التفكر في مستقبل التكنولوجيا يوصلنا إلى أفكار شديدة الغرابة والتطرف، من كان يتوقع التكنولوجيا التي نحن فيها اليوم منذ مئة سنة مضت. لقد سمعت رجلاً عجوزاً في يوماً ما قال أنه تمنى وهو صغير لو أنه يحمل هاتف معه وهو سير في الطريق حتى يستطيع مهاتفة زوجته لأنه دائماً كان ينسى ما تريد هي منه أن يجلبه، ولكن لا يوجد سلك طويل يكفي لحمل الهاتف معه إلى الشارع. كانت تلك مجرد أمنية لرجل بسيط ولكنها تحققت حين اخترعوا الهاتف المحمول. كذلك نحن اليوم نحلم فقط بأشياء تحقق في مستقبل التكنولوجيا ولكنها قد تكون قريبة أكثر مما نتخيل. في مقالي هذا سأطلق العنان لأفكاري حتى أتصور ما ستكون عليه التكنولوجيا في المستقبل، وأفكاري مبنية على نظريات علمية جديدة سمعتها أو من أحاديث مصممي الأجهزة والبرامج، فلماذا لا تشاركني عزيزي القارئ!
كيف ستكون التكنولوجيا في المستقبل ؟
الاتصالات مع مستقبل التكنولوجيا
على مر التاريخ تطورت الاتصالات بين البشر من مجرد حمام زاجل إلى تلغراف مورس ومن ثم الهاتف السلكي وأخيراً وصلنا إلى الهاتف المحمول اللاسلكي ومازال الأمر يتطور في استخدامات الهاتف بعد دخول الإنترنت، لزيادة السرعة والجودة. ولكن السؤال هل سيظل الأمر كما هو عليه؟ بالطبع لا فكما تقدم العلم يوماً من استخدام الحمام إلى استخدام علبة تحتوي على أسلاك معقدة، كذلك ستستطيع البشرية أن تطور الأمر إلى جعله ثلاثي الأبعاد. في الحقيقة هذا ليس مجرد تخيل أفراد أو مشاهد سينمائية تشويقية بل هو بالفعل موجود، ويسمى هذا الجهاز “بالهولوغرام”. هذا الجهاز يعطي المستقبِل والمُرَاسل فرصة لرؤية بعضهم البعض ليس فقط على شاشة مسطحة مثل البرامج العادية، بل كاملين في تجسيد فراغي ثلاثي الأبعاد، بحيث يصبح الشخص الذي تكلمه أمامك واقف بغرفتك ينظر لك وجهاً لوجه، وترى كل تحركاته وهو كذلك أيضاً، والفرق الوحيد بين الحقيقي والخيال هو أنك لن تستطيع أن تلمسه. إن كان هذا الشخص ينوي أن يرمي شيئاً عليك لأنه غضب منك، فهذا الشيء سيأتي عليك بالفعل ولكنه وهمي، وبالتالي أي شيء يقف أمام مدى الكاميرا التي تلتقط المكالمة ستظهر لك أنت، وبالطبع هذا ينطبق عليك أنت أيضاً بالنسبة له.
أما لو حاولت أتخيل ما هو مستقبل التكنولوجيا في الاتصالات إلى ما أبعد من ذلك، فيمكنني أن أرى بوضوح إمكانية انتقال بعض الأشياء لتعطي للطرفين إحساس أوقع ببيئة الطرف الثاني، فعلى سبيل المثال سيكون بالأجهزة إمكانية إرسال رائحة المكان حتى يشعر الطرف الأخر بواقع المكان الذي يتحدث منه الطرف الأخر، من خلال ترجمة الحاسب الذكي لكيميائية الرائحة المنبعثة من الأشياء. الخلاصة في قولي أن الاتصالات في المستقبل ستصبح قادرة على أن تجعلك تعيش بيئة الطرف الأخر بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فتسطيع أن تعيش معه طالما يتوفر معك الإنترنت السريع والكافي لإتمام المكالمة وهذا هو فكرة وجود اتصالات من الأساس “التواصل”.
مستقبل التكنولوجيا في الحاسوب
لو أننا أرسلنا حاسوب أو حتى شاشة تلفاز إلى البشر الذين عاشوا منذ ألف عام فأعتقد أنهم سيحرقون المرسل حياً بتهمة الشعوذة والسحر الأسود، أما الآن من لا يملك تلفاز أو حاسوب فهو إما فقير أو جاهل. أول حاسوب تم صنعه كان بحجم غرفة كبيرة ولا يؤدي أي مهام كبيرة من ثم صغر حجمه مع الوقت حتى جاء ستيف جوبز الذي حلم بالحاسب المحمول وحلمه تحول لحقيقة بين أيدي رجال وشباب العالم كله. إذاً لو أننا تتبعنا ذلك الخط من التقدم المستمر سنجد أنه يتجه نحو الأحجام الأصغر والإمكانيات الأكبر، فهل نستطيع القول أن يوماً ما سيستطيع الإنسان حمل حاسوب كامل على أنه مجرد قلم في جيبه؟ أعتقد أن الإجابة نعم، التقنيات الحديثة الجديدة اليوم تعطينا رؤية عن مستقبل التكنولوجيا في الغد، فتقنية ثلاثي الأبعاد الفراغية تعطي تخيل على أن التعامل مع الحاسب سيكون في الهواء بضوء صادر من مصدر صغير في حجم القلم، وتقنية شاشة اللمس تؤكد لنا أن الإنسان سيستطيع بضغطه على نقط معينة بذلك الجسيم الضوئي الصادر من القلم سيفهم الحاسب الأمر وينفذه. مما سيعطي للمستخدم رؤية أفضل وتحكم أسهل ونقاء أعلى في الصوت.
مستقبل التكنولوجيا وتأثيرها على المواصلات
قد تسألني عزيزي القارئ عن علاقة التكنولوجيا بالمواصلات، فهذا موضوع وذاك واحداً أخر! ولكني بالطبع أقول لك أن الاثنين بينهم علاقة وثيقة. فحين تم اختراع السيارات والقطارات والسفن الضخمة وغيرهم من وسائل النقل، لم تكن للتكنولوجيا دخل بهم، وهذه حقيقة ولكن الآن الوضع اختلف، فكل شيء مرتبط بالحاسب وبالشبكة العنكبوتية التي توصل بينهم جميعاً، ولم يعد شيء خارج عن نطاق التحكم التكنولوجي. فلو تصورنا ماذا سيكون تأثير مستقبل التكنولوجيا على المواصلات، سنرى أنها ستجعلها أسرع وأكثر أماناً. على سبيل المثال: القطار الياباني الطائر، وهو قطار توصل له العلماء بعد دراسة الفيزياء الحديثة واستخدام التكنولوجيا، وهو طائر لأنه لا يسير على القضبان مثل الباقي، فهو يرتفع عدة سنتيمترات قليلة عن القضبان بفعل التنافر بين القضبان والمواد المصنوع منها قاعدة القطار بعد مرور الكهرباء بالتحكم في الحاسوب، فبتقليل الاحتكاك بين القطار والقضبان يجعل القطار يسير بسرعة عالية أكثر من أي قطار مهما كانت قوة محركاته، حتى إن الركاب لن يستطيعون الوقوف والتحرك كما يفعل الركاب في القطار العادي. إذاً لو تخيلنا أن السيارات ستكون طائرة في المستقبل فسنحتاج إلى تنظيم مروري في الجو أيضاً، وذلك سيتم بواسطة التكنولوجيا التي ببساطة سيكون لديها مجسات لتحديد أماكن السيارات الأخرى والبيوت والطرق المسموح بالطيران فيها، باختصار أي تخيل في تقدم وسائل النقل يحتاج لتكنولوجيا تديره.
أنا في اعتقادي أن القيادة الآدمية ستصبح في طي النسيان بعد مئة أو مئتي عام من الآن، ففي هذه الأيام توجد السيارات التي تستطيع أن تركن بمفرده بجانب الرصيف وتوازن نفسها لوحدها بين السيارات الأخرى، فلما لا نتخيل أن السيارات والقطارات والطائرات وحتى السفن ستعمل بمفردها في كل شيء بالذكاء الصناعي والتوجيه المسبق للطريق، فذلك سيقلل الحوادث الناتجة عن أخطاء البشر بالغالب، وسيكون الطرق غير مزدحمة والحركة سريعة لأن الطرق الممتلئة والتوقف المستمر للسيارات هو سر الازدحام اليومي في ساعات الذروة، فلو كان الذكاء الصناعي المتصل بكل السيارات على الطريق هو من يتحكم في التحرك فلن توجد أعطال ولا توقفات ولا تكدس في أماكن معينة رئيسية.
مستقبل التكنولوجيا داخل المنازل
لا يوجد منزل عربي واحد لا يوجد فيه جهاز تكنولوجي حديث على الأقل، فنحن اليوم نستغل الأجهزة لراحتنا كلما كان متاحاً. أما المستقبل فيختلف لأن المنازل لن تحتوي على أجهزة فقط بل كلها ستعمل بالتكنولوجيا بكل صغيرة وكبيرة. الأمر في الحقيقة غير بعيد عن الواقع أبداً، لأن بعض البيوت الحديثة تصمم بطريقة تجعلك تتحكم بكل شيء عن بعد باستخدام هاتفك أو جهازك اللوحي من خلال برامج معينة. فتستطيع إضاءة أو إغلاق الأنوار وأنت خارج المنزل، وكذلك تستطيع المرأة أن تشعل الغسالة أو البوتاجاز طالما أنها تركتهم جاهزين على العمل وهكذا. فإن قلنا أن التكنولوجيا ستتحكم بكل كبيرة وصغيرة في حياتنا اليومية العادية في منازلنا فنحن لا نبالغ، وكل شيء سابق البرمجة، متى تستيقظ ومتى تنام ومتى تستحم، كل شيء، حتى إن مدبرة المنزل الآلية تستطيع أن تنبه الأم على الطبخ واستيقاظ الأطفال وكل تلك التفاصيل الصغيرة.
مستقبل التكنولوجيا في مستشفياتنا
يا تُرى من الأدق، الإنسان أم الآلة؟ بالطبع الآلة خاصة لو تعلق الأمر بالعمليات الدقيقة في الدماغ البشري التي يكون فيها الملي متر الواحد يفرق بين الحياة والموت، ولكنك قد تقول أن الآلة أولاً وأخيراً تنفذ ما تم برمجتها على فعله ولن تستطيع التدخل في الظروف الصعبة في الطوارئ فتفضل بذلك الطبيب البشري ولو كانت دقته أقل. أما لو جمعنا بين الاثنين فسيصير الاختيار سهل جداً، وكذلك ما يحاول المبرمجين والتقنيين أن يفعلوه، بأن يدمجوا الطب والتكنولوجيا لصالح صحة الإنسان. ورغم أن اليوم لدينا الأجهزة الطبية التي توفر مثل ذلك الحلم إلا أننا لم نصل بعد للمستوى المطلوب في عمليات الجراحة. أما بالنسبة للاختبارات المعملية لمساعدة الطبيب في التوصل للتشخيص الحقيقي للمريض فالتكنولوجيا قطعت شوط كبير فيه، ويتخيل الأطباء جنباً إلى جنب مع مجانين التكنولوجيا أن العلم سيكون قادراً على صنع جهاز يفحص الإنسان بدقة تامة لمعرفة العلة بل وإصلاحها إذا كانت بسيطة. الجهاز سيكون عبارة عن مجسات معينة تدور حول كامل الجسم لفحصه وحين ترى شيئاً غير صحيح تظهره.
نوع أخر من تداخل مستقبل التكنولوجيا في صحتنا اليومية ما تم بالفعل اختراعه في اليابان وهو “المرحاض الذكي” وهذا المرحاض يقفل ويفتح كلما اقترب الإنسان منه، وينظف نفسه ألياً بعد الانتهاء لضمان التخلص التام من الجراثيم. بل والأكثر فهذا المرحاض هو دليلك الأكيد على صحتك، لأنه مسبق البرمجة على العديد من الفحوصات الطبية والنسب الطبيعية مثل السكر والأملاح المختلفة وخلو البول والبراز من الدم والكشف عن أنواع الطفيليات وغيرها من الأمور الطبية التي تحتاج إلى بول أو براز للكشف عنها (والمجالات واسعة جداً التي تحتاج إلى بول أو براز)، فإن في كل مرة يحلل العينات التي يأخذها منك ويعطيك النتائج أو يحذرك إذا رأي شيء، حتى إنه يحسب الوقت بين كل مرة تدخل فيها الحمام فإن تأخرت بشكل غير طبيعي أو زادت عدد المرات يدل ذلك أيضاً على وجود خطأ ما فيحذرك لتذهب لطبيبك. وبذلك هو مثل الطبيب الذي يراعاك أربع وعشرين ساعة باليوم على مدار الأسبوع. هنا نبدأ برؤية مستقبل التكنولوجيا في الرعاية الصحية اليومية، ويمكننا أن نتخيل تلك المراحيض بأكثر كفاءة وعملية منتشرة في كل حمامات المنازل في العالم.
مستقبل التكنولوجيا في الفن
كما كانت أفلام الكارتون يوماً ما تحتاج أن ترسم من ثم تعرض بحركة سريعة حتى ينتج لك ذلك المشهد الصغير الذي تراه، ومن ثم تقدم الأمر للوصول إلى الأفلام الأنيميشن الحديثة اليوم، كذلك حال باقي الفنون. من كان يتوقع أنه سيستطيع أن يدخل السينما ويلبس نظارة ليرى بها شخصيات الفيلم كأنها تقترب منه مع تقنية “الثري دي”؟ فتستطيع أن تجزم أن تدخل التكنولوجيا في مختلف أنواع الفنون أمر لا جدال فيه، ومتطلبات الجماهير اليوم أن يوم الفيلم ذو مؤثرات سمعية ومرئية عالية وإلا فهو لن ينجح، فلم تعد مشاهد الماضي تؤثر في الجماهير ويروها على أنها تفاهة وعمل غير متقن. اليوم يستطيع المخرج أن يعطيك فيلماً كاملاً في الجبال المثلجة وهو في داخل الاستوديو الدافئ الخاص به. وهذا هو مستقبل التكنولوجيا في الفن “الخداع البصري الأكثر إتقاناً ومهارة”.
الخلاصة عزيزي القارئ أن التكنولوجيا تسيطر على حياتنا بالفعل وتزيد هذه السيطرة يوماً بعد يوم، فلن يوجد فنان أو عالم أو طبيب أو حتى إنسان عادي من سيستطيع عيش حياته بعيداً عن التكنولوجيا وأجهزتها واستخداماتها المتنوعة في الحياة اليومية، بل وأدائها المهام العادية بدلاً عن الإنسان في أغلب مهام حياته. ذلك هو مستقبل التكنولوجيا الحقيقي في كلمة واحدة “السيطرة”.