إن عملية تقوية المناعة أو الجهاز المناعي لدى الإنسان لمقاومة الأمراض المختلفة حفاظا على صحة الإنسان تعد بمثابة إعداد جيش وتجهيزه لمقاومة الأعداء والحفاظ على ثروات الأمة، فالجهاز المناعي لدى الكائن الحي هو مجموعة منظمة من العمليات الحيوية تتم داخل أعضاء وخلايا جسم الكائن الحي لحمايته من مخاطر السموم والأجسام الغريبة والأمراض المختلفة؛ حيث يستطيع الجهاز المناعي بسهولة التفريق بين الميكروبات والفيروسات الضارة بالجسم والعمل على إبادتها والقضاء عليها، وبالرغم من أن الفيروسات والميكروبات والأجسام الغريبة المسببة للأمراض تطور نفسها لتتكيف مع جسم الكائن الحي متجنبة الصدام مع جهاز المناعة إلا أن جهاز المناعة يمتلك أنظمة وآليات متطورة يمكنها التعرف على مسببات المرض بجميع صورها وتحديد مخاطرها ليتم القضاء عليها، وقد أثبتت أبحاث العلماء أن جميع الحيوانات تمتلك جهازا مناعيا قويا متطورا وإن كان ما يملكه الإنسان أكثر ذكاءً وتعقيدا، وفيما يلي نتناول تاريخ معرفة علم المناعة، وأنواع المناعة، وأهمية الجهاز المناعي، وأهم الأطعمة المفيدة في تقوية المناعة .
أهم أطعمة تقوية المناعة
تاريخ معرفة علم المناعة
إن التطور الحالي في علم المناعة ودراسة بنيته ووظائفه ليس إلا نتيجة طبيعية لعديد من الأبحاث والدراسات السابقة منذ عام 430 قبل الميلاد وحتى الوقت الراهن، فقد كانت أول ملاحظة ومعرفة للمناعة أو كما أطلق عليها في ذلك الوقت (الحصانة) في عام 430 قبل الميلاد عندما لاحظ ثيودورس أن الأشخاص الذين تم شفاؤهم تماما من طاعون أثينا المنتشر آنذاك يمكنهم خدمة المرضى الآخرين ومساعدتهم دون أن يصيبهم المرض مرة أخرى، وبعد ذلك بأكثر من ألفي عام وفي القرن الثامن عشر لاحظ بيير لويس دي مايوبيرتوس أن بعض الفئران والكلاب لا تتأثر من لدغات العقارب، وقد استفاد العالم لويس باستر بعد ذلك من تلك الملاحظات في تطوير نظام التطعيم من أجل تقوية المناعة ، ومن بعده جاءت أبحاث وبراهين روبرت كوخ والتي حصل بسببها على جائزة نوبل في عام 1905م، وتتابعت الأبحاث التي تهتم بدراسة المناعة الخلطية والخلوية ومن أهمها أبحاث بول إرليخ صاحب نظرية تفاعل الأجسام مع الأجسام الأخرى المضادة والتي نال بسببها جائزة نوبل بالمشاركة مع إيليا ميتشنيكوف في عام 1908م.
أنواع المناعة
ينقسم الجهاز المناعي لدى الكائن الحي إلى نوعين رئيسيين مختلفين جوهرياً رغم أنهما يعملان معاً مترابطين وفق نظام منسق؛ حيث يتمكن جسم الكائن الحي من مواجهة مسببات الأمراض ومقاومتها من خلال خط الدفاع الأول وهو الجهاز المناعي، وسنتعرف فيما يلي على أنواع المناعة لنعرف بعد ذلك كيف يتم تقوية المناعة وكيف تضعف:
المناعة الفطرية
هي المناعة الطبيعية التي يولد بها الكائن الحي ويتوارثها من آبائه وأجداده خلال فترة تكوينه الجينية، وهذه المناعة تعمل بصورة تلقائية لمواجهة مسببات المرض دون أن يكون لها ذاكرة مناعية، وهذا النوع من المناعة يعمل وفق آليات مختلفة تتضمن:
- الموانع الجسدية والمكونات الكيميائية: وهي التي تعمل على منع أو تأخير دخول المرض أو مسببات الأمراض إلى الجسم مثل الجلد والأغشية المخاطية وماء العين وحموضة المعدة وسائل الأذن وغير ذلك.
- مواد بيوكيميائية سائلة: مثل أنزيم الليزيزيوم الذي يخترق طبقة البيبتيدوجليكان لجدار خلية الميكروب للقضاء عليه، وكذلك الأنترفيرون وهو أحد البروتينات التي تنتجها الخلايا الملتصقة في الجراثيم والتي تكون مستعدة لمقاومة الميكروبات، وكذلك من أسباب تقوية المناعة الفطرية قوة مجموعة بروتينات بلازما الدم التي يمكنها تحديد أسباب المرض والقضاء عليها.
- الخلايا البالعة: وهي التي تقوم ببلع وهضم الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض، وهي مثل البلعميات والخلايا المتعادلة وكذلك الخلايا اللمفاوية التي لها دور كبير في مقاومة الخلايا السرطانية وبعض الجراثيم الأخرى.
الالتهابات: وهو صورة من صور الرد المناعي لمقاومة مسببات الأمراض؛ حيث يتم توظيف عدد كبير من الخلايا والأجسام المناعية التي ترسل إلى موضع الإصابة لمنع انتشارها والحد من تأثيرها الضار.
المناعة المكتسبة
وهذا النوع من المناعة هو الذي يمكن أن يكتسبه الكائن الحي بعد التعرض أو الإصابة ببعض الميكروبات والبكتريا أو مسببات المرض، ويمكن تقوية المناعة في هذا النوع من خلال التحصينات أو التطعيمات، والجدير بالذكر أن المناعة المكتسبة تختلف من شخص لآخر حسب حصانته أو أسباب المرض التي تعرض لها، كما تتميز المناعة المكتسبة بقدرتها على تكوين ذاكرة مناعية لتسجيل مسببات المرض التي تعرض لها سابقا؛ وبالتالي يمكنها مقاومة مسببات الأمراض (الأنتيجين) من خلال استرجاع الذاكرة المناعية والقضاء عليه سريعا.
أهمية الجهاز المناعي
يعد الجهاز المناعي لدى الكائن الحي خط الدفاع الأول ضد مسببات المرض والمخاطر التي تهدد صحة الكائن الحي، كما أن تقوية المناعة تزيد من قوة الكائن الحي، وفيما يلي نوضح أهمية الجهاز المناعي بصفة عامة:
- يعمل بصورة سريعة على رصد التطورات التي تحدث في جسم الكائن الحي مع تحديد الخلايا الضارة أو التالفة التي تسبب المرض والقضاء عليها تماما.
- تحديد الأجسام الغريبة كالميكروبات والفطريات أو مسببات الأمراض التي تصيب جسم الإنسان ومقاومتها.
- إفراز بعض الأنزيمات القاتلة التي تقاوم الفيروسات وتحمي الجسم من الإصابة بالأمراض.
- إعداد مجموعة من الآليات الدفاعية لحماية الجسم من مخاطر الجراثيم بأنواعها المختلفة.
- تسجيل التاريخ المرضي للكائن الحي في الذاكرة المناعية والذي يتم تحفيزه واستثارته عند التعرض لأمراض مشابهة من أجل مقاومتها والقضاء عليها.
الأطعمة المفيدة في تقوية المناعة
تعمل التغذية السليمة بصورة مباشرة على تقوية الجهاز المناعي للكائن الحي بصفة عامة وللإنسان بصفة خاصة، وعلى النقيض من ذلك فإن سوء التغذية يؤثر بصورة سلبية على قوة الجهاز المناعي بل يمكن أن يهدد حياة الإنسان بالإصابة بأمراض مختلفة تؤثر على صحته، وفيما يلي عدة أنواع من الأطعمة التي تعمل على تقوية المناعة لدى الإنسان لتكون خط الدفاع الأول القوي لمقاومة مسببات المرض بأنواعها المختلفة:
1- الأطعمة التي تحتوي على فيتامين (A) أو مادة البيتاكاروتين: وذلك بسبب أهمية هذا الفيتامين في تقوية المناعة ومقاومة الأمراض بأشكالها المختلفة، ومن هذه الأطعمة ذات اللون البرتقالي: البطاطا والجزر والشمام والمشمش والمانجو والبرتقال وبعض الخضروات كالسبانخ واللفت والكرنب وغير ذلك.
2- الأطعمة التي تحتوي على السيلينيوم: وهو من المعادن التي تتواجد في المعادن بنسبة قليلة ولكن فوائده لتقوية المناعة لا يمكن إغفالها؛ فهو يعمل على تكوين الأنزيمات المضادة للأكسدة والتي يمكنها مقاومة العديد من الأمراض، ويتواجد هذا المعدن في كثير من الأطعمة من أهمها: الأرز والقمح والعدس والبصل والكرنب والسبانخ والخيار والجزر والكرفس والثوم وكثير من المكسرات كالفول السوداني والبندق والحمص والفستق، ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من الأطعمة يتميز باحتوائه على فيتامين (E) أيضا بما له من فوائد كثير لوقاية الجسم من الأمراض بالإضافة إلى تقوية المناعة .
3- الأطعمة التي تحتوي على فيتامين (E): كما سبق أن ذكرنا سالفاً أن هذا الفيتامين أو ما يسمى بألفا توكوفيرول يعمل على تقوية الجهاز المناعي لجسم الإنسان وحمايته من الإصابة بكثير من الأمراض، ويتواجد هذا الفيتامين بكثرة في الحبوب والبقوليات كالقمح والذرة والفول السوداني والفاصوليا وفول الصويا والقرطم وخاصة زيوتها النباتية، كما يتواجد في المكسرات بأنواعها كالبندق واللوز والفستق، وأيضا يوجد في عديد من الخضروات ذات اللون الأخضر الداكن.
4- الأطعمة التي تحتوي على الزنك: من المعلوم أن الزنك من المعادن الأساسية التي يحتاجها الجسم من أجل تقوية المناعة والمساعدة على النمو البدني السليم خاصة لدى الأطفال، ومن هذه الأطعمة المكسرات والقمح والزنجبيل وفول الصويا والسردين واللحوم الحمراء والكبدة وجنين القمح والمحار وبذور القرع والبطيخ والشكولاتة السوداء والفول السوداني ولحم الضأن.
5- الأطعمة الحمضية: حيث تحتوي هذه الطعمة على عدة فيتامينات من أهمها فيتامين (C) وكذلك معدن البوتاسيوم، وهذه الأطعمة لها دور كبير في تحسين صحة الخلايا وتقوية مناعة الجسم، ومن هذه الأطعمة البرتقال والفلفل الحار الأحمر والأخضر والليمون والبروكلي والقنبيط والأناناس والمانجو والكيوي والبابايا وغير ذلك.
6- الطعمة الغنية بالسيلينيوم: يعد السيلينيوم من المعادن الضرورية لجسم الإنسان؛ حيث يساعد في تنظيم التفاعلات الأنزيمية داخل خلايا الجسم مما يعمل على تقوية المناعة بصورة أساسية مع تطهير الجسم من السموم بالإضافة إلى أهميته لزيادة الخصوبة لدى الرجال مع تحسين صحة الحيوانات المنوية، وأيضا لا يمكن إغفال أهميته في علاج كثير من أمراض القلب والكبد، ومن أهم الأطعمة الغنية بالسيلينيوم الكافيار أو بيض السمك والمكسرات بأنواعها المختلفة وكذلك البذور والأرز البني والشكولاتة ذات الألوان الداكنة ومنتجات الألبان بأنواعها المختلفة واللحوم والأسماك والثوم.
7- الأطعمة الغنية بأوميجا3: يعد حمض أوميجا3 من الأحماض الأمينية التي تحافظ على صحة الخلايا مع التقليل من نسبة الكوليسترول في الدم بالإضافة إلى تقوية عضلات القلب وتنشيط الأوعية الدموية مع تقوية المناعة ضد الأمراض، ومن أهم الأطعمة الغنية بأوميجا3 الأسماك بأنواعها المختلفة والمكسرات التي تعتبر مصدرا هاما للألياف والمعادن والبروتينات، وكذلك الزيوت النباتية كزيت الزيتون وبذر اللفت وبذور الكتان وبذور اليقطين.
8- العسل الأبيض: مما لا شك فيه أن العسل البيض يعد صيدلية متكاملة لما له من فوائد جمة في علاج كثير من الأمراض ومشاكل الجلد؛ حيث يعمل كمضاد للالتهابات ومقاومة نزلات البرد وتقوية مناعة الجسم وتزويده بكثير من العناصر الغذائية المفيدة ومحاربة العدوى والقضاء على البكتريا والفطريات الضارة بجسم الإنسان، ولضمان أقصى استفادة من العسل يمكن تناول ملعقة كبيرة من العسل على كوب من الماء الدافئ، وإذا أضيف إليه قليل من عصير الليمون يحمي الجسم ويعالجه من أمراض البرد والإنفلونزا.
9- الطماطم: تعتبر الطماطم أو البندورة من الأطعمة الغنية بالعديد من الفيتامينات وخاصة مادة بليكوسين التي لها دور أساسي في تقوية المناعة ومقاومة الأمراض السرطانية وقتل مسبباتها.
10- الشاي: يعد الشاي سواء كان الأخضر منه أو الأحمر من المشروبات التي إذا واظب عليها الإنسان ساعدت على تقوية الجهاز المناعي لديه؛ وذلك لأن الشاي يحتوي على مواد مضادة للأكسدة بالإضافة إلى قدرته على حفظ رطوبة الجسم.
11- التفاح: يعتبر التفاح من الأغذية المضادة للأكسدة والمفيدة في تقوية المناعة ومحاربة الكثير من الأمراض، وقد قيل عنه قديما أن تناول تفاحة واحدة يوميا تغني عن الذهاب إلى الأطباء، كما يشير الأطباء إلى أهمية التفاح في القضاء على القلق الذي يعد من الأسباب الخطيرة التي تعمل على التقليل من مستوى مناعة الجسم.
لقد أثبت خبراء التغذية أن التغذية السليمة تعمل على تقوية المناعة لدى الإنسان مع الحفاظ على النمو السليم للجسم؛ وبالتالي يحفظ الجسم توازنه ويتمكن من مقاومة الأمراض وتدمير الفيروسات والبكتريا وغيرها من مسببات المرض، وعلى العكس فإن سوء التغذية يضعف قوة الجسم ويقلل من قدرة الجهاز المناعي في مقاومة الأمراض وحماية الجسم، وقد فصّلنا هذا المقال نبذة عن تاريخ علم المناعة وأنواعها وأهمية الجهاز المناعي وكذلك أهم الأطعمة المفيدة في تقوية المناعة.
أضف تعليق