التلوث بالموجات هو أحد المخاطر التي تهدد الحياة في العصر الحديث. فرغم أن العالم قد شهد تقدمًا تقنيًا وتكنولوجيًا إلى أمدٍ بعيدٍ في السنوات الأخيرة، إلا أن الغالبية لا يدرك مخاطر هذه التقنيات على الحياة في الكرة الأرضية. فقد يسرت الأجهزة الإلكترونية والكهربائية تأدية الوظائف الضرورية لتسيير حياة الإنسان، بيد أن هذا التيسير يصبُ في اتجاه معاكس نحو التلف المتدرج لطبقة الأوزون والمياه والبيئة وكل الظواهر الطبيعية التي تبقينا على قيد الحياة، إضافة إلى إضرارها المباشر لصحة الإنسان من حيث تأثيرها على وظائف دماغه وبقية أعضائه، تأثير يصل إلى أنواع مختلفة من السرطانات، ومن ثم تؤدي إلى دمار الأرض كلها، واختفاء مظاهر الحياة.
ويكون تأثير التلوث بالموجات تراكميًّا على صحة الإنسان والبيئة، وفي ذلك سبب كافٍ لأن يجعله من أسوأ التلوثات التي تتعرض لها الحياة على الكرة الأرضية. وإضافة إلى ذلك، فإن الموجات التي يتعرض لها جسم الإنسان يوميًا باستخدام الإلكترونيات، التي افترست العالم وأصبح لا يخلو منها أي منزل تقريبًا، هي موجات غير مرئية في الظروف العادية. وثمة أجهزة خاصة تكشف الموجات الكهرومغناطيسية في الأجهزة التي تُستخدم عادةً في أي منزل دونما وعي من الناس بمدى ضررها، ويكون ذلك من خلال ترجمة هذه الموجات إلى صوت إنذار، وكشفت التجارب أن هذه الأجهزة تنتجُ موجات كهرومغناطيسية تتَرجم إلى صوتٍ شديد الصخب، مما يوضح مدى قوة تأثر التلوث بالموجات على البيئة والإنسان.
تعرف على مفهوم التلوث بالموجات
ما هي المجالات الكهرومغناطيسية؟
ينشأ المجال الكهرومغناطيسي من مجالٍ كهربائيّ وآخر مغناطيسيّ متعامدان على بعضيهما، ويُكشف عنهُ عند إمرار تيار كهربائيّ في سلك موضوعٍ بجواره معدن خفيف، فإن مرور التيار يكوّن مجالًا مغناطيسيًّا يسبب انحراف هذا المعدن. ينتجُ عن تعامد هذين المجالين الفوتون الذي يتعامدُ على كليهما، ويعمل هذا الثلاثيّ على تشكيل مجالٍ كهروماغناطيسيّ غير مرئيّ، يخترق جسم الإنسان ويسبب تلفًا مدمرًا لأعضائه يختلف باختلاف قوة المجالين ونشاط الفوتون. وتنقسم الموجات الكهرومغناطيسية بحسب ترددها وطاقتها إلى موجات “مؤينة” و “غير مؤينة”. فالمؤينة هي ببساطة التي يكون ترددها وطاقتها كافييَن لانشطار النواة، وهذه الموجات لها تأثير تدميريّ مباشر وفوريّ على الإنسان. أما غير المؤينة، فهي التي لا يكون بمقدور طاقتها شطر النواة، ولكن يكونُ تأثيرها تدريجيّ وغير مباشر على الصفات البيولوجية للإنسان، وينشأ التلوث بالموجات من الصنفين معًا.
مصادر الموجات الكهرومغناطيسية
تنتج الموجات الكهرومغناطيسية من كل ما له علاقة بالتيار الكهربائي. فالتلفازات والثلاجات والسخانات الكهربائية والغسلات ومجففات الشعر والمايكروويف والأجهزة الإلكترونية، كل ذلك مصدر للموجات الكهرومغناطيسية. فبمجرد تشغيل أي من هذه الأجهزة يتكون على الفور مجالًا كهربائيًا يتغلغل داخل جسم الإنسان دون شعور منه، ويتفاعل مع أنسجته، مما يعمل على تبديل صفاته البيولوجية فيسبب خللًا في أعضائه خصوصًا الحساسة منها كالجهاز التناسلي والعصبيّ. ويتأثر الإنسان باقترابه من هذه الأجهزة أثناء تشغيلها، وكلما ابتعد عنها قلت فرصة تأثره بالمجالات التي تنتج عنها.
أضرار الموجات الكهرومغناطيسة
يؤثر التلوث بالموجات على أعضاء حيوية بجسم الإنسان. فالمجالات الكهرومغناطيسية والراديوية والمايكروويف التي تشعها الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، تنتشرُ بجنون وتحيطُ الإنسان بها من كل اتجاه رُغم هدوئها. وفيما يلي أهم التأثيرات التي يسببها التلوث بالموجات :
الدماغ والسرطان
كشفت الأبحاث أن تعرض الدماغ للموجات الكهرومغناطيسية باستمرار يسبب نشاطًا زائدًا في الدماغ عن المعدل الطبيعي، مما يدل على زيادة سرعة انقسام خلايا المخ، الأمر الذي يحدو إلى استنتاج إمكانية زيادة سرعة انشطار الخلايا السرطانية في جسم الإنسان، ولذلك فإنه يزيدُ احتمال الإصابة بالأمراض السرطانية في المناطق التي تحيطُ محطات توليد الكهرباء ومحطات تقوية الهاتف النقال وغيرهما منه عن الأماكن السكنية البعيدة عنهم؛ حيث إن الإشعاعات المنبعثة من محطات تقوية الهاتف النقّال تعادل تلك الناتجة عن مفاعل نووي صغير. ويسبب أيضًا التلوث بالموجات هذه ضعفًا ملحوظًا في الذاكرة قد يؤدي إلى فقدها بالجملةِ. كما كشفت التجارب أن تعرض المخ لتلك الموجات يسبب تغييرًا في الإشارات الكهربائية لديه، مما ينتج عنه ضعف الاستجابة والحفز في أعضاء الإنسان. ولذلك كله، حذر العلماء من إبقاء الهاتف أو أي جهاز إلكترونيّ مفتوحًا في الغرفة خصوصًا أثناء النوم، فقد يسبب ذلك أرقًا وطنينًا في الأذن وضعفًا في الذاكرة وتلفًا لأنسجة الدماغ.
القلب والأوعية الدموية
القلب من الأعضاء الحساسة للموجات والإشعاعات التي يتعرض لها يوميًا، وكذلك الأوعية الدموية. ويسبب التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية ضمورًا في عضلات القلب وقلة ضرباته. كما إنه يسبب توسعًا ملحوظًا في جدران الأوعية الدموية مما يعمل على رفع ضغط الدم.
الأطفال
إن الأطفال هم أكثر عرضةً للتضرر من التلوث بالموجات الكهرومغناطيسية منهم من البالغين؛ حيث إن الجهاز المناعيّ لهم يكون ضعيفًا أمام مواجهة هذه الموجات. وتكشف الأبحاث أن تعرض الأطفال للأجهزة الإلكترونية والكهربائية يشكل خطرًا كبيرًا على دماغهم ونموها، وعلى عمل الجهاز العصبيّ لديهم، فتزداد درجة عصبيتهم ويضطربُ نومهم، ويضمرُ ذكائهم، بسبب تلف خلايا دماغهم. فتجد الأطفال الذين يستخدمون هذه الأجهزة هم أقل استجابة وتركيزًا وذكاءً من غيرهم من الذين لا يتعرضون لها.
الحامض النووي DNA
أثبتت الأبحاث أيضًا أن التعرض للإشعاعات الراديوية والمايكروويف وغيرهما، والموجودة في الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، يعمل مباشرةً وجذريًا على إتلاف وتدمير شريط الـ DNA للإنسان. وأكدت أيضًا أنا تكسّر الروابط في شريط الحامض النوويّ، يسبب أمراضًا مميتة كأمراض السرطان وغيرها.
كما يسبب التلوث بالموجات أضرارًا أخرى للإنسان، كالشيخوخة المبكرة مثلًا. وتأثيره على النخاع الشوكيّ يسبب تغيرات في كريات الدم الحمراء والبيضاء، وتغييرات في أنسجة الدماغ والجهاز التناسليّ. وتسبب أيضًا ارتفاعًا في درجة حرارة الدماغ، مما يحفز من تفاعل الكالسيوم الموجود داخل الدماغ مع خارجها، وذلك يحد من قدرة الدماغ على التعامل والاستجابة عند التعرض لطوارئ وظروفٍ غير طبيعية. وثبت أيضًا أن الأشخاص الذين يستخدمون الهاتف النقال بوفرة هم أكثر عرضةً للعمى التام.
الحد من تأثير الموجات
جسم الإنسان هو ممتص جيد للموجات الكهرومغناطيسية، ولكي نحد من تأثير التلوث بالموجات على صحته، لا بد من إفراغ هذه الشحنات. فمثلًا بدلًا من استخدام المقاعد والأسِرة الحديدية أو المعدنية، يمكن بها استبدال الخشبية أو المصنوعة من الطمي. والأرض أفضل ما يمتص هذه الشحنات، حيث إنها موجبة وشحنات الأرض سالبة، وربما لذلك ينام عامة الآسيويين ويجلسون على الأرض مباشرة. وأثبت أحد علماء الغرب أن وضع الجبهة من فترة لأخرى في اليوم يعمل على امتصاص الأرض لهذه الموجات، ويزداد درجة وسرعة امتصاصها عند وضعها في زاوية مركز الأرض ودون عازل عن ترابها.
كل هذا يوضح جليًا أن التقدم العلميّ والتكنولوجيّ لا يصبُ بالضرورةِ في مصلحة الإنسان وصحته ومصير بقائه على الأرض. فالتكنولوجيا التي لمسنا بسببها العولمة، وقرّبت إلينا كل شيء ويسرتهُ لكي يكون في متناول أيدينا، أينما ووقتما شئنا، هي نفسها التي تنخرُ في عقولنا وصدورنا وتتشعبُ بدواخلنا بخبثٍ فتهلكنا دون أدنى شعور منا، بل إننا لطالما فتحنا أحضاننا مرحّبين بها. إن التلوث بالموجات أمرٌ جللٌ، فبقدرِ عِظمِ العلم الحديثِ، بقدرِ عِظم وشناعة عواقبه.
أضف تعليق