مستقبل الأبناء أحد الأمور شديدة الأهمية التي يحرص عليها كل أب وأم، الجانب النفسي لكل شيء هو دائماً شديد الأهمية، فالإنسان كائن حي يؤثر ويتأثر في كل ما حوله وجزء من تأثره بما حوله يظهر في شكل نفسي، والأهالي هم دائماً الأقرب لأبنائهم فهم البيئة الأولى التي ينصدم بها الإنسان والأسرة هي العنصر الرئيسي الذي يكون شخصية الأبناء، والأبناء هم النواة الرئيسية للمجتمع وبالتالي فتقويم الأسرة هو السبيل الوحيد للتنشئة السليمة لهؤلاء الأبناء.
مستقبل الأبناء : كيف تؤثر فيها تعليقات الأهالي ؟
التربية السليمة
التربية السليمة هو مفهوم واسع قد تبارى علماء الاجتماع والطب النفسي من أجل أن يتناولونه من كل زواياه بدون إيقاع أو نسيان، والتربية السليمة في الأساس تعتمد على رسم حدود واضحة لتطور العلاقة بين الأهل والأبناء منذ اليوم الأول، حيث أن التربية هدفها الأساسي هو إخراج فرد قادر على تنمية مواهبه وقدراته وقادر على التعامل مع المجتمع والتأثير فيه بشكل سليم وصحي، ومما يعد من الأخطاء الشائعة في التربية وأساليبها هو التحكم، فكثير من الأهالي قد تتعمد ذلك أو قد تفعله دون قصد، فأولئك الأهالي يظنون أن خبرتهم في الحياة قد منحتهم الحق في التدخل في حياة أبنائهم بغرض الحماية، والواقع أن لكل الفرد الحق في خوض تجاربه بنفسه وأن أسلوب التحكم دائماً ما يأتي بالنتائج العكسية ويجعل الأبناء يتصفون بصفات غير مرغوبة مثل العند والتمرد، بل إن الخوف يدعو إلى توجيه النصح بطريقة سليمة وليس فرض سياسة التحكم. من الأخطاء الشائعة أيضاً هو تعهد سياسة اللوم، حيث يقوم الأهالي في تلك الحالة بلوم أبناءهم على العديد من الأشياء، قد يلومونهم على النقصان في الامتحان أو حتى على المشاكل التي تحدث في المنزل.
مخاطر تلك الأخطاء على الطفل
هذه الطريقة الخاطئة في التعامل تكون السبب في تحميل الأهالي لأبناءهم ما لا طاقة لهم به ويؤثرون على شخصيتهم وقد يسببون لهم العقد والمشاكل النفسية، كما يؤدي ذلك للانفصال النفسي بين الآباء والأبناء لأن تعليقات الأهالي هي دائماً مصدر أهمية وتقديس عند أبناءهم خاصة في السن الصغير حيث يكون الأبناء في قمة تأثرهم بأفعال وتعليقات الأهالي.
أما الطفل في العموم فهو مرآة ما يحدث في المنزل ومرآة لتصرف وتعامل أهله معه ولذلك من أحد أهم الأخطاء التي تنتهج في التربية وتؤثر على مستقبل الأبناء وعلى شخصيتهم فيما بعد هي العصبية الزائدة والصوت العالي، لأن العصبية إحدى المشاعر التي تنقل كالفيروسات بين الناس بشكل تلقائي ولذلك التعود على رؤية العصبية وارتفاع الصوت يؤدي إلى التأثير على شخصية الطفل وجعله شديد العصبية والمشاكسة، أيضاً من المعروف أن وقت العصبية هو وقت حرج لأن الفرد قد يتحدث بكلام جارح أثناءه ولذلك تعليقات الأهالي في ذلك الوقت يجب أن يتم التحكم فيها جيداً كي لا تؤذي الأبناء.
دور العائلة في تكوين مستقبل الأبناء
العائلة هي الحائط الأول الذي يصطدم به الإنسان خلال حياته، وهي مصدر الإلهام الأكبر في حياته والعنصر الأقوى مساهمة في تكوين شخصيته، وأفراد العائلة هم دائما الممثلين لدور القدوة والمثل العليا خاصة في السنين الأولى للطفل. ولذلك فكل فعل أو قول أو تصرف ينتج عن أفراد العائلة خاصة المقربين يصبح تحت الميكروسكوب بالنسبة للأطفال الذين يلاحظون ذلك القول ويسجلونه في ذاكرتهم ويتأثرون به كثيراً، وقد أثبتت الدراسات أن الكلام والطريقة التي يتعامل بها الوالدين مع بعضهم البعض تؤثر كثيراً في الأبناء، بل إن الأهالي قد لا يلاحظون كيف أن نبرة صوتهم وطريقتهم في الأكل وحتى طريقتهم في ممارسة عاداتهم اليومية تعلق في أذهان أبناءهم الذين يقومون بتقليدها فيما بعد، لأن كل ما تقوم به هو الذي سوف يشكل مستقبل الأبناء والأطباء النفسيين يقومون بدراسة ذلك الأمر وتسميته تأثير الآباء التربوي، فقد وجدوا أن تربية الأبناء لا تعتمد على النصح والتوجيه والثواب والعقاب وكل تلك الطرق التقليدية فقط، بل إن تربية الأبناء وتشكيل شخصيتهم وتكوين طباعهم يتأثر في الأصل بكل ما يقوم به الآباء، لأن في تلك الحالة يصبح الطفل مدققاً في كل ما يقوم به أهله لذلك وجب على الأهالي الحذر في طريقة تطبيقهم لعاداتهم الشخصية خاصة في السنين الأولى لما لها من أثر بالغ على مستقبل الأبناء .
متى يكون تأثير العائلة؟
حيث أن العائلة لها دور قوي وحساس في عملية تنشئة الطفل وتكوين ما سيكون فيما بع مستقبل الأبناء، فسيكون من المهم جدا للعائلة أن تعرف الوقت الذي يكون لها أكبر تأثير في حيات أطفالها لمعرفة متى وكيف يتصرفون بناءا على تلك التغيرات السنية. وهذه المرحلة هي العشر سنوات الأولى في حياة الطفل. ففي السنوات العشر الأولى من عمر أي طفل يكون الآباء فيها هم المعلمون الأوائل هم من يحدد شكل شخصية أبناءهم بشكل مباشر وغير مباشر وحتى من خلال عناصر التربية التقليدية والتوجيه، ولذلك ينصح المختصون الآباء أن يتوخوا الحذر مثلاً حينما يتحدثون مع أشخاص بالغين آخرين في وجود الأبناء، لأنه حتى وإن ظهر أولئك الأبناء أنهم منهمكين في اللعب ، سنجدهم مع ذلك يتمكنون من الملاحظة الدقيقة لكل ما يدور حولهم ثم يعيدون تقليده وتطبيقه فيما بينهم بعد ذلك، وبسبب هذا إن كان الأب ذو شخصية عنيفة أو كثير الشجار نجد انعكاس ذلك في طبع أولاده وفي تعاملاتهم مع أصدقائهم وزملائهم.
طرق التعامل بين الآباء والأبناء
بدراسة كيف يؤثر الآباء وأساليبهم وتعليقاتهم على الأبناء وجد أن هناك أربعة أساليب رئيسية تُصنف نوع التعامل والتربية بناءً على مدي تجاوب الأهل مع الأبناء والأبناء مع الأهل وأيضاً على كم الطلبات والأوامر التي يعطيها الأهل للأبناء.
الأسلوب الأول
أولاً الأهل الذين تكون لديهم معدلات الطلب والاستجابة عالية يسمون الآباء موضع الثقة لأنه في تلك الحالة تكون هناك حدود واضحة ومعرفة جيداً بالنسبة للأبناء، ويكون الآباء الذين يتبعون ذلك الأسلوب منفتحين في التعامل مع أبناءهم ومنصتين جيدين لهم. ولتوضيح تلك الحالة هناك هذا المثل الذي يحكي عن فتاة قد أخذت إحدى عرائس صديقتها ، وحينما علمت الأم بتلك الواقعة ذهبت للتحدث مع أبنتها ومناقشتها فيما فعلت ثم قامت بشرح كيف أن هذا الفعل يعتبر فعلاً خاطئاً وطلبت منها أن تعيد الدمية لصديقتها ، هنا لم تبالغ الأم في توبيخ أبنتها بل حدثتها بشكل مناسب ومنطقي وأيضاً ثبتت لديها تعريفاً واضحاً للفعل الخاطئ بدون أن تؤدي بابنتها للعند. وبتلك الطريقة تصبح الأم موضع ثقة لابنتها ويصبح التجاوب بينهم جيداً وتأثير النوع الأول على مستقبل الأبناء يكون مميزاً.
الأسلوب الثاني
متبعي الأسلوب الثاني يكونون أكثر عنفاً في تصرفاتهم، فنجدهم يطالبون بشكل ملح ويعطون الأوامر بغزارة ولكن على الجانب الآخر لا يتجاوبون مع أبناءهم ولا يتحدثون معهم. وتعليقات ذلك النوع من الآباء على أفعال أبناءهم تكون سيئة وغير إيجابية في حال خالفهم الأبناء في أي شيء حتى ولو مجرد رأي شخصي مما يؤثر على مستقبل الأبناء بشكل سيء بل قد يسبب لهم بعض المشاكل النفسية التي قد تطاردهم فيما بعد، ومثال على ذلك النوع من الآباء أب يطلب من أبنه أن يحصل على درجات مرتفعة في الاختبارات ويلح عليه في ذلك، وفي المقابل لا يسانده ولا يقدم له يد المساعدة فيما يحتاجه من مساعدات دراسية. بل ويعلق على الطفل بشكل مسيء بسبب إخفاقه حتى ولو كان ذلك الإخفاق محدود ولا يشجع الابن أو يحفزه في حالة نجاحه، حيث يتعامل مع النجاح على أنه الأمر المتوقع والمطلوب، ويطلق على ذلك النوع من الآباء “المتسلطون” لأنهم يسعون إلى فرض سيطرتهم وتعليقاتهم غير المرضية وقد لا يحاولون في المقابل المساعدة بأي شيء، الآباء المتسلطون يتوقعون أن تنفذ تعليماتهم بكل جدية ولا يقبلون بأي أعذار أو أسئلة ويتعاملون مع النجاح على أنه أمر متوقع أما الفشل لا يقبلونه وتكون ردة فعلهم قاسية بسببه.
الفروقات بين هذين الأسلوبين
في النوعين السابقين يتميز الآباء بتوقعاتهم المرتفعة وتواصلهم مع الأبناء حتى وإن كان ذلك التواصل بشكل وطريقة مختلفتين، فنجد النوع صاحب الأسلوب الأول يعطي لأينه فرصة في الحوار ويتحدث بأسلوب جيد ويعطي تعليقات إيجابية تحفز الطفل على التواصل معه من ناحيته أيضاً، أما النوع صاحب الأسلوب الثاني فيصبح أكثر عنفاً في توقعاته المرتفعة ولا يعطي فرصة لرأي أو مواهب الأبناء ولا يتواصل معهم بشكل مريح وتكون تعليقاته مليئة بالحدة والسلبية بشكل يجعل العلاقة بين الأهل والابن شديدة التوتر. بل قد يؤثر على الطفل نفسياً ويؤثر بالطبع على طريقة تعامله مع أقرانه ومدرسيه، وتصبح شخصية الطفل في تلك الحالة إما شخصية عنيفة وحادة وإما شخصية انطوائية ومنعزلة وهكذا يؤثر أولئك الأهالي على مستقبل الأبناء .
أما بالنسبة لطبيعة النوعين الآخرين فهم يتسمون بشيء من عدم المبالاة والتجاهل عندما يتعاملون مع أولادهم.
الأسلوب الثالث
الأهالي أصحاب الأسلوب الثالث يطلق عليهم “المتسامحون” وذلك النوع من الآباء يكون شديد التجاوب مع الأبناء ولكنه يتجاهل تماماً الجزء الخاص بالمطالب والتوجيهات فنجد ذلك النوع من الآباء يتجاوب بشكل سريع مع مطالب أبناءه ولكنه في المقابل لا يهتم بتقويمهم أو توجيههم، أي أنه شخص يطبق منظومة الثواب ويتجاهل منظومة العقاب وتكون تعليقات ذلك النوع منصبة بشكل شامل نحو الحب والحنية والمسامحة حتى في أصعب الأوقات، وإن قام الطفل بمشكلة ما أو أخذ ما ليس له لن يهتم ذلك الأب كثيرا بنصح الابن أو توجيهه أو حتى لفت نظره إلى أن ما قام به هو فعل خاطئ. بل على الأغلب سوف يشتري لابنه لعبة جديدة مثل التي أخذها تماماً، ورغم أن ذلك النوع قد يظهر شديد الطيبة إلا أن ضرره مع الوقت يصبح منتشراً كالسرطان في حياة مستقبل الأبناء مؤثراً عليه بشكل سلبي، لأن ذلك النوع من الآباء قد يسمح لأبنائه بكل شيء وأي شيء ، فقد يسمح لهم بالسهر حتى وقت متأخر خارج المنزل ويحرص أيضاً ذلك النوع على توفير كل ما يحتاجه الابن حتى وإن كانت أشياء غير ضرورية ورغم أن أفعال الأهالي هنا تكون نابعة عن عاطفة الحب والحرص على مستقبل الأبناء إلا أنها تعطي نتائج غير مرغوب فيها.
كيف تكون شخصية هذا الطفل؟
وبتحليل شخصية الابن الذي ينشأ في ظل هذا الأسلوب من التربية نجد أنه في أغلب الحالات يخرج ذلك الطفل إلى المجتمع حاملاً العديد من الصفات السيئة مثل الأنانية والحقد والتمرد، ونجد أن مفاهيم الخطأ والصواب لديه تكون مهتزة وغير واضحة لأن عقله لم يضطر لتسجيلها أو التعامل معها دوما لأن كل شيء بالنسبة له كان دائماً مباح وصحيح ، مع العلم أن العاطفة في العلاقة بين الأب وابنه تكون ظاهرة في تعاملاتهم ولكن الهيبة من الأب والخوف من فعل الأشياء الخاطئة مثل السرقة أو الاعتداء على الغير لفظياً أو جسدياً تكون مفقودة تماماً، وقد ينجرف الابن أو البنت في تلك الحالة أثناء سن المراهقة بالذات إلى العديد من الأفعال الخاطئة والمشاكل وغالباً ما يتسبب ذلك في ضعف مستواه الدراسي والأخلاقي بالطبع.
الأسلوب الرابع
يعد ذلك الأسلوب النسخة الأكثر تطرفاً من الأسلوب الثالث، الأهالي أصحاب الأسلوب الرابع يكونون في غاية البعد المادي والمعنوي عن أبناءهم، فأولئك الآباء لا يتجاوبون مع أبناءهم وفي نفس الوقت لا يطالبونهم بأي شيء ولا يهتمون بالتعليق على أي من إخفاقات أو نجاحات أبناءهم بل ينغمسون تماماً في عالم خاص بهم، مهتمون بمشاكلهم ومشاغلهم الخاصة. وذلك النوع من الآباء نجده حولنا كثيراً مؤخراً متمثلاً في الآباء التي تسافر من أجل العمل أو أولئك الذين يعملون طوال الوقت حتى في منازلهم وذلك النوع من الآباء الذي لا يهتم بمستوى أولاده الأخلاقي ولا يهتم بتقييمهم أو توجيههم مما يؤثر على مستقبل الأبناء . فينشأ الفرد وهو لا يستطيع التمييز بين الخطأ والصواب ولا يستطيع تقييم أفعاله جيداً ويتجه إلى العنف والانحراف. ولكن هناك أيضاً عنصر قوي يؤثر على مستقبل الأبناء الذين ينتمون لذلك النوع من الآباء وينشئون في ظل ذلك الأسلوب التربوي وهو فقدانهم الاتصال النفسي بأهلهم ، فذلك النوع يفتقد أي تعليقات من أهله ولا يحظى بتعليقات سلبية أو إيجابية مما يجعله يربى فاقداً للحب والحنان الأبوي، وذلك النوع هو أكثر نوع يتضرر نفسياً وجسدياً حيث أنه يربى بلا قانون وتوجيه وبلا عاطفة وحنان ونجد أولئك الآباء الأسوأ تأثيراً على مستقبل الأبناء ، ونجد ذلك النوع من الآباء لا يحضر أي اجتماعات مدرسية ولا يهتم بشجار ابنه مع جيرانه مثلاً ولا يهتم بدرجات أبناءه ولا يتوقع منهم أي شيء في المقابل. لذلك كان جليا أن نوع التربية التي ينشأ فيها الفرد تؤثر كثيراً في شخصيته وتكوينه النفسي.
تأثير التربية على مستقبل الأبناء
بعد مناقشة أنواع التربية التي قد ينشأ الفرد متأثراً بها والأسلوب والتعليقات التي يقابلها وبعد تحليلها نجد أن للأسلوب والتعليقات الخاصة بالأهل دور مهم جدا في تكوين مستقبل الأبناء ، فالأبناء الذين ينشؤون في ظل النوع الأول الذي يقوم على قدر معتدل من التجاوب والمطالب ينشأ بطريقة سليمة ويكون أكثر فاعلية في مجتمعه أما إن نقصت التربية إحدى العناصر الرئيسية مثل التجاوب والتوجيه يؤدي ذلك إلى خلل يظهر في شكل تأثير سيء على مستقبل الأبناء .
كيف يرى الأبناء ما يحدث داخل المنزل؟
للأطفال أذن تسجل كل شيء وعين لا تترك تفصيلة دون أن تدونها في الذاكرة ولذلك يجب أن تنتبه لما يعايشونه لأن تلك الأحداث هي التي سوف تؤثر على مستقبل الأبناء ، فنجدهم يرون كثير من الأفعال الخاطئة التي لا نود أن يكرروها مثل أن يرى الأب أبنه يدخن ويتعامل الأب أن ذلك شيئاً غير مهم وأن الطفل لن ينتبه له ولكن في الواقع كل ذلك يتم تسجيله في ذاكرة الطفل بشكل دقيق وتفصيلي، وقد سجلت الدراسات أن أكثر من ٥٠٪ يقضون أغلب وقتهم مع أحد الوالدين فقط وفي بعض الأسر التي يعمل بها كلا الوالدين يقضي الطفل يومه دونهما حيث أنه يوجد حوالى ٥٢٪ من الأطفال لديهم أمهات يعملون بدوام جزئي أو كامل تاركين أبناءهم مع المربيات أو مع أي شخص آخر مما يقلل من الترابط بين الآباء والأبناء ويعرض الأبناء لسماع كلمات وتعليقات من أناس آخرين وقد تكون تلك التعليقات سلبية أو سيئة مما يؤثر على مستقبل الأبناء وعلى مواهبهم.
كيف يرى الأبناء ما يحدث خارج المنزل؟
أما خارج المنزل حينما يخرج الأطفال للتعامل مع المجتمع والعالم الخارجي فإنهم يتعرضون لكثير من المخاطر وأكثرها شيوعاً هو خطر التلوث السمعي والبصري الذي أصبح منتشراً بشكل مبالغ فيه وحيث أن أذنهم تسجل كل ما تسمعه وتتأثر به فنجد من أكثر المخاطر التي يتعرض لها الأطفال سماع الألفاظ والعبارات غير الملائمة التي يكررونها بعدها ويظهر تأثيرها بعد ذلك على مستواهم الأخلاقي والدراسي، ثم نكمل الرحلة حتى يصل الأبناء إلى المدرسة فأول خطر الآن هم زملائهم وهنا يكون التخوف من الأطفال المتنمرين وهم يتميزون بقدرتهم على إحباط الآخرين والتقليل من مواهبهم وأعمالهم. ونضرب مثلاً على ذلك بطالب قد أنجز عزف قطعة موسيقية جميلة فنجد تعليقات الأطفال المتنمرين تقلل من تلك الموهبة بل وتستهزئ بها وتسخر من ذاك الطالب. وفي حالة عدم وجود دعم نفسي جيد له من الأهل والمعلمين أيضاً سوف يؤدي ذلك إلى إهمال ذلك الطالب موهبته وتركه إياها، ثم الأشخاص أصحاب أكبر تأثير على مستقبل الأبناء بعد الأهالي هم المدرسون حيث أنهم يوجهون الطلاب ولديهم صلاحية لتطبيق نظرية الثواب والعقاب في تربيتهم أيضا. بالإضافة إلى أن الأطفال يقضون معهم أغلب وقتهم وبالتالي أغلب التعليقات التي يقابلها الأبناء منهم تكون محط اهتمام كبير. خاصة وهناك احتمال بتكرار تلك التعليقات التي قد تكون شديدة السلبية في أكثر من مناسبة مما يزيد من تأثيرها ويؤثر على مستقبل الأبناء الذي لا نريده أن يكون سلبيا.
تعريف تعليقات الأهالي
تعليقات الأهالي هنا يقصد بها عبارة أو كلمة أو إشارة تخرج من الأهالي في شكل رد فعل لأي شيء يقوم به الأبناء. وتلك التعليقات تكون بالغة الأهمية طوال حياة أولئك الأبناء. ولا ترتبط بسن معين، لأنه حين يكون الأبناء في سن صغير تكون مواهبهم وقدراتهم ما زالت في طور التفتح والاكتشاف. وبالتالي، أي تعليق سلبي أو إيجابي يقال من الأهالي الذين يمثلون القدوة والمثل الأعلى وأهم الأفراد في حياتهم الآن تصبح له المقدرة على تنمية تلك الموهبة أو القضاء عليها وتؤثر على مستقبل الأبناء بشكل أكبر مما نتخيله، ثم حين يصبح الطفل في سن المراهقة –وهي أكثر فترة يتشكل فيها مستقبل الأبناء ويتحدد بعض معالمه فيها- تصبح نشاطاته أكثر. كما أن شخصيته تصبح أرق وأكثر هشاشة وتأثراً بما حوله. ويبدأ مصدر تلك التعليقات بالتنوع والاختلاف ولا تصبح حصرية على الأهالي فقط بل نرى تأثير زملاء المدرسة والأصدقاء المقربين والمدرسين والمدربين أيضاً، وحينما يعطي أي فرد تعليقاً ما على أي مما يفعله غيره يجب أن يكون ذلك التعليق مناسباً للموقف. فإن كان التعليق على موهبة ما يفضل أن يكون دائماً به قدر كبير من الإيجابية، ويجب أن تترك حرية الاختيار للفرد إما أن يستمر وينمي تلك الموهبة أو يتخلى عنها. لكن إن تخلى عنها بسبب إحدى التعليقات يترك ذلك تأثيراً سلبياً في نفسه لأنه يكون ترك مؤذي نفسياً ويترك دائماً مساحة فارغة، وإن كانت هناك أحد الأخطاء فيجب أن يتم توجيهه دون أن يتم زجره أو تعنيفه بسبب ذلك الخطأ، وهناك قصة فتاة كانت تحب الرسم وحينما كانت تأخذ ما ترسمه لأحد من أهلها وهي صغيرة كانت تنال استحسان وتشجيع ،وأما بعد أن أصبحت في العاشرة تغيرت التعليقات وأصبحت أعنف وتنتقدها وتوجهها للبعد عن الرسم والاهتمام بالمذاكرة، في هذه القصة مثال عن كيفية تغير تعليقات الأهالي وحتى أسلوبهم التربوي اعتماداً على سن الطفل وهذا التغيير يؤثر بالسبل على مستقبل الأبناء وبالتالي يجب أن يكون التغيير منهجياً ومنطقياً وبشكل تدريجي لكي يؤثر بشكل إيجابي على مستقبل الأبناء وعلى مواهبهم ويؤدي لشحذ تلك القدرات وتحسين حالتهم النفسية وزيادة ارتباطهم بأهلهم بدلاً من أن يؤدي ذلك إلى ابتعادهم عن أهلهم أو أي من المشاكل النفسية التي أصبحت منتشرة. ففي النهاية أكثر ما نهتم به عند إنجابنا هو أن نضمن أن مستقبل الأبناء مشرقا وفيه الكثير من الاختيارات والحريات.
أضف تعليق