأدلة صادقة أو قاطعة، وحتى الآن لا يوجد دليل علمي يثبت لنا صدق تنبؤات العرافين أو حتى صدق الطرق والأساليب المستخدمة لدى الكهنة والعرافين على مر التاريخ.
الرؤى والأحلام
تعتبر الرؤى والأحلام التي تتنبأ بالمستقبل من أشهر الوسائل وأقدمها عند الحديث عن المستقبل أو التنبؤ به، وقد كان الملوك قديما منذ عهد الفراعنة يتخذون لهم مفسرين، بل كان بعضهم يتخذ حجرات خاصة ويقوم بطقوس معينة لاستقبال تلك الأحلام، ومن أشهر الأحلام أو الرؤى في التاريخ الرؤيا التي رآها عزيز مصر والتي فسرها سيدنا يوسف عليه السلام، وقد أثرت تلك الرؤيا -التي تنبأت بالمستقبل- في تاريخ مصر ومصير أهلها لسنوات عديدة، بل كان الأباطرة في اليابان يقدسون أحلامهم ويعملون على تنفيذها بكل دقة لاعتقادهم أنها وحي من الإله أو أوامر واجبة التنفيذ، وقد أخبرنا الإسلام على لسان النبي محمد أن الرؤية الصادقة جزء من النبوة، ولأهمية التنبؤ بالمستقبل من خلال الرؤى والأحلام ظهر الكثير من مفسري الأحلام بل ألفت العديد من الكتب في هذا المجال، وما زال المجال مفتوحا لكثير من الأبحاث لإثبات أهمية الرؤى والأحلام في التنبؤ بالمستقبل وأحداثه.
أصحاب الطاقات والملكات الخارقة
أثبتت الدراسات في علم النفس البارسيكولوجي أن كل شخص لديه ملكة تسمى الحاسة السادسة يمكنه من خلالها التنبؤ بأحداث المستقبل، وتختلف قوة تلك الملكة والحاسة من شخص لآخر حسب صفاء الذهن ونقاء السريرة واعتدال المزاج، ورغبة من روسيا في تسخير طاقات مثل هؤلاء الأشخاص فقد أنشأت معهد لينيغراد لإعداد البحوث النفسية الخارقة، وقد حقق المعهد نجاحا ملحوظا في مجال التنبؤ بالمستقبل وأبحاثه منذ قرن ونصف القرن، ومن المشهورين في مجال التخاطر أو الملكات الخارقة سيدنا عمر بن الخطاب في حادثته المشهورة “يا سارية الجبل الجبل…”، ولا عجب في ذلك فقد شهد النبي محمد لعمر بنقاء سريرته وجريان الوحي على لسانه وقلبه، ومن المشهورين في مجال التنبؤ بالمستقبل في العصر الحديث أيضا آرثر كلارك والذي تنبأ في قصص الخيال العلمي التي اشتهر بتأليفها بأمور غيبية كثيرة مبتكرة قد يتم اختراعها فيما بعد ذلك، وهو أول من عرض فكرة إنشاء محطات لاستقبال وإرسال بث الرادار تدور في مدار محدد حول الأرض وذلك بسبب عمله في الجيش البريطاني وتركيب الرادارات وتطويرها، وبعد هذه الفكرة بحوالي 18 سنة تم اختراع الأقمار الصناعية تنفيذا لفكرته؛ وقد نال العديد من الجوائز العالمية بسببها ومن أشهرها جائزة نوبل في السلام سنة 1994م وغيرها من الجوائز الأخرى.
قدرات الحيوان
يمكن التنبؤ بالمستقبل من خلال استشعار قدرات الحيوان وأحاسيسه؛ حيث أثبت العلم الحديث أن الحيوان لديه قدرة خارقة على استشعار الحوادث قبل حدوثها كالزلازل والبراكين والأعاصير، بل يذهب البعض إلى أكثر من ذلك في شعور الحيوانات بوفاة أصحابها من البشر، وقد أجريت التجارب على كثير من الحيوانات وتلاحظ تغيرات سلوكية غير معهودة قبيل وقوع الكوارث أو الحوادث؛ لذلك يمكن للعلماء الاستفادة من قدرات الحيوان على التنبؤ بالمستقبل واستشعار الحوادث قبل وقوعها في تفادي الكوارث والاستعداد لها للتقليل من أضرارها أو مخاطرها، ويجب الاهتمام بتلك الملكة وتنميتها لدى بعض الحيوانات المشهورة بذلك.
مهما كثرت الكتابات في هذا المجال أو تعددت أبحاث العلماء فيبقى مجال التنبؤ بالمستقبل يكتنفه الغموض، وما زلنا في حاجة إلى كثير من الدلائل والأبحاث في هذا المجال الذي تحيط به علامات الاستفهام بالرغم من أنه واقع معروف منذ قديم الزمان وحتى منذ عهد الفراعنة إلى عصرنا الحاضر، وقد يحالفه التوفيق أحيانا إذا اعتمد على معلومات دقيقة وحسابات منطقية منظمة، وفي أحيان أخرى يبوء بالفشل إذا اعتمد على التخمين أو التوقع دون مقدمات، وقد تناول هذا المقال تعريف التنبؤ بالمستقبل وموقف العلم منه، وكذلك أهم الطرق التي يستطيع الشخص التنبؤ بالمستقبل من خلالها.
أضف تعليق