الأزمات الصعبة هي الحوادث التي تحدث خارج إرادتنا في كل مراحل الحياة والتي قد تفقدنا أشياء مهمة مثل حواسنا أو أعضاء معينة في جسمنا، ويكون التحدي الأكبر هنا في هل سنقوم ونكمل المسير وننجح في حياتنا أم لا، يولد المئات من البشر بإعاقات جسدية تصير معها الحياة الطبيعية وهم كبير وهم لا ذنب لهم أبداً، ولكن البعض فقط من يتخطى تلك الأزمات الصعبة بل ويحول الأمر إلى نجاح، وهذا هو التحدي الأكبر. أن تستخدم العقبة نفسها وتحولها إلى نجاح كبير وتكون مختلف عن الجميع. في مقالي هذا لم أتحدث بشكل وعظي وتنموي بل سأعرض عليك تجارب حقيقة لبشر من مختلف الجنسيات واجهوا أزمات صعبة سواء حوادث أو عيوب خلقية حولها بصبرهم اجتهادهم إلى قصص نجاح عظيمة يقف أمام الفرد ويبجلها.
تجارب عظماء تخطوا أعتى الأزمات الصعبة
الموسيقار العظيم بيتهوفن
لودفيج فان بيتهوفن عبقري الموسيقى الكلاسيكية لم يأتي في التاريخ من أثر في الموسيقى بتلك البراعة مثله، وما زالت مقطوعاته تُدرس من جودتها ومتانتها وروعتها التي دامت حتى الآن قرون من الزمن. عاش الموسيقار الألماني حياته في عائلية موسيقية وعشق الموسيقى ودرسها ثم انتقل إلى فينا حتى يبدأ حياته المهنية، الأزمات الصعبة لا تترك أحد فأتاه تدهور السمع مبكراً في سن الثلاثين وهذا الأمر يكون مصيبة على الموسيقيين وإلا فكيف سيسمعون اللحن. بيتهوفن لم يتوقف حتى بعد تدهور السمع تماماً ووصل إلى الصمم التام، بل أكمل طريقه في تأليف روائع الموسيقى الكلاسيكية، والغريب أن ما ألفه في وقت صممه أفضل مما ألفه قبل أن يتدهور سمعه. وألف في كل المجالات وخاصة البيانو الذي كان يتقنه والتسع سمفونيات خاصته لو سمعتها ستعرف بالتأكيد أنها ليست غريبة على مسمعك من كثرة المرات التي قد تكون سمعتها وأنت لا تدري أنها لبتهوفن. وفاته المنية بعد 27 سنة من التأليف مع الصمم ولكنه ترك للعالم إرث كبير لم يفعل مثله أحد حتى الآن. وكيف فعلها؟ حقيقة لا أدري ولكنها بالتأكيد قوة التصميم والعقل والإحساس بالموسيقى.
طه الحسين المؤلف الأعمى
طه بن حسين بن علي بن سلامة الذي ولد لعائلة بسيطة من قرية بسيطة في صعيد مصر وبسبب جهل الأم والبيئة أصابه الرمد في سن صغير واكتمل الأمر بالعمى الكامل، فلم يري طه الدنيا كما نراها ولا عرف الفرق بين الألوان وكل ما يعتمد عليه كان الصوت واللمس. كان من الممكن أن يستسلم فهو سابع أخواته وليس هناك علاج لعينه وسيصير معه كل الحق ولا أحد يلومه. ولكن الأزمات الصعبة لا تقوى على الشجعان، تحدى طه العمى ودخل الكُتاب حتى حفظ القرآن الكريم ومن ثم تعلم في الأزهر مع أخوه وسط المال القليل والبيئة أقل من الطبيعية، وتمكن من أخذ من دخول الجامعة المصرية أول ما فتحت ولم يحب الأزهر ولكنه عشق الجامعة ومعارفها. حتى إنه سافر إلى فرنسا في بعثة علمية وهناك عرف نور حياته في امرأته سوزان بريسو التي ساعدته في القراءة والكتابة وتعلم الفرنسية واختيار الملابس اللائقة وأتت معه إلى مصر تحت ظروف صعبة جداً وبيت بسيط الحال. والآن طه حسين هو عميد الأدب العربي كما يسموه، فقط كتب ونقد الكثير من الكتب وغير من الأدب العربي وكان أستاذاً جامعياً متمرساً وأعطى لبلده وللغته الكثير. وفي نفس الوقت عاش حياة زوجية سعيدة وله ابنة وابن وهو أعمى لا يري وكتب سيرته الرائعة “كتاب الأيام” يصف فيه حياته وما عناه والأزمات الصعبة الكثيرة التي لا ترحم التي واجهته وكيف تخطاها.
ستيفن هوكينج
هذا الرجل يجعل أياً من كان يخجل من نفسه، لأنه عالم الفيزياء الشهير ولم يترك علماً صعباً إلا وكان له اليد الكبرى في أهمية النظريات به (علم الكون، الثقب الأسود، الديناميكا الحرارية، الزمن والوقت والتسلسل الزمني، علم الرياضيات والفيزياء الكمية) والقائمة تطول من شهادات الدكتوراه والزمالة الملكية من مختلف الجامعات الكبرى. هذا الرجل شُخِص بمرض لو جريج أو العصبون الحركي (ضمور وتصلب العضلات) وهو بسن ال21 فقط وبدأ يفقد الكثير من التحكم في عضلات الجسم وتوقع له الأطباء على الأغلب سنتين فقط في الحياة لسرعة تدهور الحالة وتقدم المرض. ستيفن رغم علمه بأنه سيموت في أي لحظة لم يجلس في الظلمة ساكتاً وساعدته حبيبته وامرأته جين وايلد فتزوجها وعاشا حياة صعبة مريرة فمن القدرة على السير إلى العكاز ثم الكرسي المتحرك وحتى الأطراف وأخيراً حتى القدرة على التنفس والكلام. رغم توقعات الأطباء يعيش ستيفن هوكينج حتى الآن في عمر 74 عام وهو جالس على كرسي متحرك ولا يستطيع أي عضلة من جسمه التحرك سوى عضلة العين البسيطة التي تسمح له الكلام باستخدام تقنية حديثة في الحاسوب أمامه، وعنده فتحة في الرقبة لدخول الهواء منه إلى الرئة وجهاز مراقبة دائم للقلب وعناية شديدة مرافقة له دائماً. وسط تلك الظروف، عقله الواعي لم يبغى الاستسلام ومازال يعطي ويضيف للعلم الذي يعشقه كل يوم، فحقاً يستحق القول عن هذا الرجل “طالما بقي فيه عقلاً واعياً، لن يستسلم وسيعطي بدون توقف”.
درو لينش – Drew Lynch
هنا لا أتكلم عن شخص عاش في زمن غير زماننا وإنما شاب عادي بعمر العشرينات، عرفنا قصته حين تقدم إلى برنامج المواهب الأمريكي في عام 2015. هذا الشاب كان يلعب البيسبول في مدرسته منذ أربعة سنوات من التقدم للبرنامج، وأحد اللاعبين ضرب الكرة بطريقة صعبة بالخطأ جاءت على منطقة الرقبة عند درو، من حسن الحسن لم يصب بإصابة خطيرة ولكنها فقد معها القدرة على الكلام السريع العادي بسبب أنها ضغطت على أعصاب معينة ناحية الأحبال الصوتية، فأصبح “يتلعثم بالكلام” ولا يستطيع النطق بالجملة كاملة بل بكلمة واحدة بسرعة كباقي الناس. فماذا فعل؟ واجه هذه الأزمات الصعبة وواجه الخوف ونظرات الناس وشجعته صديقته على محاولة استخدام ذلك التعثر في تشجيع غيره، فوجد أنه يستطيع إضحاك الجماهير وهو على المسرح ومن هنا قرر أن يكون “مؤدي عروض كوميدية” ما يسمى ستاند أب كوميدي “stand up comedy” وحول من إعاقته إلى عمل ناجح يضحك فيه الجماهير حين يمثل دور الجي بي إس بالسيارة بطريقة مضحكة لو أنها كانت مثله تتلعثم بالكلام، وأصبح مثل أعلى لمن هم مثله بل وكان على خطوة واحدة من الفوز بالبرنامج لأنه حل في المرتبة الثانية أمام محرك دمى ذو موهبة عالية.
راي تشارلز
هذا الرجل هو مغني السول والكنتري الأمريكي الرجل الذي قيل عنه أنه من العشرة الخالدين في مجال الموسيقى، هذا الرجل وقع في سن صغير في خزان ماء ساخن فأصابت هذه السخونة العالية الشبكية وبدأ نظره يضعف حتى بسن الثالثة لم يعد يري أي شيء، ولكن من قال إن الأزمات الصعبة هي نهاية طريق النجاح؟ أكمل ري حياته وأشعل بموسيقاه جماهير المُحبة للفن وفاز ب13 جائزة غرامي، وهى أكبر جائزة موسيقى في هوليود.
ألعاب بارالمبية
هذه الألعاب شبه ألعاب الأولمبياد وهو حدث يحدث كل أربعة سنوات وفيه يتنافس الرياضيين المعاقين جسدياً (ذوي الاحتياجات الخاصة) سواء فقدان لعضو كامل أو شلل معين أو تصلب. صحيح أن التمويل لهذه لا يتساوى مع الألعاب الأولمبياد العادية للمحترفين ولكنه يبقى حدث بارز يدل على أن الأزمات الصعبة بالحياة لا تستطيع أن توقف الشخص وهو حتى عن الرياضة التي تطلب المجهود البدني. هم يستخدموا بعض الأدوات المسموحة للمساعدة ولهم قوانين تختلف عن الرياضة العادية ولكن هذا الحدث الرياضي يشهد في كل مرة عن حب التنافس والتحدي للذات والتغلب على صعاب الحياة ويا له من مشهد رائع يجب أن نقف له تقديراً.
نذير عمار
هذا المراهق ولد بحالة التوحد فهو لا يستطيع التفاعل مع المجتمع كما نفعل نحن، وفقط يستطيع التعامل مع بعض الأشياء بتركيز غريب، تلك الصفة كانت الموهبة التي رأتها أمه به وهي قدرته على التركيز في تحريك ورمي الأشياء للأعلى مثل حركات السيرك والمهرجين، وتقدم إلى برنامج المواهب العربية وكانت قصته تؤثر في كل المشاهدين، لأنه هو وأمه لم يتركوا الأزمات الصعبة في التغلب عليهم، وأن لكل إنسان مهما كان موهبة فقط يحتاج أن يكتشفها وينميها.
ربابة محمدي
فتاة أفغانية لديها من العمر 16 عام فقط لديها إعاقة خلقية منذ ولادتها بشكل يديها فهي لا تمتلك أيدي مثلنا وأيداها مشوهتان وكأنهما قطعتا لحم ملتصقين. تلك الفتاة عشقت الرسم ولكن يداها لم تسعفها فأتقنت الرسم بالفم وتستعمل رجليها في تثبيت الفرشاة في فمها ومن ثم ترسم وتخرج أروع الرسومات التي لا يستطيع بعض الناس رسمها بأيديهم.
نيك فيوتتش
نيكولاس جيمس فيوتتش هو واعظ ومبشر مسيحي يتكلم عن محبة الحياة والأمل والضحكة لا تفارق فاه، ولو حاولت كتابة اسمه على الإنترنت ستفاجأ بشكل جسده. لأن نيك لم يولد لا بأيدي ولا بأرجل وإنما بأشياء صغيرة ولا تساعد على فعل شيء، من يولد بتلك الحالة يجلس بمكانه بقية حياته يأخذ الشفقة والمساعدة من جميع من حوله، ولكن هذا ليس حال نيك، فهو يفعل كل ما تتخيل كرجل طبيعي بالحياة بمفرده، فيغسل أسنانه ويمشط شعره ويطبخ لنفسه بعض الوجبات الصغيرة، كما أنه يحب البحر وركوب الأمواج وغيرها الكثير. نيك المميز فيه هو ضحكته وكلامه المشجع فهو يعيش ليس متجاهلاً لمشاكله بل متحدياً لها، ويأخذ من قصته رمزاً للأمل والتفاؤل وتحدي الأزمات الصعبة. وحالياً وهو زوج وأب، ودائماً يقول إنه يحب أن يعطيه الناس حضناً كبيراً ويحب أن يرى البسمة في أعين الجميع فلا شيء يستحق في هذه الحياة أن يكتئب الشخص بسببها، وهذا الكلام يخرج من شخص فاقد لكل أطرافه فما هو التعليق المناسب؟ أعتقد أنه الصمت.
عازفون بدون أيدي يتحدوا الأزمات الصعبة
في هذه الأيام تشتهر الفيديوهات عن عازفين آلات مختلفة يعزفون بالأرجل دوناً عن الأيادي بسبب أن أياديهم مبتورة سواء عن حادث أو تشوه خلقي ويعزفون أحلى النغمات رغماً عن ذلك منهم “فيلكس كليزر” عازف آلة البوق، توني بلندز هو رجل أمريكي من غواتيمالا يعزف على الجيتار برجليه ويغني أيضاً بصوت رائع، وهناك العديد من هؤلاء المحاربين حول العالم.
راقصون معاقين يتحدوا الأزمات الصعبة
ليس العزف فقط من يُحكى فيه هذه الحكايات بل الرقص كذلك فنرى هنا وهناك وعلى برامج المواهب فرق مكونة من اثنين واحد فيهم فاقد لرجله والأخر فاقد ليده فيكملون بعضهم البعض، أو فريق برازيلي كامل “Body and movement” يضم معاقين يجلسون على كراسي متحركة يجعلون الرقص بحركاتهم يبدوا ممتعاً وسلساً ويبهرون الجماهير.
خلاصة القول عزيزي القارئ أن الأزمات الصعبة لا تستطيع أن توقف عزيمة الإنسان ويمكن بالصبر والاجتهاد أن تتحول الأزمة والإعاقة إلى نجاح ولكن مع المميزين والجادين فقط، والذيم يحلمون بالغد الأفضل.