تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أمور الاسرة » مراقبة الأبناء : كيف تكون ضرورية وكيف تكون ضارة في التربية ؟

مراقبة الأبناء : كيف تكون ضرورية وكيف تكون ضارة في التربية ؟

مراقبة الأبناء أمر شائك يحتاج الكثير من الآباء والأمهات إلى التفكير فيها مليًا، فليست كل أنواع مراقبة الأبناء نافعة وتؤدي إلى نتائج جيدة في عملية التربية.

مراقبة الأبناء

مراقبة الأبناء من الممكن أن تكون مطلوبة ومفيدة، ومن الممكن أن تكون مدعاه لحدوث المشاكل والصراعات بين أفراد الأسرة الواحدة، في ظل حياة مفتوحة خصوصا مع وجود الهواتف الذكية وخدمات الأنترنت التي تربط العالم كله ببعضه، وكل شخص فيها يستطيع أن يصل إلى من يريد وما يريد في أي وقت بالطريقة التي يريدها، أصبح الآباء يعتقدون أن مراقبة الأبناء ضرورية ولا غني عنها لحمايتهم من الشرور، وفي الجانب المقابل يرى الأبناء أن في ظل عصر مثل عصرنا يتسم بالحرية فأن مفهوم أسرهم لموضوع المراقبة مرفوض من الأساس لأنه يعني التقييد لا الحب وهو أمر مناقض للواقع أيضا الذي يتسم بالحرية فتأتي أنت وتراقب أبناءك وتسمح لنفسك بالاقتصاص من حريتهم وهم يرون ذلك فعلا ويعتبروه تعدي على حقوقهم، تثار المشكلات بين نراقب أم لا؟ نترك الحرية لهم مفتوحة أم نراقب استخدامهم لها؟ ماهي وسائل المراقبة التي من الممكن أن يستخدمها الأبوين؟ المراقبة ستكون أمان لهم أم تصيبهم بالعقد النفسية؟ رأي علماء التربية في موضوع مراقبة الأبناء ؟ هل نحن مهيئون فعلا لمثل هذا الفعل؟ هل أن كائن مثالي لا يخطأ فيمكنني أن أراقب الآخرين وأحكم على تصرفاتهم؟ كل هذه الأسئلة يتم أثارتها باستمرار وسوف نحاول أن نحدد لها أجوبة من خلال المقال.

ما هي فوائد ومضار مراقبة الأبناء ؟

طبيعة العلاقة التي تربط بينهم

في البداية وقبل أن نقيم الموضوع ونحدد أطره علينا تحليل طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء حتى نستطيع أن نلم بالمعطيات التي نمتلكها ومن ثم نستطيع التوجيه وحسن التصرف، علاقة الآباء بالأبناء هي حجر الزاوية في أي أسرة، هل هي علاقة تقوم على التفهم والحب أم على الأوامر والنواهي والمشاحنات بين الطرفين؟ للأسف قله الوعي والثقافة لدي الآباء يعدوا من أهم أسباب سوء التصرف وصعوبة التربية الصحيحة، فقليلون هم من يقومون بقراءة الكتب التي تتحدث عن التربية السليمة أو متابعة نتائج الأبحاث العلمية الحديثة في تربية الأبناء، كذلك قليلون هم من يقومون بأخذ دورة تدريبية في التربية السليمة مثلا أو حتى يحضرون بعض الندوات التثقيفية عن تربية الأبناء وهذا يرجع إلى عوامل متعددة منها فقر الوعي للإحساس بحجم القضية أو انشغالهم بالعمل وعدم توفر الوقت أو القصور المالي، لذلك فالعلاقة بين الآباء والأبناء ليست جيدة في أغلب الأحوال، لأنها لو كانت كذلك لما شعر الآباء بضرورية مراقبة الأبناء وإنما الشعور بضرورة الأمر يدل على عدم صحية العلاقة بينهم حتى ولو أدعى الآباء أنهم مهما فعلوا فالعالم الخارجي يترك انطباعه السيئ على الأبناء ومن ثم تتوتر العلاقة وتفقد الكثير، ولكن الموضوع ببساطة أن الطفل من عمر (0-6) تكون أنت كأب/ كأم المسئول عنه وتقوم بتربيته وفي هذه الفترة تتشكل شخصية الطفل وتترسخ بها القيم التي تسير عليه حياته فيما بعد، ربما هناك مؤثرات خارجية ولكنها ليست بالتأثير الكبير إذا أنت أحسنت التربية، ففي هذه الفترة تُغرس القيم والمبادئ في الطفل وينمو نفسيا وجسديا ومعرفيا، ويقع الآباء في أخطاء كثيرة في تربية أبناءهم، فتجدهم يطالبون الأبناء بعدم الكذب وهم يكذبون وينهوهم عن بعض الأفعال ويأتون بمثلها مما يوقع الطفل في حالة تناقض ويربكه ويقع في منطقة وسطي بين تحديد الخطأ والصواب، فنحن كآباء مسئولون مسئولية كاملة عن تربية الأبناء وعن الحال الذي سوف يصلون له وهذا ما أكده رائد التحليل النفسي فرويد حين قال اعطني عشرة أطفال وسوف أحدد لك الطبيب من المهندس من اللص من رجل الدين، أي بتربيتك لهو حتى سن الخامسة ستتشكل شخصيته فلا تلقي باللوم عليه عندما يكبر لأنه من صنيعك أنت.

علاقتهم بالمجتمع

علاقة الأبناء بالمجتمع تتأتى من خلال آبائهم، فالطفل لا يُلقي في الشارع ليتعامل معه بمفرده ويكتشفه وإنما في البداية عليه أن يفهم الواقع الخارجي ويفهم ماذا ينتظره ويتسلح بالمعرفة التي سوف تساعده في تحقيق أهدافه، الإنسان وليد بيئته يؤثر فيها ويتأثر بها هذه الحقيقة ولكن أين الأساس الإنساني؟ أين القاعدة التي تربى عليها؟ الإنسان الهش الضعيف هو فقط من تؤثر فيه بيئته إيجابا وسلبا وإنما من يملك أدواته يتفاعل مع البيئة بقدر ويحاول فهمها وتفسيرها، وهو الذي يحدد السلوك الذي يسلوك، فأنت لديك منتج أن أحسنت إخراجه سوف يصمد في منافسة منتجات الآخرين وسوف يحتمل سياسة المنافسة أم إذا كان ضعيفا فسينسحب مبكرا، جمعينا لدينا صعوبات ومعرقلات ومنغصات حياتية ولكن الفيصل في كيف نتعامل معها، من يتخطاها ويمر ومن يقف عندها ومن يتحايل عليها ويحولها لصالحه وهذه هي النقطة المهمة أي تدعيمه ومنحه قوة المعرفة وليس كما نتشدق دائما ونقول مراقبة الأبناء وتضييق مساحة حريتم من أجل حمايتهم من المجتمع!

وسائل المراقبة

تتعد وتختلف وسائل مراقبة الأبناء من خلال الآباء ومنها: مراقبة تصرفاته في المنزل، مراقبة الهاتف الخاص به ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي المشترك بها مثل الفيس بوك وتويتر، ومراقبة الأصدقاء وغيره، وللتكنولوجيا الجديدة فضل كبير أيضا في هذا الموضوع فسوف نجد الآن العديد من البرامج والتطبيقات التي من خلالها يمكنك مراقبة كل ما يفعلون على الأنترنت أو في هواتفهم الذكية وليس الأمر هنا فحسب وإنما أيضا التجسس من خلال الموبيل وخاصية تحديد المواقع وغيره الكثير، وكأننا رؤساء مافيا ونتعامل مع أفراد عصابه وليس أبناءنا اللذين كانوا في يوم أطفال ضعاف لا يقون على فعل شيء بمفردهم.

كيف تكون المراقبة

انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف الذكية والآيباد وغيره يشكل فائدة وتهديدا في الوقت نفسه، فهي مثلها مثل أي أجهزة أخري لها إيجابيات ولها سلبيات، والكثير من الأبناء لا يعرفون هذا وبالتالي من الممكن أن ينجرفوا في مواقع ليست لهم وتصيبهم لعنة التكنولوجيا ولا يحصدون إلا الجانب السلبي، وما يؤكد ذلك هو ظهور بعض الأمراض النفسية الجديدة المتعلقة بالتكنولوجيا مثل إدمان الفيس بوك، وإدمان مواكبة أحدث الأجهزة وغيرها الكثير وهي أمراض معترف بها ويتم وضع برنامج لمعالجتها، لذلك لزم التفهم والشرح والتوضيح بها جيدا للأبناء وأن نوصل لهم هذه المعلومات ونراقب تصرفهم معها وهذه تكون طريقة جيدة في مراقبة الأبناء مفيدة للطرفين بدون التدخل المباشر في حياتهم الخاصة.

حلول مقترحة

بدلا عن مراقبة الأبناء لما لا نبني علاقة جديدة بيننا وبينهم ونمد جسر التواصل والحوار والنقاش أفضل من سياسة المنع والعقاب والسلطة والتحكم ويتأتى لنا ذلك من خلال خطوات بسيطة مثل:

بناء جدار من الثقة

الثقة في عصرنا الحالي بشكل كبير مفقودة بين الطرفين، ويعتبر كل طرف منهم أنه ند للطرف الآخر وليس هذا فحسب وإنما أيضا يرى كل منهم أنه الأكثر ثقافة والأكثر معرفة والأكثر فهما من الآخرين، فالآباء يرون بأن بخبرتهم الطويلة بحكم السن هم من يمتلكون المعرفة الحقة وقرارتهم صائبة دائما والأبناء عليهم طاعتها وإلا يعني ذلك أنهم متمردون ومشاغبون، والأبناء يروا أنهم الأكثر عصرية ومعرفة بالعالم الآن من كثرة اطلاعهم فلن تجد مثلا أب أو أم تفهم في التكنولوجيا مثلما يفهم أطفالها، هم بلا شك الأكثر معرفة لأنهم الأكثر فضول لهذا المجال، فيرى الأبناء أنهم يمتلكون القرار الصائب وأن الأب والأم هم موضة قديمة وينهار التواصل والتفاهم بينهم، فلما لا نبني جدارا صلبا من الثقة بيننا وبينهم وأن كنا نريد مراقبتهم فيكون من مساحة بعيده وبدون تتدخل مباشر فقط للمساعدة سيكون الوضع أفضل للجميع.

الصداقة

مصادقة الآباء للأبناء تجعل الأبناء يتمتعون بالحرية في مقابل تمتع الآباء بالمعرفة لكل أمور أبناءهم، فكن صديقا تكن أكثر معرفة بشؤونه، كن دائما متواجد للمساعدة واعطي لهم ما يريدون من الوقت وتواصل معهم دائما ولا تأخذك مشاغل الحياة، كونوا أصدقاء.

الحب

نعم الحب والحنان العاطفي كفيل وحده بحل المشكلات، فشعور أبناءك بأنك تحبهم وتخاف عليهم سوف يجعلهم يتقربون لك ولن تأخذهم وسائل التواصل الاجتماعي كما يشتكي الجميع، كف عن الانتقاد وتفهم الوضع وتصرف بحب تجاههم.

تجربة من الواقع

سوف أتحدث هنا في تجربة واقعية نعاني منها في مصر خصوصا الآن لأنها بدأت في أخذ مسار مختلف، وهذه هي مشكلة مراقبة الأبناء وخاصة الفتيات، أصبح الأهل في مصر الآن يراقبون أولادهم بأشكال تنم عن الجهل وعدم المعرفة وبشكل خاص الفتيات اللائي أتجهن في نهاية الأمر إلى الهرب من المنزل وترك الأسرة وقطع علاقتهم بالأهل، فالآباء يضيقون بشكل مستفز على فتياتهم مدعين أن ذلك من الحب والخوف على مصلحتهن فتجد من يوقف أبنته عن التعليم لأنه يخاف أن يخرجها من المنزل حتى لا يتم التحرش بها، يضايقها أحد، تتعرض لحادثة ما، وفي الغالب وهذا في ظني ومن خلال رؤيتي للواقع المعيش لا أري فيه حب أو خوفا على الفتاة أكثر منه خوفا على شرف العائلة إذا تعرضت الفتاة لحادثة أو ما شابة ذلك، حتى تحول الأمر إلى صراع ويتم قمعهن بأشكال مختلفة من كل أعضاء الأسرة حتى الأخ الأصغر الذي يتم تربيته على أنه رجل يجب أن يتحكم في أخته ليثبت رجولته وذلك الكائن الضعيف خلق ليتم قيادته من قبل الآخرين، وللأسف الشديد بعض المعتقدات الدينية رسخت للأمر أكثر وأعطته مشروعية حتى ساد وانتشر، وأصبحت المراقبة على كل شيء وبسبب وبدون سبب ولكن ماذا كانوا يتوقعون الآباء حينذاك الطاعة العمياء مثلا؟! الكبت لا يولد إلا الانفجار فبفعل التقدم التكنولوجي واستخدام الفتيات لوسائل التواصل الحديثة نشأت الجماعات والجمعيات التي تدعم خروج الفتاة من المنزل والاستقلال بحياتها وإدارتها كيفما تشاء وهذا ما كثر هذه الأيام وفي ازدياد، طبعا استقلالهن أمر محمود وكان من المفترض أن يكون متاح برضا وقناعة الأسرة لمن تريد، ولكن ما حدث أنهم منعوا عنهم كل منافذ الهواء وتفننوا في تضييق مساحة حريتهن مع جعل الفتيات يهربن ويقطعن علاقاتهم بهم وبالطبع هناك الكثير من الأسباب التي تدعم ذلك من عنف يمارس تجاههن وقسوة وغيره الكثير الذي نسمع عنه ونقرأه في الصحف وفي حوارات تدار مع هؤلاء الفتيات، فالمنع وسياسة السيطرة لن تؤدي إلا إلى نتائج عكسية تماما عكس ما نريد ولا أحد يعتقد أنه مهما فعل يستطيع التحكم والسيطرة في زمننا المعاصر لأنه ببساطة زمن الحرية.

وفي النهاية مراقبة الأبناء مطلوبة من أجل حمايتهم ولكن بشروط معينه وفي أوضاع وحالات معينه، كونك رب الأسرة أو كونك ربه الأسرة وأنت/أنتِ من تملك النفقة والجانب الاقتصادي لا يعطيك الحق على الإطلاق بالتعامل معهم كأنهم تابعين لك، وإنما علاقتكم يجب أن تكون تفاعلية مليئة بالحب والتفاهم، نراقبهم من بعيد ولكن لا نفرض سيطرتنا، نتدخل في بعض الأمور للمساعدة فقط وإبداء النصائح وليس لتقديم خارطة الطريق التي يجب أن يسيروا عليها وإلا فلا، الجانب التكنولوجي علينا أولا معرفة السن المناسب لاستخدامه ولا يمكننا منعه إذا وصل الطفل للسن المعقول لذلك، ليس من حقنا منعه وعزله ولكن يجب التحذير من وقت لآخر بمخاطر وأضرار التكنولوجيا والجانب السلبي لها والدعوة للترابط الأسري الجميل المبني على التفاهم والحب والصداقة.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

خمسة × ثلاثة =