أغلب القصص كيف بدأ إدمان السجائر ؟ سيجارةٌ من يد صديقٍ في ظلام ليلةٍ من ليالي أيام المراهقة المضطربة، رغبةٌ عارمةٌ تصاعدت في صدر المراهق الذي يحاول بصعوبةٍ أن يتحسس طريقه نحو النضج والكبر بينما والداه ما يزالان ينكران ذلك عليه ويريانه طفلًا، الرهبة مما تعلمه والرغبة المدمرة في التمرد والعصيان، لربما كانت لحظة ابتزازٍ عاطفي؟ رغبةً عارمةً في التمرد؟ لحظة حزنٍ قويٍ غشى النفس؟ لا يهم كثيرًا لكن النفس الأول دخل صدره، لا يعرف كيف عرف طريقة سحب نفس السيجارة لكنه رآه مرارًا وتكرارًا في الأفلام، لماذا يحبون تصوير البطل الغامض القوي الجذاب القاهر مدخن سجائر دائمًا؟ سرٌ من أسرار السينما التي لن نعرف حقيقته أبدًا وحتى من يقومون به في السينما لا يعرفون سببه، مجرد فكرةٍ نخرة أضاعت عمر شبابٍ كثرٍ معها، سعل مرةً مرتين فطمأنه صديقه أنه ما إن يعتاد صدره على السجائر لن يسعل فنعم الصديق هو!
إدمان السجائر : داء من الصعب الخلاص منه
بداية إدمان السجائر
إدمان السجائر واحدٌ من تلك الحكايات التي لها بداية لكن ليس لها نهاية، نهايتها أن تُدفن السيجارة بين أصابع صاحبها وهم يسدلون على جسده التراب، واحدٌ يجد في نفسه القوة والعزيمة والحزم للتوقف عن التدخين لكن مقابله مائةٌ سيستمرون في التدخين حتى الموت ومائتان ممن بدؤوا لتوهم مسيرتهم التدخينية، السيجارة كالأفعى تشعر المدخن بالأمان عندما يعرف أنها لا تملك سمًا ولا أنيابًا فتاكة، لكنها تظل طول السنين تلتف حوله حتى تعصره عصرةً أخيرةً ذات يومٍ فتقضي عليه، يُقال أن كثيرًا ممن ماتوا بسبب التدخين لم تقتلهم السيجارة كما قتلتهم نفوسهم الضعيفة.
إدمان الجسد
إدمان السجائر الأول والأقل تأثيرًا وضررًا والأسهل علاجًا في الحقيقة هو إدمان جسد المدخن على النيكوتين، النيكوتين هي مادة يتم استخراجها من نبات الطباق بشكلٍ أساسي، تعمل تلك المادة كمحفزة للمستقبلات العصبية في الجسم، لكن مشكلةً من أكبر مشكلاتها هو كون الجسم يتعرض لحالات تبلد وحصانة ضد الكمية المعتادة منها فلا تعود تعطي نفس التأثير السابق، فلو شرب أحدهم سيجارتين يوميًا بعد فترةٍ قصيرة سيحتاج إلى زيادة عدد السجائر لزيادة الجرعة التي تدخل إلى جسمه من النيكوتين، ويظل العدد في ازدياد حتى يصل المدخن إلى مدخنةٍ تحرق السجائر واحدةً تلو الأخرى بأعدادٍ مهولةٍ قد تصعق غير المدخنين بمجرد سماعها.
أعراض إدمان النيكوتين
الجهاز العصبي الموجود في أجسامنا مقسمٌ لقسمين رئيسيين من حيث الوظيفة، جهازٌ محفز وهو الذي نستخدمه في حالة المجهود والنشاط وجهاز للراحة نستخدمه في حالة الاسترخاء والهدوء وإعطاء الجسم فرصة للقيام بوظائف حيوية هامة كالهضم وإفرازات بعض الغدد وزيادة نشاط جهاز الإخراج واستعادة الجسم لطاقته، يعمل النيكوتين على تحفيز الجهاز العصبي الخاص ببذل الطاقة والمجهود لذلك عليك أن تتخيل حالة جسدك عندما تجلس بهدوءٍ واسترخاء لكنك تدخن سجائر تستحث جهازك العصبي الخاص بالحركة وتضعف من تأثير جهاز الراحة! يعاني الواقع في إدمان السجائر بسبب ذلك من حالة تحفزٍ عصبيٍ دائمة كما يزداد ضغط دمه وتتسارع دقات قلبه ويعاني من ضيق الشرايين التاجية، ومع الوقت وزيادة مدة الإدمان يتأثر جهازه المناعي وتزداد فرصة تعرضه للأمراض والعدوى كما تزداد فرصة إصابته بسرطان الرئة والحنجرة والفم والمعدة وتعرضه لمشاكل جنسية، كما يزداد توترًا وتتأثر حالته النفسية كثيرًا وقد تصبح السيجارة أهم من نهاية العالم نفسها عنده.
الإدمان النفسي
كما كان سبب بداية إدمان السجائر في أغلب الحالات سببًا نفسيًا إما سلبيًا كالحزن والرغبة في الهرب والاعتقاد في كون السيجارة ملجأً، أو كالتهور والتظاهر والتمرد ومحاكاة أبطال الأفلام والاعتقاد الزائف المنتشر بين الأولاد الصغار بكون السيجارة علامةً على الرجولة والنضج والبأس، من المنطقي أن نجدها سببًا في النهاية، لم يبدأ أحدٌ تدخين السجائر من قبل لأجل مادة النيكوتين بحد ذاتها وربما عددٌ قليلٌ جدًا جدًا بدأ لهذا السبب، ولفكرةٍ كهذه ظهرت أمامها فكرةٌ أخرى قوية تقول بأن جزءًا كبيرًا من إدمان السجائر هو إدمان نفسيٌ لا جسماني، يُقال أنه في إحدى التجارب رُصدت كمية النيكوتين التي يتناولها أحد المدخنين يوميًا وتم إعطاؤه نفس الكمية لكن عن طريق أقراصٍ من النيكوتين ما يعني أن الجسد حصل على حاجته كاملةً إلا أن ذلك لم يمنع الكثير من أعراض الانسحاب على الظهور على المدخن مع مرور الأيام، فهل من الممكن أن يكون الإدمان نفسيًا بشكلٍ كبير؟ ولننظر لأمرٍ آخر فكثيرٌ من المدخنين حاولوا التوقف عن شرب السجائر وكانوا يسيرون بشكلٍ تدريجيٍ جيد وأجسادهم تتجاوب بطريقةٍ رائعة مع الأمر إلا أنهم فجأة عادوا لشرب السجائر بنهمٍ مرةً أخرى وفشلوا حدّ اليأس فما السبب؟
تأثير السجائر نفسيًا
يرتبط المدخن نفسيًا بالسيجارة في المرة الأولى باعتبارها حلًا أو إثباتًا على قضيته النفسية التي شرب سيجارته الأولى بصددها، ثم مع الوقت يبدأ المدخن بالارتباط بالتدخين كسلوكٍ نفسيًا، يرتبط عنده موقفٌ معين أو حالةٌ نفسيةٌ معينة أو مجرد حدوث اضطراب وإصابته بالتوتر بامتداد يده لعلبة السجائر وتناول السيجارة وإشعالها، إدمان السجائر ليس إدمان ما يحصل عليه جسده من تلك السيجارة فحسب عنده وإنما هي حركة التدخين نفسها وإحساس هيكل السيجارة الكامن بين أصابعه في مواقف محددة أو على مدار اليوم، تجد المدخن حينما يحاول التوقف عن التدخين عاجزٌ عن استنتاج ما يجب عليه أن يفعله بيديه بدون سيجارةٍ يحرك يده حركةً رتيبةً أثناء شربها، وهو عاجزٌ عن ترتيب أوراقه لحظة الغضب أو المفاجأة أو التوتر لأنه اعتاد لسنين أن يكون رد فعله الأول إخراج سيجارة وشربها ثم يفكر في علاج الموقف، كما أن الكثير من المشاعر مرتبطةٌ بالتدخين عنده فتجد طبيعة الإنسان النمطية تصاب بالارتباك باختفاء السيجارة وسلوك التدخين فيجد المدخن نفسه يزداد توترًا على توتره الأول ويحن بشدةٍ إلى التدخين رغم أن جسده يتقدم بشكلٍ ملحوظٍ على برنامج الإقلاع عن التدخين.
السجائر الإلكترونية
تعد السجائر الإلكترونية واحدةً من إثباتات كون إدمان السجائر أمرًا نفسيًا بشكلٍ كبير، فبرغم كونها أقل ضررًا ورغم أيضًا اتجاه البعض لها بدلًا عن السجائر العادية إلا أن فئةً كبيرةً من المدخنين رفضتها وفضلوا السجائر العادية عليها لأسبابٍ نفسية أكثر من كونها جسدية، وبرغم علمهم بأضرار التدخين وحاجتهم للتوقف عنه أو إقلال أضراره إلا أنهم لم يتمكنوا من قبول تدخل السيجارة الإلكترونية في منظومتهم النمطية من إشعال السيجارة وتدخينها واحتراقها ثم سحق عقابها المتبقي.
أعراضٌ انسحابية
يواجه من يعاني من إدمان السجائر أعراضًا انسحابية مثل التوتر الدائم والأرق وفقدان الشهية وسهولة الاستثارة العصبية وفقدان رباطة الجأش والقلق الدائم والإحساس بعدم الراحة والصداع والتعب والخمول وهبوط ضغط الدم وهي مزيجٌ ما بين الأعراض الجسدية التي تسبب فيها اختفاء معدل النيكوتين المعتاد من الدم وأعراضٌ نفسية كما ذكرنا، يتم حل أعراض الانسحاب الجسدية بالسير وفق برنامجٍ محدد تقلل فيه نسبة النيكوتين تدريجيًا حتى تختفي تمامًا، وهو ما يتحقق بسهولة بعد عدة أسابيعٍ من بداية الإقلاع، لكن المشكلة الحقيقة تكمن في السيطرة على النفس وعلاج المدخن نفسيًا حتى لا يرجع به هواه إلى التدخين ثانيةً.