كثيراً ما تتردد على مسامعنا، ويستخدمها صناع السينما كحل سحري لألغاز التنصت وإبراز حبكة مثيرة ومشوقة، ونرددها على ألساننا كمزحة يوصف بها الشخص الذي يحب استطلاع الأمور ومولع بنقل الأخبار الجديدة أولاً بأول. لكن لم يخطر ببالنا يوماً ما أن نتفهم كيف تعمل؟ وما هو نوع التكنولوجيا المتطورة إلى ذلك الحد لتستخدم فيها؟ وما هي الاستخدامات الفعلية التي تخدم بها الحضارة البشرية؟ إنها الأقمار الصناعية التي يرسلها الإنسان لتغزو الفضاء منذ سنوات عدة.
قديما قال سقراط (على الإنسان أن يترك سطح الأرض ويرتفع إلى قمة السماء؛ لأن تلك هي الطريقة الوحيدة ليتفهم نمط العالم الذي يعيش فيه) وكان ذلك سابقاً لغزو الفضاء بقرون عديدة، ورغم أن سقراط لم ينجح في تنفيذ ما استنتجه إلا أنه أبصر أعين الكثير من الناس على بصيص من الضوء ينبغي عليهم تتبعه رويداً رويداً حتى تمكن الإنسان يوماً ما من إرسال الأقمار الصناعية من كوكب الأرض إلى الفضاء ليستكشف ماهية الحياة هناك.
تعرف على كل ما يخص الأقمار الصناعية
ما هي الأقمار الصناعية؟
كلمة القمر الصناعي هي كلمة تطلق على أي شيء من صنع البشر يتحرك في خط ثابت حول كوكب ما؛ والخط الثابت المقرر لسير الأقمار الصناعية يعرف بالمدار والذي غالباً ما يتخذ الشكل الدائري؛ ويرجع ذلك إلى اكتشاف نيوتن- الجاذبية- والتي لولا وجودها لظلت الأقمار الصناعية تسير بنفس السرعة وفي نفس الاتجاه دون تغييره حتى تبتعد ملايين السنوات الضوئية عن كوكب الأرض.
وبما أن كلمة الأقمار تعني أي جسم يتحرك في مدار ثابت حول كوكب ما؛ فمن الطبيعي أنتقسم الأقمار ما بين طبيعية وصناعية، وتبلغ أعداد الأقمار الطبيعية مئات الأقمار التي اكتشفها رواد الفضاء فعلى سبيل المثال يوجد حول كوكب المشترى ما يقرب من السبعين قمراً وبالتأكيد مازال هناك الكثير لم يكتشفوا بعد.
أول الأقمار الصناعية
ربما وضع العالم إسحاق نيوتن الأفكار الأولى في مبدأ عمل الأقمار الصناعية، ولكن الأمة البشرية قد استغرقت سنوات طوال حتى تمكنت من تنفيذ مثل تلك الأفكار على أرض الواقع، في عام 1945 زعم كاتب الخيال العلمي آرثر كلارك بأنه في المستقبل القريب ستشهد الأرض وجود أجسام ميكانيكية العمل تدور حولها في مدار ثابت بنفس سرعة واتجاه دوران الأرض حول نفسها، ولكن لم تلقى تلك الأفكار رواجاً كبيراً بين متابعي الكاتب حتى عام 1957 وبالتحديد في اليوم الرابع من شهر أكتوبر وهو التاريخ الذي أعلن فيه الاتحاد السوفيتي إطلاقه لأول الأقمار الصناعية على مدار التاريخ (سبوتنيك 1) الذي صنع خصيصاً ليدور في فلك ثابت حول الأرض، كان سبوتنيك 1 عبارة عن كرة معدنية صغيرة لا يتعدى وزنها 83 كيلوغراماً وبالرغم من أن مقومات ذلك القمر ليست كافية بالمقاييس العلمية في يومنا هذا إلا أنه وبلا شك من أهم الإنجازات على الإطلاق.
ماذا يوجد بداخل الأقمار الصناعية؟
تتوافر الأقمار الصناعية بأشكال وأحجام مختلفة ومتنوعة ولها القدرة على القيام بوظائف عديدة، ولكن مهما اختلفت الأقمار الصناعية في الشكل أو الحجم أو الوظيفة المطلوبة ستتفق جميعها في تواجد الأشياء التالية بداخلها:
- جسم معدني قوي يعمل على جمع كافة أجزاء القمر الصناعي سوياً وبقوة كافية لتحمل إطلاق القمر في الفضاء واصطدامه بأي جسيمات غريبة.
- مصدر للطاقة وبطاريات لتخزينها، وكذلك ألواح الطاقة الشمسية التي تعمل على إعادة شحن البطاريات؛ فكافة الأقمار الصناعية المصنعة مؤخراً تعتمد بشكل رئيسي على الطاقة المتجددة. تعمل محطة الفضاء الموجودة على الأرض على مراقبة استهلاك الطاقة في القمر الصناعي وكذلك عمليات إعادة الشحن كلها تترجم إلى بيانات تنتقل للوحدة الرئيسية.
- جهاز كمبيوتر مجهز لمراقبة والتحكم في الأنظمة المختلفة والأجهزة الموجودة على القمر وكذلك لضمان ثبات مدار القمر حول الكوكب.
- نظام الاتصال اللاسلكي الذي يمكن طاقم متابعة القمر على الأرض من تسجيل أي رسائل صوتية يرغبونها وكذلك من استخدام خاصية التحكم الصوتي وبصمة الصوت لتغيير إعدادات الكمبيوتر إذا جد جديد.
- وضع كافة المكونات السابقة ليس سهلاً على الإطلاق ويستغرق مدة طويلة قد تصل إلى عدة سنوات من العمل المتواصل، وتبدأ أول خطوة بتحديد الهدف الرئيسي من إطلاق هذا القمر ثم ترجمة الأهداف إلى الآلات التي يجب توافرها على متنه حتى يعمل المهندسون على خلق طريقة لوضعهم معاً داخل القمر الصناعي، بمجرد التوصل للطريقة المثلى تبدأ على الفور عملية إنشاء القمر في غرفة مغلقة نظيفة ومعقمة ويمكن التحكم بدرجة حرارتها ومستوى الرطوبة بداخلها مما يساعد على حماية القمر أثناء عملية التصنيع والاختبار.
إطلاق الأقمار الصناعية
تنطلق جميع الأقمار الصناعية في يومنا هذا إلى الفضاء عبر صواريخ معدة مسبقاً، ومنها ما يوضع بشكل متطفل على مكوك فضائي ليأخذه في طريقه للخارج، ولا يمثل حمل القمر عبئاً على الصاروخ مهما بلغ وزنه وذلك لقدرة الصواريخ العالية على حمل الأوزان الثقيلة. تتم عملية إطلاق الصاروخ بشكل مستقيم في الاتجاه الرأسي لمسافة طويلة بشكل كافي حتى تمكنه من اختراق طبقات الغلاف الجوي للأرض بأقل استهلاك ممكن للوقود.
كيف تدور الأقمار الصناعية حول الأرض؟
يجب أن ينطلق الصاروخ بسرعة تصل إلى 40 ألف كيلومتراً في الساعة حتى يتمكن من الإفلات من نطاق الجاذبية الأرضية والتحليق في الفضاء الخارجي، أما سرعة دوران الأقمار الصناعية في مدارها الثابت حول الأرض فلا يجب أن تصل إلى هذا الحد؛ فالمطلوب لضمان ثبات القمر في مداره ليس أن يهرب من الجاذبية الأرضية بل أن يشكل القمر الصناعي من خلال سرعة دورانه قوة موازية لقوة الجاذبية الأرضية تضمن ثباته في محوره والتي تقدر ب27 ألف كيلومتراً في الساعة على ارتفاع يبلغ 240 كيلومتراً عن سطح الأرض. فلو تخيلنا بأن سرعة القمر الصناعي زادت عن المعتاد فهذا يعني انجرافه وتغيير مساره ليبتعد عن الأرض ويحيد عن مداره الثابت، وعلى النقيض إذا قلت سرعته عن المعدل المطلوب سيندفع القمر الصناعي بتأثير الجاذبية الأرضية ليدخل المجال الجوي لها ويصطدم بسطح الأرض.
أنواع الأقمار الصناعية
على سطح الأرض ومن منظرونا الشخصي تبدو كافة الأقمار الصناعية متشابهة إلى حد كبير، ولكن في الفضاء الخارجي تختلف الأقمار الصناعية في الدور الذي تؤديه تبعاً لمسار رحلتها وارتفاعها ووجهتها الخاصة؛ فيمكن تصنيف الأقمار الصناعية إلى عدة أنواع بناء على المسار: فهناك الأقمار التي تدور في فلك دائري وأخرى تتخذ مداراً بيضاوياً حول الكوكب المراد وهناك الأقمار الثابتة التي لا تتحرك مطلقاً ولكن تتغير زاوية رؤيتها دوماً بسبب دوران الكوكب الذي تستهدفه حول نفسه.
كما يمكن تقسيم الأقمار الصناعية تبعاً للوظيفة التي تقوم بها؛ فهناك الأقمار المسئولة عن تصوير أسطح الكواكب أو رسم خرائط مفصلة للأرض من الأعلى وهناك الأقمار التي ترسل للخارج لتستخدم في عمليات التنبؤ بالطقس وهناك الأقمار التي تعمل في مجال الاتصالات وغيرها الكثير والكثير من الوظائف.
عيوب الأقمار الصناعية
ولكل شيء على وجه الحياة ميزة وعيب، وعلى قدر ما تمتلك الأقمار الصناعية من مزايا إلا أن عيوبها تتمثل في وجود خطر جسيم على كوكب الأرض متمثلاً في أن الأقمار الصناعية تترك خلفها الكثير والكثير من الأجسام الفضائية التي تسير بلا هوية ومعرضة في أي وقت لأن تدخل المجال الجوي للأرض وتصطدم بسطحها.
أضف تعليق