تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الحمل والانجاب » نفسية الحامل : كيف تؤثر على الجنين بصورة مباشرة وقوية ؟

نفسية الحامل : كيف تؤثر على الجنين بصورة مباشرة وقوية ؟

يخطئ من يعتقد أن نفسية الحامل أمر غير مهم أو غير ذي تأثير على الجنين وعلى نموه وتطوره العقلي، وذلك كما سوف نرى في السطور المقبلة.

نفسية الحامل

نفسية الحامل أثناء فترة الحمل تؤثر على الجنين بشكل مباشر، حتى كبار النساء بالمجتمع لاحظوا ذلك بسبب خبرتهم الطويلة سواء في فترات حملهن أو بالملاحظة مع النساء الأخريات. فمثلاً تقول المرأة أنها حين تسمع خبراً مفرحاً يتحرك الجنين في بطنها ويركلها وكأنه يفرح معها، وحين تحزن يظل الجنين ثابتاً لأنه هو الأخر متضايق. فماذا يحدث في هذه الرابطة القوية، وكيف تكون نفسية الحامل ذو تأثير كبير على الجنين وتكونه؟ لتعرف الإجابة تابع معي هذا المقال. أولاً يجب أن نتعرف على نفسية الحامل وكيف يتغير المزاج باستمرار ولماذا.

نفسية الحامل وعلاقتها بالجنين

في الثلاثة شهور الأولى

حين تعرف المرأة أنها حامل يصبح الأمر جنونياً بعض الشيء خاصة ما إذا كان أول حمل أو حمل مفاجئ لم تتوقع حدوثه أو تريده، فستفاجأ من كمية التقلبات بنفسية الحامل، حيث تصبح الأمور غير المزعجة بالعادة مزعجة جداً، والأمور المفرحة عادية، وكل تلك الأمور بسبب بداية التغيرات الهرمونية وعدم استقرارها، لأن أول ثلاثة شهور لن تكون المشيمة تكونت بعد فكمية الهرمونات بالجسم متقلبة وغير منتظمة. والاضطراب النفسي لتوقع الحمل والتخوف بما يأتي وكيف ستكون وهي حامل أو التفكير في الولادة أو التفكير في سلامة الجنين وخطر الإجهاض الممكن، كلها أمور تجعل من نفسية الحامل هشة وغير مركزة بالمرة، كما إن التغيرات الفسيولوجية وبداية كبر البطن والقيء وتيبس الصدر عند بعض السيدات تجعل من حالة المزاجية أكثر تعقيداً.

في الثلاثة شهور الثانية

حين تستقر الأمور بعض الشيء وتعتاد المرأة على الوضع تبدأ في تلك المرحلة زيادة تدفق الدم أكثر تجاه الحوض والمهبل مما يزيد الرغبة الجنسية، وعلى النقيض تشعر المرأة بالانتفاخ وزيادة الوزن وبعض التغيرات بالمظهر فهذا ينفرها من نفسها ويجعلها تشعر بأن زوجها أيضاً لا يقبلها، فيحدث أكبر تقلبات مزاجية فتارة تجدها مستمتعة وتارة أخرى تكون غضبانه وعنيفة وعصبية. وفي أثناء تلك الفترة تبدأ الأم بالتعرف على جنينها أكثر لأن تحديد الجنس يبدأ من هنا وما إذا كان توأم أو لا وأيضاً يبدأ في التحرك بعض الشيء وسماع نبضات القلب، هذه الأشياء تجعل نفسية الحامل في حالة عاطفية شديدة وبداية إحساسها بالأمومة الحقيقية تجاه هذا الجنين.

في الثلاثة شهور الأخيرة

تدخل الأم مع نهاية الحمل والترقب للولادة في حالة من التضاد حول خوفها من الولادة ودخول عالم الأمومة وملاقاة طفلها وتعب الاهتمام اليومي به، ومع فرح الترقب ونهاية الحمل أخيراً، وتزيد بتلك الفترة إحساسها باشتهاء الأشياء أو بعض المأكولات وتشعر بأنها تريد أن تكون مدللة وطلباتها متوفرة على مدار الوقت، وتشعر بالنفور لو أن طلبها لم ينفذ.

كيف تصل نفسية الحامل إلى الجنين؟

الحالة المزاجية والنفسية تمر بالجسم كله عن طريق رسائل كيميائية وعصبية، ولأن الجنين جزء لا يتجزأ من الحامل فإن المشيمة والحبل السري ينقل له كل تلك الرسائل، إذاً كما تشعر الأم يشعر الجنين تماماً وتصل له أخبار الأم عن حالتها النفسية واحدة بواحدة وكل تقلب يحدث للأم يحدث للجنين. الطفل أصبح وكأنه عضو في جسم الأم يتأثر بكل العوامل الخارجية يحب ويكره ويغضب ويحزن كأنه يسمع ويشم ويفكر ويتذوق فيعجبه الطعم أو يشمئز منه كما الأم تماماً، وكلما وصلت الأم لقرب نهاية الحمل زاد هذا الارتباط أكثر وأكثر.

دراسات عن تأثير نفسية الحامل على الجنين

أظهرت الدراسات أن النساء الحوامل الذين يعانون من اكتئاب نفسي في فترة الحمل نتيجة ضغوطات نفسية تكون نسبة الولادة المبكرة لديهن أعلى، وكأن الطفل يريد أن يخرج من تلك القوقعة والحزن. فيكون نسبة عدم اكتمال نمو الطفل أخطر ويحتاج بالتأكيد لعناية شديدة بعد الولادة.

في دراسة أخرى وجدوا أن الأم ذو الحالة النفسية الجيدة قبل وبعد الولادة أو الأم مع الحالة النفسية السيئة قبل وبعد الولادة (أي نفسية الحامل مستقرة على أي وضع) ينمو الطفل بشكل أحسن ويتطور بشكل طبيعي، أما الأم المتقلبة سواء قبل أم بعد الولادة فالطفل يتعرض لتقلبات نفسية مستمرة تجعل نموه غير طبيعي ويتأخر في المشي والكلام وما إلى ذلك.

يلاحظ بعض العلماء والباحثين أن المأكولات التي تحبها الأم وتأكلها أثناء الحمل سيحبها الطفل ويأكلها حين يكبر، فمثلاً لو أن الأم تحب النشويات والأكلات غير الصحية ففي الأغلب يكبر الطفل ليصير بديناً ولا يتقبل الأكل الصحي بسهولة، والعكس صحيح.

لو أن الطفل ذو الثلاث أو الأربع سنوات يتأثر بالجو الأسري ونفسية الأب والأم المستقرة فيساعد أو يقلل من نموه النفسي والعقلي السليم بنسبة 50%، فالجنين يتأثر بنفسية الحامل والجو المحيط ورعاية الأب بنسبة 90%، وهذا الفرق يجب أن يأُخذ في الاعتبار جيداً. القلق والتوتر والاكتئاب والضيق النفسي يجعل الجنين متزعزع داخل الرحم وتزيد نسبة الإجهاض خاصة بالشهور الأولى.

تشير الأبحاث الأخيرة على نفسية الحامل وارتباط ذلك بالجنين من حيث الحالة العصبية أن الأم العصبية وغير الهادئة كثيرة الحركة والتي تمتلك تصميم أكبر لإنجاز الأمور على حساب أعصابها، يكون طفلها أكثر حركة وسريع التوتر والبكاء وصوته عالي وقليل النوم ويعاني من حساسية مفرطة وكثير الشعور بالمغص، أما الأم الهادئة وقليلة الغضب يكون طفلها قليل البكاء وقليل الحركة كذلك بشكل طبيعي. كما أن كل المؤثرات الخارجية التي تتأثر بها الأم من حركة كثيرة ومجهود وأفكار وحتى الروائح ينطبع ذلك على الجنين ويشابه أمه حين يكبر.

بعض الباحثين من الدنمارك نشروا مؤخراً في مجلة اللانست بحث عن العيوب الخليقة بالجهاز العصبي للجنين، فوجدوا أن كثرة بكاء الأم تجاه صدمة نفسية تُعلي نسبة السكر في الدم وأيضاً تفرز هرمون الكورتيزون بكثرة وتنقص نسبة الأكسجين الواصل للجنين مما يتسبب في أضرار وعيوب خلقية في الجهاز العصبي المركزي والطرفي في الجنين، وهذا الجهاز خاصة لأن باقي الأجهزة لا تتأثر بنفس القدر أو لا تتأثر من الأساس.
يتأثر الجهاز المناعي للطفل بجهاز المناعي للأم، ودائماً نفسية الحامل تكون هي نقطة الأساس بين جهاز مناعي قوي أو ضعيف. الأم هي دفاع الطفل ضد أي هجوم بكتيري أو غيره، فإن لم تدافع جيداً عن طفلها سيتحرك الهجوم ناحية الجنين الضعيف وسيولد بالتأكيد ذو عيوب خلقية بسبب المناعة الضعيف والأمراض المتكررة.

نصائح إلى الأم والأب للمحافظة على نفسية الحامل

بهذا الصدد يجب أن تعرف جيداً عزيزي القارئ أن الأمر مشترك بين الأم والأب فليست المسئولية على الأم فقط فالأب هو عامل أساسي في السيطرة على الأم وتهدئتها ومراعاة مشاعرها وحالتها النفسية الغير مستقرة لا لسبب إلا لكونها حامل وهذا طبيعة الجسم في فترات الحمل، هذه بعض النصائح التي يمكن أن تساعدكم.

الاسترخاء

أولاً حاولي أن تأخذي فترات استرخاء مع نفسك وزوجك من الحياة العملية الصعبة لتهدئة النفس والأعصاب، ويجب أن تصارح المرأة زوجها عن مشاعرها ويسمع الزوج باهتمام ومراعاة للمشاعر بدون انتقادات، فهنا السمع هو أفضل مساعدة قبل أي شيء. كذلك بعض المساج والاستمتاع بأشعة الشمس المفيدة والذهاب إلى نزهة على البحر تغير من مزاجكِ اليومي الرتيب والملل.

عدم القلق

ثانياً حاولي ألا تقلقي على الأمور زيادة عن الحد وتعلمي ترك الأمور لزوجك ليتمها هو، حتى قلقك على كثرة قلقك وتأثير ذلك على الجنين فهو غير مبرر، بالطبع القلق والتوتر يؤثران في الجنين ولكن ليس بالطريقة المفرطة التي تتخيلها المرأة، بل تؤثر حين تكون مستمرة بشكل قوي وليست متباعدة، لأن من طبيعية الحياة المزدحمة التي نعيشها أن تتأثر نفسية الحامل ولكن يجب ألا يصير ذلك طابع في الحياة.

قول لا

ثالثاً تعلمي قول لا لكل الأشياء فوق طاقتك من أعمال كثيرة وحمل أشياء ثقيلة لا تخجلي من طلب المساعدة المعقولة من أسرتك ومن حولك أو أصدقائك.

ممارسة الرياضة

رابعاً ممارسة رياضة المشي البسيطة والتنزه والترفيه يزيدان من راحتك النفسية وصحتك الجسدية ويجعلك تتقبلين الحمل براحة وحب ولا يكون مصدر نكد وتعب في حياتك. لأن الرياضة تحسن الدورة الدموية وتنشط العضالات حتى وإن كانت مجرد مشي خفيف وبذلك تستطيعين أن تتمتعي بمناعة قوية. كما أنك لو سألت طبيبك ستجدي أن المشي يساعد على الولادة الطبيعية السليمة أكثر من أي شيء خاصة في الشهور الأخيرة لأنها تعدل من وضع الجنين لتجعله مناسب للولادة.

الحديث مع الطفل

خامساً حدثي طفلكِ من حين إلى أخر هذه الرسائل الإيجابية تجعله يشعر بالأمان للمحيط ويحسن جداً من نفسيته ونموه وجهازكما المناعي.

الزوج والطفل

سادساً على الرجل أيضاً أن يتحدث إلى طفله، ولا تجد الأمر غريباً لأن كل ما يقوله الأب تسمعه الأم ويتحول إلى رسائل كيميائية قوية تصل إلى الجنين مباشرة داخل الرحم. تستطيع أن تلاحظ ذلك في حركة الجنين داخل الرحم وركله لبطن الأم حين يسمع صوت أبيه خاصة إذا ما كانت العلاقة العاطفية بين الأم والأب جيدة. كذلك يمكن للأب أن يحضن الجنين لو حضن الأم فيشعر الجنين بالأمان والدفء التي تشعر به الأم في حضن زوجها. في الملخص يجب على الزوج أن يعرف تماماً أنه من تلك اللحظة يتعامل من شخصين ولكن في أثناء الحمل لهم نفس الاحتياجات، فيزيد الرعاية المطلوبة إلى الضعف.

الدلال

سابعاً تدللي سيدتي، تدللي على زوجكِ أو عائلتك ولا تحرمي نفسكِ مما قد يسعدك ويروح عنك، اعشقي كونكِ حامل واستغلي الوقت قبل الدخول إلى عالم الأمومة الأساسي. لا تعيري للوزن الهم الكثير وكلي ما تحبي من شوكولاتة ومأكولات جديدة، صحيح يجب أن تهتمي بوجباتكِ وعليها أن تكون متكاملة وغنية بالمواد الغذائية السليمة، ولكن بنفس الوقت لا الأكلات الجديدة والغريبة وأي شيء تشتهيه يحسن من مزاجكِ وطاقتكِ النفسية. كذلك لا تبعدي عن زوجك في العلاقة الحميمية ولا تخافي على حملك فلن تؤذي حملك بقدر ما أنتِ متخيلة، ولكنها في المقابل تجعلك سعيدة وتزيد العلاقة العاطفية بينك وبين زوجك وتقربكما أكثر.

اليوجا

ثامناً اليوجا من أكثر ما يساعد على الاسترخاء والهدوء مع النفس، فنصف ساعة فقط كل صباح ستشعرك بالفرق. كذلك القراءة خاصة عن كتب الأمومة التي أنتِ مقبلة عليها تجعلكِ تثقين بنفسك أكثر فترتاحي للموضوع وتتقبليه.

النوم

تاسعاً النوم، عليكِ أن تنامي بشكل مرتاح عدد ساعات كافية باليوم وحاولي الابتعاد عن السهر لأنه يزيد من التوتر وعدم الاستقرار بالليل.

زيارة الطبيب

عاشراً انتظمي على زيارة الطبيب واطلبي منه المساعدة في الاطمئنان المستمر على الطفل، وكذلك يمكنكِ طلب بعض أدوية الاسترخاء والمقويات والفيتامينات التي تساعدكِ في تلك الفترة، ولكن تذكري أن تتبعي نصائح الطبيب بالضبط ولا تأخذي دواء ليس متفق عليه.

خلاصة القول عزيزي القارئ نفسية الحامل يجب أن تكون محط اهتمام كبير عند الأم والأب والعائلة كلها، وكما يهتموا بأثاث غرفة الطفل وملابسه وطعام وأدوية الأم يجب أن تجعلوا لنفسيتها بعض الاهتمام والتركيز. توفير مناخ مناسب بعيد عن المشاكل والخلاف المستمر والتوتر والحزن بالبيت يجعل نمو الطفل صحي ولا وجود للخوف على سلامته النفسية والعصبية أبداً.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

3 + 20 =