تسعة
الرئيسية » سفر » المجتمعات الأجنبية : كيف يختلف الأجانب ثقافيًا عنا ؟

المجتمعات الأجنبية : كيف يختلف الأجانب ثقافيًا عنا ؟

لكل مجتمع من المجتمعات ثقافته وأسلوبه الخاص في التعامل بين أفراده، في السطور المقبلة نتعرف على الفرق بين مجتمعاتنا و المجتمعات الأجنبية .

المجتمعات الأجنبية

المجتمعات الأجنبية لها الكثير من الاختلافات عننا كمجتمعات شرقية، كأشخاصٍ نعيش في المجتمعات العربية ففكرة مقارنة ثقافتنا مع المجتمعات الأجنبية ليست بالفكرة الغريبة، حتى في الحالات العادية وأثناء تصفح المواقع الاجتماعية وفي أتفه المواقف صرنا نألف المقارنة بين ردة الفعل التي حدثت من خلفيةٍ ثقافيةٍ عربية ونقارنها بمثلها الذي يمكن أن يحدث بخلفيةٍ ثقافيةٍ أجنبية، فما الدافع الذي يدفعنا لا إراديًا لذلك التفكير؟ وما الموجود في ثقافة المجتمعات الأجنبية يجعلنا نراهم دومًا في منزلةٍ ثقافيةٍ أعلى نريد أن نصل إليها ونحاكيها؟ وهل تلك العدسة التي ننظر منها إلى تلك المجتمعات حقيقية أم قاصرة وخيالية وموجودة فقط في عقولنا؟ ما يمكن أن نثبته بالمقدمة فقط هو أن كل مجتمعٍ يختلف ثقافيًا عن المجتمعات الأخرى استنادًا على الكثير من العوامل، أما ما سوى ذلك لربما نكتشفه خلال المقال.

المجتمعات الأجنبية واختلافاتها الثقافية عنا

من أين جاءت ثقافة كل مجتمع؟

تعتمد ثقافة كل مجتمعٍ على مجموعةٍ من أحجار الأساس الموجودة منذ وجود المجتمع بذاته والمستندة على ثقافته القديمة منذ بدايته، ورغم التقدم والتطور الذي يأتي به الزمن على تلك المجتمعات تظل عاجزةً عن التخلص من كل ما علق بها من ثقافة الماضي وتراثه، كل حضارةٍ من الحضارات القديمة كان لها إيمانها ومعتقداتها ودياناتها وأساطيرها، واعتمدت تلك الحضارات على المعطيات التي وفرتها لها الطبيعة من حولها ومنحتها لها، فالطبيعي أن تجد ثقافة شبه الجزيرة العربية التي قامت على أيام الجاهلية ومقدم الإسلام غير الثقافة العراقية التي قامت على الحضارة البابلية غير الثقافة المصرية وأساسها الفرعوني غير الثقافات التي قامت على الحضارات الإغريقية والرومانية إلى آخر كل تلك الثقافات، اندثر أهل تلك الحضارات لكن نثرًا من ثقافتهم ظل يتبعنا ويتأصل في فكر المجتمع ويحكم الثقافة التي سيتسلح بها الفرد منا من يوم مولده وحتى موته.

عالم اليوم استنادًا على ثقافة الأمس

بعد أن وجدنا القاعدة التي ارتفع عليها صرح الثقافة نريد أن ندرس العوامل التي تمس الإنسان مساسًا مباشرًا، التي تجعل ثقافة الفرد في مجتمعنا مختلفةً عن ثقافة الفرد في المجتمعات الأجنبية، أول ما يصطدم به الإنسان هي البيئة المحيطة به سواءً البيئة الأسرية والعائلية أو بيئة المجتمع من حوله بشكلٍ عام، أيًا كانت الثقافة المنتشرة من حوله سيتأثر بها بشكلٍ أساسي بدون عملية تفكيرٍ أو فلترة خاصةً في مرحلة الطفولة، أحيانًا نجد أناسًا كبارًا عاقلين مفكرين لكنهم يقومون بفعلٍ معينٍ غير منطقي لم يفكروا فيه من قبل، وحين تسألهم عن تفسير ذلك الفعل سيتوقفون لحظةً ليفكروا بدهشة عن السبب ولن يجدوا سوى إجابة أنهم رأوا آباءهم يفعلون ذلك من قبل فتعلموه وفعلوه! البيئة التي يتربى فيها الطفل وثقافة وخلق وسلوك الأبوين اللذين يعيشان معه ويوجهانه ويراهما الطفل قدوته ومثله الأعلى هي أولى الأشياء التي تشكل ثقافة الطفل اللينة الغضة، بعد ذلك يكبر الطفل بالتدريج ويبدأ تفاعله مع المجتمع من حوله في الازدياد سواءً كان ذلك التفاعل إيجابيًا أو سلبيًا إلا أنه سيؤثر عليه بشكلٍ أو بآخر، التعليم على سبيل المثال واحدٌ من أهم العوامل التي ستشكل ثقافة الشخص منذ صغره وتدفعه في أحد الاتجاهين، إما التفتح والفكر وإما الغباء والجهل، بعد ذلك وخلال نموه سيجد الشخص نفسه يُدفع بتصرفات المجتمع ومن حوله ليتبنى تصرفاتٍ معينة إما جيدة أو سيئة ويكررها حتى تبقى جزءًا لا يتجزأ منه، القاعدة عامة وشاملة لكن الفرق بيننا وبين المجتمعات الأجنبية أن ما يقع علينا يختلف عما يقع عليهم.

واحد: الأسرة!

لنتحدث عن أكبر المؤثرات في ثقافة الإنسان من صغره وهي الأسرة، ولنجلب إلى الساحة مقارنةً بسيطة بين تربية الطفل في مجتمعاتنا وتربيته في المجتمعات الأجنبية، الأسرة واحدة من أهم الكيانات بالنسبة للمجتمعات الأجنبية، في حين أننا هنا نسارع للزواج حتى في سنٍ صغيرٍ لا يكون فيه الأبوان مستوعبين للمسئولية الملقاة على عاتقهما ومستعدين لها يكون الطرفان في المجتمع الأجنبي على وعيٍ كبيرٍ بتلك الخطوة وأهميتها قبل الإقدام عليها، ووعي الأبوين وحده نصف المسافة، الطفل له قدسية في تلك البلاد فمجرد تعرض الأب لابنه بالضرب كفيلٌ بالزج به في السجن بينما ثقافة التربية لدينا هنا هي الضرب بشكلٍ أساسي بينما يأتي التفاهم بعد ذلك، الطفل هناك تُحترم ذاته ويُحترم كيانه ووجوده ولكن رغم ذلك تتم تربيته وفق جدولٍ صارمٍ من كل المتاح والممنوع والذي ينفع الطفل ويضره، بينما هنا هو مجهول الهوية مهمل الكيان ولا أحد يهتم بما يفعله، هناك للطفل ميعاد نومٍ محدد وقت لعبٍ محدد جدولٌ من الرياضات والنشاطات الاجتماعية التربية تحتم عليه تحمل مسئولية نفسه وترتيب حياته والتفكير في قراراته، عندما يشتكي الطفل إذًا فيجب الاستماع له وإقناعه أو تغيير ما يضايقه لصالحه، يتعلم من صغره البحث عما يفيده واستغلال وقته وتنظيمه والاعتماد على نفسه واحترام ذاته وتقديرها، يأخذ جزءًا من الحرية التي تفيده مع العلم بوجود رقابة تتدخل فقط للتقويم لا للتقييد، الطفل هناك إنسانٌ كامل بينما هو عندنا كما نسميه.. طفل!

التعليم هو الخطوة التالية

بعد أن خرج الفرد من أسوار بيته وأسرته تأتي المرحلة التعليمية من بدايتها وحتى المرحلة الثانوية، يعتقد البعض أن ثقافة وعلم الفرد يأتيان من التعليم الذي تلقاه في الجامعة وحسب، لكنني أعرف أناسًا في أفضل الجامعات إلا أن ثقافتهم وعلمهم محدودين جدًا، وقد يكون الإنسان غزير العلم في مجاله لكن إن حادثته في أي موضوعٍ عامٍ وجدته جاهلًا أبيض الثقافة لا خلفية له عن أي شيءٍ آخر في الحياة سوى مجاله الذي يدرسه، صحيحٌ أنه من الجيد أن يكون الشخص خبيرًا في مجالٍ محدد لكن قديمًا قالوا “اعرف شيئًا عن كل شيء، واعرف كل شيءٍ عن شيء” الإنسان بحاجةٍ لثقافةٍ واسعة عن كل جوانب الحياة تخوض به بحرها وتجعله قادرًا على التعامل مع الدنيا، يحتاج إلى ثقافة التعاطي والتفاعل والتعامل والتفكير واتخاذ القرار والمقارنة بين الجوانب، والتعليم منذ الصغر هو أول ما يعطي ذلك للإنسان، قبل أن نتحدث عن المادة الثقافية المقدمة من البداية علينا أن نتحدث عن طريقة وأسلوب التعليم نفسه ومكانته في قلب الإنسان، في المجتمعات الأجنبية التعليم عبارةٌ عن رحلةٍ طويلةٍ صارمة لكنها تدفع به للتفكير والبحث، تجعل الطفل عضوًا متفاعلًا في عملية التعليم وتجعله يفهم أن التعليم يبني منه إنسانًا، أما في مجتمعاتنا فالتعليم عمليةٌ تحول الطفل من بشرٍ تفاعليّ إلى طاولةٍ تتلقى المعلومات بدون نقاش، التعليم بالنسبة لأطفالنا هي فكرة النجاح أو الرسوب في نهاية العام ويخرج الطفل بعد ذلك العام بإنجاز أنه تجاوز سنةً تعليمية لكنه لم يتعلم أي شيءٍ في الواقع، طريقة التعليم نفسها هي التي تصنع الناس أو تدفنهم، حين تعلم الطفل فلا تعطه السمكة بل علمه كيف يصطادها، لا تجعله يحفظ المعلومة بل علمه البحث عنها وازرع فيه الشغف لإيجادها، هكذا صنعت المجتمعات الأجنبية ثقافة أفرادها، بالتعليم لا بالتلقين.

المجتمع يفرض سطوته

كثيرون يتهمون المجتمعات الأجنبية بالتفكك والانحلال وضعف العلاقات الاجتماعية والأسرية فيها، لكن الحقيقة أن تلك المجتمعات تملك علاقاتٍ أقوى بعدة مراحل من علاقات مجتمعاتنا التي تفرضها علينا العادة وتحولها من حاجةٍ بشريةٍ للأنس والتفاعل لدينٍ وقيدٍ على الإنسان كلما حاول التملص منه ضاق أكثر فأكثر، في مجتمعاتنا الإنسان مقيد الحرية ممنوعٌ من ممارسة أي فعلٍ خارجٍ عن النمط المجتمعي بدون أن يتم اضطهاده وتعذيبه نفسيًا حتى يعود للقطيع ثانيةُ، ليس مسموحًا لأحدٍ أن يكون مختلفًا نريد وحسب أن نكون جميعًا نفس الإصدار وننبذ أي اختلاف رغم أنه لم يضرنا ولم يأتِ على حسابنا لكننا لا نتركه وشأنه وحسب، نفتقد ثقافة حرية الرأي والفعل والتصرف وكثيرًا ما ماتت مواهب وقدرات وعقول تحت عجلة نمطية المجتمع ونبذه للاختلاف، بينما في كثيرٍ من المجتمعات الأجنبية ارتفع شعار أنت حر ما لم تضر، وصرت قادرًا على فعل أي شيءٍ تريده طالما لم تضر غيرك به، أيًا كانت الفكرة التي تراودك.. الاتجاه الفكري الذي تعتنقه.. أسلوب الحياة الذي تريده لن تجد قيدًا يردك عن غايتك ويقحمك في صندوقٍ ضيقٍ من المعتقدات المهترئة ويغلقه عليك، تلك الحرية فتحت الباب للكثير من المواهب بالظهور وأعطت للكثيرين القدرة على اتخاذ الحياة التي يحلمون بها دون حسابٍ أو قيد، ودون ضغوطٍ لا قيمة لها ففتحت لهم مجالًا للعطاء لمجتمعاتهم وأنفسهم والإبداع.

هل يعني ذلك أن المجتمعات الأجنبية أصبحت هي اليوتوبيا؟

تلك فكرةٌ مهمة نحتاج للتوقف عندها والاهتمام بها وتوضيحها،فهل كون تلك المجتمعات تعطي كل الحريات والمميزات يعطيها لقب اليوتوبيا كما نتصورها نحن في مجتمعاتنا العربية؟ كثيرًا ما أجد بعض الناس يرون الحياة في تلك المجتمعات هي الوصول للمثالية بعينها وأن تلك المجتمعات تسبقنا بملايين السنين الضوئية حتى أنهم يسارعون لإعطاء كل المميزات لهم ويسحبونها منا باعتبارنا الأسوأ واعتبارهم الأفضل على طول الخط، لكن سيسعدني أن أحطم صورتك الأفلاطونية عن تلك المجتمعات لأننا جميعًا نعيش على كوكب الأرض في نفس العالم الناقص الخالي من المثالية، صحيحٌ أن المجتمعات الأجنبية تطورت وتقدمت عنا وصحيحٌ أن الكثير من المواهب الفذة والعقول العبقرية التي شهدها العالم خرجت منهم إلا أن ذلك لم يجعلهم يومًا مثاليين، بالعكس فتلك المجتمعات مثلها مثل أي مجتمعاتٍ أخرى تعاني من الفساد بكل أنواعه وأشكاله وتعاني من الأزمات الدولية وجزءٌ ليس بالصغير من أفرادها يعاني من الجهل والغباء فليسوا جميعًا علماء وعباقرة، إلا أن الفكرة تكمن في قدرتهم على إبراز الأذكياء ورعايتهم والاهتمام بمواهبهم وتطويرها، كما أن فصيلًا كبيرًا منهم يعاني من العنصرية وضيق الأفق وحب السيطرة على حيوات وحريات الآخرين وتحجيرها، إلا أن أساسهم من العلم والتربية وانفتاح مجتمعاتهم واتساعها جعلتهم يتقدمون رغم ذلك ويتجاوزون تلك العقبات رغم وجودها، مثلما هي موجودةٌ بالضبط في مجتمعاتنا لكننا ما زلنا بحاجةٍ لأن نتعلم منهم كيف نتجاوز عقباتنا..

ثقافة الاختلاف في مجال العمل

قديمًا كان كل مجتمعٍ يعيش حياةً من الخصوصية والانفصال أكثر مما نحن فيه اليوم، فلم يكن لاختلاف الثقافات وتنوعها ذلك التأثير القوي على الفرد وحياته، لكن عصر السرعة والإنترنت والشاشة الصغيرة التي تجعلك تنتقل لأي مكانٍ في العالم وأنت جالسٌ على مكتبك جعلت تلك القوانين تتغير، وصار الفرد المواكب للعصر والتقدم معرضًا في مجال عمله أو حتى وقته الحر للتعامل والتفاعل مع أفرادٍ من ثقافاتٍ أخرى، صحيحٌ أن الثقافة المعاصرة مهمة إلا أن ذلك لا ينفي قيمة وأهمية ثقافة الحضارة القديمة في بناء ثقافة أي مجتمعٍ حاليًا، فعلينا أن نعرف فكرةً عامةً عن ثقافات وعادات كل المجتمعات وطريقة التعامل والتفاعل معها، ذلك واحدٌ من الحدود الأدنى لثقافة الفرد العامة في التعامل في أي مكانٍ في العالم، فعندما أتعامل معك لن أستكمل حديثي للنهاية لأعرف ما يدور في عقلك وما إن كنت جاهلًا أم متعلمًا إن وجدتك من البداية تنقصك ثقافة وآداب التعامل واحترام الثقافات الأخرى المختلفة عنك، أليس كذلك؟

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

13 + ثمانية =