التراجع في الجدال يتم اعتباره على أنه الطريقة الأسلم للخروج من أي نقاش دون خسائر، حتى تريح ذهنك وعقلك ومجادليك فتتراجع حينما لا يكون هناك طائل من كثرة الجدال التي لا تؤدي إلى شيء ذي قيمة، كل هذا جميل ولكن الموضوع أعمق وأوسع من ذلك بكثير، ولنبدأ في تعريف وتحليل مفهوم الجدال، الجدال هو المحاجة أو المناقشة بين فردين أو مجموعات متحاورة في مجموعة من الآراء تختلف فيما بينهم فيحاول كل مجادل إقناع مجادليه بصحة أفكاره ومعتقداته هو، ولكن كيف ومتى نشأ الجدال؟ ترجع نشأة الجدال إلى عام 490 ق.م في اليونان مع ظهور جماعة السفسطائيين وهي جماعة فلسفية كانت لهم قدرة كبيرة على المحاجة والجدال والتلاعب باللغة واستخدامها بأشكال متعددة واستخدام المتناقضات أيضا، وكان الشائع عنهم آنذاك أنهم يقلبون الباطل حق والحق إلى باطل، كان زعيمهم شخص يدعى بروتاجوراس وكانت فلسفته تقوم على مقولة شهيرة وهي ” أن الإنسان مقياس كل شيء” ويعني بها أن الإنسان هو المعيار لكل ما يراه ويعرفه وهو وحده القادر على تصنيفه أن كان خطأ أو صواب بناء على معطياته الخاصة والتي تختلف بالطبع من إنسان إلى آخر، تم استخدام السفسطة في المحاماة والدفاع عن المسجونين نظير مبلغ من المال من خلال المغالطات اللغوية وغيرها وهكذا، فالجدال هو مناقشة بين طرفين يؤمن كل منهما بأفكاره بشدة ويحاول أن يقنع بها الآخر.
تعرف على أسلوب التراجع في الجدال الصحيح
أنواع الجدال
هناك نوعان للجدال، النوع الأول وهو الجدال البناء الذي يتم فيه مناقشة أفكار مختلفة ويقنع فيه أحد الأطراف باقي الأطراف الأخرى برأيه بحجج منطقية مبرره. ولكن هناك نوع آخر من الجدال وهو الجدال من أجل الجدال ويعتمد على المغالطات المنطقية ولا يهم صاحبه أن يفهم جيدا أو يستمع للآراء المختلفة ويكون معلومات عنها وإنما يدخل في حالة حرب مع الطرف الآخر من اجل فرض أفكاره ومعتقداته عنوه وهذا هو النوع المرذول من الجدال وهنا يكون التراجع في الجدال أفضل من الاستمرار فيه، لأن الاستمرار ببساطة لن يجلب شيء مفيد إلا نزاعات ومناوشات وربما تصل إلى أمور أخرى غير محمود عقباها.
الجدال في حياتنا
نحن نستخدم الجدال كثيرا في حياتنا بشكل يومي وفي المشكلات التي تواجهنا باستمرار وذلك لأن ببساطة طبيعة الإنسان تميل إلى التبرير دائما فما أن تسأل شخص لماذا قمت بهذا الفعل وسوف ترى أنه يتجه إلى كل التبريرات التي يتحها له ذهنه وقتها وهذه هي طبيعته الإنسان أن ينفي التهم عن نفسه ويحاول تبرير أفعاله وإقناع الآخرين بضرورة ما فعل، ولكن الأمر ليس تبريريا فقط، لذلك عليك الفهم والانصات أكثر من البحث عن التبريرات الجاهزة والسريعة حتى تبرر مواقفك فمهما كانت مبرراتك فالآخر لديه رؤية مختلفة مقتنع بصحتها هو الآخر فلن تفيد تبريراتك كثيرا ولن تصلح طوال الوقت وهنا ينبغي عليك التراجع في الجدال.
الفرق بين الإقناع والجدال
الجدال كما وضحنا سابقا هو تشبث الشخص برأيه باستماتة ومحاوله فرضه على الطرف الآخر المتحاور معه، ولكن البعض يخلط بين الجدال والإقناع ويرى أن كلاهما يؤدي نفس الغرض، ووظيفتهما واحده تقريبا إلا أن الأمر ليس كذلك فهذا شيء وذاك شيء آخر تماما، ففن الإقناع هو فن له مجموعه من القواعد يمكن تعلمها وتعتمد على جودة الأفكار المقدمة وتكون المعضلة فقط في تسويقها، كيف تقنع بها الطرف الآخر، وهذا يفتح باب للمناقشة حتى تكسب ثقة وود الطرف الآخر ويتقبل أفكارك، أما الجدال فتمسسك برأيك كفيل بأن يجبر الطرف الآخر على التراجع في الجدال وإنهاء المناقشة لأنه على يقين أن لا طائل من وراء ما يحدث سوى تضييع الوقت والجهد، وأنه مهما فعل أو وضح لن تقتنع بشيء لذلك فالنتيجة محسومه قبلا.
إيجابيات وسلبيات
هل للجدال إيجابيات وسلبيات؟ من الواضح خلال الحديث أنه سلبي ولكن لنكن موضوعيين علينا أن نعترف أنه دائما ما هناك جزء إيجابي وإن كان غير مرئي بشكل كافي، بالطبع التمسك بالرأي ليس بالصفة الجيدة وإنما أيضا محاولة التبرير وإعمال العقل بكل الطرق يجبر العقل على اختلاق الحلول والتبريرات وينشط العقل ويحركه ومن ثما يساعد على الإبداع، وربما هذه هي الصفة الجديدة الوحيدة أو على الأقل التي أراها الآن، أما إذا تحدثنا عن الجانب السلبي فحدث ولا حرج، ستفقد التواصل مع الآخرين وتتحول إلى جهاز راديو لا يستمع إلى تعليقات مستمعيه ولا يهتم إلا لما يقوله هو، الصلابة والتمسك بالرأي يحرمك من فرص وخبرات معرفيه كثيرة كان من الممكن أن نستخدمها بأشكال متعددة وتستثمرها في أمور أخرى، كسب ثقة وود الناس ليس بالأمر البسيط السهل وإنما يحتاج إلى مجهود ولكن بجدالك العقيم ستفقد الكثير من العلاقات ولن تجد من يريد أن يشاركك أفكارك وهنا ليس أمامك سوى أن تأخذ طريق التراجع عن الجدال وتعلم فضيلة الانصات، حتى لا تفقد علاقاتك وفي الواقع الكثير من المجادلين يرونه موضوعا بسيطا ولا مشكلة فيه ولكن برؤية نقدية تحليلية عادلة ستتأكد من أن خسارتك ليست بسيطة كما تظن، لذلك عليك أن تعلم أن دائما هناك حدود ينبغي التوقف عنها و التراجع عن الجدال.
التراجع عن الجدال
متى تحديدا وفي أي الحالات يتم التراجع عن الجدال ؟ الجدال كما قلنا هو مناقشة ومحاجه بين طرفين لذلك من المفترض أن الحديث يتم تبادله بينهم بحيث يعطي فرصه لكل منهما لعرض أفكاره وتوضيحها ولكن ما يحدث أحيانا هو الخروج من هذه المنظومة إلى منظومة الأنا فقط أي شخص واحد هو من يتحدث ويفرض رأيه ويصر عليه في تعنت وهنا على الطرف الأخر الانسحاب والتراجع عن الجدال وليس هذا فقط وإنما للأسف تصل إلى المشادات الكلامية والعنف في بعض الأحيان ويمكننا الاستدلال على ذلك ببعض البرامج التي تقوم على فكره الجدال بين ضيفين ومحاولة كل طرف تقديم وجهه نظره للجمهور وتدعيمها بالأدلة التي يراها مناسبة ثم يأتي الطرف الآخر ويقوم بالشيء نفسه ويظل كل منهما يحاور عن معتقده حتى يصل الأمر إلى المشادات الكلامية والخروج عن سياق النقاش.
وفي النهاية
التشبث بالرأي هو نوع من الجهل، وهو عادة سيئة ينبغي التراجع عنها، النقاش والحوار أفضل من الجدال ويحقق لك أهدافا واضحة ويزيد من معلوماتك ومعرفتك أما الجدال فلن تكتسب منه جديد سوى أفكارك انت، وحينما تريد الدخول في جدال مع أحدهما عليك أن تسأل نفسك أولا لماذا؟ هل لديك بعض الأفكار التي تستحق المناقشة فعلا أم أن الأمر لا يتعدى كونك مؤمن بما تقول وتحاول فرضه بالقوة على محاورك، الجدال يحتاج إلى تعلم وليس هكذا وخلاص، هو فن ومهارة ولكننا في الدول العربية نعرفه ونفهمه بمفاهيم مختلفة على عكس الدول الأوربية التي تساعد على تعلمه وتدرس مهاراته، في عصرنا الحالي وظروفنا المعاصرة أصبح الجدال الفارغ سمة مميزة لهذا العصر ولكن ماذا بعد وماذا ننتظر؟ أن كانت الأفكار هدامه ومحبطة لا نهلا نابعة من واقع مؤلم ومحبط كذلك فأي مشروعية للجدال إذا؟ التراجع عن الجدال هو الخطوة المثلي بعد دراستك لحالة محاورك.
أضف تعليق