البلدان النامية مصطلح يتردد كثيرا في الفقرات الإعلامية والبرامج التلفزيونية وعناوين المجلات ومانشتات الصحف، كما يتم تداوله في أحاديث المثقفين ورجال السياسة والاقتصاد والاجتماع. ولكن ما كل هذه الأهمية التي لهذا المصطلح والتي تجعل منه موضوعا يدور على كل هذه المنافذ الإعلامية والثقافية؟ وهل البلدان النامية نامية حقا؟ وهل تعد الدول العربية دولا نامية؟ ولماذا تسمى البلدان النامية بهذا الاسم؟ كل هذه تساؤلات سنعرض لها في مقالنا محاولين الإجابة عنها بقدر واف من المعلومات.
البلدان النامية : كيف نشأ الاسم وهل هو معبر فعلاً عن حالة هذه الدول ؟
المعيار الذي يصنف البلدان النامية
لا يوجد اصطلاح بين المؤسسات الدولية على معيار ثابت يتم بموجبه تصنيف بلد بعينه بأنه بلد نامٍ، فبعض المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي مثلا، يأخذ من نصيب الفرد من الدخل بالإضافة إلى درجة الاندماج داخل المنظومة المالية العالمية، وكذا الحال مستوى التنوع في الصادرات، يأخذ الصندوق من كل ذلك معيارا لتصنيف الدول بين متقدم و وأقل تقدما ونام. ومؤسسة أخرى مثل البنك الدولي تتخذ من الدخل القومي الإجمالي للفرد مقياسا للتمييز بين البلدان. ولكن السمة الجامعة التي تميز البلدان النامية عن غيرها من البدان هي أنها تتسم بمستوى معيشة ذو معيار منخفض، كما أن القاعدة الصناعية لديها تتميز بأنها قاعدة متخلفة مقارنة مع نظريتها في الدول المتقدمة، كما تحتل هذه البلدان مستوى منخفض في معدلات التنمية البشرية بالمقارنة مع الدول المتقدمة. لكن المؤشرات أظهرت منذ أواخر تسعينات القرن العشرين أن البلدان النامية بدأت في تحقيق معدلات أعلى في النمو من البلدان المتقدمة. وتعد أشهر البلدان النامية هي: روسيا، الصين، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا. وهي البلدان ذات النمو الاقتصادي الأسرع على مستوى العالم.
كيف تتفوق الدول النامية على الدول المتقدمة في معدل النمو ؟
من الأمور اللافتة للنظر هي أن البلدان النامية (النامية بالمعنى الحقيقي للكلمة) تحقق معدلات أعلى في النمو من البلدان المتقدمة، ولكن كيف يحدث هذا مع عدم اتساق هذه القفزة مع مسماها بأنها بلدانا نامية؟! والإجابة على هذا الأمر بسيطة، ولنتخذ تشبيها بسيارتين تتحركان، إحداهما تتحرك بسرعة تقارب أقصى سرعة لها والأخرى تتحرك ببطء، ولتكن البلدان المتقدمة هي السيارة المسرعة والبلدان النامية هي السيارة البطيئة، فباعتبار قوانين الحركة فإن السيارة المسرعة إذا أرادت أن تتحرك بسرعة أكبر مما هي عليه فإن معدل الزيادة في سرعتها يكون منخفض، لأنها بالأساس مقاربة لسرعتها القصوى، أما السيارة البطيئة فإنها إن أرادت أن تزيد من سرعتها فإنها تفعل ذلك بسهولة ويسر، وبمعدل عال في الزيادة في السرعة. والأمر الدقيق هنا والذي ينبغي التمييز فيه لئلا يحدث لبس في الفهم هو التفرقة بين السرعة ومعدل الزيادة في السرعة؛ فلا شك أن البلدان المتقدمة أعلى في مستوى نموها الاقتصادي وإلا لصارت البلدان النامية بلدانا متقدمة على الفور، ولكن البلدان النامية هي الأعلى في معدل الزيادة في النمو، فهي ما زالت تنحو نحو التقدم والنماء الذي عليه بالأساس الدول المتقدمة.
لماذا يطلق على البلدان النامية هذا الاسم؟
كان الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان أول من أطلق مصطلح “البلدان النامية”، وكان ذلك عام 1949م، إذ ناشد المجتمع الدولي أن يساعد هذه البلدان على الخروج من تخلفها وفقرها، فانحدر من العلوم السياسية والاقتصادية فرعا جديدا سمي باقتصاد التنمية. من ناحية أخرى، فإن تسمية هذه البلدان بالبلدان النامية لهي تسمية مهذبة وخلوقة للبلدان المتخلفة. إذ أن المدلول الأول لهذا الاسم هو بلدان العالم الثالث، والتي لا تنتمي إلى بلدان العالمين الأول والثاني، اللذان يتميزان باقتصاد متقدم بالإضافة إلى ارتفاع شديد في مؤشرات التنمية البشرية، كما يتمتعان بقاعدة صناعية ذات تكنولوجيا عالية وتركيب مهني متنوع في النشاط الاقتصادي. فعلى العكس من ذلك تكون البلدان المسماة “نامية” ذات المستويات الدنيا في التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية، وبالتالي المستوى المعيشي المنخفض، ويكون فيها معدل النمو السكاني سريع بحيث لا يتزن مع درجة التقدم الاقتصادي، كما تتميز هذه الدول بقاعدة صناعية متخلفة وفقر في تنوع التركيب المهني داخل النشاط الاقتصادي.
هل البلدان العربية بلدانا نامية؟
يقولون على الدول العربية أنها بلدانا نامية، ويقولون أيضا على بلدان مثل روسيا أو البرازيل أو الصين أو الهند بلدانا نامية أيضا، أليس ذلك أمر يدعو للاستغراب والدهشة؟ نعم، هو كذلك، لكنها أزمة استخدام اللغة، والتي تحيل العقل إلى لبس كثير في الدلالات. فكما أسلفنا القول، فإن مصطلح البلدان النامية أطلق أول الأمر ليدل على البلدان الفقيرة المتخلفة والتي تعتمد قاعدتها الصناعية على الأدوات البدائية والحرف اليدوية، ولكن مع تطور وازدهار بعض البلدان كالبلدان التي تحدثنا عنها (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا)، ومع نمو معدلات الاقتصاد لديها، استحقت عن جدارة أن تسمى دولا نامية نظرا لنمو معدلات الاقتصاد والتعليم لديها، فهي تمر بمرحلة انتقالية بين حدين أحدهما يمثل الفقر والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والعلمي، والآخر يمثل التقدم والازدهار في جميع المجالات السابقة، وهي تنحو من الطرف الأول إلى الطرف الثاني.
أما البلدان العربية فهي قابعة مكانها لا تتحرك من طرف الفقر والجهل والتخلف إلى طرف التقدم والازدهار المنشودين، وإنما هي قابعة في مكانها لا تبرحه منذ أن أطلق مصطلح البلدان النامية عام 1949م، إلا أنها تتقدم تقدم ظاهري يعتمد على الاستيراد والاستهلاك للأدوات التكنولوجية، لكن القاعدة العلمية غائبة تماما عن هذه البلدان. وهي لا تزال تعاني مما كانت تعاني منه في منتصف القرن الماضي من فقر وأمية وتخلف في كل القطاعات من صناعة إلى صحة إلى تعليم إلى بنية اقتصادية واجتماعية.
أما بالنسبة للدول النفطية فهي في حال أفضل بفضل ما تجود به الموارد الطبعية فيها من نفط وغاز وخلافه، والذي يجعل من معدلات النمو الاقتصادي لديها مرتفع وكذا الحال متوسط الدخل القومي للفرد فيها مرتفع أيضا، ومن الأمور اللافتة أن دول الخليج العربي تستشعر ظلما من إدراجها ضمن البلدان النامية أو دول العالم الثالث، باعتبار أنها تحقق معدلات نمو اقتصادي مرتفع، فإنه من الإجحاف مساواتها مع الدول النامية الفقيرة، كما تشير إلى أن بعضا من بلدان العالم المتقدم تستغل هذه التسميات لتضغط على البلدان الأدنى تصنيفا، والاستفادة منها في أن تصدر لها برامج العلم والتكنولوجيا، و أن تسوق لها الكثير من الصناعات والمنتجات بأسعار باهظة بدعوى أنها تعمل على رفع تصنيف هذه البلدان من البلدان النامية إلى بلدان متقدمة. من كل ما سبق فإن البلدان النامية هي البلدان التي تمر بفترة ومرحلة انتقالية، من وضع متدن إلى وضع متقدم، فإن لم تبرح موضعها التي هي عليه إلى وضع أرقى انتفت عنها صفة النمو، ومن ثم كان تسميتها بالبلدان النامية تسمية خاطئة.
كلمة أخيرة
كما رأينا فإن مصطلح البلدان النامية يثير لبسا في الذهن ويفهم دوما على نحو خاطئ. وإذا أردنا أن نضع مسمى دقيقا لا يراعي ذوقا لعالمنا العربي فلن يكون مسمى البلدان النامية مناسبا، وإنما البلدان المتخلفة. والتحجج بأن أصابعا خفية تعمل على إبقائنا على ما نحن فيه من فقر وجهل وتخلف هو ادعاء أجوف، بل هو من الطبيعي والمنطقي أن يعمل كل بلد واع بما يناسب مصالحه ومصالح أفراده، فلا يعيب الدول الرأسمالية أن تعمل لما يناسب مصالحها وسياستها، وإنما العيب يكمن في تقاعس البلدان العربية عن الأخذ بناصية المبادرة للنهوض والارتقاء وعدم انتظار العون ممن تزعم أنهم سبب نكستها. وليس أدل على ما نقول من البلدان النامية بحق والتي نهضت من تلقاء نفسها دونما لجوء لأي من القوى الخارجية وأي ادعاء في ذات الآن أن هذه الدول تعمل على عرقلتها.
فالحل الأمثل لأن نمر بالمرحلة الانتقالية التي يمر بها كل بلد أراد التقدم هو الاعتماد على النفس، ونبذ الحجج الواهية وتضخيم نظريات المؤامرة التي باتت التعلة التي يتعلل بها كل من هب ودب، ضاربا بعرض الحائط البرامج الإصلاحية القائمة على المنهج العلمي في التناول والتي هي عماد النهوض ومحرك التقدم.
أضف تعليق