تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » زراعة الكبد : كيف تتم عملية زراعة الكبد المعقدة ؟

زراعة الكبد : كيف تتم عملية زراعة الكبد المعقدة ؟

زراعة الكبد واحدة من أكثر العمليات الاستبدالية إجراءً، وقد تقدم العلم كثيرًا في هذا المجال لدرجة أنها تجرى في العديد من البلدان بسهولة.

زراعة الكبد

عملية زراعة الكبد هي عملية اعتيادية جدًا في الوقت الحالي، لكن حدثني عن الحياة التي عاشها الإنسان قبل أن يتوصل إلى عمليات زراعة الأعضاء، أيًا كانت تلك الأعضاء سواءً زراعة الكبد أو زراعة عضوٍ آخر لكن جميعها تشترك في كونها أعضاء حيوية هامة كانت حياة الإنسان لتتغير تمامًا لو لم يتوصل الطب إلى زراعتها، وأحيانًا مصيره بين الحياة والموت، هل يوجد عضوٌ لا يحتاجه الإنسان؟ لا! لكن الحياة أولويات، تستطيع الحياة بدون يدٍ أو قدم صحيحٌ ستتغير حياتك وتختلف لكنك ما زلت حيًا، فهل يستطيع أحدهم النجاة بدون كبد؟ الطب تكبد الصعاب حتى يصل إلينا بمعجزاتٍ كهذه، وأحيانًا كانت مسيرته في منتهى البطء وخطواته محسوبةً لأوقاتٍ أطول مما تتحمله البشرية، وخلال ذلك الوقت وتلك المسيرة مات الكثيرون وفقد الملايين حياتهم وعانى الناس من مآسي المرض لكنه نجح في النهاية إلى الوصول في يومنا هذا إلى حلول قاطعة وجذرية ومنجية للكثير من تلك المآسي، الطب غيّر حياة الكثيرين وما زال في تقدمٍ وتطورٍ ليغيرها للأفضل.

زراعة الكبد : الدليل الكاملة

عمليات زراعة الأعضاء

القيام بعمليةٍ مثل زراعة الكبد ليس أمرًا سهلًا ولا هينًا والطب قضى سنواتٍ في محاولاتٍ تبوء بالفشل وتنتهي بالموت المحتم في طريقه لاكتشاف كيف يمكنهم إنقاذ حياة البقية الباقية والقادمين في المستقبل من خطر فقدانهم أعضاء حيوية هامة كهذه، فكرة زراعة الأعضاء ليست مجرد إيجاد عضوٍ بديلٍ للعضو المتضرر في الجسم ووضعه مكانه وهكذا سينهض المريض من فراشه معافى يمارس حياته بمنتهى البساطة فليست لعبةً هي، كل واحدٍ منا يحمل جسدًا مميزًا وفريدًا في نوعه عن الآخرين يتكون من الـ DNA الخاص به والذي لا مثيل له عند أي شخصٍ آخر حتى في التوائم المتطابقة، وجهاز المناعة الخاص بنا هو رئيس حرس أجسادنا مهمته أنه يتعرف على أجسادنا وأعضائنا ويعطيها الأمان، وكل ما هو غير ذلك سيهاجمه ويقضي عليه ولو كان عضوًا مهمًا في الجسم قد يقضي جهاز المناعة على الإنسان في طريقه للقضاء على ما يعتبره خطرًا وتهديدًا خارجيًا.

الأعضاء الغريبة عن الجسم

بادئ ذي بدء تحدث مشكلةٌ في جسم الإنسان سواءً مرضًا أو عطبًا أو حادثًا المهم أنه يفقد عضوًا من أعضائه وعليه يفقد أهميته ووظيفته، ولو كان عضوًا حيويًا رئيسيًا ستتوقف عليه حياته بأكملها وسيموت بدونه عندها سيكون بحاجةٍ لإجراء عملية زراعة كبدٍ أو كلى أو العضو الذي فقده، لا تستطيع البحث عن أي عضوٍ متوفر وزرعه بسبب جهاز المناعة بل عليك البحث عن مواصفاتٍ دقيقة لذلك العضو بدايةً من فصيلة الدم وحتى توافق العضو مع الجسم في محاولةٍ لتقليل نسبة الرفض الذي قد يحظى بها العضو من جهاز المناعة، قد يقضي البعض فتراتٍ طويلة تؤدي إلى موتهم في النهاية بسبب أن الأطباء لم يجدوا بعد عضوًا صالحًا أو متبرعًا مطابقًا للمواصفات فحتى الأشقاء أحيانًا لا يصلحون لإعطاء الأعضاء لبعضهم البعض، مجرد إيجاد عضوٍ كهذا والبدء بعملية الزراعة سيحتاج المريض إلى تعاطي مثبطات جهاز المناعة، فحتى لو كان العضو مطابقًا لكل المواصفات ذلك لا ينفي أنه ما زال غريبًا عن الجسد مهما حاولنا خفض نسبة غرابته تلك، نحتاج إلى تهدئة جهازه المناعي حتى لا يرفض العضو ويهاجمه بل يحاول التعرف عليه والتأقلم معه، لكن لو رفضه الجهاز المناعي فسيهاجمه مدمرًا خلاياه وقاضيًا عليه تمامًا.

الكبد

هل تشكل زراعة الكبد واحدةً من العمليات التي تتوقف عليها حياة الإنسان أم لا؟ بالطبع تتوقف عليها حياته ويرجع ذلك إلى أهمية الكبد ووظيفته في جسد الإنسان، الكبد هو جهاز الفلترة والحماية الرئيسي بعد جهاز المناعة، هل تظن أن الطعام الذي تتناوله صحيٌ وآمن؟ أين تذهب السموم التي تدخل أجسادنا بالقصد أو الخطأ طوال حياتنا؟ من المسئول عن التعامل مع الدهون سواءً الصحية أو الضارة التي تدخل إلينا؟ من المسئول عن تخزين السكريات التي نحتاجها للطاقة في صورة الجليكوجين؟ هل عرفت الإجابة؟ إنه الكبد فتخيل شخصًا بلا كبد كيف سيتعامل جسده مع كل تلك الوظائف؟ هل تحسب أن الدواء أمرٌ جيد؟ بالطبع تأثيره جيد لكن الدواء في حد ذاته مادةٌ غريبةٌ عن الجسم تراكمها فيه عبارةٌ عن عملية تسممٌ بطيئة لو لم نملك كبدًا يقوم بتكسيرها والتخلص من سميتها والإشراف على عملية طردها خارج الجسد خلال فتراتٍ محددة لكنا جميعًا أمواتًا الآن بسبب تعاطينا للأدوية! الكبد معجزةٌ من معجزات الجسد البشري البعض لا يدرك أهميته وقيمته لأنه عضوٌ ساكنٌ هادئ لا نشعر به، نشعر بدقات قلوبنا تتسارع وتتباطأ إذًا فالقلب مهم، نشعر بصدورنا تعلو وتهبط أثناء التنفس لذلك فالرئة مهمة، لكننا لم نشعر بالكبد يومًا ولم نعطه حقه من التقدير والاهتمام.

لماذا قد يحتاج أحدهم لعملية زراعة الكبد؟

بالطبع لأن كبده تحمل فوق طاقته حتى قدم استقالته وخرج من الخدمة، لأن الكبد أصابه العطب ودُمرت خلاياه تمامًا وعجز عن القيام بمهامه التي لا يستطيع أي عضوٌ آخر في الجسد أن يقوم بها، الجسم بدأ ينهار فما الذي أدى لهذا الانهيار؟ أمراضٌ كثيرة قد تؤدي بالكبد لتلك النتيجة مثل عدوى فيروسية أو سرطان الكبد أو تليف خلايا الكبد وموتها بسبب كثرة السموم التي تعرض لها، إصابة في الكبد أدت إلى موت جزءٍ منه أو تلفه كله، لكن السؤال أليست وظيفة الكبد هي التخلص من السموم وحماية الجسم منها وأحيانًا حجزها وتخزينها عندما يعجز عن التعامل معها حتى لا تضر الجسم؟ فكيف بعضوٍ بهذه الوظيفة أن ينهار بسبب السموم؟ صحيحٌ أن تلك وظيفته لكنه خُلق ليقوم بها في الحالات العادية والمعتدلة منها، خلايا الكبد من أكثر الأعضاء قدرةً على التجدد وأسرعها انقسامًا وتعويضًا للفاقد منها، السموم تقتل كل يومٍ خلايا من الكبد لكن الكبد السليم يكون قادرًا على تعويض الذي فقده من خلايا في وقتٍ بسيط، أما في حالة من يحملون الكبد فوق طاقته مثل المدمنين على الكحوليات مثلًا فلن لا يجد فرصةً لتتجدد خلاياه ويصبح التالف منها أكثر من الذي ينتجه ويصبح الكبد غير قادرٍ على الفوز بسباق قتلك له، وكلما زادت الخلايا المتضررة كلما قلت وظيفته وقلت صحته وقلت قدرة خلاياه على الانقسام والتعويض فيصبح قتله أسهل وتأثير السموم عليه أسرع وأكبر، وعند لحظةٍ معينة ينهار الكبد تمامًا ويبقى الجسد فارغًا بدون مركز سمومه الرئيسي وتظهر المضاعفات ويصبح عرضةً للموت في أية لحظة.

عملية زراعة الكبد

حدث الفشل الكبدي وصارت حياة الإنسان مهددة فما الذي سيحدث؟ سيبدأ الطبيب بالبحث عن متطوعٍ يطابق كبده المواصفات المطلوبة للزراعة في ذلك الجسد، غالبًا سيبدأ البحث من أقارب الدرجة الأولى وابتعادًا عنهم حتى يجد كبدًا مطابقًا، بعدها يبدأ بالإعداد للعملية ويحتاج مريض الكبد طوال فترة الإعداد للعملية وما بعد العملية إلى أولًا الأدوية المثبطة لجهاز المناعة وتلك خطوة مهمة وخطيرة على المريض تحتاج حجزه وفصله عن بقية الناس لأن جسده يكون ضعيفًا معرضًا للعدوى بأي فيروس أو ميكروب موجود في الجو بمنتهى السهولة، وثاني شيءٍ يحتاج إليه هو دعم وظائف الكبد فبغيابها سيحتاج جسده إلى القيام بتلك الوظائف صناعيًا ويظل ذلك الدعم جاريًا حتى يستقر الكبد الجديد ويبدأ القيام بوظائفه، العملية نفسها تكون عبارةً عن جراحةٍ يتم فيها التخلص من الكبد القديم ثم وضع الكبد الجديد مكانه وتوصيله بالوصلات الرئيسية والهامة مثل الشريان والوريد الكبدي والقناة المرارية، عندها ستبدأ الدورة الدموية في السريان داخل الكبد باعتباره عضوًا من أعضاء الجسد.

الكبد من المعطي وحتى المريض

الكبد عضوٌ حي مثله مثل بقية الأعضاء إذًا فتواجده خارج الجسم بدون حفظٍ ولا دورةٍ دمويةٍ تتحرك فيه هي مشكلة ستعرضه للتلف بعد كل ما عانيناه لإيجاد كبدٍ مطابق وستعرض عملية زراعة الكبد للفشل، يحتاج الكبد إلى الحفظ بمجرد فصله من الجسد سواءً جسد المتبرع الحي أو المتوفي فيتم وضعه في سائل حفظٍ تساعد مكوناته على تأخير موت أو تلف الخلايا الحية وتحافظ عليها، بينما تتم عملية الحفظ في درجة حرارةٍ منخفضة تساعدها على البقاء ونجحت عمليات حفظ الكبد في درجات حرارةٍ منخفضة وصلت للصفر أو تحت الصفر، كما أن بعض الوسائل تستخدم مثل آلة ضخٍ تصنع ما يشبه عملية سريان الدورة الدموية داخل العضو لكن خارج الجسم أثناء حفظه وهو ما يزيد من فرصة نجاته.

هل تحتاج لزراعة كبدٍ كامل؟

إن أخذنا كبدًا كاملةً من مُعطي متوفي وزرعناها في المريض فالأمر منطقيٌ ومقبول، لكن البحث عن مُعطي على قيد الحياة قد تبدو فكرةً جنونيةً فالإنسان لا يملك إلا كبدًا واحدا، فإن أخذناه من أحدهم لزراعته في آخر صار المُعطي الآن بحاجةٍ لزراعة كبدٍ حتى لا يموت ولن تنتهي الدائرة! لكن الطب استطاع أن يستغل حقيقة سرعة انقسام وتضاعف خلايا الكبد لصالحه وباعتباره عضوًا قادرًا على التجدد باستمرار وتعويض التالف منه ظهرت فكرة زراعة الكبد بشكلٍ جزئي فلست بحاجةٍ لأخذ كبدٍ كاملٍ من شخص ولا زراعة كبدٍ كاملٍ في الآخر، وخاصةً عند زراعة الكبد في الأطفال تصبح تلك فكرةً أفضل فالكبد فور زراعته يبدأ في النمو والانقسام والكبر في الحجم حتى يصل إلى حجمه الطبيعي ويكون قادرًا على القيام بوظائفه كاملة، وبالمثل يحدث الأمر في المعطي، وخلال تلك الفترة سيحتاج الاثنان لدعم وظائف الكبد والعناية الطبية الشاملة حتى يستعيد الكبد عافيته ويبدأ في أداء وظائفه بسهولة.

رفض الكبد وفشل العملية

قد يتخذ الأطباء كل الإجراءات الممكنة ويكون الكبد المُتبرع به مطابقًا تمامًا لكل المواصفات وتسير العملية على خير ما يرام لكن النتيجة تكون فشل زراعة الكبد ورفض الجسد له، لماذا؟ بعضها أسبابٌ معروفةٌ محسوسة وبعضها ربما يكون غير معروفًا لكن النتيجة هي الرفض، توجد ثلاثة أنواعٍ من الرفض فإما أن يرفض الجسد الكبد في الحال أثناء الزرع أو بعد العملية بدقائق أو ساعات ويهاجمه ويحاول إتلافه، النوع الثاني هو الرفض بعد العملية بفترة قد تأخذ أيامًا أو أسابيع حتى يحدث وهو أكثر الأنواع شيوعًا، أما في النوع الثالث فالجسد يرفض الكبد على مهل كأنه كان يحاول التفاهم والتأقلم معه ويستنفذ كل خياراته حتى تكون النتيجة في النهاية هي الرفض وعدم التوافق فيبدأ بمهاجمته، يكون ذلك بعد العملية بأشهر أو سنين لا فرق وحتى الآن سبب وتفسير ذلك الرفض طبيًا غير معروف، وهذا الاحتمال يضعنا أمام حقيقة أننا لن نستطيع الجزم أبدًا بأن عملية الزرع ناجحةٌ 100% لأن الجسم قد يبدأ بلفظ ومهاجمة العضو المزروع في أي وقتٍ طال أو قصر.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

تسعة عشر + عشرين =