الموت السريري أو الموت الإكلينيكي كلها مرادفات لحالة تتوقف فيها جميع الوظائف الحيوية في الجسم الإنسان عن العمل فالقلب يتوقف عن الخفقان وبالتالي تتوقف الدورة الدموية، وقد كان يعد ذلك قديما علامات كافية للجزم بموت الإنسان وظل هذا المبدأ حتى منتصف القرن العشرين، فقد تمكن الأطباء من التوصل إلى وسائل إنعاش مثل الصعق بالكهرباء واستخدام الأدرينالين وغيرها من الوسائل الطبية الحديثة وبالتالي أصبحت هذه الأعراض غير كافية للجزم بموت الإنسان وأنه لا أمل في عودته إلى الحياة.
وقد أيد الواقع هذا الكلام حيث أن هناك كثير من الروايات التي تتحدث عن بعض الأشخاص الذين تم تشخيص خالاتهم على أنها موت حقيقي وقد عادوا إلى الحياة بعد وفاتهم. فهل حقاً هناك ما يعرف بالموت السريري وهل من الممكن أن يعود الإنسان للحياة بعد تعرضه للموت السريري؟ وما الفرق بينه وبين الغيبوبة أو الموت الحقيقي؟
تعرف على كل ما يخص الموت السريري
الفرق بين الموت السريري والموت الحقيقي
يتميز الموت السريري عن الموت الحقيقي في أن الأول يتوقف فيه القلب عن العمل وبالتالي تتوقف الدورة الدموية والتنفس ولكن الدماغ يستمر في العمل حيث يوضع المريض على أجهزة إنعاش داخل غرفة العناية المركزة فتقوم هذه الأجهزة مقام القلب حيث تعمل على ضخ الدماء في جسم المتوفى بشكل منتظم وتقوم أيضاً بعمل تنفس صناعي للمريض وبالتالي فإن الدم والأكسجين يستمر في التدفق إلى الدماغ فيحافظ على خلايا المخ ويبقيه على قيد الحياة. ومن المعروف طبياً أن خلايا الدماغ تصاب بتلف كلي إذا انقطع عنها الأكسجين أكثر من 6 دقائق كاملة، لذلك فإنه في حالة الموت السريري يكون أمام المريض 6 دقائق فقط ليوضع له أجهزة التنفس الصناعي وإذا لم يتمكن الأطباء من نقل المريض إلى المستشفى ووضعه تحت الأجهزة اللازمة خلال هذه المدة فإن المخ يموت موتاً نهائياً ويعتبر الإنسان قد فارق الحياة ولا سبيل لإعادته مرة أخرى ويكون الموت في هذه الحالة موتاً حقيقيا لا رجعة فيه.
كيف يتم إعادة الميت إلى الحياة
إذا تم وضع الإنسان تحت أجهزة التنفس الصناعي قبل مرور 6 دقائق منذ توقف قلبه عن النبض فإن هناك أمل في إعادته للحياة مرة أخرى وإن كان هذا الأمل يعد ضعيفاً ولكن الأطباء يبذلون قصارى جهدهم في هذه المرحلة لإخراج الشخص من حالة الموت السريري التي يعاني منها إلى أن يتيقنوا أن إعادته للحياة أصبح أمراً مستحيلا.
من هذه الوسائل الصعق بالكهرباء حيث يتم استخدام جهاز خاص يقوم هذا الجهاز بإرسال نبضات كهربائية إلى قلب المريض تعمل هذه النبضات على إنعاش قلب المريض ليعود إلى العمل مرة ثانية وضخ الدماء في أنحاء الجسم المختلفة من ثم تنشيط الدماغ ليعود للعمل مرة ثانية بكامل طاقته. وهناك بعض الوسائل الأخرى التي يتم استخدامها في حالات الموت السريري مثل استخدام الأدرينالين حيث يتم حقن الميت بمادة الأدرينالين التي تعمل على تنشيط القلب وزيادة ضرباته أملا في عودته إلى الحياة.
لحظة نزع الأجهزة عن المريض
وفي حال فشل كل هذه المحاولات لإعادة المتوفى إلى الحياة فإن الأطباء يلجئون إلى إبقائه تحت أجهزة النفس الصناعي للحفاظ على خلايا الدماء السليمة أملا في أن يعود إلى الحياة مرة أخرى إذ يصرون على تشخيص هذه الحالة بأنها موت سريري وليس موتاً حقيقياً، ولذا وجب عدم المساس بالميت. ولكن مع مرور الوقت تبدأ أعضاء الميت في التدهور ويصيب الجسد حالة من الإنهاك والتعب الشديدين وتبدأ الخلايا في التلف ويستمر الميت على هذه الحالية إلى أن يفقد الأطباء الأمل في عودته إلى الحياة وينزعون عنه أجهزة التنفس والإنعاش ليموت موتاً نهائياً حقيقياً لا أمل بعده في الرجوع إلى الحياة طبقاً لتقديرات الأطباء المتابعين لحالة المريض.
الفرق بين الغيبوبة والموت السريري
تختلف الغيبوبة بشكل كبير عن الموت السريري، إذ أن الدماغ في حالة الموت السريري قد فقد القدرة على القيام بوظائف الجسم الحيوية مع بقاء الدماغ في حالة صحية سليمة. أما الغيبوبة فتكون تعرض الرأس لصدمة أو بسبب بعض الأمراض التي يصاب بها الإنسان فيكون الإنسان فاقد للوعي ولكن جميع وظائف جسمه تعمل بشكل منتظم وسليم فالنبض مستمر والتنفس كذلك والدورة الدموية تعمل بشكل منتظم وحيوي ولكن المريض فاقد للوعي أو في حالة أشبه بحالة النوم ولكنه في الحقيقة يختلف عن النوم في أن النائم يتنبه في حالة إيقاظه من قبل شخص آخر أو سماعه لضجيج أو خلافه بينما لا يستجيب المريض الذي تعرض لغيبوبة إلى أي مؤثرات خارجية وغالباً ما تستمر الغيبوبة بحد أقصى عدة أسابيع وهذا يختلف كثيراً عن الموت السريري الذي تحدثنا عنه.
الجدل القانوني
أثار الموت السريري حالة جدل واسعة في الوسط القانوني حيث طرح السؤال نفسه بقوة هل يعتبر الموت السريري موتاً من الناحية القانونية يترتب عليه ما يترتب على الموت من آثر كثيرة أهما انعدام الشخصية القانونية للمتوفى وانتقال أملاكه إلى الورثة الشرعيين من بعده وأحقية زوجته في الزواج وغيرها كثير من الأمور التي تحتاج إلى حسمها بدلاً من أن تبقى معلقة هكذا؟
قانون الولايات المتحدة الأمريكية
القانون الأمريكي لا يعتبر الموت السريري موتاً حقيقياً بل لابد من تحقق ما يعرف بالموت الدماغي لاعتبار الشخص ميتاً من الناحية القانونية والموت الدماغي هو توقف الدماغ عن الحياة بشكل كامل نتيجة تلف الخلايا العصبية في الدماء. إذا فالمعول عليه في تحديد الوفاة هو تلف الدماغ بشكل كامل. ومع هذا فإن هناك بعض الدول التي تعتبر الموت السريري موتاً تاماً وبالتالي فإنها تسمح بنقل الأعضاء من الشخص الميت والتبرع بها وهو في حالة موت سريري.
القانون المصري
وأما التشريع المصري فقد ترك الأمر لتحديد لجنة مختصة من ثلاثة أطباء في القلب والمخ والتخدير ونص على أن الموت الحقيقي هو الموت الذي يثبت ثبوتا نهائياً ولا رجعة فيه ولذلك إذا أقرت اللجنة الطبية أن موت الشخص نهائي وبات ولا رجعة فيه فإنه يعتبر موتاً حقيقياً.
ما هو مفهوم الموت الحقيقي أصلاً؟
بالتأكيد هذا لم يحسم الخلاف ولم يبين بشكل يقيني هل الموت السريري موت حقيقي أم أنه ليس موتاً أصلاً وهل هو نوع من أنواع الغيبوبة التي من الممكن أن يفيق الإنسان منها بعد فترة من الزمن وإن كانت طويلة إلى حد ما. المشكلة الحقيقة تكمن في تعريف الموت وما الذي يعتبر موتاً. إذا تمكنا من معرفة حقيقة الموت لتمكنا من تحديد ما إذا كان الموت السريري موت حقيقي أم لا. قال البعض بأن الموت هو خروج الروح من الجسد واستدلوا بالمفهوم الإسلامي المذكور في القرآن الكريم بأن ملك الموت هو الذي يقوم بقبض أرواح البشر ليبقى الجسد بلا روح أي يموت الإنسان. ولكن مع هذا يظل مفهوم الروح مجهولاً ولا يمكن التوصل إلى التيقن من خروج الروح من الجسد، وإنما يمكن التوصل إلى علاماتها فقط بتوقف القلب أو إشارات الدماغ وبهذا سنجد أنفسنا ندور في دائرة مغلقة ولا يمكن الوصول إلى جواب نهائي يقيني لا شك فيه.
أضف تعليق