تسعة
الرئيسية » كمبيوتر وانترنت » العالم الافتراضي : كيف تغزو الإنترنت حياتنا شيئًا فشيئًا ؟

العالم الافتراضي : كيف تغزو الإنترنت حياتنا شيئًا فشيئًا ؟

شبكة الإنترنت أصبحت في السنوات الأخيرة أحد الأركان الرئيسية في حياتنا، وأصبح العالم الافتراضي عالمًا نعيش فيه ربما لفترات أطول مما نعيش في العالم الحقيقي.

العالم الافتراضي

العالم الافتراضي لم يعد افتراضيا كما كان سابقا، بل أصبح على وشك أن نبادله بحياتنا الحقيقية. لست بحاجة أن أسوق إليك الأرقام والإحصائيات من الدراسات الكثيرة والمختلفة عن المدة التي أصبحنا نقضيها على العالم الافتراضي ، ولكني سأسألك أنت فقط أن تجيبني كم من الوقت تقضي أمام أجهزتك الإلكترونية؟ هذه الإجابة ستكون أفضل إليك من ألف إحصائية ودراسة. ولكن، بما أنك تدرك أننا أصبحنا نمضي الكثير من الوقت على العالم الافتراضي، فإن هذا لديه تبعاته وعواقبه الجمة. فلو حاولنا تمثيل العالم الافتراضي والتفاعل عليه بالعالم الحقيقي والتفاعل معه، ستجد أن العالم الحقيقي يؤثر فيك بعلاقاتك الشخصية والعامة والمواقف التي تتعرض لها، كما أن الأشخاص الموجودين في العالم الحقيقي يتمكنون من معرفة الكثير عنك بتعاملاتك معهم. الحقيقة هي أن هذه التأثيرات تنطبق تماما على العالم الافتراضي أيضا. فلم يعد العالم الحقيقي هو ما يكونك يا صديقي، بل أصبح العالم الافتراضي جزءا منك كذلك. هذه المقالة لا تهدف إلا إلى أن تخبرك كيف أصبح الإنترنت أحد أكبر المتدخلين في حياتك على وجه العموم.

العالم الافتراضي والعالم الحقيقي

هل يعرف الإنترنت عنك الكثير؟

تحكي إحدى الكاتبات أنها حاولت البحث عن صديق لها عن طريق الإنترنت، لتفاجئ بأن أول شيء يظهر لها هو سجله الإجرامي! لقد كانت قادرة على فتحه وتصفحه وقراءة كل سطر وكلمة قيلت في المحاكمة وقبل وبعد المحاكمة وكل شيء تم تسجيله. لقد كانت هذه المعلومات مفاجئة للصديقة. لقد كانت تعرف بأمر الشيء السيئ الذي فعله صديقها بالطبع، لكنها كانت تعرف جانبه هو من القصة ولم تكن قد سمعت الجوانب الأخرى. بينما في حادثة أخرى تم رفض أحد الأشخاص من الوظيفة التي تقدم إليها لأن أصحاب المقابلة عندما قاموا بالبحث عنه وجدوا النتائج الأولى لاسمه هي أنه مدمن مخدرات. فكان أول شيء صدر من هؤلاء الأشخاص أنهم رفضوا المتقدم للوظيفة بناءا على هذا البحث. لن نتحدث الآن عن الخصوصية التي اخترقتها تلك الفتاة تجاه صديقها، ولا عن الأحكام السيئة التي أطلقها أصحاب العمل عن شخص ربما كان راغبا في بدأ حياة شريفة. ولكن ما سيشغل بالنا الآن هو أن مدمن المخدرات الذي وجده هؤلاء الأشخاص لم يكن الشخص المتقدم إلى الوظيفة، بل كان مجرد تشابها للأسماء! فالإنترنت لا يعرف عنك الكثير فقط، بل يعرف عنك وعن هؤلاء الآخرون الذين يشاركونك نفس الاسم الكثير أيضا. وبإمكانه أن يجعل الناس يخطئون بينكم ويظهركم كأنكم شخصا واحدا!

ما الذي يعرفه الإنترنت عنك؟

سيدهشك كمية الأشياء التي يعرفها العالم الافتراضي الخاص بك عنك. في الحقيقة، العالم الافتراضي ربما يكون قد صنع من أجل تقديم الخدمات والتكنولوجيا من أجلك، ولكنه أيضا قد صُنع من أجل معرفة الكثير والكثير عنك. وخاصة تلك الخدمات المجانية التي لا تكلفك قرشا. أحد أكبر هذه الخدمات التي تعرف عنك ربما أكثر مما يعرفه صديقك المقرب أو شريك حياتك، هي شركة جوجل. هذه الشركة لن نكون قد بالغنا إذا وصفناها بملكة العالم الافتراضي. فجوجل تقدم الكثير من الخدمات التي نستعملها يوميا، بل أهم الخدمات التي نستعملها عموما في العالم الافتراضي الخاص بنا. محرك جوجل للبحث، وخرائط جوجل Google Maps، وصندوق بريد جول المعروف بالجيميل Gmail، وموقع الفيديوهات المشهور يوتيوب YouTube، والحساب الشخصي المعروف بجوجل بلص Google plus. وصندوق محادثات جوجل المعروف بالهانج أوتس Hangouts. والذاكرة الاحتياطية من أجل ملفاتك وهو Google Drive. ربما لم تكن قد فكرت في هذا قط، لكن الخدمات التي تقدمها إلينا شركة جوجل هي خدمات كثيرة جدا. ومجانية تماما. وتتحكم بكل شبر من العالم الافتراضي الخاص بك. لا بد أنك تسأل الآن ما المقابل الذي تأخذه منك هذه الشركة؟ فللأسف، العالم الذي يعطي فيه الناس خدمات دون مقابل وبابتسامة واسعة لم يتم اكتشافه بعد.

ما تأخذه جوجل منك

محرك البحث

إذا حاولنا التحدث عن كل خدمة من الخدمات التي تأخذها منك شركة جوجل فسنجد أن محرك البحث يعرف عنك كل الأشياء التي تهتم بالبحث عنها. فستعرف مثلا أنك تهتم بشراء سيارة لأنك تبحث عن أنواع مختلفة من السيارات، وأنك تهتم بالحيوانات لأنك تبحث عن أفضل الطرق للعناية بها وأنك تعاني مشكلة في ثقتك النفسية لأنك تبحث عن مقالات تقوي من ثقتك النفسية. إذا افترضنا أن هناك شخصا لديه هذه الأهداف والاهتمامات، فإن جوجل ستعرفها بمجرد أنه دخل على محرك البحث وكتب هذه الأشياء وقرأ عدة مقالات عنها.

السبب الذي يدعوا جوجل للاحتفاظ بهذه المعلومات عنك، هي رغبتها في أن تفهمك أكثر وأن تعرف اهتماماتك أكثر، فتقدم لك الشيء الذي يعطيها المال بدلا منك، وهي الإعلانات. كلما كانت جوجل قادرة على تحديد اهتماماتك وأهدافك كلما كانت قادرة على توجيه المنتج أو الإعلان الأنسب إليك. وكلما كان الإعلان أنسب إليك، كلما زادت احتمالية استجابتك إليه وبالتالي المنفعة للشركة صاحبة الإعلان. وبناءا عليه سترغب شركات أخرى بالاستثمار في جوجل لتحصيل أرباح أكثر، مما يضمن لجوجل القدرة على الاستمرار في تقديم خدماتها إلينا في العالم الافتراضي والاستفادة المادية في نفس الوقت.

خرائط جوجل

خرائط جوجل من العالم الافتراضي تساعدك على الوصول إلى مكان لا تعرفه في العالم الحقيقي. ولكن في مقابل هذا، تأخذ منك جوجل المكان الذي توجد فيه والأماكن التي ستذهب إليها مستقبلا أو ذهبت إليها قبلا. وسيساعد جوجل في هذا أنك تستعمل النت دائما على هاتفك الذكي. –أظننا الآن نعرف لماذا هاتفنا ذكي .. فهو يفهمنا جيدا-. لذلك، إذا كان لدى زوجة أحدهم بعض الشك في أنه ليس مخلصا لها، وكان من حسن حظها أن زوجها يستعمل الإنترنت دائما. فليس عليها سوى أن تفتح تاريخ خرائطه وستجد كل الأماكن التي مر بها.

ولكن بالطبع ليس هذا السبب الذي يجعل جوجل محتفظا بتاريخ تنقلاتك، وإنما أحد الأسباب الذي يجعل جوجل متابعا لتحركاتك أولا بأول، هي أن يعرف مكانك. ليس مكانك أنت فقط، ولكن مكان كل الأشخاص الذين يقعون في نفس المكان، فيتمكن تحديد ما إذا كان الطريق مزدحما أم به القليل من الأشخاص. وهكذا يستطيع جوجل أن يخبرك أقصر الطرق التي تستقلها ويبعدك عن أماكن الازدحام. ولهذا يجب عليك أن تثق بخرائط جوجل عندما يخبرك أن مكانا ما مزدحما. ببساطة، لأنه يعرف. أحب تخيل الشهد بعد هذه الجملة وكأن جوجل شخصا يغمز إلينا بعينه مطمئنا.

اليوتيوب

ما يتعلمه اليوتيوب عنك هو اهتماماتك الفنية أو الإخبارية أو غير ذلك. فهو سيعرف إذا كنت مهتما بمشاهدة الأفلام، وسيعرف أي نوع من الأفلام التي تفضلها. سيعرف أيضا أنواع المسلسلات وجنسية تلك المسلسلات (تركية أو كورية أو هندية من أجل فتياتنا العرب الجميلات). وسيعرف البرامج والأخبار وكل تلك الأشياء. هذا سيجعل يوتيوب قادرا على اقتراح فيديوهات معينة لتشاهدها، وبإمكانك التخمين الآن أن هذه الفيديوهات تحمل إعلانات تدفع ليوتيوب نقودا بدلا منك. إنه موقف رابح لكل الأطراف يا عزيزي. لذلك كف عن التأفف في كل مرة يقفز فيها إعلان إلى وجهك مع كل فيديو جديد تشاهده. لا بد لأحد أن يدفع، وما دام ليس أنت فتخطى الإعلان في صمت.

جوجل بلص

الحساب الشخصي على جوجل بلص صنعته شركة جوجل خصيصا لمعرفة المزيد من المعلومات عنك، فمع جميع الخدمات السابقة كانت تجمع مجرد اهتمامات وتفضيلات. أما مع الحساب الشخصي على جوجل بلص فهي ستجمع عنك سنك وعنوانك وهاتفك وجهات اتصالك وأصدقائك وتوجهاتك السياسية والدينية وغيرها. كل هذه المعلومات ستساعد جوجل في جعل وصول الإعلانات أكثر تخصيصا وسهولة. وستتمكن من جمع طائفة كبيرة من الأشخاص بأسهل طريقة. فمثلا إذا كان الإعلان مخصصا لمحبي التصوير، ويفضل أن يكونوا ما بين سن الثامنة عشر والخمسة وثلاثون. كل ما على جوجل هي أن ترى الأشخاص الذين يهتمون بالتصوير من أي من هذه الخدمات السابقة، ثم استبعاد من هم خارج الدائرة السنية المرغوبة وفقا لحسابك الشخصي على جوجل بلص. وهكذا تكون جوجل تمكنت من جمع ما يكفيها من المال. وكلما طورت جوجل خدماتها لمعرفتك أكثر، كلما توغلت في خصوصيتك أكثر، لكن المقابل سيكون عرض المنتجات والأشياء التي تفضلها أنت.

سيمكنك الآن تخيل ما هي المعلومات التي يمكن لجوجل استخلاصها من باقي خدماتها المجانية، وسيمكنك أيضا تخمين كيف تستفيد من هذه المعلومات.

مواقع التواصل الاجتماعي

ربما تكون شركة جوجل متخصصة بالعمل أو اهتماماتك الشخصية أكثر. فما تبحث عنه لن يذهب لأشخاص آخرين، وما تشاهده لن يرسل به رسالة إلى أحد. وإنما كل ما تفعله في معظم خدمات جوجل يكون خاصا بك دون خاصية المشاركة. ولكن ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي هو العكس. بل أن مواقع الاجتماعي هي ما تساهم بشكل كبير في نشأة العالم الافتراضي كما نعرفه الآن. فما يعتبر عملا في العالم الحقيقي يمكن أن يقابله جوجل في العالم الافتراضي. وما يعتبر حياة شخصية وعلاقات عامة في العالم الحقيقي، سيقابله مواقع التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي . ربما يكون لديك تخيل الآن عما تفعله معك مواقع التواصل الاجتماعي. فيسبوك وتويتر وانستجرام والمدونات والواتس آب وسكايب وكل هذه البرامج التي لا تخلو هواتفنا وأجهزتنا منها. هذه المواقع تملك تفاصيل شخصية أكثر بكثير مما تملكه جوجل. هذه المواقع تشعرك بأهمية مشاركة أحداث حياتك وصورك وإنجازاتك، وكل ما تحاول هذه المواقع فعله هو جعل مشاركة حياتك أمرا أكثر جاذبية مع كل تطوير. فتشعر بالرغبة أثر في المشاركة ورفع كل الصور التي تلتقطها في يومك. وطبعا سيقوم بإغرائك على القيام بذلك هو الشعبية التي تكتسبها على هذه المواقع بالإعجابات والتعليقات والمشاركات وغير ذلك. ما تفعله هذه المواقع بهذه المعلومات هو مشابه تماما لما تفعله جوجل بمعلوماتك، ولكن ما يجعل هذه المواقع مختلفة هي أنها تقوم بالمشاركة! في الحقيقة، هذه المواقع هدفها الرئيسي هي المشاركة!

تجربة أحمد الشقيري

أتذكر تجربة أجراها أحمد الشقيري في أحد مواسم برنامجه خواطر عن مقدار الخصوصية التي اخترقتها هذه المواقع في حياتنا والتي لا نلقي لها بالا في الحياة اليومية. فقام أحمد باستخدام خاصية في هاتفه تمكنه من إيجاد الهواتف المتصلة بالفيسبوك القريبة منه، وقام بفتح أحد الحسابات الذي وجده ثم قرأ ما عليه من منشورات ومشاركات وآراء وصور ومعلومات أدلى بها صاحب الحساب دون أن يلقي لها بالا. ثم ذهب أحمد إلى هذا الشخص وقام بالتحدث معه كأنه صديقه الذي يعرفه منذ كانا في الروضة! طبعا شعر الشخص بالفزع من حقيقة أن شخصا لم يره في حياته أبدا يتدخل في حياته بهذه الفجاجة. ولكن الحقيقة أن هذا لم يحدث. ما حدث هو أن أحدا ترك باب منزله ونوافذه وكل شيء مفتوحا وسمح لأي عابر أن يشاهد ما يحدث بالداخل. أصحاب الضمير والأخلاق لن يحاولوا استغلال هذه الثقة أو عدم الانتباه في الخير. لكن كما أخبرتكم أعزائي، ذلك العالم الجميل حيث يقدم فيه الناس الخير بدون مقابل لم يتم اكتشافه بعد. فخصوصيتك هي أمر بيدك أن تحميه إذا ما رغبت في ذلك يا عزيزي القارئ، فلا تجعل هذه المواقع طريقا إلى أي أحد ليتعرف على حياتك ما لم تكن هذه هي رغبتك من الأساس.

كيف يؤثر العالم الافتراضي سلبا على حياتك؟

إيجابيات العالم الافتراضي لا تخفى علينا كثيرا. فحياتنا كلها الآن أصبحت أشهل وأمتع بوجود الإنترنت في متناول أيدينا كل وقت. فأصبحنا نتواصل ونتشارك اللحظات وننجز الأعمال بضغطة زر. ولكن كما لكل شيء وجهين، فإن العالم الافتراضي لديه جانبه المظلم الذي لا يخفى علينا كثيرا أيضا.

الخصوصية

هذه المشكلة أصبحت واضحة جدا بعد حديثنا المطول في هذا المقال. الإنترنت يعرف الكثير والكثير عنا. ويفصح أيضا عن الكثير من هذه المعلومات لغيرنا ممن نريد أن تصلهم هذه المعلومات ومن لا نريد أيضا. وهناك مثل دراج يقول “المال السائب يعلم السرقة”. أتذكرون مثال المنزل المفتوح نوافذه وأبوابه، هذا أحد أمثلة المال السائب، فإذا افترضنا أن أحدا دخل وسرق شيئا ما من ذلك المنزل عكس إرادتك، سيكون جزءا من اللوم واقعا عليك لأنك من لم تأخذ حيطتك من الأساس. معلوماتك لا تختلف كثيرا عن أغراضك المادية، فمعلوماتك وذكرياتك هي ما تكونك أنت. وأن يستغلها شخص ضدك أو في محاولة لاستغلالك لمجرد أنك تركتها مفتوحة لكل الناس، لن يحمل لوم هذا الفعل سوى أنت وذلك الشخص معدوم الضمير. لذلك كن حرصا في معرفة طرق حماية خصوصيتك، ولا تتكاسل عن قراءة شروط الحماية والخصوصية الموجودة عند تنزيل كل برنامج. والتي غالبا ما تتجاهل قراءتها وتختار الموافقة دون حتى أن تشغل بالك بما تحتويها.

المعلومات الخاطئة

ظهرت هذه المشكلة جلية في المثال الذي ذكرناه في بداية المقالة عن الشخص الذي تم رفضه من الوظيفة بسبب تشابه في الأسماء. هذه المشكلة يمكنك حلها بتعديل المعلومات والوصف والتعريف الذي ترغب أن يظهر عنك عندما يبحث أحد عنك. وأن تصنع حسابات شخصية على مختلف المواقع وتملأها بمعلوماتك الأساسية وصورة للتعريف بك لكي لا يخطأك أحد مع اسم آخر. وفي الحقيقة، ذلك الشخص الذي تم رفضه بسبب ذلك الخطأ قام بصنع موقع يتولى عنك مهمة التنقيب عن حساباتك في المواقع المختلفة ويقوم بتنقيتها من أجلك. هذه الموقع يدعى “سوق نفسك brand yourself”.

اختزال الدائرة من حولك

التقنية التي تستعملها تلك الشبكات في جعل عملية التسويق وظهور الإعلانات من أجل سيكون من أحد الجوانب السيئة عليك هي أنها تختزل دائرة اختياراتك في الأشياء التي تهتم بها الآن. ستكون الإعلانات والدعايات مخصصة لما تهتم به الآن. وسيكون كل شيئا يدفعك للاهتمام بتلك الأشياء فقط. إذا لم تكن ذا طبيعة منفتحة تدعو لخوض التجارب الجديدة وتعلم الأشياء المختلفة، فإن هذه الطريقة في الدعاية ستجعل دائرتك صغيرة جدا ومحدودة جدا. ولن يكون العالم الافتراضي طريقة لتوسيع مجالاتك واهتماماتك كما من المفترض لهذا الكم الهائل من المعلومات والمصادر أن يفعل.

وهناك أيضا مواقع التواصل الاجتماعي، تقوم هذه الواقع بترشيح الأشخاص الذين تعرفهم وتقوم بعرض المنشورات الخاصة بهم أولا، أو المنشورات المشابهة لتلك التي تهتم بها. هذه الأشياء ومثيلاتها ستجعل حياتك مكونة من دائرة صغيرة مملة يتكرر كل شيء فيها. وإذا كان هناك شيئا ترغب في تغييره أو التخلص منه في طباعك أو تصرفاتك تجاه المواقف، لن تكون هذه المواقع مساعدتك في ذلك. بل يجب عليك أن تكون مبادرا من داخلك لتتمكن من إدخال أشياء جديدة ومختلفة عنك إلى عالمك لاكتساب الخبرات وتوسيع مداركك.

اختزال حياتك نفسها

ربما ليست المشكلة فيما تتلقاه على هذه المواقع المختلفة فقط. بل في حقيقة أنك لن تتلقى أي شيء سوى عبر هذه المواقع. العالم الافتراضي يجعل من وجوده أمرا ضروريا ولديه طرقه في جعلك تشعر بتلك الأهمية. وخطوة بخطوة تبدأ بالتخلي عن حياتك الواقعية والرضا بالوقت الهائل الذي تمضيه أمام شاشة حاسوبك. وأنا لن أبدأ حتى بتعداد مساوئ هذا الأمر!

كان هذا المقال الغرض منه أن تكون أكثر وعيا على ما تقدمه لك التكنولوجيا، وأيضا على ما تأخذه منك. فالعالم الافتراضي لم يعد افتراضيا كما كان من قبل. بل أصبح جزءا هاما من حياتنا. جزءا نتعلم منه ونتفاعل عليه ونشعر بالإنجاز والرضا من ورائه، ويبحث عنا أيضا الأشخاص الذي يقومون بتوظيفنا عليه. لذلك لا تتعامل معه على أنه ليس هاما أو أنه لا يقوم بتغيير حياتك. لأنه يقوم فعلا بتغيير حياتك.

أفنان سلطان

طالبة جامعية، أهوى القراءة واعتدت الكتابة كثيرا منذ صغري. على أعتاب التخرج ولا أدري بعد ماذا سأفعل.

أضف تعليق

واحد × ثلاثة =