غريزة الحياة هي ما تميز كل كائن حياة. فمن بين كل الصفات والغرائز والفطرات التي توجد فينا، تتمكن غريزة الحياة من الطفو فوقهم جميعا واحتلال كرسي العرش عليهم. لأن غريزة الحياة هي أقوى غريزة فيهم بلا منازع. لا أحد فينا –أو حتى في أي كائن حي آخر- يتمنى الموت. ليس لأن تمني الموت حرام كما في بعض الأديان، ولا لأن الموت أمر صعب ومخيف. ولكن، وبكل بساطة، لأننا نريد الحياة! نحن لا نتمنى الموت، لأن غريزة الحياة فينا تتمنى لنا الحياة. لا لا، غريزة الحياة فينا “تجبرنا” على الحياة! لا يهم كيف نحيا ولا هل نحن سعيدون أم لا. كل ما يهم غريزة الحياة هو أنك على قيد الحياة. فما هي تلك الغريزة التي “تجبرنا” إذا؟ وكيف تعمل؟ وما مدى سيطرتها علينا؟ وهل نتعامل معها في الحياة العادية أم عندما نتعرض لمواقف الموت فقط؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الوصول إلى إجابة لها سويا في هذا المقال، فكن مستعدا إذا.
كيف تسير حياتنا وفق مبدأ غريزة الحياة
ما هي غريزة الحياة ؟
غريزة الحياة ، وتسمى أيضا الغريزة الجنسية، تعبر عن كل ما يلزم الفرد للنجاة واستمرار نوعه. فهي المتحكم الأول في تجنب المخاطر التي يمكن أن تؤثر على حياتك كأن تطلق لساقيك العنان عندما يبدأ حيوان مفترس بالجري ورائك. وتتحكم كذلك في تجنب الوقوع تحت براثن الجوع والعطش وتجعلك في بحث دائم ومستمر عن طريقة لإيجاد مأكل ومشرب لأن هذين الشيئين يبقيانك على قيد الحياة. وهذا يتمثل جليا في أهمية أن نحظى بعمل ليضمن لنا حياتنا المستقبلية ويضمن لنا أن بإمكاننا العيش دون الحاجة إلى مقاتلة أحد على قطعة خبز. هذا الجزء السابق هو المسئول عن بقاء حياتنا أو حياة الفرد عموما. الجزء الثاني من غريزة الحياة هو المسئول عن بقاء النسل وخلق الحياة. وهو ما جعلها يطلق عليها أيضا الغريزة الجنسية. ففي هذا الشق من غريزة الحياة سيعتبر التزاوج وإنشاء عائلة هي ضرورية من ضروريات الحياة. وأن تحظى بطفل يكون امتدادا لك ولنسلك هو شيء تدفعك إليه تلك الغريزة، وليس مجرد شيء كنت تظن أن بإمكانك التحكم فيه يا عزيزي القارئ! فحقيقة أن غريزة الحياة تتحكم في شقين كبيرين من حياتك وحياة أي كائن حي- جعلها المتحكم الأول في حياتك والمتربع على عرش الغرائز بلا منازع.
المواجهة أو الهرب
المواجهة أو الهرب هو رد الفعل الذي تصدره معظم الكائنات الحية عندما تتعرض إلى أي موقف خطر أو تشعر بتهديد على حياتها. يحدث رد الفعل هذا عندما يبدأ الجسد بالشعور بأن هناك خطرا أو تهديدا ما عليه. فيبدأ الجسد بإرسال الإشارات التحذيرية لخلايا الجسد، وتبدأ الغدة الأدرينالية بإفراز هرمون الأدرينالين المعروف. هذا الهرمون يقوم بجعل القلب يضخ الدم بقوة أكبر مما يتسبب في تسارع تنفسك. كما أنه يساهم في إمداد جميع خلايا جسدك بطاقة أكبر بكثير من الطاقة الموجودة بجسدك في المواقف المعتادة. ما يفعله هذا الهرمون هو أنه يخلق منك “الرجل الخارق superman” لفترة قصيرة. رد الفعل هذا يبدو جليا جدا في ردود فعل الحيوانات عندما يتم مهاجمة حيوان مسالم من قبل حيوان مفترس مثلا. كأن يهاجم أسد غزالة، أو ينقض صقر على سمكة. إذا كنت من المهتمين بالأفلام الوثائقية البرية التي تهتم بالحيوانات البرية وطريقة تعاملها سويا. ستجد هذه الاستجابة جلية في كل مشهد تصويري لانقضاض الحيوان المفترس على الحيوان المسالم. وستجد غريزة الحياة لدى الحيوان المسالم تدفعه للجري بسرعة خرافية للنجاة بحياته. أو حتى الضرب بقوة لا تعهدها في حيوان مثله عندما يتم محاصرته.
ماذا عن البشر؟
ربما يكون رد فعل الهرب أو المواجهة يبدو جليا في الحيوانات، ولكن ماذا عن البشر؟ هل تقوم الغدة الأدرينالية بمثل هذا الفعل معنا أيضا؟ هل تجعلنا نقوم بأمور خارقة فقط من أجل النجاة بحياتنا؟ الأمثلة التالية سنذكر فيها أحداثا صعبة التصديق لأشخاص تمكنوا من الهرب من الموت. فقط لأن غريزة الحياة أجبرتهم على ذلك!
فينسا فولفيك
هل يمكنك أن تقفز من طائرة على ارتفاع 10,000 متر من دون أن يكون معك مظلة؟! حسنا، هذا هو ما فعلته مضيفة الطيران فينسا فولفيك عندما وجدت أن هذه هي طريقتها الوحيدة للنجاة من انفجار قنبلة فوق تلك الطائرة. كان هناك جماعة إرهابية أعلنت مسئوليتها عن انفجار القنبلة في الطائرة التي كانت على متنها فينسا، وأعلنت أنها المسئولة عن قتل جميع ركاب هذه الطائرة. لكن ما لم يعرفوه هو أن جميع ركاب هذه الطائرة ماتوا إلا فردا واحدا. هذا الفرد هي فينسا فولفيك. بالطبع لم يكن القفز أمرا سهلا أو مر بدون خسائر، فما حدث لفينسا هو أنها انتهت بجمجمة متشققة وقدمين مكسورتين وثلاث فقرات عمودية أيضا. هذا تسبب في شلل الجزء السفلي من جيد فينسا، لكنها تمكنت من معاودة تحريك ساقيها بعد عدة جراحات والكثير من العلاج الطبيعي. ربما كانت غريزة الحياة داخل فينسا هي سبب حياتها في ذلك اليوم، لكنها أيضا كانت السبب في جعل فينسا تحصل على لقب أطول سقوط حر في العالم.
شانون مالوي
هذه الفتاة تعرضت لحادث سيارة عنيف، تسبب هذا الحادث في انفصال عمودها الفقري عن جمجمتها قاطعا بذلك التواصل مع بين أجزاء جسدها المختلفة. ربما سيبدو لأي شخص خارج الموقف أن هذه الفتاة هالكة لا محالة. لكن بالنسبة لشانون، لم يكن الموت أحد اختيارات غريزة الحياة بداخلها. بل ما حدث هو أن جسد شانون تحامل على كل شيء يصرخ بداخلها وظل يجاهد حتى تمكنت شانون من الخضوع للإشراف الطبي. اضطرت شانون للخضوع لعمليات جراحية كثيرة وصعبة جدا. وكان أحد الخسائر التي تعرضات لها هو أن عينيها أصبحت حولاء وأصبحت قدرتها على الكلام محدودة. لم تفعل شانون شيئا لإخراجها من موقفها، وللكن جسدها هو الذي حارب بدلا عنها.
وضع نفسه في قفص!
هذه قصة مواطن سوري تلقى رسالة تخبره بأن عليه ترك البلاد فورا. يقول “بسام” صاحب القصة أنه عندما تتلقى رسالة كهذه في سوريا في عهد الأسد، فإن عليك المغادرة فورا وإلا لن يتمكن أحد من الوصل إلى أثر لك. ويقول بسام بأن هذا ما حدث مع صديق له عندما لم يستجب إلى رسالة مشابهة أتته. هو أنه تم قتله أثناء نومة بقنبلة برميلية! في هذه الحال، كانت الاختيارات أمام بسام محدودة جدا. إما أن يهرب وينجو بحياته. أو يبقى ويواجه. وجميعنا يعرف ما سيحدث إذا اختار الاختيار الثاني. اختار بسام الاختيار الأول، ولكن تنفيذه لم يكن سهلا. فإذا حاول شراء تذكرة طائرة والسفر، فسيلقي عليه الأسد القبض فورا. هذا اضطر بسام إلى محاولة الوصول لحل آخر مكنه من الهرب دون أن يتم قتله. وهنا لجأ إلى وضع نفسه في صندوق خشبي يسعه بالكاد على ظهر شاحنة، ولم يخرج من هذا الصندوق إلا بعد 36 ساعة!
قصص أخرى
القصص السابقة هي قصص تمكن أصحابها من ربطها بأسمائهم. لكن هناك الملايين من القصص التي تتجلى فيها غريزة الحياة جلية في محاولة الحفاظ على صاحبها حيا. وإذا حاولت أن تستمع إلى الناس الذين شاركوا في الحروب ستجد عندهم العديد من قصص المواجهة مع الموت والطرق التي لم يتخيلوا أنهم سيتبعوها لينجو بحياتهم. أو حاول التواصل مع الناجين من الحوادث الطبيعية كالبراكين أو الإعصارات أو الفيضانات، وستجد أن القصة التي يحكونها ما هي إلا تجسيد لـ غريزة الحياة . بل أيضا الناجين من الحوادث الجماعية كغرق سفينة أو تحطم طائرة أو غير هذه الحوادث التي تدفع بالفرد إلى أقصي حدود طاقته وتضعه في مواجهة حتمية مع الموت. كل فرد من هؤلاء الأشخاص يملكون قصة مذهلة ليحكونها عن كيف تمكنوا من النجاة بعد فقدان الأمل ربما، فقط لمجرد أنهم لم يستطيعوا الاستسلام.
الخوف على الآخرين
رد فعل المواجهة أو الهرب وعمل الغدة الأدرينالية لا يتوقفان على تعرض الفرد نفسه للخطر، بل يظهر هذا الفعل جليا عندما يتعرض من نحبهم ونهتم لأجلهم –أو حتى من نشعر بمسئولية تجاههم- إلى الخطر أيضا. ونتمكن من اكتساب قوة خرافية تمكننا من إنقاذهم. وهذه الحالات هي أكثر من أن نستطيع إفرادها وحصرها. فهناك حادثة في كولورادو حيث وصل ضابط بوليسي إلى موقع حادث اصطدام فوجد سيارة مستقرة فوق طفلة رضيعة وغارقين في الطين –السيارة والطفلة-. فما كان من الضابط إلا أنه اكتسب قوة هائلة مكنته من رفع السيارة بينما قامت الأم بالتقاط طفلتها! وفي حادثة أخرى قام رجل برفع سيارته بيديه عندما اصطدم بفتاة تبلغ السادسة دون قصد وتم حصارها أسفل السيارة. ومثل هذه الحادثة تماما في فلوريدا، ولكن الأم هذه المرة هي من رفعت السيارة لتتمكن جارتها من سحب ابنها من أسفل العربة! ولكن القصة الأكثر إثارة من بين هؤلاء هي عندما تحطمت طائرة هيلكوبتر في الجو وسقطت رأسا على عقب في الماء. وكان الطيار محبوسا في مقعده تحت الماء. في هذه اللحظة قام صديقه المخلص باكتساب قوة خرافية مكنته من رفع طائرة تزن طن كامل ليتمكن صديقه من النجاة بحياته.
وإذا أردت أن تشاهد بنفسك رد فعل الهرب أو المواجهة وما تفعله غريزة الحياة لدى الأشخاص للحفاظ على أحبائهم، حاول أن تتعرض لطفل صغير بجوار والدته. ربما تبدأ بكائن لن يؤذيك بشدة كعصفورة مثلا، ثم قطة، ثم اكتسب شجاعة كبيرا وتعرض لطفل آدمي. سنفتقدك بشدة يا عزيزي حينها.
غريزة الحياة والأعمال الفنية
نظرا لما تضمنه غريزة الحياة من إثارة وقوة خرافية وخطط شديدة الغرابة لتحقيق النجاة والبقاء للفرد. كانت هذه الغريزة مادة خام من أجل الكتاب والمخرجين ليصنعوا أعمالا كاملة على شرفها. كثير من هذه الأفلام مقتبس من حوادث حقيقية، والبعض الباقي يحمل قطفا من الخيال الذي ليس ببعيد عن الأحداث الحقيقية. من هذه الأعمال التمثيلية سنذكر القليل منها.
127 ساعة
هذا الفيلم مقتبس عن قصة حقيقية وهي عن متسلق جبال يدعى آرون. كان آرون في رحلة معتادة من وحلاته لأداء الهواية التي يفضلها أكثر من أي شيء آخر وهي تسلق الجبال. لم يكن يعرف آرون أن هذه الرحلة ستكون مأساوية بالنسبة له. فقد اعترضت صخرة كبيرة طريق آرون، وعندما حاول أن يزيلها، انتهى به الأمر عالقا بيده اليمني بين هذه الصخرة وبين الجبل. ولم يتمكن آرون من تحرير يده بكل الطرق الممكنة. تبقى آرون في تلك الحالة فترة طويلة معلقا في الهواء بين صخرة وجبل ويصارع الجوع والعطش والموت في كل يوم يمر. لسوء حظ آرون –أو حسنه لا أحد يعلم حقا-، لم يجد آرون في حقيبته سوى سكين غير حاد وقنينة ماء وكاميرا صغيرة. قام آرون بتصوير لحظات حياته النهائية متغذيا على قنينة الماء الوحيدة معه بعد أن فقد الأمل في أن يأتي أحد لإنقاذه. ولكن في اليوم الخامس قرر أن يقوم بشيء شديد الغرابة بالنسبة إلينا، لكنه شديد البساطة بالنسبة إلى غريزة الحياة لدينا. فقد سحب آرون سكينه هذا وقام بقطع ذراعه! لقد كانت السكين غير حادة وتقطع ببطء شديد استمر خمس ساعات كاملة! كان آرون يتحمل الألم والعذاب وحقيقة أنه يفقد ذراعه باختياره. فقط من أجل أمل في النجاة والبقاء على قيد الحياة.
المريخي The Martian
هذا الفيلم ليس مقتبسا عن قصة حقيقية ولكنه ليس بعيدا جدا عنها. تدور أحداث الفيلم عن مهمة بشرية على كوكب المريخ تبع وكالة ناسا. وكان على متن هذه الرحلة عالم جيولوجي “مارك وانتي” يقوم بدراسة طبيعة الكوكب، ولكن حدثت عاصفة ترابية هائلة في تلك الرحلة اضطرت طاقم المكوك للتخلي عن مارك بعد أن فقدوا أثره وأصبحوا على قناعة أنه مات هناك بالمريخ. لكن الحقيقة هي أن مارك لم يكن قد مات بعد، ولكن ما حدث هو أنه تركوه على كوكب غير مأهول بالحياة وحيدا دون طريقة للاتصال، ولا يملك سوى المؤونة الغذائية التي كانت ستكفي الطاقم لعدة أيام فقط! في هذا الفيلم يعتمد مارك على المعرفة العلمية التي لديه بالكيمياء وطبيعة علمه في الجيولوجيا، ويحاول زراعة البطاطس على أرض المريخ وينجح في هذا فعلا! ويحاول بعدها إيجاد طريقة للتواصل مع ناسا لإخبارهم بأنه على قيد الحياة! أحداث هذا الفيلم مليئة بالإثارة وشد الأعصاب. ولن تندم إذا قررت مشاهدته يوما ما.
ضائع Lost
هذا العمل الفني هو مسلسل يحكي قصة أشخاص كانوا على متن طائرة تحطمت بهم في جزيرة استوائية مجهولة في مكان ما في جنوب المحيط الهادي. كانت هذه الجزيرة معزولة ولا تملك أي وسيلة من وسائل الحياة المعروفة، ولم تتمكن السلطات من تحديد مكان الطائرة. ولم يكن على الناجين من تلك الحادثة إلا أن يظلوا جالسين منتظرين العون. أو يحاولوا مواجهة الموقف وخلق حياة جديدة تناسبهم وتساعدهم في البقاء على قيد الحياة ريثما يتمكن أحد من الوصول إليهم.
هذه القصة لا تبدو غريبة جدا عن عالمنا الحقيقي، فيوجد الكثير من قصص حوادث الطائرات التي هبطت في أماكن لم تتوصل إليها السلطات، ولم يجد الأشخاص الموجودون بها حلا سوى محاولة إيجاد طريقة للحياة. بل أن في أحد القصص الحقيقية التي تشيب لها الولدان، كان الركاب قد وقعوا في مكان نائي لا يوجد به أي مصدر للطعام أو الحياة. فاضطروا بكل أسى أن يرتكبوا أفعالا وحشية تجاه من ماتوا منهم في محاولة فقط للبقاء على قيد الحياة.
لماذا ينتحر الناس؟
إذا كانت غريزة الحياة تجبرنا على البقاء على قيد الحياة كما بينّا. فلماذا إذا قد يلجأ أحد إلى الانتحار أو كيف يتمكن من خداع غريزة الحياة؟ الإجابة على هذا السؤال تتلخص في إجابة واحدة، وهي أننا كبشر لدينا القدرة على الإدراك وتفسير الأمور. وهذا الشيء هو ما ينقص جميع الكائنات الحية غيرنا. فأنت لن تتمكن أبدا من مشاهدة حيوان يقوم بالانتحار. أو يشعر بأنه مكتئب بما يكفي لينهي حياته. هذا لأن الكائنات الحية بخلاف البشر ليس لديها القدرة على إدراك المعاني أو تقييم حياتها أو معرفة أن هناك شيء أفضل يمكن تحقيقه من الحياة. عندما يتعلق الأمر بالحالة الطبيعية للإنسان العادي. فإن غريزة الحياة ستقوم بنفس الدور الذي تقوم به في حيوان ليس لديه إدراك. سيكون أهم شيء في حياة النوعين هو أن يبقوا على قيد الحياة، وأن يدرؤوا خطر الموت عن أنفسهم مادام بإمكانهم هذا. والدليل على ذلك التصرف هو كل الأمثلة السابق ذكرها عن قصص الأشخاص الذين فعلوا المستحيل ليهربوا من الموت. فما الذي يدفع الناس إذا إلى الانتحار؟
الثمن الباهظ للإدراك
في الحالة الطبيعية، لن تملك شيئا أغلى من حياتك وحياة أحبائك للحفاظ عليها. لكن ما يسبب الانتحار أو مجرد الرغبة في ترك الحياة، هو عندما تبدأ بالإحساس بأن الحياة تنهار من حولك. وأن كل شيء يسير بطريقة خاطئة. وأنك غير قادر على مواصلة الحياة بالشكل الذي تبدو عليه الآن. أنت لا تفكر في الانتحار إلا عندما تفقد إيمانك بكل شيء. تفقد إيمانك بوجود الإله الذي سيساعدك في محنتك، تفقد إيمانك في قدرتك الداخلية على التحمل، وتفقد إيمانك في الأشخاص الموجودين من حولك. كل هذه الأشياء تجعل المشاكل أكبر حجما مما تبدو عليه في الحقيقة بكثير. وتجعلك تشعر أن الحياة لم تعد تقدر على المنافسة مع تلك المشاعر السلبية أكثر. فتبدأ في الإحساس بأن الحياة لم تعد ذات معنى بعد الآن. وحينها فقط، ستصبح قادرا على هزم غريزة الحياة بداخلك. السبب الذي يدفع البشر للتفكير في الانتحار، هي قدرتهم على التفكير والتمعن في حياتهم ومقارنتها بما هو أحسن أو أسوأ. هذا التفكير هو الذي جعلنا نخترق آفاق السماء والوصول إلى أكبر الأجرام السماوية، وهو أيضا ما يمكنه أن يجعل الحياة سوداء وكئيبة في وجوهنا لدرجة أننا لا نريد قضاء يوم واحد آخر فيها. ولكن لا ننسى أن نذكر أن كثيرا من محاولات الانتحار تلك تبوء بالفشل عند آخر لحظة بفضل غريزة الحياة لدينا. يتطلب الأمر مريضا حادا بالكآبة ونظرة شديدة السواد ليتمكن شخص من الوصول إلى مرحلة الانتحار وتنفيذها.
كيف تواجه الانتحار؟
هذه الفقرة القصيرة لن تحمل لك الحل الناجع للانتحار. ولكنها ستخبرك حول الطرق البسيطة التي يمكنك أن تبدأ بها لمساعدة نفسك أو غيرك فيما يتعلق بمشكلة الانتحار تلك. عليك أن تعرف أول شيء هو أن الانتحار لم ينشأ إلا لأن تفكيرك قد عقد الأمور أمام عينيك أو عيني الشخص الذي تهتم لأمره. فأول شيء ستحاول أن تفعله هو أن تلجأ لأول شخص تشعر بالأمان معه وتتركه يفكر عوضا عنك. دعه يرى مشاكلك التي ترى أن لا حل لها، ثم دعه يحللها بالطريقة التي يراها أكثر منطقية من طريقتك. ابدأ مناقشته ومحاولة الوصول إلى حل سويا، وربما كان هذا سببا في إبعاد ذلك التفكير السوداوي عن رأسك.
الشيء الثاني الذي قد تفعله إذا لم يكن الأمر هو مشكلة مادية يمكن حلها بسهولة، وإنما مشكلة نفسيه تكمن بداخلك وتعيش بين أرجاء روحك، سيكون عليك حينها أن تحاول إيجاد أشخاص لتقضي مزيدا من الوقت معهم. وأن تجد هواية تأخذ منك وقتك ولا تترك لك الفرصة للتفكير في مشكلتك هذه. وسيكون من الرائع جدا أن تحاول إيجاد الإيمان واليقين في الإله الخالق الذي بيده سعادتك وحزنك إذا كان هذا أحد الأشياء الذي تؤمن بقوتها –أو حتى إن كنت لا تؤمن- حاول الذهاب إلى الخالق مرة وانظر ما سيحدث، في النهاية ليس لديك ما تخسره، فأنت تفكر بخسارة أغلى شيء لديك على كل حال. محاولة التواصل مع خالقك لن تكون أسوأ شيء.
النهاية
في نهاية هذا المقال سنكون قد فصلنا حديثنا عن غريزة الحياة وعن ما يمكن أن تفعله بك، وعن ما يمكن أن تفعله أنت بها. فهل ترى عزيزي القارئ أن غريزة الحياة هي أقوى الغرائز فعلا؟ وإذا كانت إجابتك بنعم، فأخبرنا عن أسبابك وراء ذلك، وإذا كانت إجابتك بلا، فأخبرني أي الغرائز ترى أن لها اليد العليا في التحكم في طباعنا البشرية؟
أضف تعليق