تعريف العنصرية ببساطة شديدة هو اتخاذ لون الإنسان أو جنسيته أو دينه أو حتى المجموعة التي ينتمي إليها كمبرر ليسكن منزلة أعلى من غيره في المجتمع، وعلى مدار التاريخ شهد العالم أجمع أوجه العنصرية المتطرفة ضد بعض أفراده ربما كان أهم أوجه التمييز بينهم هو اللون؛ ففي الكثير من الدول عانى أصحاب البشرة الداكنة من الاضطهاد على حساب أصحاب البشرة البيضاء.
تاريخ العنصرية في العالم
الأسباب وراء نشأة العنصرية
بادئ ذي بدء عند الحديث عن تاريخ العنصرية حول العالم يجب البحث عن جذور العنصرية في التاريخ الحديث وكيف نشأت وأين؛ حيث يوجد بضع تفسيرات وضعها المؤرخون والمحللون تفسر نشأة العنصرية:
- الأولى والأكثر شيوعاً أن نشأة الظلم ترجع إلى تجمع العديد من البشر من طوائف مختلفة في مكان واحد؛ فتسبب الاختلافات الجذرية بينهم كره البعض للبعض الآخر مما يولد العنصرية والاضطهاد، وربما يعد أشهر مثال لها هم المهاجرين الجدد الذين وفدوا للولايات المتحدة الأمريكية من شتى بقاع الأرض مما ولد الكره والحقد في نفوس أصحاب الجلد الأبيض ضد الزنوج أو أصحاب الجلود الداكنة وترجم هذا الشعور إلى أفعال عنصرية ضدهم، وعلى هذا الافتراض فمقاومة العنصرية تكمن في التعليم والتثقيف الجيد بمبدأ المساواة بين الجميع.
- الثانية تبرر تولد فكرة العنصرية لأنها مزروعة ضمن جينات الفرد فمهما كان جنسه أو لونه أو ديانته لابد من أن يشنأ عنصرياً يكره كل من يختلف عنه وبالتالي فلا توجد رابطة محددة تربط العنصرية بفئة معينة دون الأخرى، وإذا تعاملنا مع تلك الفرضية على أنها الأصح فهذا يعني أنه يجب فصل كل مجتمع متشابه في الصفات في مكان منعزل ومنع الاختلاط بين المختلفين حتى لا تتولد العنصرية.
- الفرضية الثالثة ترجع التصرفات الظالمة إلى نشأة الفرد داخل مجتمع عنصري منذ البداية، فمن يولد في وسط يضطهد المختلفين سيتبع نفس المنهاج عندما تتاح له الفرصة والعكس صحيح.
العنصرية ضد الزنوج
مع وصول المهاجرين الأوروبيين إلى الولايات المتحدة لأول مرة وتطبيقهم لنظام توسعي يهدف للاستقرار في تلك الدولة تولدت فكرة العنصرية ضد السكان الأصليين حيث تم تلقيبهم من قبل البيض بالهمج والمتوحشين الذين يحتاجون بشدة للحضارة الأوروبية لتعلمهم كيفية التمدن والتحضر؛ أدت تلك الاعتقادات إلى وجود محاولات عدة للإبادة الجماعية والسيطرة على الأراضي المملوكة للسود، كما تبنت بعض الجماعات العنصرية فكرة إنشاء مدارس داخلية ومؤسسات إيواء لاستيعاب الزنوج كمحاولة للتخلص من وجودهم في المجتمع. توسعت الفكرة أكثر وأكثر وصارت معتقد ثابت كمعتقد الدين لدى بيض أمريكا، ومع تواجد وسائل الإعلام التي بدأت تروج أن الزنوج هو درجة أقل من البشر ويجب إبادتهم فوجد الكثير من الأوروبيين الفرصة سانحة مع وجود ذلك الغطاء الإعلامي لتنفيذ مصالحهم.
العنصرية ضد الأفارقة
توسعت فكرة الظلم والاضطهاد أكثر في أمريكا لتشمل المهاجرين الأفارقة الذين عملوا كعبيد وخدم لدى الجنس الأوروبي هناك مع إجبارهم على تغيير اسمهم ليتبع مالكهم الجديد، وحتى الذين تمكنوا من شراء حريتهم بالنقود أو حتى بعد موت سيدهم كانت هناك قوانين تسلبهم حق التملك أو التصويت في الانتخابات.
العنصرية ضد اليابانيين
بعد أحداث بيرل هابر في هاواي عام 1941 ولأن المتسبب بها كانوا من اليابان عانى اليابانيون المقيمون بأمريكا أو حتى الذين حصلوا على جنسيتها من شتى أنواع الاضطهاد تماماً مثلما حدث مع المسلمين والعرب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ فتم اعتقال ما يزيد عن 120 ألف مواطن أمريكي/ياباني وإرسالهم لمعسكرات معزولة عن المجتمع عاشوا فيها لسنين عديدة حتى أن بعض الأجيال ولدت ونشأت هناك.
العنصرية ضد اليهود
عانى كذلك اليهود في بداية وصولهم للولايات المتحدة الأمريكية منذ 300 عام مضوا من بعض أشكال الظلم التي كانت توجه ضد كل من لا يؤمن بالمسيحية؛ حيث منعت بعض الولايات الأمريكية في القرن الثامن عشر غير المسيحيين من حق التصويت أو العمل بالمكاتب الحكومية العامة.
تاريخ العنصرية في دولة جنوب أفريقيا
بعد حصولها على الاستقلال في عام 1948 عملت الحكومة على إنشاء نظام يتخذ مساراً قانونياً يعمل على فصل المواطنين السود عن المواطنين البيض على الرغم من أن الطرف الأول يشكل غالبية السكان، فقسمت الدولة إلى قطاعات يعيش بها المواطنين أصحاب البشرة البيضاء وأخرى لأصحاب البشرة السوداء كما تم إنشاء جهات حكومية خاصة بخدمة كل لون على حدة، وبالطبع كانت أفضل الخدمات تقدم للبيض دون السود. يعتقد بعض السياسيين أن نشأة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا كان وراءها أغراض الدول الاستعمارية كبريطانيا وهولندا التي احتلك الدولة لفترات طويلة حيث كانت تسعى للسيطرة على حقول الماس الموجودة بوفرة هناك.
على الرغم من المعارضة الشديدة التي لاقتها قوانين التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا إلا أن مثل تلك القوانين ظلت مطبقة لمدة تصل إلى 50 عاماً، فمع بروز اسم نيلسون مانديلا وشغله لمناصب قيادية عديدة كرئيس المؤتمر الوطني الأفريقي والأمين العام لحركة عدم الانحياز بدأ العمل على قدم وساق لدحض كافة أفكار الفصل العنصري المتبعة في جنوب أفريقيا وربما كان أعظم الخطوات التي قام بها الشعب هناك هو انتخاب نيلسون مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا عام 1994؛ فأصبح بذلك أول رئيس أسود البشرة لجنوب أفريقيا كما كانت تلك أول انتخابات تشهدها البلاد يسمح فيها لكافة المواطنين بالاقتراع دون تمييز بينهم.
تاريخ العنصرية في أستراليا
كما كان الحال في الولايات المتحدة الأمريكية عمل المهاجرون البيض على إرساء مبادئ الظلم ضد سكان قارة أستراليا الأصليين فور بدء هجرتهم إليها في عام 1788؛ حيث اعتبر المهاجرون الأوروبيون ألا ملكية للأستراليين في أرضهم وأنها حق مكتسب لمن يضع يده عليها ووجدوا في ذلك المبرر الكافي للسيطرة على كافة أراضي القارة وطرد سكانها منها، أثار ذلك غضب السكان خاصة بعد انتشار عدة شعارات يرددها الكثيرون مطالبة بإقامة سياج من الأسلاك الشائكة تفصل بين أراضي البيض وأراضي السود.
لم تنقرض العنصرية في أستراليا بين ليلة وضحاها، بل استمرت لقرون حتى منتصف القرن العشرين، فقبل عام 1950 كان على أي مواطن أسترالي الأصل أن يعتمد على المعونات الغذائية المقدمة له وأن يمتثل لأوامر المواطنين الأوروبيين خوفاً من تعرضه للاعتقال والسجن، حتى بعد اتحاد أستراليا كدولة واحدة في 1901 لم يتم التعامل مع سكانها الأصليين باعتبارهم مواطنين لهم الأهلية الكاملة؛ فلم يكن هم الحق في امتلاك أرض أو شراء منزل أو حتى التصويت في الانتخابات.
العنصرية في دول الخليج
هل سمعت من قبل عن البدون؟ البدون هم فئة من المواطنين في دول الخليج وبالأخص في الكويت، لقبوا بالبدون لأنهم بدون جنسية فعلى الرغم من أنهم ولدوا وعاشوا في الكويت إلا أنهم لا يحملون جنسيتها وكذلك لا ينتسبون لأي دولة أخرى.
معظم سكان البدون هم في الأصل قبائل من البدو تعمل في رعي الغنم مما يجبرها على التنقل المستمر، وربما كان هذا هو السبب الذي منعهم من الحصول على الجنسية، رغم محاولات عدة على مدار السنين السابقة فشل أصحاب البدون في الحصول على أي جنسية وما زالت مشكلتهم قائمة إلى يومنا هذا.
أضف تعليق