تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الطب والتاريخ : كيف غيرت أفكار مجنونة الطب إلى الأبد ؟

الطب والتاريخ : كيف غيرت أفكار مجنونة الطب إلى الأبد ؟

في تاريخ الطب الكثير من الاختراعات التي كانت تبدو مجنونة في وقتها، لكنها أصبحت من أساسيات الطب في الوقت الحالي، نستعرض علاقة الطب والتاريخ هنا.

الطب والتاريخ

الطب والتاريخ يمشوا مع بعضهم البعض في طريق التطور وكلما تقدم التاريخ كان الطب يتطور وينمو، ويجب أن نعرف أن لكل فكرة طبية اليوم أصل لفكرة جاءت على عقل أحد الأطباء العظماء حتى وإن لم تلقى اهتماماً كبيراً في أيامه إلا أنها أصبحت الآن محط اهتمام وقاعدة يُبنى عليها الأفكار الأخرى، في مقالي هذا سأقدم لك مجموعة من الأفكار التي قد تبدو للوهلة الأولى سخيفة كما نظر لها بالضبط العالم في وقت تفكير الطبيب بها، أو مجرد غلطة حدثت لتجربة العالم أو الطبيب، كانت لهم الأثر الكبير في تقدم العلم وممارسته كما هو الآن في أيامنا هذه.

علاقة الطب والتاريخ

الطب والتاريخ بين الحلاق والجراح

قد يبدو العنوان غريباً فما علاقة الحلاقين بالجراحين، ولكن لسخرية الأمر فإن المهنتين كانوا واحدة في العصور الوسطى المظلمة في أوروبا. تعتمد الحلاقة على مهارة الحلاق في استخدام الموس الحاد وهو ما ساعدهم على أن يستطيعوا ممارسة أعمال الجراحة، فكان الحلاق يعالج المرضى بطرق كانت منتشرة في تلك الأيام مثل إراقة الدماء والحقن الشرجية وقلع الأسنان وبتر الأطراف خاصة بالحروب، فكانت تمارس أعمال غير أدمية ولكن بعضها قد يكون السبب في إنقاذ المرضى من الموت. في 1540 قام الملك هنري الثامن بإنشاء “شركة الحلاقين الجراحين المتحدة” حتى يتم تدريس الجراحة بشكل أفضل وممارستها، وفقط منذ عام 1745 فصل الملك جورج الثاني بين المهنتين وأصبح الجراحين فقط هم من لديهم الحق بالتعلم وممارسة المهنة في كلية لندن للجراحين. مع الأسف بعض الحلاقين ما زالوا يمارسون الجراحة خاصة المتعلقة بختان الإناث بالأرياف المصرية الفقيرة والجاهلة.

الطب والتاريخ والأمور المقززة

من أكثر ما ستستعجب له عزيزي القارئ هو ما فعله الطبيب وعالم الكيمياء الطبية توماس ويليس، فهو حرفياً ذاق بول من مريض سكري، نعم ذاق وقارن أيضاً بين طعمه وطعم بول عادي فكانت النتيجة هي أنه وصفه بأنه يحتوي على بعض العسل أو السكر وهذا الاختلاف هو ما أدى إلى اكتشاف مرض السكري عام 1647 حتى إنه كتب فصلاً كاملاً في كتابه الأخير عن الفرق بين طعم البول عند مستويات المرض بالتفصيل. قد يبدوا الأمر مقززاً لك وفكرة مجنونة ولكنها السبب في اكتشاف ذلك المرض وأيضاً ارتباطه بأعراض خطيرة وكذلك الاكتئاب، وكلامه هذا تم إثباته بعد ثلاثة قرون بأجهزة التحاليل الحديثة.

الطب والتاريخ وبراميل النبيذ

الطبيب النمساوي ليوبولد فون آوينبروغر هو أول من قدم طريقة أخرى للفحص الطبي بدون الحاجة إلى فتح جسم المريض ورؤيته من الداخل في عام 1754، وتبدأ القصة بكونه ابناً لصاحب حانة وكان يلاحظ أباه يضع أذنه على برميل النبيذ ويقرع عليه بأصابعه ويسمع الصوت الذي سوف يتردد أو لا حتى يعرف ما إذا كان برميل النبيذ مليء أم مغشوش فيه.

بهذه الطريقة جرب ليوبولد نفس الأمر أولاً على الجثث فأخذ يملأ الرئة بسوائل ويطرق عليها وينتظر الصوت فإذا تردد الصوت فهذا ينم على فراغ بتلك المنطقة أما إذا انعدم التردد فالسوائل إذا امتصته ليخرج صوت أخر مكتوم ويعرف بذلك مكان احتباس السائل في مرضى الالتهاب الرئوي على سبيل المثال، ليتدخل الجراح ويعالج المشكلة دون الحاجة إلى فتح المريض في أماكن أخرى بدون داعي. وأصبحت فكرته من تلك اللحظة حجر الزاوية التي بنيت عليه أفكار الفحص السريري كلها.

الطب والتاريخ ولعبة الأطفال الصغار في الشوارع

حتى لعب الأطفال بالشوارع قد تكون مصدر إلهام لفكرة طبية لو تقبلت مع عالم عنده القدرة لتحويل الفكرة المجنونة إلى حقيقة علمية مؤكدة، هذا ما حدث مع الطبيب الفرنسي رينيه تيوفيل هسنث اينك عام 1816، عندما لاحظ طفلين يلعبون في شارع يحملون عصا طويلة مجوفة أحدهم يضع أذنه عليها من ناحية والأخر يحرك عليها دبوس صغير ليرسل بذلك إشارة لصديقه، لأن صدى الصوت المتردد كان يكبر كلما مر بالعصا حتى يصل إلى الأخر. هذه الفكرة جعلته يستغلها في الفحص السريري لأنه كان يخجل جداً وضع أذنه والطرق على صدر المرضى خاصة النساء ليسمع تردد الأصوات كما اقترح ليوبولد في الفقرة السابقة، فكان يضع عصا مجوفه قصيرة يسمع بها الأصوات على الرئة والقلب والنبضات، مما ترتب عليه اكتشافه للكثير من الاكتشافات الطبية الخاصة بالرئة والقصبات الهوائية وخروج ودخول الهواء والدماء وحتى إنه كان أول من وصف التليف الكبدي. وتطورت منذ ذلك الحين فكرة السماعة الطبية إلى ما هي عليه الآن وهي علامة مميز على رقبة كل طبيب.

الطب والتاريخ واكتشاف فصائل الدم

النمساوي والطبيب كارل لاندشتاينر من جامعة فيينا سنة 1900 أخذ على عاتقه ملاحظة علميات نقل الدماء من شخص لأخر وأن بعضها ناجحة وأخرى تكون مميتة ويزيد احتمال نجاحها بقرب العلاقة الأسرية بين المريض والمعطي، ولم يرضخ لمجرد الملاحظة بل بدأ في جمع عينات دم من جميع من حوله وبدأ يخلط كل اثنين معاً فاكتشف أن هناك من يظلوا سائلين مع بعض والبعض الأخر بمجرد جمعهم يحدث بهم تكتل وتماسك فيما بينهم. من هنا فهم كارل أن الدم له تصنيفات واسماهم A,B,C والحرف C تم تغيره فيما بعد إلى O وإن نقل دم من شخص لأخر لا يحمل نفس الفصيلة تسبب مشاكل تصل إلى تكون الجلطات والسكتات الدماغية المميتة. حصل كارل على هذا الاكتشاف جائزة نوبل في الطب، صحيح أنه بعد فترة تم اكتشاف فصيلة أخرى ألا وهي AB وفكرة الموجب والسالب ولكن اكتشاف كارل هو أساس الفكرة والتي أنقذت معها الكثير من طالبي نقل الدم في مختلف الاحتياجات.

الطب والتاريخ مع التحقيقات الجنائية

جوزيف بيل أسطورة التحقيق الجنائي الطبي، هو أول من استخدم قواها في الملاحظة الدقيقة لفهم أعمق للمرض أي بملاحظة الأعراض وماضي المريض واستنتاج المرض القريب جداً من التشخيص السليم، كان جوزيف دائماً يشجع طلابه على قوة الملاحظة حتى إنه في محاضرة له مسح بإصبعه جثة أمامه وبعدها أدخل إصبعه إلى فمه وطلب من طلابه فعل ذلك ومع القرف الشديد منهم إلا أنهم فعلوا بالمثل، الأمر الذي أضحكه لأنه لم يدخل نفس الإصبع الذي مسح به إلى فمه وهذا ما لم يلاحظه طلابه فكان درساً لهم.

كان جوزيف يلاحظ كل شيء من الألف للياء، إذا المريض يحمل وشم معين قد يكشف للطبيب حقيقة عن المريض، أو إذا كان سكير ويشرب الخمور من رائحة الفم والحركة، أو من معرفة عمله يفهم عن المريض أمور مثل حمل الأشياء الثقيلة أو التنقل الكثير والسفر، أو حتى من أمراض حدثت بالعائلة قد تكون وراثية. فأسس فكرة الملف الشخصي لكل مريض، وساعدت قوة ملاحظة جوزيف الشرطة في اكتشاف الجرائم خاصة جرائم القتل فكان يستطيع تخيل الأحداث التي حدثت مع القتيل والوصول إلى القاتل بدون الكلام مع أحد أو استعمال أجهزة الطب الشرعي التي لم تكن متوفرة في 1888 في أيامه. حتى إن شخصية جوزيف هي التي أوحت للكاتب آرثر كونان دويل شخصية المحقق الشهير شارلوك هولمز والتي كانت بعض جرائمه وقصصه هي بالفعل حقيقة لذلك الطبيب المحنك.

الطب والتاريخ وصدفة فليمنغ

في 3 سبتمبر 1929 لاحظ أستاذ علم الجراثيم أليكسندر فليمنغ تكون هالة من الفراغ حول إحدى تجمعات البكتريا العنقودية في أطباق بتري الخاصة به، وكأن تلك الهالة تحد من انتشار التعفن الخاص بالبكتريا، وهي محض صدفة فلا أحد يعرف كيف وصل البنسلين لذلك الطبق ويقال إنه مجرد غلطة منه، ولكن الأهم أنه وصل للشخص المناسب فأدى إلى أهم اكتشاف في عالم الجراثيم ألا وهو المضاد الحيوية والبنسلين. ولم يتم استخدم البنسلين سوى بعد الحرب العالمية الأولى عن طريق فليمنغ وطبيبين أخريين وهم الثلاثة حصلوا على نوبل في الطب وتعد تلك الصدفة أهم صدفة في تاريخ الطب.

أخيراً عزيزي القارئ الطب والتاريخ يمتلئوا بالقصص العجيبة والأفكار المجنونة والتي منها تولدت الأفكار الرائعة وأساس الطب الحديث.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

خمسة عشر + 5 =